عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان))؛ رواه البخاري ومسلمٌ.
منزلة الحديث:
هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه في لفظ بليغ وجيز[2].
*
قال ابن رجب - رحمه الله -: والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان، وهو قائم لا ينتقض بنقض ذلك، بخلاف نقض هذه الدعائم الخمس، فإن الإسلام يزول بفقدها جميعًا بغير إشكال، وكذلك يزول بفقد الشهادتين*[3].
*
قال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -: هو حديث عظيم، أحد قواعد الإسلام، وجوامع الأحكام؛ إذ فيه معرفة الدين، وما يعتمد عليه، ومجمع أركانه، وكلها منصوص عليها في القرآن، وهو داخل ضمن حديث جبريل[4].
*
قال الجرداني - رحمه الله -: إن هذا الحديث حديث عظيم قد اشتمل على أركان الإسلام؛ فهو من قواعد الدين العظيم[5].
*
غريب الحديث:
الإسلام: الانقياد والخضوع.
â—™*الصلاة: لغة: الدعاء والاستغفار، شرعًا: أقوال وأفعال مخصوصة، مبتدأة بالتكبير، ومنتهية بالتسليم.
الزكاة: لغة: النماء، شرعًا: حق واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في زمن مخصوص.
الصوم: لغة: الكف والامتناع والترك، شرعًا أو اصطلاحًا: الإمساك بنية عن أشياء مخصوصة، في زمن معين، من شخص مخصوص، بشروط خاصة.
الحج: لغة: القصد، شرعًا: قصد بيت الله الحرام للنسك.
*
شرح الحديث:
((بني الإسلام على خمسٍ))؛ أي: فمن أتى بهذه الخمس فقد أتم إسلامه، كما أن البيت يتم بأركانه كذلك الإسلام يتم بأركانه، وهي خمس، وهذا بناء معنوي شبه بالحسي، ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم، فكذلك البناء المعنوي.
*
((شهادة أن لا إله إلا الله))؛ أي: أن تعترف بلسانك وقلبك أن لا معبود بحق إلا الله، ((وأن محمدًا رسول الله))؛ أي: الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبدالله القرشي رسول الله إلى جميع الخلق من الجن والإنس؛ كما قال تعالى: ï´؟*قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ*ï´¾ [الأعراف: 158]، ومقتضى هذه الشهادة أن تصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما نهى عنه وزجر، وألا تعبد الله إلا بما شرع، وأنه عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئًا من النفع أو الضر إلا ما شاء الله.
*
((وإقام الصلاة)) وهي خمس صلوات في اليوم والليلة، والمراد بإقامتها المحافظة عليها مع جماعة المسلمين؛ كما قال الله تعالى: ï´؟*إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا*ï´¾ [النساء: 103]، قال الثعالبي عن ابن عباس: أي فرضًا مفروضًا، وقال الآلوسي: أي مكتوبًا مفروضًا[6]
*
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك: ترك الصلاة)).
*
((وإيتاء))؛ أي: إعطاء ((الزكاة)) إلى أهلها ومستحقيها، وفي الحديث: ((ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نارٍ، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار))[7].
*
((وحج البيت))؛ أي: الكعبة، وهو واجب على المسلم العاقل البالغ الحر المستطيع، والصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الفور، والله أعلم.
*
فائدة:
لو تعارض الحج والنكاح.
فنقول: إن لم يخفِ العنت - أي الفجور والزنا - كان تقديم الحج أفضل، وإن خاف العنت كان تقديم النكاح أفضل، بل يجب عليه ذلك، إن تحقق أو غلب على ظنه الوقوع في الزنا[8]؛ اهـ.
*
((وصوم رمضان))؛ أي: صوم شهر رمضان، وهو الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى غروب الشمس، قال النووي رحمه الله: هكذا جاء في هذه الرواية بتقديم الحج على الصوم، وهذا من باب الترتيب في الذكر دون الحكم؛ لأن صوم رمضان وجب قبل الحج، وقد جاء في الرواية الأخرى تقديم الصوم على الحج؛ اهـ.
*
الفوائد من الحديث:
1 -*تشبيه الرسول صلى الله عليه وسلم المعنويات بالحسيات.
2 -*أن من لم يأتِ بهذه الأركان الخمسة فليس في دائرة الإسلام بالإجماع.
3 -*ومن لم يأتِ بالشهادتين فليس بمسلم إجماعًا، وأما الأركان الأخرى - وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج - فمن ترك شيئًا منها استخفافًا بها أو استحلالًا لتركها فكافر إجماعًا، ومن ترك شيئًا منها كسلًا ففيه خلاف؛ فمن العلماء من يرى كفره، ومنهم من يرى عدم كفره، وقد احتج من قال بكفره بقول الله تعالى في شأن الصلاة والزكاة: ï´؟*فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ*ï´¾ [التوبة: 11]، وقوله في شأن الحج: ï´؟*وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ*ï´¾ [آل عمران: 97].
[1]*الإصابة (2/ 347 رقم 4834)، أسد الغابة (3/ 240 رقم 3080)، السير (3/ 203)، تهذيب التهذيب (5/ 328 رقم 565).
[2]*شرح صحيح مسلم للنووي (1/ 160 ح 16).
[3]*جامع العلوم والحكم (1/ 88).
[4]*فتح المبين لشرح الأربعين، للهيتمي (82).
[5]*الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (58).
[6]*تفسير الثعالبي (2/ 294)، روح المعاني للألوسي (5/ 179).
[7]*رواه مسلم، كتاب الزكاة (7/ 56 ح 24).
[8]*انظر تفصيل ذلك في كتاب الفنون لابن عقيل الحنبلي رحمه الله (1/ 326) و(2/ 482)