طرح المشكلة : المقدمة:إذا كانت العادة هي القدرة المكتسبة على أداء العمل بطريقة آلية وإذا علمنا أنها لا تتم إلا بتكرار الفعل كما أنها ذات تأثير على السلوك ،إما ايجابيا أو سلبيا بالإضافة إلى أنها تختلف عن السلوك الفطري الغريزي الثابت ، كما تمتاز بالحداثة نتيجة تفاعل الفرد مع غيره فان هذا الفعل الآلي هو ما جعل الفلاسفة يختلفون حول ما إذا كان فعل العادة سلوك ذهني يرتبط بالنفس أم مرده إلى وظيفة مادية مرتبطة بالجسم.وهذا ما يقودنا إلى طرح التساؤل التالي :هل العادة سلوك يرتبط بالجسم أم بالنفس؟بعبارة أخرى .هل السلوك العادي سلوك ذهني أم انه فعل مرتبط بالجسم؟
محاولة حل المشكلة :
الموقف الأول: " العادة سلوك مرتبط بالجسم"يرى أنصار الموقف الآلي أن العادة سلوك يرتبط بالجسم ذلك لان العادة فعل يتولد نتيجة التكرار.كما قالأرسطو:"العادة وليدة التكرار" كما أنديكارتبناأفكاره على نفس المنحى الأرسطي،إذ اخذ بنفس الفكرة حيث اعتقد بان العادة "شبيهة بالثنية أو الطية "والدليل على ذلك ما أكدته بعض التجارب العلمية وهي أن العادات ما هي إلا نتاج تفاعل أثار بيولوجية تنتج من خلال الأعصاب، ثم إن المنعكس الشرطي ما هو إلا امتداد للمنعكس الطبيعي في عملية التعلم كما يرى قانون جوست .أما عن العالم ماك دوقال فقد قال :"العادة ليست سوى مجموعة منظمة من الآثار المترابطة في الجهاز العصبي".كما علل العادة تعليلا فيزيولوجيا حيث اقر بان العادات المكتسبة ، ما هي إلا نتاج عصبي،أماجيمس فرأى بان العادة تترك في جميع الكائنات الحية أثرا ماديا فيزيولوجيا، إذ لكل مثير استجابة آلية وهذا بحسب بافلوفحيث تساءل عن ظروف تكون حقيقة المنعكس الشرطي ليبين بعدها أن الشرط الأساسي في ذلك هو أن يقترن المؤثر الخارجي بالمثير المطلق اقترانا زمني .
النقد "المناقشة :لكن إذا نظرنا إلى ما يُعاب في تحليل هذه النظرية وجدنا أنها تنظر إلىالإنسان والكائن الحي بصفة عامة نظرة آلية وهو ما يجرد الكائن الحي من إنسانيته ويجعله في مصف الآلات .ثم أين دور الشعور والانتباه؟وهل يمكننا أن نعتمد على وظائف الأعصابحتى نفسر نشاط ذهني ؟ لكن في الحقيقة قد بين قانون جوستبطلان هذهالنظرية وفسادها فلو سلمنا بصحتها لكان التكرار لا يعود إلى الفواصل الزمنية
نقيض القضية :الموقف الثاني :العادة سلوك مرتبط بالعقل " ينظر أنصار هذه النظرية إلى العادة بأنها سلوك مرتبط بالفاعلية الذهنية اشد الارتباط لأنها حالة نفسية تقوم على التغير الناتج عن حقيقة الفكر الانساني ، والدليل على ذلك ما أيدته النظرية الجيشطالتية حيث تبين أن اكتساب العادات ناتج عن تكرار الفعل مع دخول بعض التعديلات عليه بغية تحسينه ومرونته،ثم إن العادات والطقوس التي يمارسا أهل الصوفية، لم تكن حركية جسمية. بل ناتجة عن تفاعل نفسي وهو الأخر دليل ولعل ابلغ تعبير عن ذلك ما قاله فوندوفلت:"إن الحركة الجديدة ليست تجميع لحركات قديمة فهي زيادة وتنظيم" ثم أنالعادة هي التقاء الروح بالمادة "الفكرة والتمرينات ".كما أن مين دوبيران قد ميز بين العادات المنفعلة والعادات الفاعلة وبهذا تصبح الفكرة جسما والرادة طبيعة .
النقد "المناقشة:لكن الملاحظ هنا أن الموقف الذهني تجاهل حقيقة البعد المادي "البيولوجي"بحيث اعتبر العادة شيء مجرد وتجاهل بذلك حقيقة العادة فهي عبارة عن جملة تهيؤات أعدتها لنا الغريزة ، ثم أننا أذا اعتبرنا العادة وليدة الإرادة فإننا نحجرها ونجعل منها عنصر متصلب كونها وليدة الإرادة وهذا غير صحيح .
التركيب :وعلى العموم من ذلك وجب علينا التمييز بين نوعين من العادات ،عادات منفعلة وأخرى فعالة بحيث الأولى لا تكون تابعة لسلطان العقل بينما الثانية أساسها المراقبة العقلية ولا تميل إلى التكرار والثبات ويكونا الذاكرة والإرادة هما المتحكمان فيها إذ من خصائصها التمييز
الخاتمة :وفي الأخير يمكننا أن نختم مقالنابالاستنتاج التالي :أن العادة سلوك خاضع للمراقبة وفاعلية عقلية ،فهي ليست استجابات آلية ناتجة عن فعل التكرار فهي محصلة تفاعل وتشابك بين البعدين "البعد النفسي والبعد البيولوجي" .