أيها المسلمون: حفظ الأمن له أسس وأعمدة وأركان, فمن استهان بالأسس هوى بنيانه, ومن أخل بالأعمدة تلاشى أمانه, حفظ الأمن له أسباب ووسائل ومقومات, فمن هدى الناس إلى غير سبيلها ضل وأضل, ومن هداهم إلى غير طريقها, افتات على الله وافترى, ميزان الأمن قائم على تحقيق الإيمان, فمن أفتى الناس بغير علم هلك وأهلك, من أفتى العباد بما لم يوافق كتاب الله وسنة رسوله أخل بالأمن وأفسد, من زين للعباد دروب الهوى، ودعاهم إلى الفرقة والتشتت والتحزب والاختلاف؛ أضعف صلابة الأمة وزعزع كيانها، وأوهن أمنها، وشرخ بنيانها.
الفتيا إرشاد العباد إلى شريعة وأحكام الله, فإن قال بالفتيا مفتون فتن, وإن تجرأ عليها جاهل أعمى، وإن امتهنها صاحب هوى أضل, الفتيا سبب لبقاء الأمن قائما إن استقامت, وسبب لحلول الخوف والخراب إن انحرفت, ولا تقود الفتوى إلى درب الأمان, إلا أن يتولى زمامها من يخشى الله ويتقيه، ويهتدي بهدي الكتاب والسنة, لا إلى ما تمليه النفس وتشتهيه؛ (ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) [ص: ٢٦].
الفتيا, ميثاق الله إلى العلماء, وهي أمانة يحمى بها الدين، ويحفظ بها الأمن، ويستبان بها السبيل, عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"(متفق عليه) , فتوى بغير علم تحدث في الناس الضلالة, وفتوى بركون إلى الهوى, تنزع من الأمة صمام أمان.
عباد الله: من حقق الإيمان حقق له الأمن, من لزم الشكر حلت له الزيادة, من استعان بالنعم على الطاعة أدرك سعادة الدارين, هذا كتاب الله بين أظهرنا: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) [النور: ٥٥].