في تفسير قوله: { *¨bÎ)©!$#ããBù'tƒÉAô‰yèø9$$Î/}([1]) إلخ
الحمد لله الذي جعل القرآن تبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة للمؤمنين ، وجمع فيه أصول الدين وفروعه ، وأصلح به الدنيا والدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكمل الخلق وسيد المرسلين ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم إلى يوم الدين .
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله بامتثالكم لأوامره ، واجتنابكم لمناهيه ، وتوددوا إليه بالتقرب إليه ، واتباع مراضيه ، فقد جمع الله الخير في آية واحدة من كتابه ، وهي قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
. فتأملوا كيف جمعت كل مأمور ، ونهت عن كل شر ومحظور ، أمر الله فيها بالعدل الذي قامت به الأرض والسماوات ، وصلحت الأمور واستقامت به الموجودات ، أكبر العدل القيام بالعبودية ، وتحقيق التوحيد ، وأعظم الظلم الشرك بالله ، واتخاذ العديل به والتنديد ، ومن العدل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والقيام بشرائع الدين ، والقيام بحق الوالدين ، والأقارب والجيران ، والمعاملين ، ومن العدل القيام بالقسط في الأحكام والولايات ، بأن يكون الناس كلهم عندك سواء ، البعداء والأقرباء ، والأعداء وأهل المودات ، ومن العدل معاملة الناس بالوفاء ، والصدق والإنصاف ، وأن تعطيهم ما لهم عليك كاملا كما تستوفي حقك بلا نقص ولا إجحاف . فـ {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ}. ومن العدل القيام على نفسك والأقربين والأبعدين وأن لا يضلك الهوى عن طريق الشرع والدين ، ومن العدل أن تساوي بين زوجاتك في النفقة ، والكسوة والعشرة ، فعل أهل الكمال ، وأن لا تفضل بعض أولادك على بعض في عطية أو بر أو وصـال ، وأمـر تعـالى بالإحسان في عبادته ، وذلك بمراقبته وخوفه ورجائه ، والإخلاص له في الأقوال والأعمال ، وبالإحسان إلى عباد الله ، بالنصح ، والتعليم ، وبذل الجاه والمال ، ومن الإحسان بذل المعروف والعفو عن المسيئين ولين الكلام وطلاقة الوجه وحسن الخلق مع المسلمين كافة ، ومن الإحسان إكرام الجيران وإيتاء ذي القربى ، ولهذا خصه الله بالذكر لشرفه ومصلحته العظمى ، ومن الإحسان الرفق بالمماليك والخدم والبهائم ، وأن لا يشتمهم ولا يحملهم ما لا طاقة لهم به ، فعل المسرف الظالم ، ونهى في الآية عن الفحشـاء ، وهي الكبائر من الجرائم ، كالقتل والزنا والربا ، والغش وسائر العظائم ، وكذلك الرياء والكبر والسخرية بالخلق فإن ذلك من أشنع المآثم ، وزجر عن منكرات الأخلاق ، والأعمال والأهواء والأدواء ، وعن البغي على الخلق ، في أنفسهم وأموالهم ، وأعراضهم ، فالباغي لا بد أن يصرعه بغيه ، وتكون له العاقبة الوخيمة السوء . من الله علي وعليكم بالعدل والإحسان ، وجنبنا الفواحش والمنكرات والعدوان ، وبارك لي ولكم في القرآن العظيم .
([1]) سورة النحل آية : 90 .
([2]) سورة النحل آية : 90 .
([3]) سورة المطففين آية : 1 – 5 .
من كتاب الفواكه الشهية في الخطب المنبرية
لشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى