*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 10 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-11-29, 22:46   رقم المشاركة : 136
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

رابعا : الوصف
إن التطور الذي عرفه الوصف في العصر العباسي استهدف أسلوبه ومعناه ولفظه ,
إلا أن هذا لا يعني أن موضوع الوصف قد تخلص كلية من الطريقة التقليدية , بل
لبث في بعض نواحيه يساير مواضيع الوصف القديم كوصف الإبل والنياق والذئب
والطير والبقر الوحشي وغيرها .
*والشاعر في هذا الغرض بعد أن كان يحلق ببصره في ربوع تهامة ونجد والجزيرة
وما تحويه من فيافي وقفار و وهاد موحشة ومظاهر أخرى هي وليدة البيئة
العربية الخالصة كالخيام المضروبة هنا وهناك، وما كان يحيط بها من شياه
وخيول ،أصبح بعد التحول الذي طرأ على المجتمع العربي المتنقل من حياة
البداوة و الترحال إلى حياة التمدن والاستقرار , يرفل في ألوان المدنية
وينعم بضروب الترف والبذخ , ويلهو
بمسرات الدنيا وطيباتها .
وقد تعرض ابن الرشيق في أثناء حديثه عن الوصف الذي قال عنه بأن أكثر الشعر
يرجع إليه , إلى تفاضل الناس في الوصف وإلى أهم موصوفاته أو موضوعاته على
عهد المولدين فقال " الأولى بنا في هذا الوقت صفات الخمر والقيان وما
مشاكلها وما كان مناسبا لهما كالكؤوس والقنان والأباريق ,و باقات الزهر،
إلى مالا بد منه من صفات الخدود والقدود و... , ثم صفات الرياض والبرك
والقصور وماشاكل المولدين , فإن ارتفعت البضاعة , فصفات الجيوش وما يتصل
بها من ذكر الخيل والسيوف والرماح والدروع والعصي والنبل , إلى نحو ذلك من
ذكر الطبول والبنود وليس يتسع بنا هذا الموضوع لإستقصاء ما في النفس من هذه
الأوصاف – العمدة لابن الرشيق ج2 , ص 295-296 .
*ثم يقول ابن الرشيق " وليس بالمحدث من الحاجة إلى أوصاف الإبل ونعوتها
والقفار ومياهها .... لرغبة الناس في ذلك الوقت عن تلك الصفات، وعلمهم أن
الشاعر إنما تكلفها تكلفا ليجري على سنن الشعراء قديما" .
1- ومن الموضوعات التي دار حولها الوصف عند أكثر من شاعر في هذا العصر وصف
الخمر والغناء ووصف مجالسهما وآلاتهما، وجاهروا بالدعوة إلى ممارسة ذلك
وبالغوا في الأمر مما نجم عنه الاستهتار بالدين .
*فأبو نواس جاهر بالخمر والدعوة إليها فيقول :
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر *** ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
فعيش الفتى في سكرة بعد سكرة *** فإن طال هذا عنده قصر العمر
وما الغبن إلا أن تراني صاحيا *** وما الغنم إلا أن يتعتعني السكر
فبح باسم من أهوى ودعني من الكنى *** فلا خير في اللذات من دونها ستر
*وقال في قصيدة أخرى :
لا تبك هندا ولا تطرب إلى كعب *** واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا انحدرت من حلق شاربها *** أجدته خمرتها في العين والخد
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة *** من كف لؤلؤة ممشوقة القد
تسقيك من طرفها خمرا ومن يدها *** خمرا فمالك من سكرين من بد
لي نشوتان وللندمان واحدة *** شيء خصصت به من بينهم وحدي
2-وأخذ الشاعر العباسي يصف الطبيعة في الحاضرة ببساتينها ورياحينها , وقد
أخذ يخص هذه الطبيعة بمقطوعات وقصائد كثيرة حيث أصبحت موضوعا جديدا واسعا ,
وكان يمزج نشوته بها في بعض الأحيان بنشوة الحب أو نشوة الخمر وسماع
القيان وفي كثير من الأحيان كان يقف عند تصوير فتنته بها وبورودها
ورياحينها من مثل قول إبراهيم بن المهدي في النرجس:
ثلاث عيون من النرجس *** على قائم أخضر أملس
يذكرنني طيب ريّا الحبيب *** فيمنعنني لذة المجلس
3-وقد أكثروا من وصف الأمطار والسحب ووصف الرياض خاصة في الربيع , وعبروا
عن أحاسيسهم ومشاعرهم أحيانا خلال هذا الوصف , ومن خير ما يصور ذلك مخاطبة
مطيع بن اياس لنخلتي حلوان :
أسعداني يا نخلتي حلوان *** وأبكيا لي من ريب هذا الزمان
واعلما أن ريبه لم يزل يفـ *** رق بين الألاف والجيران
ولعمري لو ذقتما ألم الفر **** قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أن نحسا *** سوف يلقاكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي *** بفراق الأحباب والخلاّن
4- ونرى شعراء كثيرين يعنون بوصف مظاهر الحضارة العباسية المادية وما يتصل
بها من الترف في الطعام والتأنق في الملابس والثياب ووصف القصور وما حولها
من البساتين وما يجري فيها من الظباء والغزلان من مثل قول أبي عيينة
المهلبي في وصف قصر ابن عمه عمر بن حفص المهلبي :
فيا طيب ذاك القصر قصرا ومنزلا*** بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك
بغرس كأبكار الجواري وتربة *** كأن ثراها ماء ورد على مسك
وسرب من الغزلان يرتعن حوله *** كما استل منظوم من الدّر من سلك
5- وأكثروا من وصف الحيوان والطير والحشرات , واشتهر بذلك خلف الأحمر وجهم بن خلف وفي كتاب الحيوان للجاحظ من ذلك مادة وافرة .
6- وقد وضعوا وصف دقيقا الأمراض والآفات التي أصابتهم . فهذا عبد الصمد بن المعذل يصف حمى اعترته فيقول :
وبنت المنية تنتابني *** غدوّا وتطرقني سحرة
كأن لها ضرما في الحشا *** وفي كل عضو لها جمرة
7-وقد صوروا كثيرا من العواطف الدقيقة من ذلك التعاطف الرفيق بين الأب
وبنيه وبناته وما يطوى فيه من الرحمة والبر والحنان , و مثال ذلك تصوير
ووصف ابن يسير عطفه على بنية له , كيف يستأثر به ويجشمه اقتحام المصاعب من
أجل سعادتها , وكيف يحببه في الحياة خوفه عليها من ذل اليتم وجفوة الأهل ,
وأنه ليشفق عليها حتى من الدموع التي سترسلها حين يتأهب لمفارقة الحياة
فيقول :
لولا البنية لم أجزع من العدم *** ولم أجب في الليالي حندس الظلم
وزادني رغبة في العيش معرفتي *** ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحم
أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ *** وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
إذا تذكرت بنتي حين تندبني *** جرت لعبرة بنتي عبرتي بدم
8-وحللوا كثيرا من المشاعر كالغيرة والشعور بالبؤس والمصغبة .









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:47   رقم المشاركة : 137
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خامسا الغزل
الغزل فن وأدب وجداني وظيفته التعبير عن الأحاسيس في عالم الحب دون سواها من المواضيع الأخرى .
*وقد أراح ابن رشيق القيرواني الدارسين من مشقة الخلاف بينهم في التسميات فقال " والنسيب والغزل والتشبيب كلها معنى واحد "


*والغزل يعد غرضا من أغراض الشعر العربي , برز منذ العصر الجاهلي في اتجاهين رئيسيين هما : الغزل الحسي والغزل العفيف .
*فالأول أي الغزل الحسي ازداد شيوعا في العصر العباسي الأول , وكثر أتباعه
الذين أفرطوا في اللهو والمجون لكثرة الجواري والإماء , ووفرة مختلف أسباب
القصف والعبث مما جعل شعرهم يعكس مدى التدهور الأخلاقي في تلك البيئة
المريضة، وأمثالهم : أبو نواس , بشار بن برد ,مطيع بن اياس والحسين بن
الضحاك ومسلم بن الوليد وغيرهم .
*الغزل العفيف : وهو عكس التيار الأول في مضمونه واتجاهاته، نبتت جذور
شجرته في الجاهلية ثم ترعرعت في العصر الأموي , فلما كان العصر العباسي
الأول الذي يندر أن تعثر فيه على شاعر عفيف وطاهر , انحصرت بقايا هذا الفن
في شعر خمسة من الشعراء ذوي الشهرة في هذا الغرض وهم : العباس بن الأحنف
زعيم هذا الفن وعكاشة بن عبد الصمد العميّ , والمؤمل ابن جميل الشاعر عم
مروان بن أبي حفصة , وابن رهيمة وعلى بن أديم الكوفي .
أ‌-الغزل الحسي :
لعبت البيئة العباسية الفاسدة في أكثر مظاهرها الاجتماعية دورا خطيرا في
إشاعة تيار الغزل الحسي الفاحش ونشره , فلولا الانحلال الخلقي الذي أدى
بالمرأة الجارية الأمة على الخصوص إلى الكشف عن مفاتنها لما تجرأ الشعراء
ولا سيما المتعودون منهم على السقوط في مراتع الإثم والفجور إلى فضح المرأة
ونهش ما كان يعد منها أساس وجودها وعفافها (انظر الأغاني وما يصوره على
سبيل المثال )
*ومن أمثلة الشعر الذي يكشف عن حقيقة المرأة الجارية وكيف كانت تجري وراء
الرجال من أجل ايقاعهم معها في الفواحش قول مطيع بن إياس التي كان يألف "
بربر " صاحبة الجواري , التي كانت ترسل جواريها ومن بينهم جوهر الجارية
لتفسد عسكر المهدي فقال :
خافي الله يا بربر *** لقد أفسدت العسكر
بريح المسك والعنبر *** وظبي شادن أحور
وجوهر دره الغوا *** ص من يملكها يجبر
فلا والله ما المهدي *** أولى منك بالمنبر
فإن شئت ففي كفيـ *** ك خلع ابن أبي جعفر
*والمتتبع لأخبار الغزل الماجن في كتاب الأغاني يقف عند أخبار وأشعار
متنوعة تكشف عن حقيقة هؤلاء الشعراء المجان الذين كانت لهم العديد من
الرفيقات الماجنات من الجواري والإيماء يتغزلون بهنّ تغزلا ماديا فاحشا دون
أن تدفعهم تلك العلاقة إلى الحب الصادق .
*وهذا بشار بن برد يقول داعيا صراحة إلى الفحش :
لا خير في العيش إن كنا كذا أبدا *** لا نلتقي وسبيل الملتقى نهج
من راقب الناس لم يظفر بحاجته *** وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
ب- الغزل العفيف :
يعد العباس بن الأحنف إمام الغزل العفيف، فهو الذي أحيا هذا النوع من الشعر بعد أن كاد يندثر .
ومما يدل على تخصص الشاعر في هذا الفن وعدم تجاوزه إلى الأغراض الأخرى قول
الجاحظ : << لولا أن العباس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم كلاما
وخاطرا ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه لأنه لا يهجو ولا يمدح
ولا يتكسب ولا يتصرف , وما نعلم شاعرا لزم فنا واحدا لزومه فأحسن فيه
وأكثر>>.
*إن القارئ لديوان الشاعر يدرك بأنه لم يقل شعرا إلا في محبوبة واحدة هي
فوز , أما ظلوم و" دلفاء " فليس لهما حظ في الديوان فقد ذكرهما مرة أو
مرتين , فهما على ما يظهر صفتان في الغالب أطلقهما على محبوبته فوز التي
تغزل فيها تغزلا عفيفا , ويتضح ذلك من قوله :
وما بيننا من ريبة فنراقبها *** ولا مثلها يرمى بسوء ولا مثلي
وإني لأرعى حق فوز وأتقي *** عليها عيون الكاشحين ذوي الختل
وإني وإياها كما شفنا الهوى *** لأهل حفاظ لا يدنس بالجهل
وقوله أيضا :
قالت ظلوم سمية الظلم *** مالي رأيتك ناحل الجسم
يا من رمى قلبي فأقصده*** أنت العليم بموضع السهم
وقوله أيضا :
لا جزى الله دمع عيني خيرا *** وجزى الله كل خير لساني
نمّ دمعي فليس يكتم شيئا *** ورأيت اللسان ذا كتمان
كنت مثل الكتاب أخفاه طي *** فاستدلوا عليه بالعنوان
وشعر الغزل في العصر العباسي تأثرت لغته بالحياة الاجتماعية المتحضرة
الجديدة , وبالثقافة الشائعة آنذاك , مما جعل الشعراء يستخرجون للورود
والرياحين لغة خاصة كانوا يخاطبون بها أحباءهم، وكذلك ما كان شائعا عندهم
من "اللبان والتفاح والريحان والسواك " .
*ومن أبرز ملامح الغزل العفيف اقتصار الحب على واحدة على خلاف أصحاب التيار
المضاد , والتزام العفة وطهارة الضمير , زيادة على شيوع ألفاظ ومعان
حضارية مستجدة , والميل بهذا الفن نحو الأسلوب السهل السلس .
سادسا " الزهد
شعر الزهد هو الشعر الداعي للتقشف من الحياة الدنيا ومتعها والاشتغال
بالآخرة ولوازمها من عبادة وانقطاع إلى الله , وهو الشعر الذي يصف دون
تزييف حقيقة الدنيا وأنها متاع الغرور وأن الآخرة خير وأبقى .
وكان الإمام البارز في هذا المجال , الشاعر أبو العتاهية الذي كان غافلا في
أول شعره , ثم لبس الصوف وتزهد , وأكثر في هذا الغرض , وصارت له فلسفته
الخاصة في الزهد , والإعراض عن الدنيا :
دنياك غرارة فذرها *** فإنها مركب جموح
دون بلوغ الجهول منها *** منيته نفسه تطيح

