شبهات حــول الإســلام - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شبهات حــول الإســلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-12, 20:09   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










Post شبهات حــول الإســلام

شبهات
حــول الإســلام


للشيخ علي الحذيفي العدني هو إمام وخطيب جامع الخير
بمنطقة الفتح بمديرية التواهي بمحافظة عدن اليمنية
وهو من تلاميذ الإمام مقبل الوادعي رحمه الله
ومن تلاميذ الشيخ عبد الرحمن بن مرعي العدني حفظه الله


مقدمة
حلقات شبـهات حول الإسلام:
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فيقول ربنا سبحانه وتعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون0هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله).
ودين الإسلام دين جمع الله فيه المحاسن كلها، كيف لا يكون كذلك وهو دين رب العالمين سبحانه ؟! ولكن الألسن الحاقدة والأقلام المستأجرة أرادت أن تطفئ نور الله !! فأثارت على الإسلام شبهات متهافته لتشوه بالإسلام وتشوش عليه، فلذلك هم يناقشون المسلمين في شريعتهم ودينهم.
نشرت صحيفة "يديعوت احرونوت" اليهودية 26/8/2003م عن توماس فريدمان أنه قال: (إذا أراد الغرب تجنّب حرب الجيوش مع الإسلام، فإن عليه خوض حرب المبادئ في داخل الإسلام).
ولكن هيهات فالدين دين رب العالمين وهو الذي تولى حفظة والدفاع عنه.
ومثل هؤلاء الغربيين الذين أثاروا هذه الشبهات حول الإسلام كمثل رجل اجتمعت فيه أصناف الأمراض وألوان الأسقام، ثم ذهب ليقاتل رجلاً صحيحاً مستوياً في غاية القوة، فمجتمعات الدول الغربية قد امتلأت بأصناف الانحرافات وألوان المظالم، ثم يثيرون الشبهات حول الإسلام !! وكان الأولى بهم أن يخجلوا من انحرافاتهم التي قد علم بها القاصي والداني.
وقد كتبت شيئاً يسيراً في الرد على هذه الشبه، دفعني إلى ذلك ما أراه من هجوم عنيف على الإسلام ولاسيما من أبناء جلدتنا في الصحف والقنوات ومواقع الانترنت، وزاد الطين بلة ما أجده من افتتان كثير من الشباب بل وغيرهم بالمجتمعات الغربية جاهلين أو متجاهلين ما تعيشه هذه المجتمعات من جحيم لا يطاق.
ولعلك ترى أيها القارئ الكريم أنني أحرص على النقل من كلام رؤوس الغرب كثيراً، والسبب في ذلك ما قاله سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كما في "مجموع فتاوى ومقالا ت متنوعة": (وأنا أنقل لك بعض ما اطلعت عليه من ذلك، وإن كان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام علماء الإسلام ما يشفي ويغني عن كلام كتاب أعداء الإسلام، ولكن بعض الناس قد ينتفع من كلامهم أكثر مما ينتفع من كلام علماء الإسلام بل أكثر مما ينتفع من الآيات والأحاديث وما ذاك إلا لما قد وقع في قلبه من تعظيم الغرب وما جاء عنه، فلذلك رأيت أن أذكر هنا بعض ما اطلعت عليه من كلام كتاب وكاتبات الغرب) أ.هـ
وقد جعلت هذه الكتابات على صورة حلقات، والشبه في هذا الجزء كما يلي:
الأولى: شبهة الرق في الإسلام.
الثانية: شبهة أن إقامة الحدود من الوحشية.
الثالثة: شبهة انتشار الإسلام بالسيف.
الرابعة: شبهة أن الإسلام ضد حرية الرأي.
الخامسة: شبهة أن الإسلام ضد حرية الاعتقاد.
السادسة: شبهة أن الإسلام ظلم المرأة.
السابعة: اعتراضهم على بقاء المرأة في البيت،
و منعها من الخروج إلى ميدان الرجل .
الثامنة: الرياضة النسوية.
التاسعة: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم.
العاشرة: تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
الحادية عشرة: هل في شعائر الحج بقايا وثنية ؟!
الثانية عشرة: ختان الإناث.
الثالثة عشرة: الزواج المبكر.
الرابعة عشرة: فضائح الغرب.
الخامسة عشرة: دية المرأة وإرثها.

ولعله سيلحق به جزء آخر، أسأل الله أن ييسر ذلك، وأن ينفع بها الكاتب والقارئ في الدارين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
علي الحذيفي
عــدن / اليمــن
1429هـ









