ال النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياةاقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي ؟
طرح المشكلة:الاقتصاد هو العلم الذي يدرس كل ما يتعلق بالنشاط الإنساني المؤدي إلى خلق المنافع و زيادتها أو هو علم تنظيم الثروة الطبيعية و البشرية إنتاجا و توزيعا و استهلاكا.لكن النظم الاقتصادية اختلفت ماضيا باختلاف موقعها من الملكية ومايصل بها من حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فرديةوهي التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك معنوياأي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد اختلف جمهورالفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيلبذلك ؟ .
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الاطروحة:يرى أنصار النظام الليبراليـ الرأسمالي ـوهم العالم الاقتصادي آدم سميث في كتابه بحوث فيطبيعة وأسباب رفاهية الأمم وبعده عدد من المفكرين الفرنسيين فيالقرن التاسع عشر أمثال ساي Jean Babtiste Say و دونوايي Dunoyer و باستيا Bastiat، وهم في الجملة يزعمون أنقوانين الاقتصاد السياسي تجري على أصول عامة وبصورة طبيعية كفيلة بسعادةالمجتمع و حفظ التوازن الاقتصادي فيه و أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة .
الحجج و البراهين : و يستندون في ذلكإلى حجج و براهين أهمها أنالاقتصاد الليبرالي مؤسس على تصور روماني للحقوق يجعل من الملكية حقا مطلقالا تحده حدود . فهو يقوم على الإيمان بالفرد إيمانا لا حد له و بأن مصالحهالخاصة تكفل – بصورة طبيعية – مصلحة المجتمع في مختلف الميادين ، وأنالدولة ترمي في وظيفتها إلى حماية الأشخاص والدفاع عن مصالحهم الخاصة ولا يحقلها أن تتعدى حدود هذه الغاية في نشاطها ، كما أنه لا بد أن تقر بالحريةالاقتصادية وما يتبعها من حريات سياسية وفكرية و شخصية ، فتفتح الأبواب وتهيأالميادين بحيث يجوز للفرد التملك ولاستهلاك والإنتاج بكل حرية ،وانتهاج أي طريق لكسب المال و مضاعفته على ضوء مصالحه الشخصية . و ذلك ما تلخصه الملكية الفردية لوسائل الإنتاج فللفرد الحرية التامة في امتلاك الأراضي و المباني و الآلات و المصانع ووظيفة القانون في المجتمع الرأسمالي هي حماية الملكية الخاصة و تمكين الفرد من الاحتفاظ بها. و كذا المنافسة الحرة التي تضمنالنوعية و الكمية و الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصاديةمن جهة تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج حتى لا تعيق النشاط الاقتصادي، فمتى تدخلت الدولة في تحديد الأسعارمثلا والأجور والمعاملات التجارية خلقت معظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فلا بد من أن تترك القوانين الاقتصادية تسير على مجراها الطبيعي و بذلكينظم الاقتصاد نفسه ويهدف إلى خير المجتمع ،إن المصلحة الخاصة هي أحسن ضمانللمصلحة الاجتماعية العامة وأن التنافس يكفي وحده لتحقيق روح العدالةالاجتماعية ، فالقوانين الطبيعية للاقتصاد كفيلة بحفظ المستوى الطبيعي للثمنبصورة تكاد تكون ميكانيكية يلخصها قانون العرض و الطلب وهو القانون الطبيعي الذي ينظم الاقتصاد و يضبط حركة الأسعار و الأجور والذي من شأنه أن يقضي على الكسل و الاتكالية و التشجيع على العمل و المنافسة ففي مجال الإنتاج إذا زاد العرض قل الطلب فصاحب المصنع مثلا يخفض في الإنتاج لإعادة التوازن و ذلك ما يؤدي الى زيادة الطلب، و في مجال الأسعار إذا تعدى الثمن حدوده الطبيعية انخفض الطلب مما يؤدي الى كساد السلع بالتالي انخفاض الأسعار مرة أخرى.كذلك أجور العمال فإنها تخضعلنظام طبيعي مماثل ، لوكانت منخفضة في مهنةفإن الترشيح فيها ينقص وإذا هي ارتفعت ارتفع ، ولكنها إذا ارتفعت بصورة غيرعادية قام تنافس بين عدد كبير من العمال طلبا للعمل ، وهذا التنافس يخفضالأجور ، إن القضاء على التنافس كما يقول باستيا Bastiatمعناه إلغاء العقل و الفكروالإنسان ،- ومننتائج هذا النظام المصلحة الشخصية تفترض البحث عن كيفية تنمية الإنتاج وتحسينه مع التقليل من المصاريف والنفقات ، وهذا يحقق في رأيهم الخير العام. ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم علىمسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل الدولة فيتحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيودو القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبرالية( دعه يعملأتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافسالحر بين المنتجين يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتحآفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهملإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط علىحركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و فيهذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدثبسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعةتصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرضو هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإنمنتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلىانخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث ( إن كل بضاعة معروضة فيالسوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ، وما يميز هذا النظامأنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناسللثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السيرالحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعامن العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازتهعلى شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟
ما دام الاقتصاد ظاهرة طبيعية فلا بد أن يخضع لقوانين الطبيعة و هذا يتطلب احترام الميراث الذي يضمن انتقال الثروة طبيعيا .
النقد: أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرنا إليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي حققته الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لم يصمد للنقد وذلك من خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التي يمكن تلخيصها فيما يلي : أولاها أن التاريخ يثبت أن القوى التي تسير على مجراها الطبيعي بدلا من أن تحقق روح العدل تعمل عكسا لذلك على خلق الأزمات والمحن والمآسي ، فما يزال العالم محتفظا بآثار أزمتي 1920-1929 وما تزال السجلات التاريخية تشهد أن المجتمع الصناعي الإنجليزي كانت نسبة الوفيات عالية وأن العامل كان يعمل خمس عشرة ساعة يوميا ويتقاضى أجرا بخسا وحياة بائسة يضطر إلى قبولها ، لأن البؤس لا ينتظر ، فسياسية الاقتصاد الحر كما يقول جوريس Jaures معناه * الثعلب الحر في الخم الحر * أي القوي الحر يباشر نفوذه على الفقراء الذين هم أيضا أحرار. بالإضافة إلى هذا نجد أن الاقتصاد الحر ينادي بأن المصلحة الفردية تحقق المصلحة الجماعية، إلا أن هذه العملية لا تتم عن طريق الأخلاق بل عن طريق المنافع الخاصة وتنميتها عن طريق وسائل الفاحشة والخداع والمكر ، و الأخلاق لا تبنى على أساس المنفعة لأن هذه الأخيرة مرتبطة بالذات ، وبالتالي فغرض الرأسمالي هو تحقيق منفعته الخاصة حتى وإن كان ذلك بالطرق اللاأخلاقية ، كما أن العدل مرتبط بإعطاء كل ذي حق حقه، لكن المالكين يستغلون العمال في عملية الإنتاج دون إعطائهم أجرهم الحقيقي على ذلك ، فساعات العمل لم تكن محدد وربح هذه الفئة القليلة كان يتم من خلال ساعات العمل الإضافية التي ينتج فيها العامل المنتوج ويبذلون فيها طاقة دون مقابل ، هذه العملية يطلق عليها كارل ماركس * فائض القيمة المطلقة * والعكس بالنسبة للقيمة النسبية ، ثم إننا نجد هذه الصفوة القليلة من المالكين لوسائل الانتاج يستغلون المنصب الاجتماعي الممتاز وقدرته على امتلاك جميع الوسائل وشراء حتى الأعوان والأنصار تؤثر على السلطة الحاكمة في البلاد وتحملها بالصهر على المصالح الرأسمالية ، وبالتالي إيجاد مناطق نفوذ جديدة تكسبهم أكثر هيمنة وقوة وخدمة مصلحتها الخاصة على حساب العامة من الناس، رغم أن الأخلاق والعدل ينبذان هذه الصفة ، لهذا فإننا نجد أن هذا النظام الاقتصادي عاجز عن تحقيق العدالة الاجتماعية ، لأن هذه الأخيرة لا تتحقق إلا في حدود الأخلاق وهذا ما عبر عنه إيمانويل كانط بقوله * عامل الشخص الإنساني كغاية وليس كوسيلة *وبالتالي لابد من الإقرار بالتساوي الذي تمليه الأخلاق بين الأفراد والمجتمع وعدم إهمال طرف لفائدة طرف آخر ، أي التعامل مع الفقير و الغني ، وبين المالك والعامل .
