سؤال 15 :هل ما يروج عن الأكاديمة الامازيغية بأنها تأسست في فرنسا لخدمة مصالح فرنسية في الجزائرصحيح؟
الجواب:
يروج القوميون العروبيون في الجزائر عن الأكاديمة الامازيغية بأنها تأسست في فرنسا لخدمة مصالح فرنسية في الجزائر فهل هذا صحيح أم أنه مجرد إشاعات لتشويه النضال الأمازيغي الذي يهدد مصالح بعض الإيديولوجيات المسيطرة في الجزائر ؟
طالعت مقالا في موقع الحياة العربية بقلم القومي العروبي الدكتور عثمان سعدي تحت عنوان رئيسي “الأكاديمية البربرية في باريس حاولت تشويه الأمازيغية والقبائلية ”
حيث أراد عثمان العروبي في المقال تخويف الجزائريين مثل عادته من المشروع الفرنسي في الجزائر المتمثل في الامازيغية حسب قوله وهو الخطاب الذي ظل يردده منذ عقود ولأن الكثير من شبابنا المستعرب ينشرون بعض هذه الأفكار في سبيل محاربة الهوية الامازيغية و التي ضخموها دون وعي عبر بعض المنتديات والمواقع وحتى وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف العروبية في الجزائر حتى سلم البعض بأن الأكاديمية البربرية صناعة فرنسية وصهيونية وربما ماسونية في المستقبل القريب , على سنة الجهل المقدس والمؤامرة الماسونية ضد الإسلام والعروبة .
لهذا أحببنا أن نرد على بعض المغالطات في المسألة بما تيسر لنا ومحاولة قراءة الموضوع من زاوية عقلانية تاريخية موضوعية بتسمية الأشياء بمسمياتها .
أولا : على الجميع أن يفقه في المصطلحات لان مصطلح ” علم الأمازيغ ” لا يعني أنه علم لدولة ما أو كيان يريد الانفصال عن دولة ما كما يعتقد البعض ،وكما يروج له بعض الانتهازيين العروبيين وهو ليس بعلم فرحات مهني لحركة (الماك) التي ظهرت بعد أحداث الربيع الأمازيغي الأسود 2001 ، بل ما يحمله الامازيغ هو راية ثقافية أولا ورمز لأمة الامازيغ من واحة سيوى المصريية إلى جزر الكناري بالمحيط الأطلسي وليست راية دولة الجزائر أو المغرب أو ليبيا صنعت هذه الراية لأول مرة في وادية ولاية تيزي وزو في الجزائر من طرف المجاهد محند أعراف بوسعود ,
سؤال 16 ما حقيقة الأكاديمية البربرية وكيف تأسست ؟
الجواب:
تأسست الاكاديمية البربرية بفرنسا سنة 1966 من طرف عبد القادر رحماني، ونوابه وهم خليفاتي محمد أمقران،عمار نقادي، ناروم أعمر، محمد السعيد حنوز، الكاتب العام هو أولحبيب جعفر، وليس من طرف بسعود محمد أعراب فقط كما يشاع ، بل هو أمين مال الجمعية وليس امين عام الاكاديمة فيجب أن نشير هنا أن ما يسمى بالاكاديمة هو مجرد جمعية ثقافية متواضعة اسمها بالامازيغية “أڤ—رَاوْ إيمَازيغنْ” أي التجمع الأمازيغي ، أمّا كلمة “الأكاديمية” فقد تم اختيارها من باب التفاؤل بمستقبل الأمازيغية ورفع معنويات دارسيها، وهذا ما صرح به أحد الاعضاء البارزين بسعود محند أعراب في كتابه “تاريخ الأكاديمية البربرية” كما صرح كذلك على أن الجمعية لم تستفد من دعم فرنسا .
حصلت الجمعية سنة 1967 على الاعتماد الرسمي تحت اسم:
Académie Berbère D’échanges et de Recherches Culturels A.B.E.R.C
أي الأكاديمية البربرية للتّبادل و البحث الثّقافي وجاء قرار الاعتماد بتاريخ 21 فبراير 1967 و فقا لقانون إنشاء الجمعيات الأجنبية الصّادر بتاريخ 12 أفريل 1939 المعدّل لقانون الجمعيات الصّادر بتاريخ 01 جويلية 1901، لكن لم يكن لها دور الاكاديمة بالمعنى الرسمي للكلمة ،أي أنها لم يكن لها خبراء في المجالات التي يتطلبها التنظيم الأكاديمي ،كانت فكرة الجمعية التي أسسها مجموعة من المثقفين الجزائريين وأغلبهم من منطقة القبائل الامازيغية من الجالية الجزائرية في فرنسا تتأسس على النهوض بالثقافة واللغة الامازيغة ونشر الوعي الامازيغي في شمال إفريقيا، فقامت الاكاديمة بإحياء الكتابة الأبجدية الامازيغة التيفيناغ والتعديل عليها لتناسب اللسان الأمازيغي الحالي، حتى إبداع بعض الحروف للتعبير على بعض الأصوات المنطوقة في اللسان الامازيغي ولمواكبة التطورات الحاصلة في العالم كون التيفيناغ المنقوشة في صخور التاسيلي كانت تعبر عن الحياة اليومية للامازيغ في حقبة زمنية قديمة تختلف كثيرا عن عصرنا الحالي ، وهذا أمر طبيعي وقع مع كل لغات العالم ومنها العربية
سؤال 17:لماذا تأسست الأكاديمية البربرية في فرنسا وليس في الجزائر؟ :
الجواب:
السبب بسيط جدا وهو أن النظام الجزائري بعد الاستقلال، بن بلة و بومدين كان بعثي الاديولوجية شمولي وكان يضطهد الامازيغية ونشاطائها ، فقد عمل الرئيس بن بلة رحمه الله على تكريس العروبة في الجزائر رغم انه امازيغي الاصل والجينات وكان يمارس القومية العربية بطلب من جمال عبد الناصر المروج لمشروع القومية العربية البعثية ، وبن بلة هو صاحب المقولة المستفزة يوم نزل من الطائرة عائدا من مصر (نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب) وبدل أن يكون رئيس لكل الجزائريين والعمل على الحفاظ على كل الألوان والأطياف الثقافية في الجزائر الغنية فضل معاداة الامازيغية ثقافيا ولغويا وتاريخيا وقام باستيراد سياسية عروبية من مصر الناصرية ، وبالغ في معادة الهوية الامازيغية الجزائرية ، ربما لتمرد منطقة القبايل على حكمه وإفشال محاولتين للانقلاب عليه من منطقة القبايل ،المخطط الانقلابي الذي قاده كريم بلقاسم ثم حسين ايت احمد ومحند اولحاج ثم تحالف قادة منطقة القبايل في الانقلاب الذي خطط له العقيد شعباني ضد حكم بن بلة أيضا .
وقد ازدادت سياسية الإقصاء والاضطهاد ضد الامازيغية في الجزائر بشكل رهيب في عهد بومدين الذي انقلب على صانعه بن بلة وقام بومدين بإدراج الأمازيغية ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، كما جمد عمل الإذاعة المحلية لمنطقة القبايل ومنع الإذاعة الثانية الناطقة بالقبائلية من تزويدها بالمعدات التقنية اللازمة لتوسيع موجتها لتمكين الجزائريين من التقاطها في كامل التراب الوطني، كما منعت الفنانة المناضلة طاوس عمروش من المشاركة في مهرجان الأغنية الإفريقية الذي نظمته الجزائر في صائفة 1969م، وهي عضو في الأكاديمية البربرية أيضا وكذلك أخوها جان لموهوب الذي قدم الكثير للامازيغية ، كما أوقف الرئيس بومدين دروس الأمازيغية التي كان يقدمها الأستاذ مولود معمري في جامعة الجزائر، وتم تحويله إلى معهد خاص بالأنثروبولوجيا.
وأكثر من ذلك منع حتى الحفلات الغنائية الامازيغية في منطقة القبايل وقام بتغير اسم شبيبة القبايل إلى “جمعية إلكترونيك تيزي وزو” بعد أن سمع الكثير من الشعارات المعادية له والأصوات المطالبة بالاعتراف بالامازيغة فوق مدرجات ملعب 5 جويلية بالعاصمة حيث حضر بومدين نهائي الكأس التي جمعت بين فريق شبيبة القبائل وفريق نصر حسين داي في صائفة سنة 1977،كل هذا وذاك جعل مثقفي ومناضلي منطقة القبايل يختارون المهجر خوفا من القتل والسجن وتأسيس جمعية أكراو إمازيغن التي تحولت إلى الأكاديمية الامازيغية اسميا فيما بعد ، ورغم ذلك فقد تبعتهم سياسية بومدين المعادية إلى فرنسا حيث أجبر بومدين الحكومة الفرنسية بغلق الاكاديمة في فرنسا وطرد أحد أعضائها الناشطين المجاهد محند اعرب بوسعود من التراب الفرنسي مما دفعه اللجوء إلى بريطانيا حتى وفاته هناك ، وطبعا لم تكن فرنسا لترفض قرار بومدين الذي سيؤدي إلى تضرر العلاقات بين البلدين خاصة وأن بومدين كانت له علاقات جيدة مع فرنسا كونه من جماعة وجدة التي انقلبت على بن بلة بتخطيط مصري أولا ومساعدة فرنسية ثانيا .
أما الأصوات التي تتهم أنصار هذه الاكاديمة بالعمالة لفرنسا فقط لأنهم أسسوها هناك فنحن نسألهم بدورنا لماذا لا يتجرؤون على أن يتهموا أعضاء الحركة الوطنية بالعمالة أو الخيانة حينما أسسوا نجم شمال إفريقيا في فرنسا وكان 85 بالمئة من مؤسسيه من منطقة القبائل وهو الحزب الذي فجر العمل المسلح فيما بعد، كما لم نسمع كذلك كلام مشابه عن جمعية العلماء المسلمين التي تأسست في الجزائر الفرنسية باعتماد فرنسي ؟ ولما لم يتهموا كذلك المصلحين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان اضطرا إلى الفرار إلى العاصمة الفرنسية باريس، وأصدرا هناك جريدة “العروة الوثقى” ؟
و لما لا احد يقول نفس الكلام عن العروبة التي تأسست على يد فرنسا ؟
أليست فرنسا من قامت بتأسيس الجامعة الياسوعية في لبنان عام 1875 عن طريق ياسوعيين والتي كانت نواة فكرة القومية العربية الأولى المراونة (طائفة مسيحية) وتأسيس الجمعية العربية على يد مسيحيي لبنان وسوريا هي جمعية سياسية قومية عربية سرية أنشأها مجموعة من الطلاب العرب في باريس عام 1909م. والتي أثرت على الفكر القومي العربي ومهدت للمؤتمر العربي في باريس كذلك عام 1913 وأسهمت في التمهيد للثوره العربيه التي انطلقت في الحجاز عام 1916ضد الخلافة العثامية الاسلامية ؟.
لا احد من الذين يتهجمون على الأكاديمية البربرية يتحدث كذلك على أن مؤسسي العروبة درسوا في فرنسا ومنهم ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي الذين درسوا في المدارس الفرنسية تحت الإنتداب الفرنسي لسوريا وأكملوا دراستهم في جامعة السوربون.
و أن فرنسا هي من دعمت العروبة في شمال إفريقياً سواء على المستوى اللغوي أو الاقتصادي أو السياسي، فمثلاً سمت مكاتب البلدية في الدزاير بالمكاتب العربية وأضافت اللغة العربية (بطلب من جمعية العلماء المسلمين) كلغة إختيارية وأسس مؤرخوها وباحثوها (الفرنسيين)عداوة مع الأمازيغ والأمازيغية أمثال جاك بيرك الذي قال بأن “الفرنسية تتم عن طريق التعريب” و جاك بيرك الذي عمل فيما بعد مشرفاً على معهد اللغة العربية في لبنان! ويعتبر أول من ترجم القرأن إلى الفرنسية والذي عندما خرج المورسكيون في موراكوش يتهمون فرنسا بـِ “الضهير البربري” الوهمي صنعته فرنسا وطبل له العروبيين خرج جاك بيرك قائلاً بأن “فرنسا لا نية لها في بربرستان” واصفاً الأمازيغ بـِ “المتوحشين الطيبيين”.
بل حتى أن المجاهد عبد الحميد مهري اعترف أن التعريب في الجزائر بعد الاستقلال فرض علينا من طرف الرئيس الفرنسي ديغول .