وهو يتصور الحياة الآمنة في عزلته ,وتعبده فيقول في بساطة :
رغيف خبز يابس ** تأكله في زاوية
وكوب ماء باردا ** تشربه من صافية
وغرفة ضيقة ** نفسك فيها خالية
أو مسجد بمعزل ** عن الورى في ناحية
خير من الساعات في ** فيء القصور العالية
وشعره في الزهد تغلب عليه البساطة في اللفظ : حتى يكون قريبا إلى أفهام
الناس جميعا ومنها شعره المزدوج الذي لا يراعى فيه وحده القافية إلا في صدر
البيت وعجزه , ونجد ذلك في أرجوزته التي تعد من بدائعه , وهي طويلة جدا ,
يقال إن فيها أربعة آلاف مثل وقد سماها أبو العتاهية بذات الأمثال والتي
يقول فيها:
حسبك مما تبتغيه القوت *** ما أكثر القوت لمن يموت
الفقر فيها جاوز الكفافا *** من اتقى الله رجا و خافا
هي المقادير فلمني أو فذر*** إن كنت أخطأت فما خطا القدر
لكل ما يؤذي وإن قلّ ألم *** ما أطول الليل على من لم ينم
ما انتفع المرء بمثل عقله *** وخير ذخر المرء حسن فعله
إن الفساد ضدّه الصلاح *** ورب جد جره المزاح
من جعل النمام عينا هلكا *** مبلغك الشرّ كباغيه لكا
إن الشباب والفراغ والجدة*** مفسدة للمرء أي مفسدة
وحتى الشاعر أبو نواس لما انهى جسمه , وشعر بالانتقام الرباني , وأن أجله المحتوم يقترب , تاب وسأل الله العفو والغفران فقال :
دب فيّ السقام سفلا وعلوا *** وأراني أموت عضوا فعضوا
لهف نفسي على ليال وأيام *** تجاوزتهن لعبا ولهوا
قد أسأنا كل الإساءة *** فا للهم صفحا عنا وغفرا وعفوا
سابعا : الخمريات
الخمرة من الفنون التي شاع أمرها وسرت نشوتها في نفوس الكثير من أبناء
المجتمع العباسي عامتهم وخاصتهم , وإذا كان الجاهليون والأمويون قد سبقوا
إلى ذكرها والتغني بها في أشعارهم إلا أن ذلك لم يكن يقصد لذاته فهي تأتي
عندهم في مقدمات قصائدهم بشكل عرضي على خلاف العباسيين الذين قصدوها لذاتها
.
*يعتبر أبو نواس من أبرز شعراء هذا العصر المتخصصين والمسرفين في حبها ,
وإذا كان الأعشى والأخطل قد سبقاه إليها إلا أنهما لم يفردا لها بابا قائما
بذاته , لأن الخمرة عندهما كانت وسيلة وليست غاية على خلاف النواسي ,
فإنها كل شيء عنده في الحياة ولاشيء يشغل باله غيرها , مما جعله يتخصص فيها
ويفرد لها بابا مستقلا كاد أن يقصر شعره كله عليه .
ملامح التجديد في الخمريات :
1- التعمق في معانيها .
2-استقلالها ضمن قصائد بدلا من بقائها كغرض من أغراض القصيدة التقليدية .
3-حلت محل النسيب بمطالع القصائد العباسية .
*لقد اتسع المعجم الفني لشعر الخمر وازداد ثراؤه وتنوعت صوره وأخيلته في
العصر العباسي , وهذا يدل على ما ألم بالقصيدة الخمرية من تطور واتساع ,
فقد كان الشعراء يهتمون بإبراز الخصائص الفنية للخمريات من خلال تصويرهم
لألوانها وروائحها ومذاقها وأوانيها ومجالسها وتأثيرها على الشاربين .
* تميزت خمريات زعيم الشعر الخمري في العصر العباسي أبي نواس بـ:
1- ترف الإحساس
2- بساطة التعبير
3-سهولة اللغة
وهذا يدل على أنها تطورت فنيا وجماليا .
يقول عبد القادر القط ( حركات التجديد في الشعر العباسي , ص 418 ) " إن في
قصائد أبي نواس الخمرية كثير من الصور الفنية الجميلة وهي تمتاز عن
الخمريات السابقة في الشعر العربي بـ :
1-بوحدة موضوعها
2-وصدق تجربتها
3-ونجاحها في تمثيل نفسية قائلها أصدق تمثيل
4-ولكن كثيرا منها تكرار لمعان وأحاسيس وتشبيهات ومجازات عبر عنها في عيون قصائده "
ويرد عليه د.نور الدين السد بالنسبة للنقطة الرابعة << أما عن تكرار
ذلك فهي ليست عيبا بل على العكس من ذلك , فهي ميزة ايجابية استدعتها طبيعة
النسق الفني العام الذي يربط بين قصائده , فالخمرة عند أبي نواس تجسد هاجسا
مستمرا , وتجربة شعرية تكاد تكون واحدة , وقضية انتشار بعض الصيغ اللغوية
البلاغية في قصائده , تؤكد رؤيته إلى عالم الخمر , وما توحي به من دلالات ,
فالخمر عند أبي نواس رمزا للذة , وأحيانا هي رمز لاستمرار الحياة والتجديد
والنماء والخصب , فهي عنده متعددت الدلالات , وهو بهذا المنظور يخرجها من
معناها الحرفي أو اللفظي في النص , ويتيح لنا فرصة تأويل معناها بما يتناسب
وسياق القصيدة .>>
*يقول أبو نواس في رده على النظام وهو أحد زعماء المعتزلة , حين لامه على شرب الخمر.
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء** وداوني بالي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ** لو مسها حجر مسته سراء
*ويلجأ الشاعر أبو نواس إلى روح التعليل الفلسفي , والحجة الكلامية ومن هنا تظهر مغايرة هذا الأسلوب الشعري للأساليب السابقة .
*ويقول أبو نواس في الخمرة لائذا بها لعله ينسى محاصرة الزمن وقرب الرحيل إلى مصير مجهول :
غرد الديك الصدوح *** فاستقني طاب الصبوح
واستقني حتى تراني *** حسنا عندي القبيح
يقول أحمد دهمان " لم يكن عند النواسي شيء أهم من الخمرة يهدف إلى تفجير
طاقاته المكبوتة , ومن هنا كان مجلس الخمرة مكانا يتبتل فيه لها , ومعبدا
تقام فيه شعائر الحب والجمال والحرية والنشوة والفن , فمناسك الخمرة تتحقق
في مجلسها وفي هذه الأجواء التي تكون عادة لأصحاب المواهب , ينتقل من
العالم الخارجي إلى عالمه الداخلي , هربا من قيود مجتمعه وريائه وزيفه
ليحقق إمكانياته من خلال تأمل الكأس وأشيائه , والشعور بالذات المتحررة من
قيود الزمان والمكان بالإغراق في اللذة , كي يعيش متعة الحياة القصيرة -
كما تصورها - متخلصا من قلقه الوجودي وشعوره بتفاهة الحياة.
*يسبر هذا الرأي النقدي أغوار النفس النواسية القلقة , فيقبض على أهم
الرموز التي تشكل محاور أساسية في متن القصيدة الخمرية لدى أبي نواس , وهي
مجلس الشراب , هذا المكان الذي ينزاح عن دلالته العادية ليأخذ بعدا دلاليا
جديدا , فيتحول إلى معبد تقام فيه شعائر الحب والجمال والحرية , ويخلو فيه
الشاعر إلى عالمه الداخلي , يشعر بتحقيق ذاته , وفي مجلس الخمرة يقول :
ومجلس ماله شبيه *** حل به الحسن والجمال
يمطر فيه السرور سحا *** بديمة مالها انتقال
شهدته في شباب صدق *** ما إن تسامى لهم فعال
تشربها بالكبار صرفا *** وليس في شربنا مطال










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:48   رقم المشاركة : 138
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الأغراض الشعرية المستحدثة
أولا : الشعر التعليمي :
تعريفه : هو ما ألف نظما لتسهيل حفظ العلوم أو الفنون الأدبية .
*وهو شعر استخدم لحشد المفردات العلمية فيه بقصد الاستدلال والاحتجاج بها ,
ثم تطور به الأمر فتمخض لسرد المفردات واتخاذه وسيلة من وسائل التعليم
،ومن أجل ذلك سمي الشعر التعليمي .
تاريخه : تعود بداية هذا النوع من الشعر إلى العهد اليوناني القديم , ولعل
أول من سبق إليه << هيزيود >> اليوناني الأصل الذي عاش في
القرن الثامن قبل الميلاد , فقد ابتكر هذا الشعر ونظم مجموعة من القصائد
أولها وأشهرها قصيدته الخالدة " الأعمال والأيام " ضمنها جملة من الحكم
والعظات والقواعد الخلقية وغيرها من النصائح والإرشادات وقد بلغ عدد
أبياتها أكثر من 800 بيت .
*وإلى جانب شهرة اليونان في هذا الفن الشعري , فإن الهنود أيضا كانوا مولعين بنظم قواعد الرياضيات والفلك فيه .
*وقد كانت الثقافتان اليونانية والهندية العارفتان للشعر التعليمي على صلة
بالآداب العربية وثقافتها , فأثرها عليها خاصة الهندية منها .
*ومن حيث أولوية هذا الفن وشأنه في الشعر العربي , فقد نشأ أولا عند أصحاب
الآراء والمذاهب الدينية من الشعراء فاستخدموه في تأيد مذاهبهم وفي التحدث
عن فضائلها والحملة على خصومتها .
*ويعتبر السيد الحميري أول من نظم في شعرنا العربي نموذجا من الشعر
التعليمي , ضمنه جملة من المناقب والفضائل الحميدة والسير النبيلة كالتي
تروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبنائه :
أتى حسن والحسين النبي ** وقد جلسا حجره يلعبان
ففداهما ثم حياهما ** وكانا لديه بذاك المكان
فراحا وتحتهما عاتقاه ** فنعم المطية والراكبان
*ونتيجة لاتساع الحركة العلمية وازدهار الثقافة العربية وبخاصة في أيام
المنصور والرشيد والمأمون الذين حرصوا على نقل ما أمكن من العلوم والمعارف
العقلية والإنسانية كالطب والصيدلة والقانون والحكمة والموعظة وعلم النجوم
والرحلات وسواها ، فإن بعض الشعراء قد اهتدوا إلى تحصيل بعض العلوم
وتدوينها بواسطة الشعر التعليمي حتى يسهل حفظها بكل يسر وسهولة .
*ويعتبر إبان بن عبد الحميد اللاحقي أول من بدأ هذا النوع من الشعر
التعليمي بغرض تسهيل حفظ العلوم وتدوينها وذلك في القرن الثاني الهجري .
* أشار صاحب الأغاني إلى أن إبان قد نقل كتاب " كليلة ودمنة " ونظمه شعرا
حتى يسهل حفظه , وأنه خص به البرامكة وقد أجازه عليه جعفر البرمكي جائزة
كبيرة .
فكان أول نظمه قوله :
هذا كتاب أدب ومحنة *** وهو الذي يدعى كليلة ودمنة
فيه دلالات وفيه رشد *** وهو كتاب وضعته الهند
فوصفوا آداب كل عالم *** حكاية عن ألسن البهائم
فالحكماء يعرفون فضله *** والسخفاء يشتهون هزله
*وقد ذكر صاحب الفهرست بأن كتاب كليلة دمنة المتكون من سبعة عشر بابا , لم
ينقل بكامله إلى الشعر من قبل إبان بن عبد الله الحميد اللاحقي وحده , بل
شاركه في ذلك كل من علي بن داود وبشر بن المعتمد .
*ونظم ابن سينا <ت 428هـ> منظومته في المنطق .
*ونظم الحريري منظومة في ملحة الإعراب.
ثانيا:الشعر الفلسفي
يعتبر أبو العلاء المعري شاعر فلسفة الحياة , وهو أول شاعر ينظم ديوانا
كاملا في الفلسفة يدعى " اللزوميات " وفيه ملخص للمذاهب الفكرية السائدة في
عصره .
فهو يرى أن السلطة المدنية فاسدة بسبب المكر والرشوة , والحكام أصحاب فوضى
ويتبعون هواهم , ويحكمون الرعية بالظلم وينعمون بمالها وثمرة تعبها فيقول :
يسوسون الأموربغير عقل *** فينفذ أمرهم ويقال ساسه
فأف من الحياة وأف منّي *** ومن زمن رئاسته خساسه
ثالثا : الغزل بالمذكر (أو الغزل الشاذ )
*لم يعرف العرب قبل النصف الثاني من القرن الهجري مثل هذا الميل إلى
الغلمان كما عرف في الأمم السابقة،أي قبل اختلاطهم بالأمم الأجنبية .
*ويعتبر أبو نواس من الشعراء المولدين الذين ورثوا دماء فارسية فتغزلوا بالغلمان وأسسوا هذا الفن . يقول أبو نواس :
يا من يقول الغواني *** أحلى جنى و التزاما
خذ النساء ودع لي *** مما يلدن غلاما
المراجع المعتمدة:
1-د.نور الدين السد , الشعرية العربية , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995
2-د.مصطفى بيطام , مظاهر المجتمع وملامح التجديد من خلال الشعر في العصر العباسي الأول , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995.
3-د.شوقي ضيف , تاريخ الأدب العربي , العصر العباسي الأول , دار المعارف , مصر , ط6 .










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-05, 21:35   رقم المشاركة : 139
معلومات العضو
zakio92
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

لسلام عليكم اخواني اخواتي انا ادرس السنة اولى تخصص ادب عربي اريد منكم بحث في مقياس البلاغة وهو
النهي تعريفه واقسامه ما يفيده ............










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-06, 03:36   رقم المشاركة : 140
معلومات العضو
omarzant
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك الاخت دلال على مجهوداتك
في انتظار محاظرات السنة الثالثة كلاسيكي ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-06, 03:37   رقم المشاركة : 141
معلومات العضو
omarzant
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

في هذا الموضوع إن شاء الله سنعرض المنهجية العلمية في كتابة بحث أدبي

* الصفحة الأولى ( La page de garde )

* الصفحة الثانية: تترك بيضاء

*الصفحة الثالثة: عنوان البحث بخط كبير

* الصفحة الرابعة: الإهداء

* الصفحة الخامسة: المقدمة

عناصر المقدمة:

1- الأسباب التي دفعتك إلى اختيار البحث و أهمية الموضوع و جديته.

2- ذكر الفقرات و كل فقرة تتناول ما جاء في كل عنصر.

3- ذكر المشاكل و المصاعب التي اعترضت الباحث.

4- الشكر، التقدير و الثناء.

* الصفحة التالية: خطة البحث

عناصر خطة البحث:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
عنوان البحث

* الفصل الأول:

المبحث الأول:

- المطلب الأول:
- المطلب الثاني:
- المطلب الثالث:

المبحث الثاني:

- المطلب الأول:
- المطلب الثاني:

* الفصل الثاني:
.
.
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


* الصفحة التالية: العرض أو المتن أو الفصول

على الهامش ( الإحالة ):
المؤلف/ الكتاب/ ج ، ط ، سلسلة/ دار الطبع، بلد الطبع / سنة الطبع / الصفحة

* الخاتمة: النتائج التي توصل إليها الباحث على مستوى كل فصل ( صفحة أو ثلاثة على الأكثر )

* قائمة المصادر و المراجع: ترتيب أبجدي

المصدر: أمهات الكتب، الرواية، الشعر و الشعراء، الأغاني

المراجع: الدراسات، الدواوين الشعرية، الصحف و المجلات، الأنترنات ...

