من أسماء الله الحسنى
قال ابن القيم رحمه الله : "من عرف الله بأسمائه و صفاته و أفعاله أحبه لا محالة "
الرحمن الرحيم
وهما اسمان جليلان كثر ورودهما في القرآن الكريم
قال تعالى " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" سورة طه الآية 5
الرَّحْمَنُ (1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) سورة الرحمن
و لهذين الاسمين شأن كبير و مكانة عظيمة
فهما الاسمان اللذان افتتح الله بهما أم القرآن ، وجعلهما عنوان ما أنزله من الهدى والبيان
و افتتح بها كتابه نبي الله سليمان عليه السلام
و قد ورد هذان الاسمان مقترنين في عدة مواضع من القرآن
و كل منهما دال على ثبوت الرحمة صفة لله عز وجل
إلا أن اقتران هذين الاسمين فيه دلالة على ثبوت هذا الوصف و حصول أثره
فــ الرحمن , الذي الرحمة وصفه و الرحيم : الراحم لعباده
إن في هذين الاسمين دلالة على كمال الرحمة فجميع ما في العالم من حصول المنافع و المحاب
والمسار و الخيرات من آثار رحمته ، كما أن ما صرف من المكاره و النقم والمخاوف و الأخطار من آثار رحمته
فإنه لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات إلا هو ، وهو أرحم الرحمين
و رحمته سبقت غضبه و غلبته، وظهرت في خلقه ظهورا لا ينكر، حتى ملأت أقطار السماوات و الأرض،
و امتلأت منها القلوب حتى حنت المخلوقات بعضها على بعض بهذه الرحمة التي نشرها عليهم و أودعها في قلوبهم
حتى حنت البهائم التي لا ترجو نفعا ولا عاقبة و لا جزاء على أولادها، وشوهد من رأفتها بهم و شفقتها العظيمة ما
يشهد بعناية باريها و رحمة رحمته الواسعة
و كذلك ظهرت رحمته في أمره و شرعه ظهورا تشهده البصائر و الأبصار، و يعترف بها أولو الألباب
فشرعه نور و رحمة و هداية
و قد شرعه محتويا على الرحمة، و موصلاإلى أجل رحمة و كرامة و سعادة وفلاح
شرع فيه منالتسهيلات و التيسيرات و نفي الحرج و المشقات ما يدل أكبر دلالة على سعة رحمته و جوده و كرمه ،
و مناهيه كلها رحمة ، لأنها لحفظ أديان العباد و حفظ عقولهم و أعراضهم و أبدانهم و أخلاقهم و أموالهم من
الشرور و الأضرار
و يوم القيامة يختص سبحانه بالرحمة و الفضل و الاحسان المومنين به و برسله و يكرمهم بالصفح و العفو
و الغفران ما لا تعبر عنه الألسنة و لا تتصوره الأفكار
ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" إن لله مائة رحمة واحدة بين الجن و
الانس و البهائم و الهوام ، فيها يتعاطفون ، و بها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها . ز أخر الله تسعا وتسعين
رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" متفق عليه °صحيح مسلم و صحيح البخاري
و العبد كلما عظمت طاعته و زاد قربه و تقربه لربه عظم نصيبهمن استحقاق هذه الرحمة
فهي رحمة لا يعبر عنها اللسان يمن بها أرحم الرحمين ، ويتفضل بها من وسعت رحمته كل شيء على عباده المومنين
"وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ
فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"سورة الأعراف الآية 156
وو ينبغي أن يعلم هنا أن الرحمة نوعان رحمة عامة، وهي التي قرنها بالعلم في قوله " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا
سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " سورة غافر الآية 7
فكل شيءوصله علمه و هو واصل لكل شيء فإن رحمته وصلت اليه،
لأن الله قرن هذه الرحمة به ، وهي الرحمة التي تشمل كل المخلوقات حتى الكفار، و هي رحمة جسدية بدنية
دنيوية بالطعام و الشراب و اللباس و المسكن ونحو ذلك،
و رحمة خاصة و هي التي خص بها عباده المومنين ، وهي رحمة ايمانية دينية دنيوية أخروية بالتوفيق للطاعة ،
والتيسير للخير ، والتثبيت على الايمان والهداية على الصراط ، والاكرام بدخول الجنة والنجاة من النار
و الله المسؤول أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين و أن يمن علينا برحمته التي كتبها لأوليائه المومنين ، إنه
سبحانه جواد كريم ، وهو أرحم الرحمين.
من كتاب فقه الأسماء الحسنى للدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
[/i][/i][/i][/i][/i]