النظام الرأسمالي لا إنساني لأنه يعتبر الإنسان مجرد سلعة كباقي السلع وثانيها أن النظام الرأسمالي يكثر من التوترات والحروب من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريس ( إن الرأسمالية تحمل الحروب كما يحمل السحاب المطر) ، كذلك يقول تشومبيتر) الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ، وثالثها أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور الطبقية ـ برجوازية غنية وفقيرة كادحة ـ كما أنه نظام لا يعرف فيه الإنسان الاستقرار النفسي بسبب طغيان الجانب المادي على الجانب الروحي كما أن هذا النظام أدى إلى ظهور الإمبريالية العالمية بالإضافة إلى أنه يوجد ظاهرة البطالة وكذا التمييز العنصري في شكل لا يعرف حداً وهذا النظام بدوره يقضي على الرأسماليين الصغار ، وأخيرا فإنه لا يوجد تناسب فيما يخص الأجور وساعات العمل يقول ماركس ( إن الرأسمالية تحمل في طياتها بذور فنائها).
عرض نقيض الطروحة:وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ أن الاشتراكية هي التي تحقق الرخاء الاقتصادي و العدالة الاجتماعية و المساواة.
الحجج و البراهين: يرى ماركس أنه أكتشف تناقضات رأس المال أي كيف أن الرأسمالية تقضي على نفسها بنفسها لهذا يقول، إن صاحب رأس المال يعامل نشاط العمال معاملته لسلعة إذ يفرضعليهم العمل في مصانعه في مدة لا يمكن الزيادة عليها بأثمان لاتفي إلابالحياة الضرورية لهم ،إن قيمة كل سلعة إنما هي قيمة العمل الإنساني فيها ،ولكن العامل لايأخذ هذه القيمة كلها بل يأخذ منها مقدار ما يكفيه للمعيشةالضرورية ويذهب الباقي أي القيمة الفائضة على حد تعبير ماركس إلى صاحب رأسالمال بغير عمل ، وهو يتغافل أن العمال يختلفون في بنياتهم البيولوجيةوإنتاجهم ،فهذا تكفيه صفحة من الحمص لتوليد طاقة العمل وهذا لاتكفيه الصفحةأو لايستطيع هضمها ولاغنى له عن طعام غيرها في النوع والثمن ، ويستطيع شخص أنيباشر أعماله في الشتاء بلباس خفيف ولا يستطيع زميله ذلك إلا بلباس الصوفومضاعفة الدّثار، ثم إن الإنتاج الواحد قد يصنعه عامل في ظرف عشر ساعات مثلاويصنعه عامل آخر في مدة أكثر مع العلم بأن تكاليف الساعة الاجتماعية في جوارالقطب غير تكاليفها في جوار خط الاستواء ، هذه كلها حقائق لم تدخل في حسابرأس المال ويرى ماركس بأن الرأسمالية تحمل في طياتها آيات بطلانها منها :
- إن ابرز فائدة لدى المنتج الرأسمالي هي أن يبيع إنتاجه بأعلى ثمن ممكن ويمنح أقل أجر ممكن حتى يرفع القيمة الفائضة ، ولكن العامل بأجره الزهيد لايستطيع شراء المنتجات ، ومع انعدام الشراء تتضخم السلع وتقل طلبات البائع لصاحب المعمل ، ويضطر المنتج إلى طرد قسم من العمال ،والطرد لايزيد الأزمة إلا حدة .