* الفهرس: آخر شيء









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:14   رقم المشاركة : 142
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على اضافتك اخي الكريم

تقبل تحياتي










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:25   رقم المشاركة : 143
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاااااااااضرااات الادب الجزاااااائري

المقياس: أدب جزائري حديث
الأستاذ: حمزة قريرة

المحاضرة الأولى : محطات في مسار الشعر الجزائري
تمهيد:
إن النص الشعري الجزائري نص وليد ظروف كثيرة متشابكة ومتداخلة مر بها عبر مراحله التاريخية انطلاقا من دخول المحتل أرض الجزائر وصولا للاستقلال ثم مرحلة ما بعد الاستقلال التي خُتمت بجيل الثمانينيات أو جيل اليتم كما أطلق عليهم الناقد أحمد يوسف في كتابه "يتم النص"، وعبر هذه المراحل التاريخية التي تتعدى القرن والنصف خاض فيها الشعر الجزائري صراعا مريرا مع مختلف ما تعرّض له من مؤثرات لينصهر بتجربته مع كل مرحلة مقدّما نصا مختلفا يتماشى وجديد المرحلة، بهذا فمحطات الشعر الجزائري قدّمت نصوصا مختلفة، وهذا ما سنركّز عليه، فلن نتعرّض بشكل مباشر للظروف والمتعلقات التاريخية بالشعر الجزائري بقدر ما سنتعرّض للنص وتحوّلاته على مستوى لغته وبنيته بشكل عام وسنتتبع هذه المحطات النصية كالتالي:
1- محطة دخول المحتل الفرنسي ووضع الشعر في الجزائر: من 1830 إلى غاية 1900:
يعد حادث احتلال الجيش الفرنسي لمدينة الجزائر صدمة عنيفة وقعت على كل المغاربة فهزت نفوس الأحرار منهم، فنجد لهذا الاحتلال صدى في الشعر التونسي وشعر المغرب الأقصى يومئذ فضلا عما كتبه أدباء الجزائر وشعراؤها أمثال : حمدان بن عثمان خوجة، ومحمد بن الشاهد، وقدور بن رويلة، والأمير عبد القادر وآخرون، فظهر في كتابات هؤلاء جميعا الشعور القومي الوطني التحرري[1]، ومن أهم ما يمكن تمييزه خلال هذه المرحلة من النصوص هو نص الأمير عبد القادر الجزائري الذي يعد بنية متفرّدة في زمن وصلت فيه اللغة إلى أسوء أحوالها مع نهايات فترة العثمانيين، وزادها الأمر سوء دخول المحتل الفرنسي، ولكن رغم هذه المثبطات للشعر فإن الأمير عبد القادر شق بنصه الآفاق وقدّم أنموذجا راقيا للشعر العربي بقوته اللغوية وبنائه الراقي الذي أحيي به الشعر العربي القديم، بهذا تميز نصه بالقوة على المستوى اللغوي الأسلوبي مما ميّزه على نصوص عصره، ويعد موضوع المقاومة في شعره من أهم الموضوعات حيث يحمل قيمة شعرية تشد اهتمام الدارس خصوصا خلال القرن (19م) الذي ظل الشعر العربي فيه يرزح تحت أشكال التقليد اللفظي والصنعة المفتعلة والأغراض البالية والركاكة البادية في الصياغة والتعبير، فكان موضوع المقاومة الذي برع فيه الأمير نواة للانطلاق، فقدّم نصا من الطراز الرفيع الذي فسح مجالا واسعا لصور التضحية والفداء ليشهد بذلك على بديات طيبة لنهضة الشعر الجزائري منذ النصف الأول من القرن 19م. ولعله بذلك قد سبق الأقطار العربية، فشعر الأمير- كما نلاحظه عبر قصائد ديوانه – يطفح بمعاني السمو وتمجيد البطولة والاعتزاز بالشخصية القومية والنخوة العربية، والملاحظ لشعر الأمير يشعر بالتأثر الشديد بشعر القدماء من الجاهليين والعباسيين، فجاء شعره هذا تعبيرا صادقا عن روح الفروسية الثائرة و تصويرا لحمية الشباب الطموح المتشبع بقيم الوطنية ونجد ذلك مثلا في قصيدته التي نظمها عقب معركة " خنق النطاح" قرب وهران عام 1832 م و تبلغ نحو 30 بيتا ، وقد افتتحها بقوله[2]:
توسد بمهد الأرض ، قد مرت النوى ***و زال لغوب السير من مشهد الثوا
و عر جيادا جاد بالنفس كـــرها *** و قد أشـرفت مما عراها علي التوى
من خلال هذين البيتين تظهر قوة نص الأمير الذي تشع منه ألفاظ الماضي العتيقة القوية، ونجد لهذا الحضور القوي لنصه وجودا في مختلف قصائده خصوصا التي حملت موضوع الفخر، كقصيدة " بنا افتخر الزمان" ومنها يقول:
لنا في كل مكرمة مــجال* ومن فوق السمــاك لنا رجال
ركبنا للمكارم كـــل هول * وخضنا أبحرا، ولــها زجال
إذا عنها توانى الغير، عجزا * فنحن الراحلون لها، العجال[3]
من خلال هذه العينات يظهر بشكل واضح قوة نص الأمير عبد القادر على مستوى اللغة، كما يظهر إتباعه للنص القديم، فهو من رواد الإحياء الشعري، وهذا يجعلنا نعتبر قصائد الأمير الأقوى في هذه المرحلة التي مهدت لمرحلة خَفَت فيها الشعر بسبب المحتل وسياساته التجهيلية التي لم تميز أحد في المجتمع الجزائري لتبدأ حقبة جديدة مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

2- محطة سيطرة المحتل ودخول الشعر مرحلة الابتذال: من 1900 إلى 1920:
خلال هذه المرحلة يظهر ضعف النص الشعري الجزائري واضحا سواء على مستوى الموضوعات أو على المستوى اللغوي والأسلوبي، فنجد مثلا أن الموضوعات لم تخرج من بعض المدائح الدينية لمشايخ الطرق الصوفية أو التهاني على منصب معيّن أو مدح حاكم فرنسي، ومن هؤلاء الشعراء نذكر الشيخ شعيب بن علي قاضي تلمسان، والشيخ أبي بكر بو طالب وغيرهما كثير مما سار خلف ركب المحتل[4]، وعليه لا يمكن خلال هذه المرحلة أن نجد نسقا نصيا متميّزا في الشعر الجزائري وسبب ذلك إلى سياسات المحتل التي أفقدت الجزائريين خلال أكثر من سبعين سنة كل مقوّمات التقدّم الثقافي أو الاجتماعي فانعكس ذلك على نصوصهم التي ما كان لها أن تأخذ بوادر التحرر إلى مع مطلع العشرينات من القرن العشرين فبدأ ظهور شعراء وأدباء يبشروا بانطلاقة جديدة للشعر الجزائري فحملوا اللواء وعقدوا العزم على التخلّص من التخلف الثقافي والشعري فقدّموا نصوصا تحمل بذور التحوّل النصي وأسباب مرحلة جديدة.
3- محطة بداية التخلص من سيطرة الموضوعات المبتذلة وبداية الوعي الوطني: 1920 إلى 1930:
خلال هذه المرحلة بدأ الشعر الجزائري يتعافى خصوصا بعد ظهور موضوعات جديدة أكثر إلحاحا على الساحة الشعرية كمحاربة الطرقية والتخلف والجهل والدعوة للعلم، وقد عملت الصحافة دورا مهما في هذه المرحلة خصوصا بظهور صحافة أكثر وطنية كصحيفة "الصديق(1922)" و"المنتقد(1925)" و"الجزائر(1925)" و"وادي ميزاب(1929)" وغيرها من الصحف[5]، حيث عملت هذه الصحف على إتاحة الفرصة للشعراء والمبدعين لتقديم إنتاجهم والتعبير عما يدور في خلدهم بلغة صارت أكثر قبولا من الناحية الفنية خصوصا بتطور الآلة النقدية لأصحاب الصحف الذين وجهوا الشعراء وقدّموا لهم النصائح ليُقوّموا نصوصهم، وعليه تعد هذه المرحلة ممهدة للمرحلة الإصلاحية حيث قادها أعلام في الفكر والأدب الجزائري مع بداية القرن العشرين، نذكر منهم، "عبد الحليم بن سماية ومحمد بن مصطفى بن الخوجة، وعمر بن قدور وغيرهم"[6]، لكن حضورهم الفردي في الساحة لم يمكّنهم من خلق تيار فكري موحّد له أسسه وضوابطه ومنهجه الفكري المستقل، فلم يُكْتب للحركة الإصلاحية أن تظهر بشكل فعلي إلا بعد فترة حيث انطلق فرسان لغة كان لهم حضورهم القوي وتمكّنهم من ناصية النص، حيث عملوا جميعهم على رفع راية الإصلاح انطلاقا من أدبهم وشعرهم.







المحاضرة الثانية: النص الشعري الجزائري التقليدي المحافظ، مرجعياته وبنياته.
ليس بعيدا عن مختلف الأوضاع الأدبية والنقدية في المشرق العربي كان المغاربة وعلى رأسهم الجزائريون يتابعون بحماس التطورات الشعرية، رغم سياسات التجهيل والتفقير والتنصير التي مارسها الاحتلال، إلا أنّ المبدع الجزائري لم ينثنِعلى مواكبة حركة النهضة الشعرية في المشرق العربي، فبدأت جموع الشعراء في التأثر بما يصدر عن المشرق - كل حسب توجهه وانتمائه- والبداية كانت مع حركة الإصلاح التي حملت على عاتقها إحياء التراث الشعري القديم محاكية بذلك حركتي الإحياء والتقليد في المشرق العربي، فقام بذلك اتجاه تقليدي جزائري على مرجعية عربية مشرقية قريبة وأخرى تقليدية قديمة تنهل من التراث الشعري العربي القديم، كما تميّزت هذه الحركة بحضورها القوي وسيطرتها شبه التامة على الحياة الأدبية في الجزائر، وذلك بسبب الطابع الديني للمجتمع الجزائري وخوفا من أي حركة تجديدية تحمل موالاة للمحتل عبر الذوبان في ثقافته، فعمل بذلك أعلام حركة الإصلاح على ترسيخ مبدأ محاكاة المشارقة التقليديين على وجه خاص وإحياء التراث العربي عموما، لينطلق معهم الشعر الجزائري الإصلاحي، الذي قدّمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحمَته واحتضنته، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الحركة الإصلاحية، ممثلة في جمعية العلماء، في ظهورها لم تكن الأولى على الساحة الأدبية الجزائرية فقد سبقتها ومهّدت لها حركة إصلاحية قادها أعلام في الفكر والأدب الجزائري مع بداية القرن العشرين، نذكر منهم، عبد الحليم بن سماية ومحمد بن مصطفى بن الخوجة، وعمر بن قدور وغيرهم[7]، لكن حضورهم الفردي في الساحة لم يمكّنهم من خلق تيار فكري موحّد له أسسه الواضحة ومنهجه الفكري المستقل، لهذا لم يُكْتب للحركة الإصلاحية أن تظهر بشكل ممارسة فعلية لها سبيلها الخاص إلا مع الجمعية التي حوّلت العمل الإصلاحي إلى شكله المقنّن والموجّه بتأسيسها مدارس وإطلاقها لمجلات وغيرها من الممارسات التي طوّرتها من مجرّد فكرة إصلاحية لمؤسسة لتخريج الرجال، فأخذت على عاتقها حمل مشعل الفكر الإصلاحي الجزائري الحديث، وكان للشعر نصيبه الأوفر في هذه النهضة، التي اتخذت من التقليد والمحافظة شعارا لمشروعها الشعري، لهذا قدّمت نصها بطابعه التقليدي على مختلف مستوياته اللغوية منها والإيقاعية والهندسية، وهو ما سنتتبّعه من خلال نماذج من الشعر الجزائري التقليدي، معتمدين على أبرز الأسماء الشعرية فيه، وعلى رأسهم محمد العيد آل خليفة.
1- بنية النص التقليدي – الإصلاحي- : نتتبّع فيه أهم مستويات النص الشعري بداية باللغة والتشكيل الإيقاعي والهندسي وانتهاء بالموضوعات، وذلك من خلال التمثيل بنصوص أعلامه.
1-1- مستوى اللغة الشعريّة: اتبع شعراء الاتجاه التقليدي نمطا مشرقيا في توظيف اللغة التقليدية التي لم يتجاوز قاموسها الألفاظ القديمة، ومن أمثلة ذلك ما نقرؤه من قصيدة"حزب مصلح" لمحمد العيد آل خليفة* حيث يقول:
سرْ مع التوفيق فهو الدليل * حصحص الحق وبان السبيل
عاطني السراء كأسا بكأس * واسْقنيها إنــها سلسبيــل[8]
نلاحظ من خلال البيتين أن الشاعر وظف ألفاظا عتيقة مقارنة بعصره ومنها: حصحص، السراء، اسقنيها، وغيرها من الألفاظ التي تأخذ مرجعيتها من الماضي الشعري والقرآني، بهذا تظهر خاصة المعجم الشعري عند الاتجاه التقليدي في أنه يستمد طاقته من القرآن الكريم والشعر العربي القديم، وكل ما تعلّق بالآثار الإسلامية من تاريخ وشخصيات[9]، وغيرها مما له علاقة بالتراث، ومن خلال تتبع عدد من النصوص التقليدية المنتجة في هذه المرحلة، نرصد العديد من النماذج التي تُظهر تمسك الجزائري باللفظ العربي القوي والشكل التقليدي، ولعل ذلك راجع لخوف الشاعر المصلح من ذوبان المجتمع في الثقافة الغربية لهذا ندّد الشاعر بكل انحراف عن العروبة والإسلام اللذين يمثلان المرجعية الأولى للشعب الجزائري وشعره، وقد عزز الشاعر دعوته بنصه، الذي أكّد ارتباط الجزائر وشعبها بالعربية والإسلام، فقال عبد الحميد ابن باديس*:
شعب الجزائر مسـلم* وإلى العروبة ينتسب

[1]من مقال محاضرات في الشعر الجزائري الحديث والمعاصر، عثمان حشلاف، منشورات المدرسة العليا للأساتذة، دط، بوزريعة- الجزائر.


[2]ينظر، مقال :التشكيل اللغوي في شعر الأمير عبد القادر الجزائري لـ، د.وهب رومية*الموسوعة العربية دهشةwww.dahsha.com الاطلاع بتاريخ، 15/03/2010.

[3]الربعي بن سلامة، محمد العيد تاورته، عمار ويس، عزيز لعكايشي، موسوعة الشعر الجزائري، المجلد الأول، أ- ز، دار الهدى عين مليلة، الجزائر، دط، 2009. ص 355.

[4]ينظر، محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية، 1925- 1975، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، ط2، 2006. ص 19، ص 20.

[5]ينظر، محمد ناصر، المقالة الصحفية الجزائرية، نشأتها - تطوّرها – أعلامها، من 1903 إلى 1931، الجزء الأول، صدر عن الجزائر عاصمة الثقافة العربية، 2007، الجزائر، ص 43.

[6] صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، المؤسسة الوطنية للكتاب، دط، الجزائر، 1984م، ص 33، ص 34.

[7]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، المؤسسة الوطنية للكتاب، دط، الجزائر، 1984م، ص 33، ص 34.

* ولد 1904 وتوفي 1979، ينظر مقدمة الديوان.

[8]محمد العيد آل خليفة، الديوان، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط3، ص 129.

[9]ينظر، عمر بوقرورة، الغربة والحنين في الشعر الجزائري الحديث، 1945/1962، منشورات جامعة باتنة، الجزائر، 1997، دط، ص 194.

* رائد الاتجاه الإصلاحي في الجزائر وأول رئيس لجمعية العلماء المسلمين، توفي في 16 أفريل 1940.














رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:26   رقم المشاركة : 144
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

من قال حاد عن أصله * أو قال مات فقد كذب[1]
نلاحظ توظيفه لألفاظ العروبة والإسلام والأصل وكلها دعوات لترسيخ المرجعية القديمة ولو على المستوى الانتمائي الذي يتبعه الشكل الشعري بالضرورة.
أما من الناحية التركيبية فلم تخرج أيضا عن التقليد من الناحية النحوية والبلاغية، فقد عمل الشاعر الإصلاحي على بعث التراكيب في حلتها القديمة، ومن نماذج هذا التوظيف نذكر مما قاله الهادي السنوسي مخاطبا ابن باديس بعد نجاته من محاولة اغتيال:
خبرت البلاد، وأضرارها* فأقبلت تندب أحرارها
وأرسلتها نظرة حرة* رعى الله في الحر أفكارها
فصوّرت للناس آلامها * وأجليت للعين أغوارها[2]
نلاحظ نمط التركيب النحوي البسيط والتقليدي في طابعه، خبرت البلادَ، أقبلت، أرسلتها، صوّرت للناس، فهو مباشر وسطحي ولا يتعدى التركيب الإسنادي المباشر الذي يظهر طرفاه بشكل جلي ولعل بساطة التركيب راجعة لثقافة الشاعر التقليدية من جهة ورغبته في إيصال خطابه بشكل مباشر وبسيط ليصل للمتلقي الخاص في ذلك العهد.
أما من ناحية التصوير البلاغي فلم يخرج النص التقليدي المحافظ على الصور القديمة من تشبيه واستعارة وكناية ومن ذلك ما نقرؤه في وصف ليل الاحتلال لمحمد العيد آل خليفة:
يا ليل. ما فيك نجم* جلا الدجى، وأزاحا
إلا كواكب حيرى * لم تتضح لي اتضاحا
....
أخشى على الشعب هلْكا* يبيده واجتياحا
من ألسن قاذفات * تروي القبيح فصاحا[3]
نلاحظ توظيف الاستعارة في البيتين الثاني والأخير بشكلها التقليدي المباشر السطحي فلا إغراق في الصورة، وهذا ليس عيبا لأن الشاعر يحيي نظاما تصويريا بلاغيا قديما، الذي يعتمد المباشرة والنبرة الخطابية وهي من خصائص الاتجاه التقليدي الذي احتاج لأسلوب يهز ويثير المتلقي الجزائري المحدود الأفق فاعتمد على أساليب الاستفهام والإنكار والتعجب والنداء، وكل الألفاظ الرنانة لتوقظ الهمم[4] في شعب أضناه المحتل بسياسات التجهيل والتفقير، ومن نماذج الأسلوب الخطابي المعتمد على التكرار والتأكيد والتحريض ما نقرؤه من قصيدة سعيد الزاهري سنة 1925:
ألا فليفق شعبي من النوم، فإنه * لفي مرض من النوم قاتل
ألا فليفق شعبي من النوم برهة * فإنا لفي شغل من النوم شاغل[5]
نلاحظ من خلال البيتين توظيفه للأمر بعد النداء وهو أسلوب إنشائي غرضه التمني والرجاء، فهو مشابه للأساليب التقليدية في ذات الغرض، كما نلاحظ التكرار في مطلعي البيتين، وذلك للتأكيد على رجائه في استنهاض همم الشعب الجزائري.
مما تقدّم نصل إلى أن النص التقليدي الجزائري حافظ على هويّته القديمة ومساره الإحيائي للشعر العربي متأثرا بالشعر التقليدي المشرقي من جهة ومستعينا بثقافته الأصولية من جهة أخرى، فقام بترسيخ مبادئ نظم الشعر التقليدي وعلى رأسها عمود الشعر الذي تَمَثّله شعراء التقليد بكل مقوّماته، حيث تجاوزوا اللغة إلى الإيقاع الذي ظل تقليديا فاعتمد الوزن الخليلي والقافية الموحّدة، بل تعدى ذلك إلى إتباع ذات البحور التي نظم عليها المشارقة وأعلام الشعر العربي القديم لدرجة أنهم جاؤوا بقصائد على نفس الروي في شكل معارضات، وهذا ما سنراه في المستوى الإيقاعي.
1-2- مستوى الإيقاع:
مثلما اتبعت القصيدة التقليدية مثيلتها المشرقية في الجانب اللغوي اتبعتها في الجانب الإيقاعي، حيث خضعت للوزن والقافية بشكل مطّرد مقتفية آثار المرجعية الماضوية، التي تعتبر بنية البيت الشعري المكتملة في النص القديم هو أساس بناء القصيدة فيه[6]، لهذا عمد رواد الإحياء على تفعيل هذه الخاصة فجعلوا من البيت منطلقا في بناء نصوصهم، ومن البيت ينطلق الإيقاع بأهم مقوّماته في شعرية التقليد وهما الوزن والقافية اللذان لم يعرفا مع الإحياء

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 206.


الإيقاع بأهم مقوّماته في شعرية التقليد وهما الوزن والقافية اللذان لم يعرفا مع الإحياء غير التكرار واستحضار الماضي بأوزانه وأضربه المختلفة، ومثال اعتماد قواعد عمود الشعر ما نقرأه لمحمد العيد آل خليفة حول العلم وهي قصيدة نضمها سنة 1937:
العلم سلطان الوجود، فسدْ به* من شئْت، أو ذدْ عن حياضك وادْفعِ
اه اه ااه اه اه ااه ا ااه ااه * اه اه ااه اه اه ااه اا اه ااه
مستفعلن مستفعلن متفاعلن * مستفعلن مستفعلن متفاعلن
والْجأ له بدل الحصون، فلا أرى * حصنا كمدرسة سمت، أو مصنع[1]
اه اه ااه اااه ااه اااه ااه * اه اه ااه اااه ااه اه اه ااه
مستفعلن متفاعلن متفاعلن * مستفعلن متفاعلن مستفعلن
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................


الشكل رقم ()
شكل يوضّح البناء الهندسي للقصيدة التقليدية التناظرية


يظهر جليا أن الشاعر وظّف وزن البحر الكامل الذي تفعيلاته تقوم على تفعيلة (متفاعلن) المكررة ست مرات في شطري البيت[2]، وقد اعتراها زحاف الخبن وتحوّلت إلى مسْتفعلن، وانطلاقا من هذا نلاحظ مدى التزام الشاعر بالوزن والقافية حتى أنه لم يُدخل من العلل المستحدث منها واكتفى بزحاف واحد وهو الخبن مما يربطه أكثر بالنص القديم، ومن خلال متابعة النص التقليدي والمحافظ نجد العديد من النماذج التي حافظت على الوزن والقافية ومختلف شروط عمود الشعر مما يعزّز دور الماضي الشعري في رسم ملامح إيقاع النص التقليدي الجزائري، الذي لم يكتف بإتباع قواعد عمود الشعر بل تعداها، كما هو موضّح في أبيات محمد العيد، إلى الشكل الهندسي الذي ظل محافظا على تناظره وتوازيه، مقدّما لنا الشكل التالي:






نلاحظ الشكل العمودي المتوازي لأشطر الأبيات التي تقدّم تمثيلا للقصيدة العمودية كما دوّنت قديما بالشكل التناظري المتوازي، وقد احتل هذا النموذج الهندسي مكانة مهمة في الشعرية التقليدية الجزائرية فصار قالبا يصبون فيه قصائدهم، من خلال رصف الوحدات اللغوية في شطرين متقابلين أفقيا في خط واحد، يفصل بينهما بياض ذو طول محدد، ليشكلا نموذج البيت الشعري الذي تتوالى أسفله أبيات أخرى موازية له عموديا[3]، ليتم بناء شكل هندسي متوازي ومتناظر الأقسام، ليُقدّم القصيدة وكأنها مبعوثة في صحيفة من الماضي العتيق، فيدعّم بذلك الرؤية المقدّسة للماضي لدى الشاعر الجزائري المحافظ.
1-3- مستوى الموضوعات:
مثلما سجّلت القصيدة التقليدية الجزائرية إتباعها وتقليدها على مستوى اللغة والإيقاع فهي لم تخرج في إطار الموضوعات على الرؤية الماضوية، حيث طرق روادها الموضوعات القديمة من مديح ورثاء ووصف وغيرها من الموضوعات. ومن نماذج الموضوعات التقليدية نذكر موضوع الرثاء الذي احتل مكانة مهمة في الشعرية التقليدية الجزائرية ومن أمثلته رثاء محمد العيد آل خليفة للملك عبد العزيز آل سعود في قصيدته بعنوان "فقدْنا مليكا عادلا":
لك الويْل من نعي به هتف البرق * فريع له الإسلام واضطرب الشرق
وردّده المذياع من كـل موطـن * فصُمّت به الآذان واحتبس النطـق[4]
يظهر الأسلوب التقليدي من خلال البيتين رغم أنه أدخل بعض المستحدثات كالمذياع، ولكن ظل الطابع تقليديا محافظا على مستوى الموضوع والتناول وتوظيف المعجم والإيقاع.
كما نرصد موضوع الرثاء في رثاء أعلام الشعر التقليدي المشرقي، ليؤكد الشاعر الجزائري المحافظ ولاءه وإخلاصه للروح التقليدية المشرقية، ومن ذلك رثاء محمد العيد لأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، حيث يقول في قصيدة "ذكرى شاعرين":
خُلق المــوت فناء لبقاء * وجــزاء من نعيم أو شقاء
ولقاء في فــــراق باغتا * كــل نفس أو فراقا في لقاء
...
دولة الشعر من الشرق انقضت * وانقضى فيها مراء الأمراء
ولواء الضاد في الشرق انحنى* فانحنى الشرق على ذاك اللواء
عفـت الدنيا فلا (شوقي) ولا * (حافظ) غير أحــاديث الثناء[5]
إضافة لموضوع الرثاء فقد طرق رواد هذه الاتجاه موضوع الغزل على استحياء بسبب الطابع الديني لثقافتهم ومرجعيتهم ومن ذلك الغزل العذري في قصيدة أين ليلاي، والتي نلمس فيها إشارات سياسية دقيقة، ويقول في مطلعها:
أيـــن ليلاي أينها* حــيل بيني وبينها
هل قضت دين من قضى * في المحبين دينها[6]
ويضاف لهذا الموضوع العديد من الموضوعات التقليدية الطابع التي لم يهمّش رواد هذا الاتجاه أيا منها، ولكن رغم الرؤية الماضوية في تتبع الموضوعات إلا أنهم لم يكتفوا بها بل كتبوا في بعض موضوعات عصرهم المستحدثة، ليُذكّرونا بالاتجاه التقليدي المشرقي الذي طرق موضوعات مستحدثة بشكل تقليدي فوصفوا مثلا القطار والطائرة وغيرها من المخترعات، لهذا كتب رواد الاتجاه التقليدي الإصلاحي في موضوعات جديدة كالأحزاب والسياسة وهمومها ومن ذلك يقول الهادي السنوسي:
قد سئمنا سياسة طرفاها * وضـعا في خطى الجزائر قيدا
أرهقتنا مع (اليمين) وعيدا * وأرتنا (اليسار) أكثـر وعــدا
والبلادُ البلادَ من بين هاذيـ * ـنِ جميعا، قاســـت عذابا أشدا[7]
نلاحظ أن الشاعر وظّف عددا من الألفاظ والمصطلحات الحديثة في قالبه التقليدي كاليمين واليسار وكلها مصطلحات سياسية مستحدثة، جاءت لتقدّم صورة عن ارتباط الشاعر الإصلاحي بعصره وما يدور فيه، في ظل حفاظه على مقوّمات شعريته.
ومن نماذج التجديد في الموضوعات نجد وصف بعض جديد العصر كوصف المدرسة ومن ذلك قول محمد العيد في افتتاح مدرسة الهدى بالقنطرة:
فتح جديد قد بدا* في فتح (مدرسة الهدى) [8]
حيث انطلق الشاعر من اسم المدرسة ليرسم لها صورة مشرقة في نشر العلم والمعرفة، مؤكدا على دورها في النهوض بالشعب الجزائري نحو غد أفضل، ليظهر بذلك الدور الإصلاحي الإرشادي بشكل جلي في النص التقليدي الجزائري، الذي احتفى بمختلف المضامين الإصلاحية والإرشادية[9]، التي صارت علامة لتمييزه ومنارة تهدي لرواده.
انطلاقا مما تقدّم نلاحظ أن الشكل العام لبنية القصيدة التقليدية المحافظة بقي ثابتا، انطلاقا من اللغة مرورا بالإيقاع والتشكيل الهندسي العمودي المتوازي وصولا للتيمات التي لم تخرج عن صورتها القديمة إلا في وصف بعض الأمور المستحدثة، ولو أن هذا الوصف لم يخرج عن الشكل التقليدي الذي اعتمد النص المشرقي مرجعية أولى، وعلى النص القديم مرجعية ثانية بعيدة. بهذا ظل النص الشعري الجزائري الحديث يخطو نحو التأسيس لقاعدة ينطلق منها لبعث نص قوي يجابه قوة العهد الجديد الذي دخلته الجزائر والأمة العربية بشكل عام، لهذا عمل رواد هذا الاتجاه على تكريس رؤيتهم الماضوية بممارسة نصية احتلت مكانة مهمة في خارطة الشعر الجزائري الحديث، الذي لم يتوقّف في تطوّره على هذا الاتجاه، فقد ظهر على استحياء اتجاه تجديدي وجداني الطابع، موازيا للتقليدي المحافظ، حيث عرف النور بعد الحرب العالمية الأولى على يد عدد من الأدباء والشعراء الجزائريين أمثال رمضان حمود ومبارك جلواح ومحمد الأخضر السائحي وغيرهم متأثرين بشكل كبير بالرومانسية العربية المشرقية، أكثر من تأثرهم بالتيارات الرومانسية الغربية التي يخشون الانصهار بها. وقد تميّز النص الوجداني بمختلف خصائص الرومانسية، التي سنتعرّف عليها تباعا.





المحاضرة الثالثة: الاتجاه الوجداني ودوافع ظهوره :
لم تتوقف الحركة الشعرية الجزائرية على إحياء التراث وبعث القصيدة القديمة من خلال الاتجاه التقليدي الإصلاحي، فقد شهدت الحركة الشعرية بروز اتجاه آخر في الساحة الشعرية الجزائرية ترسّخ بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية، هذا الاتجاه عُرف بطابعه الرومانسي الوجداني فقد خاطب العاطفة وقلّل من توظيف اللغة والإيقاع التقليدي، بهذا يمكن الإقرار منذ البداية بأن هذا التوجه العاطفي الوجداني تأثر بشكل كبير بالرومانسية العربية المشرقية، وقد فضّل أغلب الدارسين تسميته بالوجداني دون الرومانسي[10] لأنه لم يمثل مذه

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 152.

[2]ينظر، الخطيب التبريزي، كتاب الكافي، في العروض والقوافي، ص 46.

[3]ينظر، محمد الماكري ،الشكل والخطاب، مدخل لتحليل ظاهراتي، ص 136.

[4]محمد العيد آل خليفة، الديوان، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط3، ص 482.

[5]محمد العيد آل خليفة، الديوان، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط3، ص 493، ص 495.

[6]المصدر نفسه، ص 41.

[7]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 200.

[8]ينظر، المرجع السابق، ص 161.

[9]ينظر، المرجع نفسه، ص 341.

[10] ينظر ، عبد الله الركيبي، الشاعر جلواح، من التمرد للانتحار، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986، ص13.



[2]ينظر، المرجع نفسه، ص 77.

[3]ينظر، المرجع السابق، ص 180.

[4]ينظر، المرجع نفسه، ص 34، ص 342.

[5]ينظر،المرجع نفسه، ص 343.

[6]ينظر، مشري بن خليفة، الشعرية العربية ـ مرجعياتها وإبدالاتها النصية، ص 91.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:27   رقم المشاركة : 145
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


المحاضرة الثالثة: الاتجاه الوجداني ودوافع ظهوره :
لم تتوقف الحركة الشعرية الجزائرية على إحياء التراث وبعث القصيدة القديمة من خلال الاتجاه التقليدي الإصلاحي، فقد شهدت الحركة الشعرية بروز اتجاه آخر في الساحة الشعرية الجزائرية ترسّخ بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية، هذا الاتجاه عُرف بطابعه الرومانسي الوجداني فقد خاطب العاطفة وقلّل من توظيف اللغة والإيقاع التقليدي، بهذا يمكن الإقرار منذ البداية بأن هذا التوجه العاطفي الوجداني تأثر بشكل كبير بالرومانسية العربية المشرقية، وقد فضّل أغلب الدارسين تسميته بالوجداني دون الرومانسي[1] لأنه لم يمثل مذهبا خاصا بأسسه كما ظهر في المشرق بل كان مجرّد توجّه محدود نسبيا مقارنة بما حدث عند المشارقة، لكن ظل طابعه العام رومانسيا وعليه يمكن تحديد مفهوم الشعر الوجداني بـأنه ذلك الاتجاه الشعري الذي ظهر بعد "ح ع 1 " وترسّخ بعد "ح ع 2" في الجزائر متأثرا بحركة الرومانسية العربية وذلك بجنوح أصحابه إلى الخيال والذات الشاعرة وانصرفوا عن مختلف الموضوعات القديمة كما جدّدوا في الموسيقى واستخدام اللغة وتميز اتجاههم عموما بمختلف خصائص الرومانسية من تمجيد للذات، وإبحار في الخيال، وبساطة اللغة وغيرها من الخصائص، وقد عملت عدة مؤثرات للتمهيد ودفع هذا الاتجاه نحو النمو والتطوّر ونذكر بعضها فيما يلي:
1- دوافع سياسية واجتماعية واقتصادية:
بدأت تظهر وتتجسد تلك الدوافع مع بوادر اليقظة القومية قبيل "الحرب ع 1 " وأثنائها، حيث نجد العديد من النصوص ظهرت في هذه الفترة تصف الواقع المرير في نغمة يائسة، ونظرة قاتمة، ومشاعر واعية بالفرد وتطلعاته إلى غد أفضل، وقد دلت بعض تلك القصائد من خلال عناوينها على ما تحمله من هذه الأحاسيس " دمعة على الملة "، "زفرات العشي" ، " زفرات الحيران ذي الشجن"دمعة كئيب"... ولكن هذه النصوص ـ مع تجاوزنا في إطلاق هذه التسمية عليها ـ لا تتعدى كونها بذورا تعبر عن مشاعر الشعراء، إبان الحرب العالمية الأولى[2] إزاء الحياة والمجتمع. إلا أن البداية الحقيقية لهذا الاتجاه، إنما بدأت في الأشعار التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، مع بداية الوعي بالواقع الاجتماعي والسياسي، فإن الأوضاع المؤلمة التي فرضها المستعمر آنذاك تعد مؤثرا أساسيا في طغيان مشاعر الكآبة التي لوّنت الشعر الجزائري آنئذ، حتى غدت طابعا عاما يميز أغلب الإنتاج الشعري الذي ظهر في العشرينيات[3]، فقد صحب النهضة في الجزائر أوضاع اجتماعية قلقة أبرزها تلك الصراعات الدينية والفكرية بين دعاة السلفية والمتفرنسين من جهة، وبين الطرقية والسلفيين الإصلاحيين من جهة ثانية. هذا الصراع هو الذي طبع الإنتاج الفكري شعره ونثره عند طائفة الشباب الذين كانوا يحاولون زحزحة القديم المتحجر.
ولم تمض معاناة الشعب طويلا بعد الحرب الأولى حتى جاءت الحرب العالمية الثانية لتحدث انقلابا خطيرا من كل نواحي الحياة في المجتمع الجزائري، ولاسيما في الميدان الوطني، فكان تأثيرها على الشعراء عميقا لما تمخضت عنه هذه الحرب من تيارات شعورية وفكرية لا تقل عن تلك التأثيرات التي تمخضت عنها الحرب الأولى.
وهكذا فإن نغمة اليأس من الحياة عادت إلى الظهور في النصوص الشعرية بصفة أكثر حدة ولاسيما في السنوات( 1943ـ1954) مما يدل على أن الأوضاع الاجتماعية، التي هي وليدة التأثيرات السياسية والاقتصادية، لها تأثير مباشر في توجيه الشعراء إلى الشعر الذاتي الوجداني، حيث أخذ الشعر الجزائري في هذه الفترة يتجه اتجاها واضحا إلى التعبير عن المشاعر الفردية، وظهرت فيه انعكاسات التجربة الذاتية بعد أن كانت نظرة الشاعر تطغى عليها الغيرية وشعر المناسبات[4]، وفي ذلك برزت أهم خصائص الرومانسية، ولو بمحدودية في المفاهيم والإنتاج مقارنة بالمشرق العربي.
2- دوافع تأثرية: ويمكن رصد نوعين من التأثر أحدهما بالمشارقة والآخر بالاتجاهات الرومانسية الغربية، أما التأثر بالمشارقة فقد عكسه الإقبال الكبير على شعر المشارقة وآرائهم النقدية، ومن تلك الاتجاهات الرومانسية في المشرق نذكر؛ جماعة أبولو والديوان والرابطة القلمية في أمريكا، أما إنتاج جماعة أبولو فقد كان معروفا لدى الأدباء الجزائريين منذ نشأتها، وكانت مجلة " أبولو " تصل إلى الجزائر بانتظام[5]، فكان –مثلا - لأحمد زكي أبو شادي مؤسس جماعة أبولو معجبون من الشعراء الشباب، وصلته بالشعراء الجزائريين ظهرت بارزة بعد الحرب العالمية الثانية، ومما يدلل على ذلك ما قالته عنه الصحافة الجزائرية يوم رحيله، حيث تلقّت الأوساط الأدبية نبأ وفاته بأسى مرير، لتتوارد على الصحافة قصائد من عدد من الشعراء ترثيه وممن كتبوا في ذلك؛ أحمد معاش الباتني ومحمد الأخضر السائحي والطاهر بوشوشي [6]، حيث أظهرت نصوصهم مكانة الرجل في الأوساط الأدبية الجزائرية.
أما النوع الثاني من التأثر فكان التأثر بالاتجاهات الغربية[7]، التي كان المنتظر أن تكون الصلة قوية بينها والشعراء الجزائريين، بحكم الثقافة الفرنسية التي كانت مسيطرة على المجتمع الجزائري طوال الحكم الاستعماري، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، إلا مع أفراد قلائل. فقد كانت صلة الشعراء الجزائريين بالشعر العربي أشد، واستفادتهم منه أقوى، فإن الحذر من كل ما هو استعماري جعلهم يزهدون حتى في ثقافته وأدبه، إضافة إلى كون الشعراء ينتمون ـ في الأغلب الأعم ـ إلى الحركة الإصلاحية ذات الطابع السلفي، وأغلبية أصحابها من ذوي الثقافة العربية الخالصة.
ولكن هذا لم يمنع بعض المفرنسين من التأثر بالثقافة والاتجاهات الغربية، منهم رمضان حمود، وأحمد رضا حوحو، والطاهر بوشوشي، وعبد الله شريط، ومبارك جلواح[8]. ويعد رمضان حمود من أوائل الدافعين إلى الاحتكاك بالآداب الغربية والاستفادة منها، وقد حقق ذلك على مستوى التنظير من خلال مقالاته التي نشرت بعضها مجلة الشهاب، كما قدّم رؤيته للشعر من خلال نصوصه، التي قدّمت على قلّتها رغبته في التحرر من قيود عمود الشعر والأخذ من الآخر الغربي، ولكن زهرة لا تصنع ربيعا، فالشاعر رمضان حمود كان صوتا فريدا منفردا من جهة ومن جهة أخرى قصر عمره*، حالا دون أن يشكل تيارا تجديديا حقيقيا يُحسب كاتجاه في مسيرة الشعرية العربية الجزائرية.
3- المؤثرات البيئية والنفسية :
لعبت البيئة على مر العصور دورا مهما في صقل مواهب الشاعر وإلهامه، وككل رواد الاتجاه الرومانسي، شغلت البيئة بما حوت شعراء الاتجاه الوجداني، وأثرت في عواطفهم أيما تأثير، خصوصا أن أغلب شعراء الاتجاه الوجداني في الجزائر كانوا من سكان الصحراء، والمناطق النائية، أمثال، أحمد معاش الباتني، محمد الأمين العمودي، أحمد سحنون، أبو القاسم سعد الله، أبو القاسم خمار ... وغيرهم كثير. فعملت بيئتهم على توجيه نهجهم الشعري. ولا شك أن البيئة وحدها لا تخلق شاعرا كما يرى عبد الله ركيبي فالحس المرهف والنفس الشاعرية بطبعها، لؤلئك الشعراء، عملت على التأثير بشكل كبير في خلق الاتجاه الوجداني، بكل ما يحمل من خصائص، ونذكر من بين الحالات النفسية التي كان يعانيها الشعراء في تلك الفترة، حالة القلق والاضطراب المستمر لما تعانيه البلاد وما يرزح تحته العباد، فعملت تلك الحالة غير المستقرة على تحريك أنفس الشعراء لتقذف ألسنتهم بشعر يعج بالعواطف الجياشة، والإغراق في الذاتية.
4- دوافع مفهومية:
ما هو الشعر؟ وما حدوده؟ هذا السؤال الذي تأخر طرحه حتى العصر الحديث، وهو ما قَلَب الموازين، فلم يعد الشعر الكلام الموزون المقفى، بل تغيرت حدوده، ليصبح الثورة، كسر القيود، الانطلاق الانعتاق من كل الإطارات، إنه التعبير الجميل المنبعث من دواخل الشاعر اللامحدودة الأفق والحدود، فجوهر الشعر بذلك هو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية وترجمة الواقع الذي تعيشه الإنسانية المعذبة، والقصيدة الشعرية في خضم هذا المفهوم، إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حد ذاتها. ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف، والمشاعر، والأخيلة، والتراكيب اللغوية فحسب، بل هو إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة، ومن هنا ننطلق في فضاء مفهومي واسع للشعر في ظل التحرر[9]، بهذا التغيير في مفهوم الشعر، تأثر الإنتاج ذاته، وانطلق الشعراء من حدود التعريف لخلق جديد ذو بنيات موسيقية ولغوية متطورة تطوّرَ اللغة، وقد تجسد الدافع المفهومي في إنتاج الشعر الوجداني عند رمضان حمود بالخصوص، وذلك لتأثره بمفهوم الشعر عند الغرب، فرأى وجوب تطوير الأوزان، وخلق لغة جديدة تتماشى والواقع الجديد، والتطرق لموضوعات معاصرة، ويمكن رصد آراء رمضان حمود من خلال مجموع مقالاته التي كان ينشرها بمجلة الشهاب، إذ عبر فيها على آرائه بصراحة حول التجديد، والمتتبع للحركة الشعرية والنقدية وقته لا يكاد يجد صوت كصوت حمود حول التجديد الشعري، ومن بين مقالاته نذكر مقال بعنوان" حقيقة الشعر وفوائده" منشور سنة 1927م بالشهاب، وقد ضمّن مقاله مختلف آرائه حول إعادة بعث الشعر في حلّة جديدة، كما وجّه نقودا قوية لأصحاب الاتجاه التقليدي وخاصة في المشرق وعلى رأسهم أحمد شوقي، حيث يقول رمضان حمود في شأنه:" ... إن شوقي لم يأت بشيء جديد لم يعرف من قبل ...... وأكثر شعره أقرب إلى العهد القديم منه إلى القرن العشرين الذي يحتاج إلى شعر وطني، قومي... يجلب المنفعة..."[10]
من خلال مقولة حمود يتضح رأيه بصراحة في الشعر التقليدي، ودعوته للتجديد، فالأدب حسب رأيه لن يكون ذا فائدة إن لم يعبّر عن شخصية قائله وعن تجاربه، وفق ما يتناسب مع العصر لغة وأسلوبا.

المحاضرة الرابعة: بنية نص الاتجاه الوجداني
رأينا أن الاتجاه الوجداني لم يخرج من فراغ فهناك دوافع عديدة اجتمعت لدفع عجلته نحو الأمام، وعلى رأسها كما ذكرنا الحالة السياسية والاجتماعية التي كانت تعيشها البلاد، مما خلقت سوداوية في الرؤية، وبعثت بالنغمة الحزينة على ألسنة الشعراء، مما جعل النص الوجداني يمتاز بخصائص على المستوى البنيوي تميّزه عن غيره من النصوص التي عاصرته، ومن هذه الخصائص ما هو متعلق باللغة الشعرية ومنه ما يرتبط بالإيقاع والموضوعات وغيرها من المستويات التي إن أردنا تتبعها – على اختلافها – في الشعر الوجداني علينا الانطلاق من خصائص الرومانسية لكونها تشكل الإطار الذي أحاط بالاتجاه الوجداني في الجزائر، لهذا سنذكر خصائص الرومانسية مركزين على ما يخص الاتجاه الوجداني، ولكن تجدر الإشارة بداية لمفارقة مهمة حول تجسد الرومانسية في الاتجاه الوجداني الجزائري، تكمن في أن رواد هذا الاتجاه لم ينطلقوا من ثورة ضد الكلاسيكية كما فعل رواد الرومانسية الأوروبية، الذين انطلقوا من فلسفة ثورية، فكان مذهبهم ثوري عام في مختلف الميادين، في حين تعد انطلاقة رواد الاتجاه الوجداني بسيطة بساطتهم، ومحدودة للغاية[11]، فلم تأخذ الطابع الثوري ضد المبادئ الكلاسيكية، بل انطلق رواده من حبهم للحرية وشعورهم الحزين بواقعهم المرير، وعليه لم يكن الاتجاه الوجداني مذهبا خاصا له نظريته في الشعر، وفلسفة مُؤسَّسَة، بل كان مجرد اتجاه عبّر فيه الشعراء عن ما يجوب بخاطرهم، بأشكال مختلفة، آخذين من الرومانسية أهم خصائصها وهي الإغراق في الذاتية، لما تسمح لهم هذه الخصيصة من تعبير الحر عن ذواتهم. وعليه سنتتبع أهم خصائص الرومانسية بما يتوافق مع الاتجاه الوجداني انطلاقا من اللغة الشعرية ومرورا بالإيقاع، كالتالي :
1- مستوى اللغة الشعرية: قام النص الوجداني على استخدام اللغة والتراكيب البسيطة، فالرومانسية لا تعترف بوجود لغة فخمة وأخرى أقل شأنا منها، بل كل الألفاظ اللغوية تصلح لأن تكون ألفاظا شعرية، ومن ذلك جاءت قصائد الاتجاه الوجداني ملونة بألوان المفردات على اختلاف حقولها، فطوّروا بذلك القاموس الشعري[12]، فجاء نصّهم معبّرا بألفاظ بسيطة ومفعمة بالعواطف، ومن جهة أخرى جاءت لغتهم هامسة[13]، حيث امتلك الشاعر الوجداني الأذن الموسيقية الحساسة فأمدّته بقدرة عجيبة على اختيار الألفاظ البسيطة والرنانة والمعبرة والزاخرة بالدلالات الجمالية، ومن نماذج هذا القاموس الشعري ما نقرؤه من قصيدة وحي الأسى لمحمد الأخضر السائحي يقول:

غيّرتني الخطوب والآلام * فعلى عهدي القديم السلام
رحمة الله عنه عهدا تولى * وزمانا كأنه أحـــلام[14]
من خلال البيتين تظهر ميزة القاموس فهو لم يتعد حقل العواطف اتجاه المآسي، فجاء بكلمات أكثر تداولا كالخطوب والآلام والأحلام وغيرها مما هو مفهوم ومعبّر عن دواخل الشاعر الوجداني المتأججة، وقد تم ذلك انطلاقا من بساطة اللغة ومرونتها، فالقاموس اللغوي غير معقد والشاعر استخدم ألفاظا عادية متداولة بين أفراد العامة، ليمرر خطابه لمتلقي ذلك العهد، بهذا يظهر المعجم الشعري عند الاتجاه الوجداني في صورة مختلفة عما لاحظناه في الاتجاه التقليدي المحافظ، فامتاز إضافة لبساطة اللغة، بالنزوع للذاتية كما حملت كلماته إيحاءات وإشارات خضعت لمطالب النفس ونوازعها، فانتقلت بذلك اللغة من مجرّد التقليد والتقرير لِلُغة تنبع ألفاظها من تجارب الشاعر ونفسه[15]، بهذا بدأ التحول في وظيفة اللغة الشعرية نحو أفق رحب يحمل بذور التحديث، الذي عرفته الشعرية الجزائرية المعاصرة بعد فترة من تمهيد الاتجاه الوجداني له، وعليه يعد هذا الاتجاه المنطلق الأول نحو التأسيس لنص يتجاوز التقليد.
أما على مستوى التراكيب، فكانت سهلة بعيدة عن التعقيد اللغوي، ولعل ذلك راجع لرغبة الشعراء العميقة في إيصال أحزانهم وسلواهم بصورة مباشرة للمتلقي، بعيدا عن أي تكلّف، كما يمكن ملاحظة خصيصة

[1] ينظر ، عبد الله الركيبي، الشاعر جلواح، من التمرد للانتحار، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986، ص13.

