إجابتي
هل الحكم المطلق كفيل بحفظ أمن الدولة و استقرارها؟؟
طرح المشكلة : إن نظام الحكم شرط ضروري لقيام الدولة التي تضمن حياة اجتماعية مستنقرة و تحفظ أمن الناس و حقوقهم في جو يتميز بتضارب المصالح و تصارع القوى المكونة للمجتمع على هذا الأساس اجتهد الفلاسفة في تصور شكل نظام حكم أمثل فهل يتوقف شكله على أساس قمع و تضارب مصالح و الحكم بيد من حديد لأجل ضمان استقرار الدولة و أمنها ؟ أم ببلورة هذا الإختلاف و الأخذ به عندما يشكل أغلبية كما يرى أنصار النظام الديمقراطي الجماعي ؟
محاولة حل المشكلة : يذهب بعض المفكرين و الفلاسفة على غرار أفلاطون و إبن خلدون و طوماس هوبز و هيغل أن النظام الفردي المطلق هو الشكل الأمثل بل الأوحد لتسيير شؤون الدولة و تحقيق أمنها و استقرارها.
الحجة : تسند مبررات هذا الموقف الى أن الإنسان شرير بطبعه و هو كائن طبيعي لا يتاثر الا بقوة الردع كما عبر ابن خلدون في قوله " ثم ان هذا الاجتماع اذا حصل للبشر لا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان و الظلم " ، و قد نفى ابن خلدون أن يكون الوازع الديني أو الأخلاقي كافيا لمنع الناس من الاعتداء كما أن هذه الطبيعة الشريرة تجعل الشعب غير مؤهل لتنظيم حياته العامة و هو ما عبر عنه طوماس هوبز (لقد كانت الحياة الطبيعية الأولى حالة طمع و أنانية و حرب و منبع كل الشرور و الآثام ) و يضيف بأن الناس عاشوا في فوضى فاضطروا الى التقاعد و التنازل عن حريتهم لفرد يجسد الدولة كله في شخصيته يقول ( لن يسود النظام في الجماعة أو يطرأ عليهم تقدم ورقي الا اذا قر في نفوس الجميع أنهم يقيدون خيرا باحترامهم لرئيسهم الأعلى و خضوعهم له و هو ما عبر عنه هيغل في فلسفته القومية بأن الدولة يحكمها زعيم عظيم يعتقد أنه يجسد في شخصيته مقومات الأمة و قيمها و مثلها العلياء و أنه بذلك يجسد الإرادة المطلقة للدولة فيتولى بنفسه ممارسة كل السلطات.
الحجة: إن إعطاء الحكم للعامة كان هو السبب الحقيقي في موت سقراط لذلك كان أفلاطون و آرسطو أكبر الكافرين بديمقراطية أثينا لذا و ضع أفلاطون تصور للدولة التي تحقق الفضيلة و بما أن الأفراد مختلفون في الطبيعة الأنفس الثلاثة فان تحقيق الفضيلة لا يمكن أن يكون الا من الطرف الذي يمتلك القوة العاقلة و هؤلاء هم المكونون للسلطة لأنهم وحدهم يدركون الحقيقة دون سواهم أما بقية الفراد فيجب أن تشكل الجيش و العبيد.
إن مصلحة الدولة فوق كل اعتبار و يهون في سبيلها كل مبدأ ميكيافيلي في مبدأه الشهير الغاية تبرر الوسيلة و لقد عبر الاجتماعي الألماني ماكس فيبر عن ذلك بقوله إن الدولة قوامها سيطرة الإنسان على الإنسان بواسطة العنف المشروع )و هذا العنف المشروع يشهد أنه كان السبب في وحدة ألمانيا على يد بسمارك الذي قاد الدولة بسياسة الحديد و النار الشيء الذي جعله نموذجا سياسيا أعلى لنيتشة حين قال ( قد أدرك بسمارك الحقائق فأعلن انه لا ايثار بين الأمم و أن الدولة سياستها الحديد و النار).
