جلس الشيخ الفلاح منهكا على حزمة التبن, بعد يوم شاق من العمل, وضع عصاه بين رجليه وضم يدها بيديه الى لحيته, متأملا في حقله وقد بدا نظيفا من كل الأعشاب الضارة, وبدت فيه خطوط الشجيرات الخضراء مستقيمة ويانعة, واسترسل في الحلم وهي في أوج العطاء والفاكهة تتدلى من كل أغصانها, وهو يقطف ثمارها يمسحها بكمه ويتذوقها, لكن البغل أبى الا أن يكسر هذا الحلم حين خرج هائجا من مربطه الى الحقل, يقفز في كل اتجاه وكأنه يبغي التخلص من شيئ ما قد علق به, أفسد الغبار المشهد, وقام الشيخ يصرخ وهو يرى بعينيه البغل وهو يدوس شجيراته:
- عكاشة أيها البغل, أخرج البغل من الحقل
ينتبه عكاشة بفزع الى صراخ أبيه, يرمي ما بيده ويلتفت الى البغل مسرعا, لكن عكاشة بأقدامه الكبيرة وتسرعه الغاضب, أفسد الكثير من الشجيرات قبل أن يصل الى البغل, وكانت كتل التراب التي تتطاير من خطواته أكبر من كتل التراب والطوب المتطايرة من أقدام البغل, وقبل أن تحصل الكارثة, صرخ الشيخ مرة أخرى وقد ارتسمت أحرف البكاء والحسرة على محياه مناديا ابنيه:
- يا تاج, يا لخضر أخرجا عكاشة واتركا البغل.
رابط القصة على مدونتي دفاتر ثقافية من هنا