[2]ينظر، عبد الله الركيبي، الشعر الديني الجزائري الحديث، ص 495.

[3]محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، ط1، 1985. ص80.

[4]المرجع السابق، ص93، ص94.

[5]ينظر، المرجع نفسه، ص 109.

[6]ينظر، المرجع نفسه، ص110، ص111.

[7]ينظر، المرجع السابق، ص 96.

[8]ينظر، الشاعر جلواح، من التمرد للانتحار، عبد الله ركيبي،، ص303.

* لم يتجاوز الربيع الثاني والعشرين. رمضان حمود: ولد بغرداية عام 1906 ، و توفي 1926 .يحمل الشهادةالابتدائية .ترك ما يقرب من ثلاثين قصيدة ، و كتابا سماه بذور الحياة .

[9] ينظر فاتح علاق، مفهوم الشعر عند رواد الشعر العربي الحر، ص 41.

[10]محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية عن : رمضان حمود، بذور الحياة، ص 115/116/117.

[11]ينظر المرجع نفسه، ص85، ص 86.

[12]ينظر المرجع السابق، ص332.

[13]ينظر المرجع نفسه، ص 317.

[14]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 110، من الملحق.

[15]ينظر، عمر بوقرورة، الغربة والحنين في الشعر الجزائري الحديث، ص 210.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:30   رقم المشاركة : 146
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ونجد لهذا الموضوع حضورا كبيرا في قصائد الشعراء الوجدانيين لما كان يمثل لهم الأهل والأحبة، ولحساسيتهم اتجاه الفراق، الذي تسبب فيه الاحتلال بما أفرزته سياساته من معاناة للشعب فدُفع الكثير لمغادرة الوطن وترك أحبائهم. كما لم يتوقّف التغزّل وذكر الأحبة على البعاد والفراق، بل جاء بشكل أكثر مباشرة، في غزل الحرية وما عُرف بالتغزّل السياسي، ومن ذلك تغزل رمضان حمود في الحرية سنة 1928 يقول:

لا تلمني في حبها وهواها * لست أختار ما حييت سواها
هي عيني ومهجتي وضميري * إن قلبي وما إليه فداها[1]
إلا أن الطابع الغزلي بمختلف أنماطه وأهدافه لم يحض بمساحة كبيرة بين الموضوعات بسبب الثقافية التقليدية من جهة، وعدم تقبّل المجتمع الموضوعات الغزلية من جهة أخرى لهذا ظل الغزل محصورا ومحدودا في نماذج بسيطة مقارنة بالموضوعات الأخرى.
3- موضوع رفض الواقع والثورة ضد الاضطهاد: يعد هذا الموضوع من أبرز الموضوعات حضورا نتيجة للواقع المرير الذي عايشه الشعراء مما دفعهم للزهد في الحياة وتمني الموت على ظهور الجياد من العيش أذلة تحت سلطة المحتل، كما دعوا للعلم مقترنا بالجهاد، ونمثّل لذلك بقصيدة "الموت مجد فوق متن جهاد" عبد الرحمن بنالعقون* التي يقول فيها:
رُحماكَ ربِّ تفطّرتْ أكبادي
وقد انمحى بين الضلوع فؤادي
هجمتْ عليَّ الحادثاتُ تنوشني
ولبثتُ في البلوى وحيدَ «الوادي»
فبلوتَني ودهيتَني متقطّعَ الْـ
أوصالِ والأحباب والأولاد
……….
........
والموتُ في كَنَف المذلّةِ سُبّةٌ
والموتُ مجدٌ فوق متنِ جهاد[2]


من خلال هذه الأبيات يظهر رفض الشاعر لواقعه المزري ويحبذ الموت شرفا على حياة المهانة، في واقع أبى أن يتغيّر، بسبب تضييق المحتل وممارساته المجحفة في حق الجزائريين.
4- موضوع البؤس والشقاء، وذكر مآسي الفقراء والمساكين الذين سدوا الطرقات في عهد المحتل، يقول في ذلك مصطفى بن رحمون*:

المسكين (( مع شبح البؤس))
لا تعذِلُوهُ فإن الفقر أضواهُ
والحظُّ عاكسه والدهرُ عاداهُ
لا تنهروه إن استجدى أَكُفَّكمُ
فالجوعُ آلمه والصبرُ أعياه
ما كان يبسط للتسآل راحتَهُ
إلا وَوِجْدانُه عن ذاك ينهاه
تأمّلوا - إنْ أردتمُ - ما يكابدهُ
تدلّكم عن أليم الوخز عيناه[3]

نلاحظ من خلال الأبيات دقّة الوصف وكأنّ الشاعر يرى ويُعايش هذا المسكين، مما يؤكّد ارتباط الشاعر الوجداني بهموم واقعه ودقة تصويره لهذا الواقع المرير، الذي أعلن عليه العديد من الشعراء حرب الكلمة ورفضوه بشدّة، لعلاقته بالمحتل الغاشم، وقد تجسد ذلك أكثر بعد أحداث الثامن ماي 1945م وما جرّته من قتلى وجرحى ومشردين، فعبّر الشعراء الوجدانيون من خلالها بقوة، لأنها حرّكت نفوسهم وألهمت قرائحهم من ذلك نأخذ قصيدة "عجباً لوجهك كيف عاد لحاله" للربيع بوشامة* يصف فيها هول أحداث الثامن ماي، ويلعن فيها الشهر والمستعمر:

قُبِّحْتَ من شهر مدى الأعوامِ
يا (مايُ) كم فَجَّعْتَ من أقوامِ
شابتْ لهولك في الجزائر صِبيةٌ
وانماع صخرٌ من أذاك الطامي
وتفطّرتْ أكبادُ كل رحيمةٍ
في الكون حتى مهجةُ الأيام
تاريخُكَ المشؤوم سُطِّر من دَمٍ
ومدامعٍ في صفحة الآلام[4]
من خلال الأبيات نلاحظ مدى الحرقة التي تعتصر الشاعر، إلى درجة أنه قبّح زمن شهر ماي على مر الأعوام، كما تظهر اللغة الرنانة التي تحرّك الدواخل، ومنها : قبّحت، هولك، انماع صخر، أذاك، مدامع، وغيرها مما يشحذ النفس ويوجّهها إلى تلقي فجيعة وهول هذا اليوم.
5- موضوع الانتماء للعروبة، والإسلام: نجده حاضرا بقوة في شعرهم ومثاله عند مبارك جلواح* في قصيدته" أنا عربي" التي يقول فيها:
أنا عربي
أنا عربيْ لا جنسَ أمجدُ من جنسي
أنا عربيْ أفدي العروبةَ بالنفسِ
أنا مسلمُ المبدا جزائريُ الحِمى
أنا بلبلُ الفصحى المقدّسة الجَرْس
شدوتُ بما شادتْ صوارمُ «خالدٍ»
وأسيافُ «عمرو» الفتحِ بل «عُمَرِ» البأس[5]



يعلن الشاعر منذ الانطلاق عن انتمائه للعروبة التي يعتز بها، لدرجة أنه يفديها بنفسه، ويعلن بعد ذلك عن مرجعيّته الثانية وهي الإسلام الذي لم يفرّق الجزائري بينه وبين العروبة وهذا واضح في هذه الأبيات، حيث يعزّز الشاعر انتمائه لهذه المرجعية بتوظيفه لأسماء إسلامية (خالد، عمرو) ليجعل منها منطلقا في انتمائه وتأسيسا لمنهجه في الحياة والشعر، ليكون بلبلَ الفصحى.
6- موضوع المدينة والحنين إليها: عبّر الشعراء الوجدانيون عن ولههم وارتباطهم القوي بالمدينة، لهذا تغنوا بها وبمحاسنها، فقد فتنتهم مبانيها وشوارعها، ومن ذلك نذكر قصيدة " المدينة المنيعة: قسنطينة" لمحمد الصالح خبشاش** يقول فيها:
المدينة المنيعة أو ) قسنطينة(
تلك المدينةُ هل في الأرض مبناها؟
وهل حوتْ كُتبُ التاريخ معناها؟
مدينةٌ أحكمَ الباني لها أُسساً
مُثْلى وأتقن بعد الوضع أعْلاها
خُطَّتْ على ذروة ما بين أهويةٍ
النجمُ يحرسها والشمسُ ترعاها
قامتْ على جبل أَعظِمْ به جبلاً
بين الجبال يحوز الفخرَ والجاها[6]



نلاحظ مدى دقة تصوير الشاعر لهذه المدينة حيث رسمها بالكلمات من خلال وصفه لمكانها وفخره بشموخها، ليؤكّد على ارتباطه بها وحبّه لعظمتها بين المدن.
كما نسجّل في الأخير خاصة تعد من أهم ما يميّز الاتجاه الوجداني على مستوى مختلف مستوياته وهي الغوص في الذاتية، حيث عبّر الشاعر الوجداني عما يدور في خاطره بصدق وشفافية، فهو المركز الذي تنطلق منه القصيدة، ومثال ذلك نجده عند رمضان حمود، في قصيدته السالفة الذكر"يا قلبي"، كما نجد ذلك حاضرا عند الشاعر جلواح الذي يعد رائد الذاتية الوجدانية في هذا الاتجاه، من خلال أحزانه التي بثها في شعره ومن ذلك قوله في قصيدة مصرع الأمل:
هنا بين الدوح والزهــرات * غسلتك قبل الدفن العبرات
هنا راعني فيك القضاء بضربة * فقدت فؤادي بعدها وحصاتي[7]
يظهر من خلال البيتين البعد الذاتي للشاعر والعاطفة غير المحدودة التي ينبع منها نصه، ليبرز لنا توجه الشاعر نحو ذاته وهمومها، وانصرافه إلى مشاكله واعتبارها مركز الهموم، لكونه مركز العالم. كما يمكننا من خلال البيتين ملاحظة الطابع التجديدي خصوصا على مستوى اللغة فالقاموس ينبض بمتعلقات العاطفة؛ من العَبَرات إلى الفؤاد، وهذا يقدّم دليلا على انطلاقة النص الوجداني نحو التجديد في مختلف مستوياته.
مما تقدّم نلاحظ أن الاتجاه الوجداني ظل يسير جنبا إلى جنب مع الاتجاه الإصلاحي رغم الاختلاف في البنية بينهما، وقد ظل ذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وأحداث ماي الأليمة، حيث بدأ الجزائريون يفكرون في العمل المسلّح والثورة، التي ما كادت تنقضي سنة 1954 حتى انطلقت أولى رصاصاتها، فآذنت برفع القيد، وظهور نص أخذ من مختلف ما كان قبله من بنيات نصية، ليتميّز بلغة وموضوعات جديدة تخدم القضية الوطنية، إنه النص الثوري، الذي أطلق معه نصا آخرا جديدا رافقه في انتفاضته، وهو النص الحر الذي دخل معترك الساحة الشعرية الجزائرية وافدا من المشرق العربي، حوالي السنة بعد اندلاع الثورة ليستفيد من التحوّلات التي رسّختها، فكان نص أبي القاسم سعد الله "طريقي" فاتحة الطريق نحو النص الشعري الحر، الذي أخذ مختلف مقوّماته وخصائصه من الشعر الحر في المشرق. ورغم حال البلاد من تأزم وبعد عن التواصل الأدبي عموما إلا أن هذا النمط الشعري عرف ازدهارا نسبيا على يد عدد من الشعراء، ليرسم لنفسه طريقا مع الاتجاهين السابقين.



















المحاضرة السادسة: بنية النص الشعري الجزائري في مرحلة الثورة والنص الشعري الجزائري الحر:
لم تُنتج الثورة نصا مختلفا بالكامل إنما هي مرحلة أثّرت في الشعرية الجزائرية بمختلف أطيافها وطبعتها بطابعها على المستوى اللغوي والموضوعاتي بالخصوص، لهذا لا يمكن اعتبار نص مرحلة الثورة –العمودي منه- نصا جديدا كلية، فمرحلة الثورة ليست اتجاها جديدا إنما مؤثرات خارجية أثرت في الشعر، وعليه سنتتبع خصائص النص الثوري انطلاقا من نماذج عنه تعد امتدادا لما قبل الثورة، فشعراء الثورة أنفسهم من كتبوا في ما قبلها، ويضاف لهم شعراء آخرون أول ما كتبوا في الثورة لكن على نهج من سبقهم، وتجدر الإشارة في هذا الموضع إلى أن الرغبة في الثورة لم تكن مع 1954 بل قبل ذلك فالشعب الجزائري عرف حقيقة الثورة و دو

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 302، ص 303.

* عبد الرحمن بن العقون ولد عمل 1908 بوادي الزناتي،أتم الدراسة الابتدائي، وعملفي التعليم ، و أصبح عاملاً في صفوف جبهة التحرير الجزائرية أثناء الثورة .صدرله (( ديوان ابن العقون )) 1980 ، و له مؤلفات أخرى.


[2]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org/default.aspx

* مصطفى بن رحمون - ولد بلبانهنواحي بسكرة عام 1921 وتوفى عام1984 - تتلمذ على بعض المشايخ في علوم العربيةوالدين- عمل في الصحافة والتعليم .- صدر له ديوان ابن رحمون.

[3]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org

*- الربيع بو شامة، ولد في " فنزاة " قرب سطيف عام 1916 - درس على المشايخ في المساجد ثم نال شهادة التطويع من تونس.- اشتغل فيالتعليم - له ديوان مطبوع نشر بعد الاستقلال بعنوان " ديوان الربيع بو شامة"، وأعدمه الفرنسيون عام. 1959

[4]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org


* مبارك بن محمدجلواح، ولد عام 1908 في (( قلعة بني عباس )) بولاية سطيف ، و توفي بباريس عام. 1943قرأ القرآن على والده ، و انخرط في جمعية العلماء المسلمين التيأرسلته إلى فرنسا كمرشد ديني .
له ديوان شعري بعنوان (( دخان اليأس )) ، و جمعالدكتور عبد الله ركيبي أعماله الشعرية .

[5]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org

** محمد الصالح خبشاش، ولد بوادي يعقوب قرب قسنطينة عام 1904 ، و توفي أثناء الحربالعالمية الثانية .- حفظ القرآن الكريم و تتلمذ على الشيخ عبد الحميد بن باديس .- لم يجمع شعره بعد .