و يرى ماركس المادية الجدلية هي المحركالأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيقالعدالة الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها : الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج أو ما اصطلح علية بتأميم وسائل الإنتاج مثلما فعل الزعيم المصري جمال عبد الناصر مع قناة السويس و الزعيم الجزائري هواري بومدين عندما أمم المحروقات وكل ذلك من أجل الحفاض على الثروات الطبيعية الوطنية من النهب و الجشع و توجيهها نحو المصلحة الجماعية و إزالة الطبقية ـ فالأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وهذا ما عبر عنه أول رئيس للاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين 1870-1924 Vladimir Lenin في قوله :« يجب أن يكون كل طباخ قادرا على إدارة البلاد» و يقول منتقدا الحرية الرأسمالية المفرطة: « صحيح أن الحرية قيمة، إنها قيمة لدرجة أنه يجب تخصيصها » وكذلكالتخطيط المركزي و يعني التخطيط الاقتصادي الذي ترسمه الدولة وتحاول التوفيق بين حاجة المجتمعوالإنتاج في كميته وتوزيعه وتحديده لئلا يبتلي المجتمع بنفس الأمراض التيأصيب بها المجتمع الرأسمالي فتحدد الأسعار و الإنتاج و توفق بينه و بين الاستهلاك مثال ذلك تدخل الدولة الجزائرية في ضبط أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك كالسكر و الزيت و الدقيق و الحليب وهذا حتى لا يحدث التضخم و تكديس السلع و من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص و الذي يعني ضمان حصول و ممارسة الجميع على فرص متساوية مع ضمان القضاء على كل أنواع المعاملة غير العادلة في بعض نواحي الحياة العامة , كأماكن العمل والتعليم والانتفاع بخدمات المرافق العامة و تحطيم الفوارق الاجتماعية و لخلق مجتمع عادل يسوي بين جميع الناس يقول كارل ماركس : «كل ما يأخذه الاقتصاد منك من أسلوب حياتك و إنسانيتك يرده إليك في شكل ثروة و نفوذ » ويقول أيضا : « إذا أردت أن تكون تافهاً فما عليك الا أنتدير ظهرك لهموم الآخرين » . وهناك مبدأ توزيع السلع على حسب الحاجةالاستهلاكية للأفراد ، ويتلخص في قول ماركسمن كل حسب قدرته ولكلحسب حاجته)ذلك لأن لكل فرد حاجات طبيعية لا غنى له عنها ، فهو يدفعللمجتمع كل طاقاته فيدفع له المجتمع متطلبات معيشته . بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار الفلاحي وفتحالمجال أمام النشاط النقابي لحماية حقوق العمال وحل مشكلة فائض الإنتاج والصراعالطبقي وكذا اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص ، فالنظام الاشتراكي يعتمد كلية على الملكيةالجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسانوبث الروح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل وتعتبر الدولة هي الرأس المدبر والمخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئةالثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح كما فتحت الدولة المجال أمامنظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال وللاشتراكية صور متعددة ما هو شبيهبالرأسمالية ومنها من يقترب من النظام الشيوعي ومنها ما هو وسط بين الطرفين .
النقد: لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد منبعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملةوتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم منالغايات الإنسانية التي يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبياتأهمها أنه فشل في إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكالكذلك أنه أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري الذي عرقل المشاريع الاقتصادية بالإضافة إلى ظهور المحسوبية والرشوة وضعف الإنتاج ورداءته ، في ظل غياب المنافسة ومصادرة حرية الفرد التي تعتبر حقا من حقوقه الطبيعية لأن الفرد لا يمتلك و هذا ما يتنافى مع طبيعة الانسان المفطورة على حب التملك. هذا بالإضافة إلى الخيالالنظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية ، كما أنه يرتكز على نظرة مادية و يهمل القيم الأخلاقية بحجة أن التطور الاقتصادي محكوم بقوانين ضرورية لا تحتاج مثل هذه القيم.
تجاوز:إنالنظامين الاقتصاديين السابقين وإن اختلفا في المبادئ و الغايات الاقتصادية إلاّأنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما فكلاهما ينظر للحياة الاقتصادية نظرةمادية ويقيمها على شروط موضوعية وهذا لا يعني أنهما تجردا من القيم الإنسانية ، غيرأن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر إلى الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و تعتنيبالنواحي الإنسانية عناية خاصة فالاقتصاد الإسلامي يستمد فلسفته من مبادئ الشريعة الإسلامية و قيمها كوحي الهي و لهذا نجده ينطلق من قاعدة جوهرية و هي أن المال مال الله و الأرض أرضه و العباد عباده و هم مستخلفون في أرضه على ماله و هو يقوم على الملكية المزدوجة فهو يعترف بالملكية الفردية و بحق الفرد في العمل و الإنتاج و الامتلاك لأنها فطرة في الانسان و هي الباعث على العمل لقوله تعالى في الآية 14 من سورة آل عمران : « زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث ذلك متاع الدنيا و الله عنده حسن المآب » و قوله صلى الله عليه وسلم : « لو كان لابن ادم واد من ذهب لتمنى أن يكون له ثان.. و لا يملأ جوف ابن ادم ﺇلا التراب»، كما حافظ الإسلام على الملكية الفردية فحرم السرقة و الغصب و منح الشهادة لمن يموت و هو يدافع عنها و أقرها عندما شرع الميراث.لكن الإسلام قيد هذه الحرية بمصلحة الجماعة من خلال الزكاة و هي واجب و حق معلوم لقوله تعالى : « و الذين في أموالهم حق معلوم للسائل و المحروم » ﺇذ يعترف الإسلام بالقطاع العام و هو كل أمر فيه مصلحة ضرورية للجماعة فلا بد من جعله ملكية جماعية حيث يقول النبي صلى عليه وسلم : « الناس شركاء في ثلاث الماء و الكلأ و النار » وفي رواية الملح. وحافظ الإسلام أيضا ملكية المعادن التي في باطن الأرض و المرافق الأساسية كالطريق و المساجد... و أقر مبدأ التكافل الاجتماعي فلكل فرد الحق في مستوى معيشي لائق فإذا عجز عن تحقيقها يتكفل به بيت مال المسلمين تبعا لحاجته و ظروفه و عدد أولاده كما حاول القضاء على ظاهرة استغلال الانسان لأخيه الانسان لقوله صلى الله عليه وسلم : « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه » وحث أيضا على ترشيد الاستهلاك و الإنفاق و ذلك بتحريم التبذير و الإسراف فلا يكون بخيلا مقترا و لا مسرفا مبذرا و إنما معتدلا و وسطا لقوله تعالى : « و لا تجعل يدك مغلولة الى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا » فقد تضمنت فلسفة الاقتصاد في الإسلام مبادئ وقواعدعامة لتنظيم الحياة الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفردو المجتمع وعلى هذا الأساس منحت الإنسان الحرية من الملكية قوله صلى الله عليه و سلم : ( من أحي أرضا ميتة فهي له)، ولكن قيدها بالمصلحةالعامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وجعلها ملكية نسبية(حيث كلشيء لله)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإسلام حرم كل أنواع الربا و الغش والاحتكار وكل ضروب الاستغلال .
حل المشكلة: وفيالأخير وكحوصلة لما سبق فإن الاقتصاد الحر لا يحقق لا الحياة المزدهرة ولا العدالةالاجتماعية لأنها منبع المصائب والأزمات أما الاشتراكية فإنها رغم فضحها لعيوبالرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل ومن هنا فالنظام الذي يحقق الحياة المزدهرةإنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظامالاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى:« المال والبنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا».