من الصوارف عن الحق – الجهلُ
قال الشيخ حمد بن ابراهيم العثمان حفظه الله :
" الحقّ واضحٌ بيِّنٌ، قال تعالى : " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر/17] ".
فَيَسّر اللهُ لفظه للتلاوة و معناه للفهم، و قال النبي صلى الله عليه و سلم : " الحلال بيّن، و الحرام بيّن، و بينهما أمور مشتبهات "، و الإجماع مُنعقدٌ على هذا الأصل.
فلذلك يَرُوجُ – أي ينتشر – الباطلُ على مَن لا عِلم عنده، و لا معرفة، و لا اعتناء له بِنُصوص الكتاب و السّنّة، و أقوال الصحابة و التابعين.
قال الإمام أحمد : " إنّما جاء خلافُ مَن خالفَ؛ لقلّة معرفتهِمْ بما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم " إعلام الموقعين (1/44).
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " و كثيرًا ما يَضيعُ الحقُّ بين الجُهّال الأميّين " مجموع الفتاوى (25/129).
بل حتّى مذهب الرافضة الذي ابتدعه عبد الله بن سبأ اليهوديّ – و هو أضلّ المذاهب ! – راجَ على بعض المسلمين بسبب الجهل.
قال ابن تيمية : " إنّ الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقًا مُلحِدًا عدوًّا لدين الإسلام و أهله، و لمْ يكُن من أهل البدع المتأوّلين كالخوارج و القدريّة، و إنْ كان قول الرافضة راجَ بعد ذلك على قومٍ فيهِم إيمان لفرَطِ جَهلِهِمْ". منهاج السنة (4/363).
و قال ابن القيم رحمه الله : " و الأسباب المانعة من قَبُول الحقّ كثيرةٌ جدًّا؛ فمنها الجهلُ به، و هذا السببُ هو الغالبُ على أكثر النفوس؛ فإنَّ مَن جَهِلَ شيئًا عاداه، و عادى أهلَهُ". هداية الحَيارى في أجوبة اليهود و النصارى (ص18).
و قال الوالد العلاّمةُ محمد الصالح العثيمين رحمه الله : " قد لا يُعذَرُ الإنسانُ بالجهل، و ذلك إذا كان بإمكانه أن يتعلّم، و لم يفعل مع قِيام الشبهة عنده؛ كرجُلٍ قيل له : هذا مُحرّم، و كان يعتقد الحلّ، فسوف تكون عنده شبهة على الأقلّ، فعندئذٍ يلزمُ أنْ يتعلّم ليَصِل إلى الحُكم بِيَقينٍ.
فهذا ربّما لا نعذرُه بجهله؛ لأنّه فرَّط في التعليم، و التفريط لا يُسقِطُ العذرَ، لكن مَن كان جاهلاً، و لم يَكُن عنده أيّ شُبهة، و يعتقد أنّ ما هو عليه حقّ، أو يقول هذا على أنّه الحقّ؛ فهذا لا شكّ أنّه لا يُريد المخالفة، و لمْ يُرد المعصية و الكفر، فلا يُمكِنُ أن نُكفّرَهُ حتّى و لو كان جاهلاً في أصل من أصول الدين". الشرح الممتع على زاد المُستقنِع (6/193-194).
انتهى مُلخّصًا من كتاب الصوارف عن الحق ص 9 – 12.