[6]من موقع مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطيين للابداع الشعري: www.albabtainprize.org

[7]عبد الله ركيبي، الشاعر جلواح، من التمرّد إلى الانتحار، ص 349.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:31   رقم المشاركة : 147
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


المحاضرة السادسة: بنية النص الشعري الجزائري في مرحلة الثورة والنص الشعري الجزائري الحر:
لم تُنتج الثورة نصا مختلفا بالكامل إنما هي مرحلة أثّرت في الشعرية الجزائرية بمختلف أطيافها وطبعتها بطابعها على المستوى اللغوي والموضوعاتي بالخصوص، لهذا لا يمكن اعتبار نص مرحلة الثورة –العمودي منه- نصا جديدا كلية، فمرحلة الثورة ليست اتجاها جديدا إنما مؤثرات خارجية أثرت في الشعر، وعليه سنتتبع خصائص النص الثوري انطلاقا من نماذج عنه تعد امتدادا لما قبل الثورة، فشعراء الثورة أنفسهم من كتبوا في ما قبلها، ويضاف لهم شعراء آخرون أول ما كتبوا في الثورة لكن على نهج من سبقهم، وتجدر الإشارة في هذا الموضع إلى أن الرغبة في الثورة لم تكن مع 1954 بل قبل ذلك فالشعب الجزائري عرف حقيقة الثورة و دورها في تخليصه من المحتل خصوصا بعد أحداث الثامن ماي 1945 الدامية التي تأكد فيها للشعب الجزائري ضرورة القتال المسلح لنيل الحرية، بهذا فقد عملت أحداث العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين دورا مهما في شحذ الجزائريين وتعبئتهم لقضيتهم والتفافهم حول الثورة[1]، التي مهّدت إليها نصوص مبكّرة أطلقت رصاص اللغة وانتفضت، ومن هذه النصوص تُطالعنا رائعة محمد العيد آل خليفة وهي النشيد الذي ظهر سنة 1946، ليكون أول صرخة غضب شعبي:

من جبالنا طلع صوت الأحرار* ينادينا للاستقلال
ينادينا للاستقلال* لاستقلال وطننا
تضحيـــتنا للوطن *خــــير من الحياة[2]
من خلال هذا النص يظهر رغبة الجزائريين في التخلص من نير المحتل، بكل السبل فالتضحية في سبيل الوطن خير من الحياة. ومن هذا تظهر بوادر النزعة التحررية في الشعر الجزائري قبل الثورة، حيث مهّدت لها عدت عوامل، من أحداث ماي إلى ظهور الحركات السياسية الداعية للتحرر والحركة الإصلاحية وغيرها من الأسباب[3]، حيث اجتمعت لتقدّم نصا فتح الباب أما النص الثوري الذي تميّز على المستوى اللغوي والموضوعاتي، وفيما يلي نتتبّع أهم خصائصه من خلال نصوص أعلامه:
3-1- المستوى اللغوي: وفيه أخذت الألفاظ أبعادا جديدة في التوظيف فقد صارت محملة بشحنات الثورة وقاموسها ومن أمثلة هذا التوظيف نذكر ما قاله مفدي زكريا* واصفا الشهيد أحمد زبانة وهو متجه للشهادة بالمقصلة ليلة 18 جويلية 1955 حيث يقول:
قام يــختال كالمسيح وئيدا * يتهادى نشوان، يتلو النشيدا
باسم الثغر كالملاك أو كالكطـ*ـفل، يستقبل الصباح الجديدا
شــامــخا أنفه جلالا وتيها* رافعا رأسها يناجي الخلودا[4]
من خلال هذه الأبيات تظهر قوة القاموس المستخدم ورنين كلماته فمنها؛ يختال، المسيح، يتهادى، رافعا ، شامخا، جلالا، الخلود وكلها كلمات قوية النغمة مؤثرة في المتلقي، وهذا يُمدّ النص بقوة إيقاعية كبيرة، تجعله يثور أثناء تلقيه فيُعبّر أحسن تعبير عن الثورة، التي لم يكتف الشاعر بقوّة اللفظ ونغمه الرنّان بل وظّف معه العديد من الأسماء والمناطق الجغرافية الجزائرية ليزيد من شحن الجزائري للالتفاف حول الثورة وقضية الحرية، ومن نماذج توظيف أسماء المناطق نجد توظيف أسماء الجبال التي احتضنت الثورة بصرْحها الكبير يقول مفدي زكريا:
هذي الجبال الشاهقات شواهد* سخرت بمن مسخ الحقائق وادعى
سل (جرجرا) تُنبّئك عن غضباتها* واستفت (شليا) لحظة و(شلعلعا)
واخشع بـ(وارشنيس) إن ترابها* ما انفك للجند المعطّر مصرعا[5]
نلاحظ من خلال الأبيات توظيف الشاعر لعدد من أسماء الجبال التي اتخذها الثوار حصونا لضرب العدو، ومنها جرجرة وشليا وشلعلع وغيرها مما دارت فيه معارك طاحنة كبّد فيها الثوار المحتل الفرنسي خسائر باهظة.
لكن رغم حداثة النص الثوري إلا أنه لم يخرج في بنيته عن الشعر التقليدي مقلّدا أو محاكيا نصوصه ومن ذلك قول مفدي زكريا معارضا أبي تمام في فتح عمورية:
السيف أصدق لهجة من أحرف * كتبت، فكان بيانها الإبهام
والنار أصدق حجة، فاكتب بها* ما شئت تصعق عندها الأحلام
إن الصحائف للصفائح أمرها * والحبر حرب، والكلام كلام[6]
ومنه فالنص الثوري العمودي القالب لم يخرج عن خط التقليد سواء على مستوى اللغة أو الإيقاع، إلا أن هذا لم يدم طويلا فبظهور النص الحر الوافد الجديد من المشرق، حتى انطلقت أقلام شعرائه في اقتحام عباب الثورة مجرّبين الشكل الجديد، ومما نسجّله من النصوص الحرة التي قيلت في هذه المرحلة خصوصا بعد 1957 قول أبي القاسم سعد الله، رائد الاتجاه الشعري الحر في الجزائر:
وهيهات. يا ألف قفل حديد
ااه اه ااه اه ااه ا ااه اه
فعولن فعولن فعول فعولن
ويا ألف سوط شديد
ويا ألف زنزانة مظلمة
ستنهار جدرانك الشامخة
وأقفالك المحكمة[7]
نلاحظ الشكل الحر في بناء النص، بداية بشكله الهندسي الشجري وانتهاء باللغة البسيطة المتداولة والإيقاع الذي اتخذ من تفعيلة "فعولن" البسيطة أساس لبنائه، حيث اجتمعت كلها لتحتضن موضوعا ثوريا، دلت عليه ألفاظ مثل: قفل حديد، سوط، زنزانة وغيرها من متعلّقات الثورة والمحتل.
3-2- المستوى الموضوعاتي: لم تخرج موضوعات النص الثوري على مجال الثورة والحرب وحق الشعب في الاستقلال وفضح جرائم المحتل ومن نماذج ذلك ما نقرؤه في رسالة مفدي زكريا لأحمد زبانة في طريقه للسماء، ومنها يقول:
يا (زبانة) أبلغ رفاقك عنا*في السماوات، قد حفظنا العهودا
واَرْوِ عن ثورة الجزائر، للأفـ*ـلاك والكائنات ذكرا مجيدا[8]

يقول مفدي زكريا مصورا الشقاق في الثورة ومنددا به:
أنا حطّمت مزهري. لا تسلني* وسلوت ابتسامتي لا تلمني
...
مذ رأيت السفين يجرفها اليم * لسوء المصير، أغرقت سفني[9]
وقبل ختام تتبعنا للمشهد الشعري في عهد الثورة نعرّج على جديد تلك المرحلة نصيا وهو الشعر الحر، الذي عرف طريقه للجزائر عبر الطلبة الجزائريين الذين درسوا في المشرق.


المحاضرة السابعة: النص الشعري الجزائري الحر:
يلفتنا خلال فترة الثورة ظهور نمط شعري جديد وهو الشعر الحر، الذي أراد من خلاله الشعراء مواكبة التطور الشعري العربي المعاصر، فالانطلاقة فيه كانت عربية خالصة، فلا نرصد أي طابع غربي فيها، رغم أن الدعوة لتحديث الشعر الجزائري كانت قبل ذلك حيث نجدها مع رمضان حمود الذي دعا مبكّرا لتحديث الشعر ومواكبة التطور الشعري الغربي إلا أن القطيعة معه ظلت قائمة[10]، فلم يطوّر الشعر الجزائري لغته وإيقاعه إلا في منتصف الخمسينات من القرن العشرين متأثرا بالشعر العربي المعاصر، وقد دشّن ذلك الشاعر الجزائري أبو القاسم سعد الله بقصيدة طريقي سنة 1955[11] ومنها يقول:
سوف تدري راهبات وادي عبقر
اه ااه اه اه ااه ا اه اه اه اه اه
فاعلاتن فاعلات فالاتن
كيف عانقت شعاع المجد أحمرْ
اه ااه اه اااه اه اه ااه اه
فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن
وسكبت الخمر بين العالمين
اااه اه اه ااه اه اه ااه اه
خمر وحب وانطلاق ويقين
اه اه ااه اه اه ااه اه اااه اه
ومسحت أعين الفجر الوضية
اااه اه اه ااه اه اه ااه اه
وشدوت لنسور الوطنية
إن هذا هو ديني
فاتبعوني أو دعوني
في مروقي
فقد اخترت طريقي
يا رفيقي.[12]
يظهر من خلال نص سعد الله الطابع الحر في البناء وذلك على مختلف مستويات القصيدة، اللغوية منها والإيقاعية، فلغتها من قاموس متداول وأكثر بعدا عن التقليد، ومن ألفاظه؛ المجد، نسور الوطنية، رفيقي... كلها ألفاظ قريبة من المتلقي المشبّع بقيم الثورة، أما تراكيبها فمختلفة عن التراكيب التقليدية وتظهر فيها بذور التحديث ومن ذلك قوله : خمر وحب وانطلاق ويقين، حيث يظهر التركيب المبني على روابط إسنادية مختلفة عن الشكل التقليدي، مما يجعلنا أمام نص جديد يتشكّل ليؤسس ثورة في بناء القصيدة الجزائرية المعاصرة. كما نرصد توظيفه للصورة بشكل تجاوز فيه التشبيه والاستعارة فقد أدخل الأسطورة في قوله (وادي عبقر) ليُحمّلها بشحنات شعرية تستمد طاقتها من ماضي الأسطورة والقدرة العجيبة الذي يمدها هذا الوادي بمخلوقاته للشاعر ليقول ما لا يستطيع غيره قوله. إضافة للأسطورة نجده يستخدم الرمز بكثافة ومن ذلك قوله (المجد الأحمر) رمزا للتضحية في سبيل الوطن.
ولكن رغم حداثة التشكيل اللغوي للنص الحر وطموح الشعراء التجديدي إلا أنهم احتفظوا بسمة الوضوح[13] في نصهم الذي لم يتوقّف بعد الاستقلال إلا لينطلق معليا تمرّده في النص السبعيني.
أما على المستوى الإيقاعي فنلاحظ بعد التقطيع أن النص مبني على تفعيلة فاعلاتن وهي تفعيلة بحر الرمل وقد توزّعت بشكل متباين عبر الأسطر مما ولّد الشكل الشجري الذي قدّم تشكيلا هندسيا مختلفا عن النص التقليدي التناظري.
وقد توالت النصوص بعد سعد الله مجرّبة الشكل الجديد فكتب صالح باوية وأبو القاسم خمار وغيرهما الكثير من القصائد أخذت في معظمها طابع الثورة وموضوعها بسبب السياق الذي وُجدت فيه ومن نماذج هذه النصوص نذكر ما كتبه باوية:
إن تزرنا أيها النجم المغامر
نُطلق الأقمار من غضبة ثائر
نُطلق الأسرار من صمت الحناجر
....
ساعة الصفر انطلاقات مشاعر
يقظة الإنسان ميلاد الجزائر[14]
يظهر جليا من خلال هذا النص البعد الثوري الذي أسر أغلب شعراء تلك الفترة، ولكن هذا ليس مطّردا حيث تطالعنا نصوص حرة كتبت في موضوعات مختلفة كالحب والغربة والوحدة، ومن ذلك ما نسجّله في قول أبو القاسم خمار في قصيدته الرسالة الأولى سنة 1958 التي ضمّنها ديوانه "ربيعي الجريح" حيث يقول:
إليك يا حبيبتي
إليك يا حقيقة
كشعرك الجميل
....
كأنك أشعة الأصيل[15]
من خلال هذه الأسطر يظهر الموضوع بشكل جلي ولو أن الشاعر حاول تعتيمه، إلا أن سطحية الصورة خصوصا في التشبيه(كشعرك الجميل) فضحمشاعر الشاعر وخطابه للحبيبة ذات الشعر الجميل، والتي احتلت بؤرة القصيدة وكانت المحرّك لأسطرها، وهذا موضوع خارج عن مسار الثورة كما هو واضح. ومن خلال تتبع العديد من القصائد لذات الشاعر نجدها تدور في ذات الموضوع ومنها نذكر:
لا تسأليني سنة 1958
لا تسأليني .. ما الولوع..؟
ما الحب..؟ ما وهج الضلوع..؟
سيري.. تبارك الحياة
سيري.. فعمرك في طلوع[16]
إلى يولا
يولا..
إليك حكايتي
سأعيدها...
ولكم أعدت نسجها مليون مرة
حتى تشابك خيطها بأناملي[17]
يظهر في هذه النماذج إشارات مباشرة لموضوع الحب والغزل الذي أسر الشاعر ووجّه القصيدة، رغم أنه يحاول التستر خلف موضوعات أخرى تبدو الجزائر أهمها.
ونسجّل في الأخير أن الشعر الحر في بداياته وحتى بعد الاستقلال لقي معارضة شديدة من طرف العديد من الشعراء حتى من كتبوا به، فلم يقتنع بعض شعراء الثورة بهذا الشعر الذي خرج على نظام الشطرين، وانكسر عموده، وممن عارضه مفدي زكريا وأحمد الغوالمي[18]، لكن رغم ذلك ظل هذا الشكل الشعري الجديد قائما بل تطوّر بشكل كبير بعد الاستقلال باحتضانه النص الشعري الجزائري المعاصر، في حلّته الحرة.
كما تجدر الإشارة إلى أن الاتجاهات الشعر

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 218.

[2]ينظر، المرجع نفسه، ص 217.

[3]ينظر، عبد الحميد هيمة، مقال بعنوان "النزعة التحررية في الشعر الجزائري الحديث قبل الثورة التحريرية"، مجلة الأثر، دورية أكاديمية محكّمةـ تصدر عن كلية الآداب واللغاتـ جامعة ورقلة – الجزائر، العدد الثالث، ماي 2004م، ص 276، ص 277.

*مفدي زكريا بن سليمان الشيخ صالح ولد في بني يزقن عام 1908تابع دراسته في جامع الزيتونة وفي المدرسة الخلدونية بتونسعمل في الصحافة والتعليمصدر له من الدواوين الشعرية اللهب المقدس 1961تحت ظلال الزيتون 1965 من وحي الأطلس1976. توفى عام 1977

[4]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 235.

[5]ينظر، المرجع نفسه، ص 240.

[6]ينظر، المرجع السابق، ص 225.

[7]ينظر، المرجع نفسه، ص 243.

[8]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 239.

[9]ينظر، المرجع نفسه، ص 275.

