إذا طُلِب منّا تقسيم النّاس إلى أصناف فقد يضع كل منّا تقسيماً مختلفاً.فقد يقسم بعضهم النّاس إلى أغنياء و فقراء، إلى أصحاب الملايير و الملايين و أصحاب الطبقة المتوسطة و الذين لا يملكون شيئاً.
و قد يصنّفهم البعض الآخر إلى مثقفين و غير مثقفين و أصحاب المستوى الدراسي المتوسط ، و آخرون قد يصنفون النّاس حسب أجناسهم أو حسب بلدانهم.
لكن ما يميّز حقّا الناس عن بعضهم البعض، ليس المال و لا الأعمال و لا الجنس لا أي شيء من المظاهر وإنما الأفكار. فالفكر هو ما يميّز الإنسان عن الحيوان و هو ما يميّز الإنسان عن إنسان آخر.
فبفكرك تسمو و ترتفع على سلّم الحضارة الإسلامية. من آلاف السنين و الإنسان يفكّر و يبحث حتى زماننا هذا، يطوّر ما وجده من نظريات و مفاهيم.
و ما تعيشه الإنسانية حالياً من تقدم علمي و تكنولوجي، إنما هو نتيجة الفكر البشري الذي لم يتوقف عن التساؤل و البحث عن الإجابات و الإبداع و الاختراع و النقد...
فأنا أقدّر كل مفكّر و لو كان فقيراً و أشفق على كل إنسان لا يستعمل عقله بالدرجة الأولى و لو كان أغنى الأغنياء.
أرى من الجميل بل من الرائع أن تمضي ساعات و ساعات بين الكتب هي تحكي و أنت تستمع و تتعلم و تفكر، فخير جليس في الأنام كتاب ، إن لم يكن الجليس الأوحد في زمان كهذا!!!
و أحتار من أناس لم يفتحوا كتابا واحدا في حياتهم و لم يقرؤوا صفحة واحدة طوال عمرهم البائس، و لا يضرّهم إن جلسوا طوال اليوم في دكان أو في قارعة الطريق أو أمام التلفاز...
في الحقيقة لا يفزعني أن أرى ربة بيت لا تقرأ أو بائعا في السوق من عامة الناس لا يقرأ، و لكن ما يفزعني هو آلاف من الطلبة و الطالبات الذين لا يفكرون و لا يقرؤون و لا يعنيهم ما يجري في العالم في شيء، و ما يزيدني حيرة و دهشة هم أساتذة لا يحاولون رفع المستوى الثقافي للطلبة و حثهم على القراءة ، في اختصاصاتهم بدرجة أولى ثم في شتى الميادين بدرجة أقل.
لقد صدق الفيلسوف أرسطو حين قال القول المشهور:"أنا أفكر، أنا موجود".فأنا لا أتخيل نهضة اقتصادية و اجتماعية و تكنولوجية من دون نهضة فكرية.
و من سيقود هذه النهضة، إذا كان السواد الأعظم من خريجي جامعاتنا يملكون شهادات بدون مهارات و لا ثقافة.و سيظل ذلك بعيدا حتى ندرك بأن التفكير و القراءة من خواص البشر و من غيرهما لا نتقدم بل نتقهقر لنعود إلى جاهلينا الأولى و نترك الغرب ليفكر مكاننا و يجد لمشكلاتنا حلاً، و هو أصلاً سبب فيها.