الفرد الصالح هو أساس الأسرة الفاضلة، والأسرة الفاضلة هي نواة المجتمع الخير، ولهذا فإن الإسلام عني بالفرد منذ نعومة أظفاره قبل أي تشريع وضعي، بل عني به قبل ذلك عندما أمر الرجل أن يختار الزوجة الصالحة والمنبت الحسن، ومنه يعد البيت الركيزة الأساسية للتربية والمؤثر الأول في الطفل باعتباره ينشأ وينمو في ظله في أولى مراحل عمره وأن الوقت الذي يبقى فيه الطفل في المنزل أكبر من أي زمن أو وقت آخر، هذا دون أن نهمل دور المدرسة والشارع في التربية باعتبارهما كل متكامل، والطفل في مراحل حياته الأولى يكون محل تأثر تام بما يحيط به في أجواء الأسرة أو خارجها، فهو يولد صفحة بيضاء والمجتمع يكتب عليها ما يشاء وقد نبه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أهمية تنشئة الطفل تنشئة صالحة فقال " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودّانه أو ينصرّانه أو يمجّسانه "، وإن من أهداف الزواج تحقيق الأنس والراحة والطمأنينة بين الزوجين وهي الخاصية التي تلتصق بعقد الزواج لقوله تعالى (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) (1).
وإن حفاظ الوالدين على تماسك الأسرة له الأثر الفعال في سلوك أبنائهم وحسن تكيفهم وتوافقهم النفسي والعقلي، غير أن التماسك والأنس والمودة والرحمة والتفاهم الذين هم دعامة الرابطة الزوجية ليست بالأمر الهين، فقد تعصف مشاكل الحياة ببناء الأسرة وتؤدي إلى التنافر فتنتفي الغاية المرجوة من الزواج، وحتى لا تصبح الحياة مستحيلة وحتى لا يهضم حق طرف على حساب طرف آخر أباح الإسلام الطلاق مع أنه اعتبره أبغض الحلال إلى الله وذلك لضرورة قاهرة، وإلى ظروف استثنائية ملحة والتي تجعله دواءا وعلاجا للتخلص من شقاء محتم قد يمتد ليشمل أفراد الأسرة جميعها، فإذا لم تجد جميع وسائل الإصلاح للتوفيق يذهب كل منهما لحياة جديدة، ومن أهم وأبرز النتائج المترتبة عن الطلاق مسألة حضانة الأطفال الناتجين عن هذا الزواج والمشاكل التي تطرحها، فهناك أحكام شرعية تحفظ للأولاد حقوقهم وتكفل رعايتهم منذ ولادتهم حتى البلوغ حيث اتخذها العلماء أساسا لوضع نصوص تشريعية تثبت نسبهم وتدبر رضاعتهم وحضانتهم والإنفاق عليهم وإدارة شؤونهم المالية حتى يبلغوا أشدهم، وقد أراد الشرع الإسلامي من وراء هذه الأحكام حماية الصغار من الضياع، غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إنه حتى عند اللجوء إلى القضاء تثار إشكالات تمس بمصلحة الطفل، وهو الأمر الذي يدعو القاضي إلى التصدي لها من خلال الدعاوى التي تعرض عليه.
فمن سيكفل الأطفال بعد الطلاق وماهي معايير التميز في إسناد الحضانة لطرف دون آخر؟
للإجابة على هذا التساؤل اتجه بحثنا إلى دراسة الموضوع بالرجوع إلى الكتب الفقهية مستفيدين من أحكام المادة 222 من قانون الأسرة الجزائري التي تحيلنا على قواعد الشريعة الإسلامية، كما حاولنا تحليل نصوص مواد قانون الأسرة المتعلقة بالحضانة، بالإضافة إلى إبراز مواقف المحكمة العليا من المسائل المتعلقة بها.
ومنه تناولنا هذا الموضوع حسب الخطة التالية:
أ – في المبحث الأول: تناولنا مدخل إلى الحضانة، فتطرقنا إلى تعريفها لغة واصطلاحا وتبيان شروطها ثم ترتيب أصحاب الحق فيها.
ب- وفي المبحث الثاني: أحكام الحضانة فتناولنا نفقة المحضون وأجرة الحضانة وكذا حق الزيارة، وصولا إلى سقوط الحضانة واستردادها.
(1)– سورة ا لروم الآية 21 .