ولد «برينسيب» في 25 يوليو 1894، كان صربيا قاطنا البوسنة، كان وطنيا يوغسلافيا انخرط في حركة البوسنة الشابة، وكان عضوًا في مجموعة معروفة باسم «الاتحاد أو الموت»، ومنبثقة من مجموعة «البوسنة الشابة»، وكانت تعمل من أجل استقلال الشعوب السلافية الجنوبية من الحكم المجري النمساوي.
وأعلن الامبراطور النمساوي، فرانز جوزيف، في أكتوبر 1908، ضم البوسنة والهرسك، مما خلق كثيرًا من الاستياء لدى الشعوب السلافية لجنوب أوروبا.
وكانت صربيا، 1912، متأهبة من أجل حرب البلقان الأولى، وطلب «برينسيب» الالتحاق بمجموعة عرفت باسم «اليد السوداء»، ولكن عضويته رفضت لصغر قامته، فقرر الالتحاق بمجموعة أخرى فرفضت لنفس السبب.
فقيل إن هذا الرفض الذي قوبل به «برانسيب» كان وراء سببه فيما بعد قيامه بعملية استثنائية، لكي يثبت لهم أنه ليس أقل منهم قوة أو شجاعة، وكانت تلك العملية اغتيال ولي عهد النمسا والمجر.
كان «جافريلو»، وهو الابن الرابع لعائلة من الفلاحين مكونة من 9 أبناء، وواحداً من 6 عناصر كلفتهم منظمة «القبضة السوداء» الناشطة ذلك الوقت لاستقلال صربيا، باغتيال ولي عهد النمسا حين زيارته لسراييفو، وجميعهم كانوا مسيحيين من الصرب، إلا واحدًا كان مسلما من البوسنة اسمه محمد مهمد باشيك، وهو المخطط الأول لعملية الاغتيال المزدوجة.
تدرب الفريق المكلف بعملية الاغتيال ضمن حديقة في بلجراد خلال الأسبوع الذي سبق زيارة «الأرشي دوق» وزوجته إلى سراييفو.
ومر الموكب يوم الأحد 28 يونيو 1914، مكونًا من ست سيارات سريعا باتجاة قاعة الاحتفالات الكبرى للمدينة، وفي ذلك الطريق كان المتآمرون ينتظرون اللحظة الحاسمة، وتوزعوا ضمن مجموعتين، فإذا فشلت المجموعة الأولى، تتولى المجموعة الثانية إتمام المؤامرة.
كان «الأرشي دوق» بملابسه الرسمية، ومرت سيارته بمحاذاة مجموعة التنفيذ الأولى التي ألقت قنبلة على الموكب، وتدحرجت القنبلة تحت السيارة الثانية التي كانت وراء السيارة المطلوبة، دوى الانفجار وجرح عددًا من مرافقي الموكب الملكي وبعض المتفرجين، وخاف الفاعل من وقوعه في قبضة الشرطة فابتلع حبة «الزرنيخ».
توقف الموكب لحظات، ثم تابع طريقه، وعرف الجميع أن مؤامرة الاغتيال فشلت، وبالفعل، لم يتحرك الرجال الآخرون من أعضاء فريق التنفيذ.
توجه «جافريلو» إلى مقهى في شارع فرانز جوزيف حيث جلس يحتسي كوبًا من القهوة، وهكذا تحولت الخطة إلى فشل كامل، وانتهى كل شيء، أو هكذا بدأ الأمر في البداية.
بعدها قام ولي العهد بزيارة مستشفى نقل إليه من أصيبوا بجروح من انفجار القنبلة خلف الموكب، وحين خرج وبرفقته زوجته أخطأ السائق بالطريق، فانحرف إلى شارع في زاوية كان فيها دكان بداخله «جافريلو برينسيب» يشتري سندويتشًا ليسد به جوعه، فسمع ضجة فهم منها أن موكب ولي العهد قادم وأصبح قرب المكان.
نسي «جافريلو» جوعه ورمى السندويتش على الرصيف، ووقف ينظر إلى السيارة المقبلة نحوه وعليها ولي العهد، وكان يعتقد أن أحد رفقائه نجح باغتيال ولي العهد الإمبراطوري، لكنه رآه بعينيه في السيارة وأصبح أمامه قريبا على بعد أقل من مترين، فسحب مسدسه وعاجله برصاصة، تلاها بثانية قتلت أيضا زوجته.
وأسرعت الشرطة لاعتقاله في مسرح الاغتيال، فابتلع سم زرنيخ كان بحوزته، لكنهم أدركوه وغسلوا معدته وأبقوه حيًا، ثم زجوا به في زنزانة انفرادية، واعتقلوا بقية المتورطين، فمثلوا أمام محكمة أدانتهم جميعا بالإعدام، إلا «جافريلو»، لأن عمره 19 عامًا، أي كان لا يزال قاصراً في نظر القانون ببدايات القرن الماضي، لذلك أدانوه بالسجن 20 عامًا، مع حرمانه يوما كل شهر من الطعام.
ولم يمر شهر على الاغتيال، إلا وانتقمت «الامبراطورية النمساوية - المجرية» من مملكة صربيا في 28 يوليو 1914 بإعلان الحرب عليها ذلك اليوم وغزوها، فردت ألمانيا بغزو بلجيكا ولوكسمبورج، وواجهت إعلان حرب عليها من بريطانيا، وبعد 3 أشهر انضمت الدولة العثمانية للقتال، وبعدها ذهبت مملكة بلغاريا ومملكة إيطاليا للحرب عام 1915 ومملكة رومانيا عام 1916 والولايات المتحدة عام 1917، وابتليت أوروبا بأسوأ حرب دامت 4 أعوام.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى لم يعد لـ4 إمبراطوريات وجود: الإمبراطورية الألمانية، الإمبراطورية الروسية، الإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية، ففقدت الإمبراطوريتان الأوليتان السابقتان العديد من الأراضي الكبيرة بينما تفككت الأخرى تمامًا، ولم يعد لها وجود وأُعيد رسم خريطة أوروبا بالدول المستقلة وخلق دول جديدة بسبب التقسيمات الجديدة، كما تسببت الحرب في قتل أكثر من 16 مليونًا إضافة إلى 21 مليون جريح ومشوّه.
وتشكلت عصبة الأمم بهدف منع أي تكرار لمثل هذا الصراع المروع ولكن هذا الهدف فشل تمامًا بسبب ضعف الدول وتجدد القومية الأوروبية إضافًة لشعور الألمان بالمهانة وهو ما ساهم في صعود الفاشية ووقوع الحرب العالمية الثانية.
بعد 4 سنوات، وفي أبريل 1918 وقبل أشهر من نهاية الحرب العالمية الأولى، استفحل مرض «السل العظمى» به ففتك بمجمل عظامه وجعل وزنه 40 كيلوجرامًا تقريبًا، فمرض إلى درجة اضطروا معها إلى بتر إحدى ذراعيه بالكامل، ثم مات دون أن يدري أنه أحدث انقلابًا في العالم بأسره.