النقد: رغم أننا لا ننكر ان الأنظمة الفردية المطلقة استطاعت في بعض الأحيان فرض الانضباط و الأمن الصارم في دولها لكن كيف نفسر انتقال هذه النظمة و تحولها من النظمة الديكتاتورية الى الديمقراطية لأن الثورات التي قامت بها الشعوب ضد الطغيان و الظلم و الاستبداد دليل على فساد الأنظمة الفردية و أن الدولة من أجل حماية حرية الفراد و امنهم و التي لا أثر لها في النظام الفردي مما جعل الفوضويين الى ضرورة زوال الدولة.
الموقف النقيض : و عل هذا الساس و نتيجة طغيان هذه الأنظمة فقد دعا الكثير من الفلاسفة و على رأسهم جون لوك و جون جاك روسو و كانط الى ضرورة أن يحكم الشعب نفسه و أن يشارك في اتخاذ القرار و هذا ما تعكسه الأنظمة الديمقراطية و الجماعية لأن الدولة من أولى أولوياتها حماية الأفراد و حريتهم و أمنهم و هذا ما يبرر وجود الدولة تاريخية و هو ما تعكسه نظرية العقد الاجتماعي اذ يرى جون جاك روسو أن الدولة ظهرت بتعاقد افراد على قيامها بمعنى ان الفراد هم الذين يضعون النظام أي يستأجرون الحاكم ليحكمهم و يضعون له النظام الذي يرتضونه لأن الحكم عقد بين الشعب و الحاكم لذا كان جون جاك روسو يركز بأن الدولة تسعى دائما لتحقيق العدل و المساواة و أن القانون المطبق في الدولة ما هو الا وسيلة للحفاظ على حقوق الإنسان
الحجة: ان خضوع الأفراد للقانون هو خضوع للإرادة العامة يقول (كل واحد منا سواء كان حاكم او محكوم يحقق حريته يخضعه للقانون اذ أن هذه القوانين ليست سوى لارادتنا و تعبير كامل عنها)إن الحاكم في الدولة هو مسير و منظم لا غير لحياة الناس و لا يتمتع باي حق طبيعي او الاهي للتسلط على رقاب الناس و التحكم في مصائرهم بل إن الشعب هو صاحب السيادة الحقيقية و له يخضع الحاكم يقول جون لوك(و يجوز لهم الثورة على الحاكم اذ لم يجدوا من سبيل آخر لإصلاحه غير الثورة) أن الدولة وسيلة لتنظيم الناس و الإنسان و الغاية كما تعكسه الفلسفة الأخلاقية الكانطية بحيث يجب أن يحاط كل إنسان بالاحترام اللازم بوصفه غاية لا وسيلة و التي انعكست على آرائه السياسية كما يقول كانط (النزاهة أفضل السياسة وإنها الشرط المطلق لأي سياسة )إن الديمقراطية الحديثة و التي قامت على انقاض الأنظمة الفردية المستبدة تعطي السيادة للشعب.
النقد : لكن بنظر الى الممارسات الواقعية نجد أن الأنظمة الديمقراطية هي حكم لطبقة أو جماعة بصورة أخرى ففي الديمقراطية الرأسمالية نجد رجال المال هم الذين يقرون كل شيء أما الديمقراطية الجماعية الاشتراكية شهدت أبشع صور الاستبداد و الديكتاتورية و الشمولية علق أحد السسة قائلا(إن الأنظمة القائمة بصورة خالصة على رضى الشعب لم توجد قط و لا توجد الآن و لن توجد أبدا).
التركيب : و عليه فإن الأنظمة الفردية تجاوزها الزمان و الأنظمة الديمقراطية المعاصرة عرجا خادعة و النظام حكم الأمثل هو الذي جاء به الإسلام فلا هو فردي بشكل مطلق لأن الحاكم معين من طرف الجماعة و هو ملزم بالشورى و لا هو بديمقراطي مطلق لأنه لا يعطي للشعب أن يشرع ما يشاء و بذلك محدود بحدود الشرع و أن الشورى ليست للجميع بل هي خاصة بأهل الحل و الربط و القرار في نظام الحكم في الإسلام ليس للأغلبية دائما إنما للصالح و الأنفع للأمة.
حل المشكلة : و في الخير يمكن القول أن الأنظمة الفردية و إن كانت تفرضها ظروف تاريخية و اجتماعية ما الا أنها في الخير لا تنتج الا البطش و هو ما يساهم في زوالها و النظام الأفضل هو الذي يتاسس بالجماعة الخيرة.