ونشير كذلك إلى أن فكرة الوطن القومي للعرب كانت فكرة فرنسية فنابليون الثالث أعلن نفسه ملكاً على العرب وكان حلمه تأسيس مملكة عربية من الدزاير إلى مصر بإدارة عبد القادر الجزائري ولكن خسارة نابليون أمام الجيش الروسي حد من أحلامه! ويمكن الإطلاع على كتاب “المملكة المستحيلة – فرنسا وتكوين العالم العربي الحديث” لـِ الكاتب هنري لورنس وكيف كان نابليون الأول من أوائل من كانوا يدعون لـِ “نزعة عربية وطنية” أثناء حملته على مصر ثم التدخل في الأزمة اللبنانية عام 1860 والدعوة لمملكة عربية في الشام!.
وفرنسا كذلك هي نفسها من قامت عام 1980 بتأسيس معهد العالم العربي القائم على القانون الفرنسي واتفاقية بين فرنسا و18 دولة ، لماذا لا يقول أحد أن العروبة صناعة فرنسية وأن مؤسسي البعث العروبي عملاء لفرنسا وبريطانيا والغرب الذي جند العرب للمحاربة والقضاء على الخلافة العثمانية الإسلامية عن طريق فيروس القومية العربية البعثية في إطار ما يسمى بالحرب العربية الكبرى ضد العثمانيين ؟ رغم أن هذه الحقيقة موثقة تاريخيا لا يختلف فيها اثنان ؟ .
سؤال 18 : ما علاقة أحد اعضاء الاكاديمية Arab Bessaoud بالفرنسي اليهودي Jacques Bénet ؟:
الجواب:
شهدنا الكثير من المنشورات هنا وهناك تتهجم على الأكاديمة البربرية وتتهمها بالعمالة مع الصهيونية، والدليل الوحيد الذي قدموه هي نص قصير مقتطف من كتاب أحد الاعضاء البارزين في الاكاديمية، وهو المجاهد محند أعراف بوسعود يعبر فيه عن صداقته مع Jacques Bénet الذي أعجب بنضال محند أعراف بوسعود ،والذي قدم له مساعدة كبيرة في حصول المجاهد أعراف بوسعود على اللجوء السياسي في بريطانيا بعد أن طردته الحكومة الفرنسية من التراب الفرنسي بأمر من بومدين ، والمثير للاهتمام أن الدليل الوحيد الذي يستخدمه أنصار العربواسلاميين لتشويه صورة هذا المجاهد في صفوف الجيش التحرير الوطني أثناء الثورة ، هو رسالة كتبها إلى صديقه اليهودي Jacques Bénet التي يقول فيها ما يلي :
Si les Berbères, mes frères, devaient un jour se souvenir de moi au point de vouloir honorer mon nom, je leur demanderais instamment de lui associer celui de Jacques Bénet, car sans l’aide de ce grand ami des Berbères, mon action en faveur de notre identité n’aurait peut-être pas connu le succès qui est le sien. Ce serait donc faire preuve de justice que de ---dir---e : Mohand Arab-Jacques Bénet comme on dit Erckmann-Chatrian
كما ترون فان الرسالة عادية لكن أنصار الجهل المقدس يتعمدون تضخيم الأشياء لإثارة الفتن ونشر فلسفة الكره ضد الذين يدافعون عن الهوية الامازيغية سياسة الكره التي ركبها نظام بومدين في عقول الجزائريين ، عن طريق استغلال الخطاب المدغدغ للمشاعر (القضية الفلسطينية ، العروبة والإسلام والخطابات الوطنية المثيرة ) كلها من أجل كسب مشاعر الجماهير والشباب الخدر بالقومية العربية،وكانت النتيجة جيل جزائري يخشع للنشيد الفلسطيني ويصفر على النشيد الجزائري خلال مقابلة لكرة القدم جمع بين فريق جزائري وفلسطيني في الجزائر ، وأكثر من ذلك خروج مظاهرات لمساندة الإخوة الفلسطينيين (ونحن لسنا ضد هذا) في نفس الوقت السكوت الوطني على أحداث الربيع الامازيغي الأسود الذي أودى بحياة 126 جزائري وكذلك أحداث غرداية فيما بعد .
هذا لان شعبنا اليوم لا يفرق بين اليهودية كديانة سماوية اعتنقها أجدادنا الامازيغ قبل المسيحية والإسلام و بين الحركة الايديولوجية الصهيونية التي لا تختلف عن القومية العربية البعثية التي أمن بها و كرسها نظام بن بلة وبومدين في الجزائر بصفة رسمية والتي اعتبرت وطنية وشرف لمن يعتنقها، بينما الامازيغية عنصرية وفتنة تهدد وحدة الأمة ؟
القومية العربية المستوردة إلى الجزائر هي نفسها التي تغني بها أحد شعراءهم وهو الشاعر شفيق الكمالي المولود بسوريا والذي يعتبر من المناضلين البارزين في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي قال مقولته الشهيرة عن القومية العربية البعثية ” آمنتُ بالبعثِ ربّاً لا شريكَ له ... وبالعروبة ديناً ماله ثاني ” والذي قال كذلك في قصيدة أخرى مادحا الرئيس العراقي السابق صدام الحسين، الذي يعتبر من أبرز أقطاب القومية العربية البعثية كذلك :
صدام ..
لولاك ما بزغ القمر
لولاك ما طلع الشجر
لولاك ما نزل المطر
لولاك يا صدام ما خلق البشر .
يتضح لنا جليا أن الامازيغية في الجزائر لا يحاربها إلا أنصار هذا التيار الاديولوجي المتعصب الذي يرفض الأخر ويرفض التنوع والاختلاف العرقي وهو لا يحارب الامازيغية فقط ، بل حتى اللهجة الجزائرية المحلية التي هي نتاج التلاحق والتثافق بين الثقافات الوافدة الى شمال إفريقيا وكذلك نتيجة سياسية التعريب الممنهجة والتي ذابت رغم ذلك في النواة الامازيغية الصلبة ، مما جعل هذه اللهجة الجزائرية اليوم لهجة من اللهجات الامازيغية المحلية أيضا ، فهي ذات روح وهيكل لغوي امازيغي حتى ولو كانت بعض كلماتها عربية ، ويتجلى لنا محاربة القومية العربية البعثية لهذه اللهجة الجزائرية والامازيغية فيما كتبه أحد مفكري هذه القومية وهو الكاتب محمد عابد الجابري في إحدى كتبه ما نصه :
" إن عملية التعريب الشاملة ،يجب أن تستهدف ليس فقط تصفية اللغة الفرنسية حضارة وثقافة وتخاطب وتعامل ،بل أيضا -وهذا من الأهمية بمكان - العمل على إماتة اللهجات المحلية البربرية منها و" العربية ". ولن يتأتى ذلك إلا بتركيز التعليم وتعميمه إلى اقصى حد في المناطق الجبلية والقروية، وتحريم استعمال أية لغة أو لهجة في المدرسة والإذاعة والتلفزة غير اللغة العربية الفصحى، وتخصيص برامج، متنوعة ، مخططة، للتربية الشعبية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، برامج تستمد مادتها ومضمونها من آفاق وأبعاد الهدف الوطني العام : استكمال التحرير والبناء الاشتراكي ، وتقدم بلغة عربية فصحى مبسطة ومدرسة، مع العناية الفائقة بالحوار والمناقشة " .
وهو نفس ما قامت به القوى الاستعمارية مع كل الأمم التي غزتها بإخضاع تلك الشعوب واستعبادها بعد تجريدها من لسانها وهويتها وتاريخا الحقيقي .
سؤال 18 : ماذا قدمت الأكاديمية البربرية للامازيغية والامازيغ ؟:
قد لا يصدق البعض أن الأكاديمية البربرية هي مجرد هزة فكرية ارتدادية للهزة الكبرى المعروفة تاريخيا بي ” الأزمة البربرية ” سنة 1949 حتى ولو أني لا أحب تسميتها بالأزمة البربرية لان الحقيقة هي أزمة عروبية فالامازيغية في وطنها وبين أهلها والفكر العروبي للقوميين العرب هو المستورد إلى الجزائر فتصادم مع الفكر الامازيغي الذي كان مجرد ردة فعل طبيعية والذي يرفض كل الأفكار المستوردة إلى الجزائر وخاصة السياسية منها مما احدث ذلك الصراع سنة 1949 كاد أن يعصف بالبلاد ومن فيها .
الكثير من مؤسسي الأكاديمية البربرية متأثرون بالحركة وأفكار البربريست وخاصة أعراب بوسعود فقد كان في خلاف حتى مع الدا الحسين (حسين ايت احمد) رحمه الله وقيل أنه شتم الدا الحسين أيضا ، يضن الكثير أن هذا مندرج ضمن خلاف جماعة البربريست مع الدا الحسين وبعض القادة الثوريين من منطقة القبايل الذين وقفوا ضد البربريست وساندوا انصار القومية العربية البعثية ويذكر أحد البربريست المدعوا رشيد على يحي أنه تكلم مع كريم بلقاسم الذي وقف ضدهم أيضا وقال له كريم أنه ندم لأنه لم يقف إلى جانب البربريست خلال الثورة وأنهم كانوا على حق من تخوفهم من العروبيين المتأثرين بالفكر البعثي لشكيب ارسلان الذي استطاع تغير توجه مصالي الحاج وإقناعه بفكرة القومية العربية البعثية مما أحدث الأزمة البربرية كما أسلفنا الذكر .
لقد ساهمت الأكاديمية البربرية في انتقاء الكتابة الامازيغة التيفيناغ المنتشرة نقوشها في جميع أنحاء شمال إفريقيا كما قاموا بتبني الكتابة الامازيغية المعمرية اللاتينية وألفوا كتب في تاريخ الامازيغ وكذلك مطبوعات كانت ترسل بطرق سرية إلى الجزائر بسبب ديكتاتورية النظام المعارض للامازيغية في ذلك الوقت .
وأفتح قوص هنا للرد على الدكتور العروبي عثمان سعدي وأمثاله من القوميين العروبيين والذي قال في مقاله أن الكتابة الامازيغية الحالية هي من صناعة مخابر الأكاديمية البربرية وأقول له وهل العربية الحالية من صناعة أبو جهل مثلا ؟ أليس ما نسميه الآن بـ”الحرف العربي” أو “الخط العربي” هو حرف لم يتطور في الحجاز ولا مكة ولا المدينة (يثرب) ولا حتى في اليمن، وإنما هو حرف مشتق من حرف شامي/عراقي هو الحرف السرياني (سوريا والعراق) أو الحرف النبطي (الأردن) وهما مشتقان من الحرف الآرامي المنتمي أيضا إلى الشام والعراق.
أليس زعماء القومية العربية اغلبهم من المسيحيين (عفلق وأخواتها) أليس فارس القومية العربية وإمامها هو (لورنس العرب) البريطاني.
لقد ساهمت الأكاديمية البربرية في إحياء الوعي الأمازيغي لدى الشباب الامازيغي المتحمس من جديد وخاصة القبائلي منه، الذي عبر عن الحماس المتراكم في وجدانه عن طريق شن أضربات طلابية هنا وهناك للتعبير عن رفضهم للوضع القائم أنذاك في الجزائر، والمطالبة بالانفتاح الديمقراطي والثقافي والسياسي حتى جاء اليوم الموعود الذي غير الوضع في الجزائر و شمال إفريقيا، وهو الربيع الامازيغي في 20 افريل سنة 1980 بعد أن منعت السلطات الجزائرية الأستاذ ملود معمري من إلقاء محاضرة حول شعر الفيلسوف والشاعر الجزائري القبائلي سي محند اومحند ، فأعلن الطلاب إضرابا عاما في الجامعات وساندهم تلاميذة الثانوية وحتى العمال وانتقل الحراك الى جامعات العاصمة الجزائرية ، وفي يوم 20 أفريل اقتحمت قواتُ الأمن الإقامة الجامعية بتيزي وزو ليلا، فمارسوا العنف مع الطلبة وما أن وصل الخبر إلى قرى جبال جرجرة حتى امتلأت شوارع مدينة تيزي وزو بالمتظاهرين ، وكانت تلك أول وأكبر مظاهرة شعبية منذ الاستقلال كسر بها الشعب الجزائري عقدة الخوف من النظام الديكتاتوري ولم تهدأ الأمور رغم الاعتقالات بل توسعت المطالب فتم تأسيس أول رابطة حقوق الإنسان في الجزائر ، وجمعية خاصة بأبناء الشهداء، كذلك ظهرت الحركة الثقافية البربرية MCB التي تكفلت بالدفاع عن القضية الأمازيغية. ، وكان الربيع الامازيغي سبب مباشرا وأرضية صلبة لأحداث 5 أكتوبر في الجزائر والتي أفرزت عنها التفتح الإعلامي والتعددية الحزبية .
مشكلتنا أننا نشاهد الأمور بزاوية منغلقة ومتعصبة فقط وبخلفيات سلبية مركبة في عقولنا وهي من مخلفات الاستعمار وسياسيات النظم الحاكمة بعد الاستقلال، التي لم تختلف عن سياسية الاستعمار كثيرا.
سؤال 19 : لماذا تكتبون حاليا الامازيغية بالخط الفرنسي؟
إذا كان أجدادنا قد اخترعوا التيفيناغ التي تعني ثيفي (اكتشاف) ناغ (نا) أي اكتشافنا وهي أقدم كتابة للانسان على وجه الأرض حسب اكتشاف أخير لعالم بريطاني، وكان الخط يتماشى مع نمط حياتهم في ذلك الزمان فما الذي يمنع أحفادهم كذلك أن يخترعوا كتابة أمازيغية حديثة تتماشى مع متطلبات العصر الحالي، أتكلم عن الحرف اللاتيني الذي وضعه الأستاذ ملود معمري وليس عن التفيناغ التي نعتز بها كذلك ولم يهملها أهلها بل تم إحياءها أيضا من طرف الأكاديمية وقام المعهد الملكي للامازيغة بالمغرب بتبنيها فيما بعد .
والخط اللاتيني لا يعني الفرنسية كما يظن البعض بل هو الخط الذي تكتب به أغلب لغات العالم الحية بما فيهم الانجليزية التي صدع العروبيين بها رؤوسنا من خلال مطالبتهم محو اللغة الفرنسية وتعويضها بالانجليزية وكأنها ليست لغة العدو أيضا أم أن غزو الانجليز لبلدان المسلمين حلال ؟
وما يجهله الكثير أن الأبجدية الامازيغية المعمرية اللاتينية (نسبتا إلى الأستاذ ملود معمري ) تتكون من 35 حرف بينما اللاتينية (الفرنسية) لها 26 حرف و29 حرف في العربية باحتساب الهمزة والألف ، وهذا يعني ان كل من العربية والفرنسية عاجزتين على تغطية كل الأصوات المنطوقة في الامازيغية، أما عن سؤال أي لغة ستكتب بها الامازيغية فهو من اختصاص المختصين في اللسان الامازيغي فقط دون غيرهم فأهل مكة أدرى بشعابها ولا دخل للسياسية في هذا النقاش العلمي .
خلاصة :
يتظح لنا بعدما سردنا أن تهجم العروبيين على هذه الأكاديمية البربرية والهوية الامازيغية بصفة عامة وبشكل مبالغ فيه وتلفيق الأكاذيب وتأويل المفاهيم على سنة ويل للمصلين دون أي دليل ما هو الا حقد دفين على ما قدمته للجزائر لان العروبيين (أنصار القومية العربية البعثية) أمثال الدكتور عثمان سعدي وأحمد بن نعمان وغيرهم كانوا أكثر المستفيدين من ذلك الوضع التي كانت تعيشه الجزائر خلال زمن الأحادية الثقافية والسياسية و استفادوا من النظام الشمولي وفكرة الدولة اليعقوبية الفرنسيىة الذي تبنتها فكرة حزب البعث الاشتراكي المتنكر لكل ما هو جزائري أصيل ويعادي التنوع الثقافي واللساني في الجزائر الذي هو أية من آيات الله في خلقه ” وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚإِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ” ﴿ الروم٢ ٢)
وهذا التنوع مظهر صحي للمجتمع و كنز ثمين للأمة الجزائرية لو أدرك حكامنا حسن استغلاله .
توضيح مفاهيم ومصطلحات:
العربواسلاميين : نقصد بهم أنصار القومية العربية البعثية والإسلاميين من تجار الدين .
العروبيين : أنصار القومية العربية البعثية .
البربريست : وهم جماعة من الوطنيين في حزب الشعب الجزائري معظمهم من منطقة القبايل رفضوا فكرة القومية العربية في الحزب وأقترحوا فكرة الجزائر جزائرية كبديل للجزائر العربية وهي فكرة رفضتها قادة الحزب أيضا مما سارع في تفجيرة الأزمة البربرية في حزب الشعب سنة 1949 ، ومن أبرز القادة الوطنيين المنتمين الى البربريست هم “علي يحيى، وبناي واعلي، عمر أو صديق، وعمار ولد حمودة، والصادق هجريس، وعلي عيمش ومبروك بن الحسن، ويحيى هنين، والسعيد أوبوزار، وبلعيد آيت مدري .