[10]ينظر، المرجع نفسه، ص 352.

[11]ينظر، المرجع نفسه، ص 354.

[12]أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، منشورات الاختلاف، ط1، 2002، ص59.

[13]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 356.

[14]ينظر، المرجع نفسه، ص 244.

[15]محمد أبو القاسم خمار، ربيعي الجريح، شعر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983م، دط، ص 21.

[16]المصدر نفسه، ص 27.

[17]المصدر نفسه، ص 33.

[18]ينظر، أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، ص73.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:32   رقم المشاركة : 148
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

كما تجدر الإشارة إلى أن الاتجاهات الشعرية الأخرى كالتقليدية والاتجاه الوجداني، بقيت قائمة وقت الثورة لكن طغى الجانب الثوري على الساحة الشعرية، ومن نماذج الاتجاهات الأخرى نجد الاتجاه الوجداني في طابعه الغزلي ومن ذلك ما كتبه أبو القاسم خمار في قصيدته ربيعي الجريح التي أرّخها بسنة 1955 حيث يقول:

هتف الحمام ورفرف الشحرور يشدو بالصفير
وتسابقت في الأفق أسراب القطا جدلى تطير[1]
وفي قصيدته شقراء التي أرّخها بسنة1960 يقول:
شقراء...يا فاتنة * الشعاع والضياء
يا باسمة الشروق* يا واهبة الإغراء
إليك يا ساحرتي* يا منبع الصفاء[2]
يظهر بوضوح الطابع الوجداني في هذين النموذجين، حيث لا يحملان أي إشارة للثورة ولا للمحتل، بل يزخران بألفاظ العواطف والوجدان، وكل ما له علاقة بالجانب الرومانسي، كالهتف والشحرور والقطا، والفاتنة ومنبع الصفاء وغيرها من الألفاظ التي تشير للبعد الوجداني مباشرة.


المحاضرة الثامنة: نص ما بعد الاستقلال:
تمتد فترة ما بعد الاستقلال، التي نقصدها، من الاستقلال سنة 1962م إلى غاية بداية السبعينات سنة 1970، وهي الفترة التي توقّفت فيها الحركة الشعرية الجزائرية بشكل نسبي، ويعلل الدارسون توقف الشعراء الرواد عن تطوير أساليب تعبيرهم الشعرية بسبب انصراف بعضهم الشعراء إلى الدراسة المتخصصة والبحث الأكاديمي وبعضهم الآخر أصابته دهشة الاستقلال، كما عملت الخِلافات التي شبّت بين أبناء الثورة قبيل الاستقلال وبعده، وأحداث إقليمية أخرى لصرفهم على المواصلة في قول الشعر[3]، وعليه كُتب للحركة الشعرية الجزائرية في هذه الفترة أن تتوقّفت ولو مؤقتا، وقد مسّ هذا التوقّف القصيدة العمودية والحرة على السواء، فلا نكاد نجد إنتاجا جديرا بالذكر لمرحلة كانت تستحق أكثر، خصوصا إذا قارنا هذه المرحلة بمرحلة الثورة قبلها، التي شهدت كما رأينا انتفاضة شعرية على مختلف المستويات. ومما يمكن تسجيله في هذه الفترة من النصوص المتفرّقة كتبها رواد جيل الثورة، الذين هجر بعضهم قرض الشعر كما حدث مع محمد العيد ومفدي زكريا، ومن هذه النماذج نذكر قصيدة يا غرفتي للشاعر أبو القاسم خمار التي ضمنها ديوانه ربيعي الجريح، وقد أرّخها الشاعر بسنة 1965م، ومنها يقول:
كم مقعد في غرفتي ينتظر
كم شمعة في ليلتي تحتضر[4]
إضافة لأبي القاسم خمار نجد الشاعر محمد الأخضر عبد القادر السائحي الذي كتب عن فرحة وبهجة الاستقلال، كما تغنى بالتصحيح الثوري في 19 جوان 1965 وفي ذلك يقول في قصيدته في ذكرى 19 جوان وهي مؤرّخة في سنة 1966 وقد تضمنها ديوانه "اقرأ كتابك أيها االعربي"*:
(يونيو) أيها الشهر الخلود * وطيف أحلام القلوب
أنت الحياة لموجة الأمجاد * في الوطن الحبيب[5]
إضافة لموضوع الثورة والاستقلال فقد كتب الشاعر في هذه الفترة وفق الطابع الرومانسي فجاءت قصائده تعجّ بالعواطف ومن نماذج ذلك نذكر قصيدته همسات المؤرّخة بسنة 1966، وهي من الشكل الحر ومنها يقول:
همسات
نشر السحر عليها صورا
أين منها وشوشات الطيف لصب العميد
همسات[6]
من خلال هذه الأسطر يظهر البعد الرومانسي الذي انتهجه الشاعر، فاللغة هامسة وقاموسها مليء بألفاظ العاطفة ومنها؛ همسات وشوشات الصب وغيرها، مما يجعلنا نصنفها في خانت الشعر الوجداني الذي ظل محافظا على مساره حتى بعد الاستقلال، ومن نماذج هذا الاتجاه أيضا في هذه الفترة، نذكر قصيدة فراشتي المؤرّخة سنة 1968 لذات الشاعر ومنها يقول:
فراشــتي هيا معي * إلى رمال الشاطئ
فراشـــتي هيا معي * إلى النسيم الهادئ
فالشمس أشرقت هنا * والبحر أصبح المنى[7]
عبر الأبيات يظهر بوضوح الوجه الرومانسي والمسحة العاطفية التي ميّزت الشاعر الذي أنتج العديد من النصوص في ذات الغرض خلال هذه الفترة، مما يقدّم الدليل على وجود إنتاج خلال هذه الفترة، لكن ظل الوجه العام للشعر الجزائري في تلك الفترة مندهشا من الفضاء الحر الذي دخله، فصمت وكأنه يستعد للانطلاق في اتجاه جديد يؤسس لثورة شعرية توازي الثورة التحريرية، بهذا لم يدم سكوت الشعراء طويلا فما كانت عشرية السبعينات تطل حتى انطلقت حركة شعرية كبيرة وشاملة قادت الشعر الجزائري بحلّته المعاصرة.

- بنية النص في شعر فترة السبعينات:
جاء النص في هذه الفترة مشبّعا بقيم إيديولوجية وافدة، نسخت النص بتصورات حوّلته إلى مجرد خطاب وشعارات ففقد أهم مقوّمات شعريته، ومن جهة أخرى تأثر رواد هذا النص ببعض الشعراء الحداثيين في المشرق العربي[8] الذين قطعوا شوطا في التحرّر من قيود عمود الشعر، لهذا فقد حاول رواد هذه الفترة الانطلاق من النموذج المشرقي من جهة ومتأثرين بالفكر الاشتراكي من جهة أخرى، ومن خصائص نصهم علة مستوى البنية نذكر:
1- مستوى اللغة الشعرية:
لم تخرج اللغة الشعرية لشعر هذه المرحلة عن قاموس الإيديولوجية الاشتراكية فجاءت قصائد الشعراء معبّئة بألفاظ العمال والمحراث والمنجل والتعاون وغيرها من الألفاظ الاشتراكية ومن أمثلة ذلك نذكر مما قاله أحمد حمدي* في ديوانه قائمة المغضوب عليهم:
حين تحلم طفلة
في حوض "الأمازون"
ومن أشعار "النيرودا"
تنفجر قنبلة موقوتة
يتحرك قلب العالم ينفض قبح القرن العشرين
...
ويرتفع العلم الوطني
على أسوار"أريتيريا"
يمتلئ العالم بالثوار[9]
نلاحظ المعجم المفعم بالألفاظ الاشتراكية كالوطنية والثورة والثوار والعلم الوطني، وغيرها مما حوّل النص لما يشبه الخطاب السياسي الداعي للحرية وكسر قيود المحتل، فلا نعثر فيه على ما يقرّبه لروح الشعر المفعم بالعواطف أو الأفكار والرؤى، وهذا ليس غريبا عن الشاعر أحمد حمدي الذي يعد من أبرز رواد الشعر في جيل السبعينات حيث تأثر بشكل كبير بالتغير الشعري الحاصل في الشعرية العربية الحديثة، وارتبط بإيديولوجية الخطاب السياسي في تلك المرحلة التي تعد امتداد للخط الثوري[10]، لهذا جاء نصه مفعما بأفكار الاشتراكية التي حمّلها قاموسه الشعري.
1- مستوى الإيقاع والتشكيل الهندسي:
مثلما تأثر النص الشعري الجزائري في هذه الفترة في جانبه اللغوي بالنص الحر في المشرق، فقد أخذ عنه الإيقاع الحر كذلك مسقطا بذلك قواعد عمود الشعر، فصارت قصائدهم تُبنى على التفعيلة الموحّدة أو على كسرها نهائيا، ومن أمثلة ذلك نذكر قصيدة الصوت والصدى لمصطفى محمد الغماري من ديوانه مقاطع من ديوان الرفض ومنها يقول:
يرفض أن تمارس العهارة
اه اا اه ااه ااه ااه ااه
مفْتعلن متفْعلن متفْعلن
باسم الحضاره!
اه اه ااه اه
مستفعلاتن
يرفض أن تمارس الطهارة
اه اا اه ااه ااه ااه ااه
مفْتعلن متفعلن متفعلن
في محفل التتويج والترويج للأمير والإمارة!
اه اه ااه اه اه ااه اه اه ااه ااه ااه ااه اه
مستفعلن مستفعلن مستفعلن متفعلن فعولن
يا زمن الحقارة![11]
اه اااه ااه اه
من خلال تقطيع النص نلاحظ أنه بني على تفعيلة مستفعلن وهي تفعيلة بحر الرجز، رغم ما دخل عليها من زحافات وعلل أخرجها في عدد من الأسطر من تفعيلة هذا البحر، وهذا يعكس عدم احتفاء الشاعر بالتفعيلة بشكل كبير فهو يريد كسرها مثله مثل بقية شعراء هذا الجيل الذين تمرّدوا على عمود الشعر وبدؤوا محاولات كسر الإيقاع المبني على التفعيلة، حيث، لم يُرضهم الالتزام بالتفعيلة والقافية، ليتخلى بعضهم عن التفعيلة بشكل نهائي، وهذا لا يعني قصيدة النثر بحال من الأحوال، بل جاء نوع من الرفض لأي شيء من الماضي فالتمرّد الذي تميز به هذا الجيل جعله يكفر بماضيه محاولا التأسيس لذاته من عدم، وهذا محال من الناحية الشعرية.
ومن خلال تتبع عدد من النماذج نجد أن هناك العديد من النماذج تلاعبت بإيقاع التفعيلة وأسقطته بشكل نسبي ومن ذلك ما نقرؤه في قصيدة ما ذنب المسمار أيا خشبة؟! لحمري بحري ومنها يقول:
قمر مشلول يجلس في العتبة
اااه اه اه اه اه اا اه اااه
فعلن فالاتن فعلن فعلن
والليل رهيب
اه اه ا ااه اه
والليل عجيب
اه اه ا ااه اه
لكي أسمع في الفجر الأتي
ااه اه اه اه اه اه اه اه
إنشاد...
إنشاد...
...... في منجل فلاح
في مطرقة الحداد
إنشاد...[12]
من خلال تقطيع الأسطر نلاحظ عدم استقرار تفعيلاتها فلا يمكن انتظامها في شكل محدد مما يجعلنا نُسقط إيقاع التفعيلة عنها، وهذا لا يُدخلها في باب قصيدة النثر كما ذكرنا لكون الأخيرة تقوم على تقنيات تختلف عما كرّسه شعراء مرحلة السبعينات.
إضافة لتطوير الإيقاع فقد مس التحوّل التشكيل الهندسي للقصيدة فقد أخذت أشكال القصيدة الحرة، من الشكل الشجري إلى الذي يعتمد على الرموز والإشارات غير اللغوية، إلى جعل النص بأكمله يشكّل شكلا هندسيا كالخط المستقيم والمثلث وغيرها من الأشكال، ومن أمثلة ذلك قصيدة الغماري أواه يا سفر من ديوانه أغنيات الورد والنار يقول:
جرح يغيم..
وموجة تنأى
وشطآن تلوب
ومدى..
تسكّع في شفاه الدهر
يُجهضه الغروب[13]
يظهر بوضوح الشكل الشجري للأسطر المختلفة الأطوال، حيث يرتبط ذلك بعدد التفعيلات في كل سطر، مما يعكس تعدد الدفقات الشعرية في القصيدة التي اعتمدت الجملة الشعرية كبنية لتشكيل أسطرها، حيث تنتهي أول جملة في قوله "شطآن تلوب" والجملة الثانية في قوله "يُجهضه الغروب" وقد عملت الجمل على المساهمة في التوزيع المختلف للأسطر مما يعبّر على اختلاف في رؤى الشاعر عبر محطات القصيدة.



خاتمة : لم تتوقف الحركة الشعرية عند فترة السبعينات بل استمرت في التطور عبر مراحل مختلفة متأثرة بالمد الشعري المشرقي من جهة، وقدرة الشعراء الرواد على تطوير نصوصهم من جهة أخرى، حيث ظهرت شعرية الاختلاف (الثمانينيات) التي قدّمت نموذج قصيدة النثر في شكله الأكثر تطوّرا، ويدخل هذا النص في الشعرية الجزائرية المعاصرة.


[1]محمد أبو القاسم خمار، ربيعي الجريح، ص 17.

[2]المصدر نفسه، ص 41.

[3]أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، ص73

[4]محمد أبو القاسم خمار، ربيعي الجريح، ص 115.

* المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985م.

[5]محمد الأخضر عبد القادر السائحي، اقرأ كتابك أيها العربي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، دط، 1985م، ص 19.

[6]المصدر نفسه، ص 15.

[7]المصدر نفسه، ص 29.

[8]ينظر، أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، ص78.

* أحمد حمدي شاعر جزائري معاصر، له عدة دواوين منها انفجارات، وقد أصدره سنة 1982 ليدخل في مرحلة السبعينات، وديوان؛ تحرير ما لا يحرر سنة 1985 وفيه بدأ يتخلص من وطأة الإيديولوجية ويدخل في جيل الاختلاف واليتم.

[9]أحمد حمدي، قائمة المغضوب عليهم، الشركة الجزائرية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980، دط، ص 99. عن أحمد يوسف، ص 81.

[10]ينظر، مشري بن خليفة، مقال بعنوان "دلالة العنوان في ديوان-أشهد أنني رأيت- للشاعر أحمد حمدي"، مجلة الأثر، دورية أكاديمية محكّمةـ تصدر عن كلية الآداب واللغاتـ جامعة ورقلة – الجزائر، العدد الثاني، ماي 2003م، ص 200.

[11]مصطفى محمد الغماري، مقاطع من ديوان الرفض، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1989، دط، ص 33.

[12]حمري بحري، ما ذنب المسمار يا خشبة؟!، 1981، ص 11، ص 12.

[13]مصطفى محمد الغماري، أغنيات الورد والنار، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980م، دط، ص 53.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:34   رقم المشاركة : 149
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في الشعر الجزائري الحديث والمعاصر


https://al-marsa.ahlamontada.net/t1960-topic










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:44   رقم المشاركة : 150
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات الادب ا لجزائري للمدرسة العليا للاساتذة ببوزريعة

https://www.mediafire.com/?5cwf2i4dccc582k الجزء 1

https://www.mediafire.com/?jmlcz0g1ro519nhالجزء 2










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:59

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc