يقول فيلسوف العرب ـ الكندي ـ في إحدى رسائله : ’’ إنه ينبغي لنا أن لا نستحيي من الحق ، ومن إستحسان الحق ، واقتناء الحق من أين أتى . فإنه لا شئ أولى بطالب الحق ، وليس ينبغي بخس الحق ، ولا تصغير قائله ، ولا الآتي به ، فلا أحد يخس بالحق ، بل كلٌٌ شرفه الحق‘‘
ما أجدرنا بأن نتمعن في مضمون هذه الحكمة ، لنتخذ منها دليلا مرشدا لنا في مراجعة مواقفنا وقراراتنا التي أثبتت التطبيقات الميدانية محدودية نجاعتها وضعف مردودية نتائجها ، مادامت العبرة بالنتائج لا بالمقدمات .
إنه ليس من شك اليوم أن سياسة إصلاح المنظومة التربوية ، قد أصبحت تطرح علامات إستفهام كبرى على الجميع ، مادام الأمر يهم الجميع : مسؤولين ومربين وأولياء ؟
وإذا كانت الحكمة أيضا تقول : ’’ ليس العيب في أن نخطئ ، ولكن العيب في أن نتمادى في الخطأ ‘‘ فإن ما آلت إليه الأوضاع في قطاع التربية ، لايدع مجالا للشك في أن الإصلاحات المعتمدة في مجال التربية والتعليم لم تؤت أكلها كما كان يقال لنا ...
فبعد أكثر من خمس سنوات من الشروع في هذه الإصلاحات ، هاهي الحقائق في النتائج المتمثلة في :
1/ هذه الفوضى التي يعيشها قطاع التربية على جميع المستويات التنظيمية : الإدارية والبيداغوجية .
2/ وتلك الفوضى السائدة على مستوى القرارات الوزارية والتعليمات الإدارية المتسرعة والبعيدة عن الواقع المعاش في الممارسة الميدانية .
3/ التراجعات المتواصلة عن البرامج والمناهج التربوية ، تحت غطاء التعديل أحيانا والتخفيف أخرى ووو...
4/ التسرع في إتخاذ القرارات وإعطاء الأوامر للتنفيذ ، دون التفكير في الإمكانيات والوسائل ومعطيات الواقع .
5/ عدم الرجوع إلى الواقع الميداني ، واستشارة القاعدة التربوية قبل إتخاذ أي موقف أو قرار إداري أو تربوي .
إن إتخاذ القرارت ثم التراجع عنها لدليل قاطع على مدى التسرع والإرتجالية في إتخاذ هذه القرارت التي سرعان ما يتم التراجع عنها ، بعد أن يثبت الميدان إستحالة تنفيذها وتطبيقها . . . ويكفي كمثال على ذلك قرار إرتداء المآزر الموحدة والملونة في الأطوار الثلاثة ، وما ترتب عن ذلك من فوضى عامة ، سواء على مستوى الأولياء في البيوت ، أو على مستوى الإداريين والمربين في المؤسسات التربوية ، بل وحتى على مستوى التجارالباعة . . .
إن الدافع الوحيد لتناول هذا الموضوع ، هو الضميرالوطني والمهني لا أكثر ولا أقل ونتمنى أن يكون بداية لنقاش تربوي مفتوح وجاد وموضوعي بناء ، وبعيد عن أي مجاملة أو مزايدة ، مادام الهدف هو السعي إلى إصلاح أخطائنا بأنفسنا ... والحكمة تقول : ’’ ما خاب من استشار‘‘ .