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 20:33   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الأولى:
شبهة الرق في الإسلام:
كان الرق منتشراً في حياة الناس قبل الإسلام ولكنه رق غير الرق الذي شرعه الله، فهو رق ظالم في الغاية والوسيلة، ثم استبدله الإسلام برق من نوع آخر، ظاهره الرق وباطنه الرحمة بالرقيق والمسترق، قد اشتمل على صور كثيرة من العدل الكامل والأدب العظيم الذي لم تعرف البشرية قط ما يقاربه فضلاً عن أن يماثله.
لكن أعداء الإسلام أثاروا حوله شبهات، حيث جعلوا هذا من مساوئ الإسلام، فأعداء الإسلام يرون أن مسألة الرقيق من أكبر السلبيات في الإسلام، ويزعمون أن مدنيتهم أرقى من الإسلام، لأن الإسلام يأمر باستعباد البشر وهم يحررون الأرقاء حباً في الإنسانية !!
ونجيب عن هذا قائلين: ليس للإسلام مساوئ بل المساوئ في أنظمة البشر الظالمة، ونظام الرق في الإسلام يعد بحق من أعظم محاسن الإسلام وحسناته، لما فيه من المقاصد العظيمة والوسائل الكريمة، وسيرى القارئ من خلال هذا البحث: هل الغرب صادقون في هذه الدعاوى أو أنهم مفترون ؟!
وقد جعلنا هذه الحلقة في الرد عليهم، وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
الأول: بيان السبب الشرعي للرق.
الثاني: توحد سبب الرق، وتعدد أسباب العتق.
الثالث: أدب التعامل بين الرقيق والسيد.
الرابع: المصالح المترتبة على الرق في الإسلام.
الخامس: الرق والعنصرية في الدول الغربية.

المبحث الأول:
بيان السبب الشرعي للرق:
لله في كل شيء يشرعه حكم عظيمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها ومن ذلك الرق، فإن الذي يؤسر في المعركة مع المسلمين إنما هو الكافر المحارب فقط وليس كل محارب، فمن كان كافراً مقاتلاً لجيوش التوحيد، صاداً عن دين الإسلام، فقد اقتضى العدل الإلهي أن يقاتَل، فإن قتل وإلا فيؤسر ثم يكون عبداً رقيقاً، لأنه فر من العبودية لله فعوقب بالعبودية لغيره، وأراد أن يقتل جنود التوحيد ويتسلط عليهم فكان العدل أن يعاقب بنقيض قصده فيتسلطوا عليه.
من هنا قال العلماء في تعريف الرق: (هو عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر).
وزيادة في التوضيح نقول: ليس الكفر وحده هو سبب الرق، بل سبب الرق الكفر مع المحاربة، فالكافر المحارب هو الذي يسترق دون غيره من الناس، وفقولنا: (الكافر المحارب) خرج به من لم يقاتل وإن كان كافراً كالراهب في الصومعة، والشيخ الكبير الطاعن في السن والمجنون ومن دفع الجزية ونحوهم فهؤلاء لا يؤسرون وإن كانوا كفاراً، وهذا قول طائفة من الفقهاء وهم الأئمة الثلاثة وأحد قولي الشافعي، واختاره شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى: (28/354) واستدل بالآية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم).
وذهب آخرون منهم الشافعي في القول الآخر إلى أن سبب الاسترقاق هو الكفر وإن لم يصحبه قتال، والأول هو الصواب.
والسؤال هنا: ما هي الحكمة في هذا الرق الذي شرعه الله ؟
والجواب وبالله التوفيق: أن الناس جميعاً عبيدٌ الله تعالى، له عليهم حق الطاعة، والإيمان به، واتباع رسله، والانقياد لشرائعه، فالخلق كلهم عبيده، والأرض أرضه، فإذا أرسل إلى الناس رسولاً يأمرهم بما له عليهم فعصوه وتمردوا عليه وحاربوا رسله وكفروا بالرسالة، في الوقت الذي يكون هناك عباد آخرون، آمنوا برسوله واتبعوا دينه وانقادوا لشرائعه، وبذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الله، كان من العدل، أن يكون أولئك رقيقاً وعبيداً عند هؤلاء، فيكون المحارب عبداً عند هذا المجاهد، لأنه هرب من العبودية لله فعوقب بهذه العبودية، يملك رقبته ونسائه وذريته وماله، جزاءً على ما صدر منه من محاربة الرسل، فكل واحد منهما وجد جزاء ما قدم.
من هنا نعرف خطأ من نفى نظام الرق في الإسلام مطلقاً، ومن هؤلاء سيد قطب فقد قال في شرح آية الأصناف الثمانية في الزكاة: ("وفي الرقاب" ذلك حين كان الرق نظاماً عالمياً، تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم، ولم يكن للإسلام بدٌ من المعاملة بالمثل حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق) أ.هـ
وقد تعقبه شيخنا ربيع في "العواصم" (ص 18).
قال الشنقيطي في الأضواء عند آية الإسراء (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم): (ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: ملك الرقيق المعبر عنه في القرآن بملك اليمين في آيات كثيرة) ثم ساق آيات كثيرات، ثم قال: (وسبب الملك بالرق: هو الكُفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر الله المسلمين المجاهدين الباذلين مهجهم وأموالهم وجميع قواهم، وما أعطاهم الله لِتكون كلمة الله هي العليا على الكفار جعلهم ملكاً لهم بالسبي).
وقال: (فتمرد الكفار على ربهم وطغوا وعتوا، وأعلنوا الحرب على رسله لئلا تكون كلمته هي العليا، واستعملوا جميع المواهب التي أنعم عليهم بها في محاربته وارتكاب ما يسخطه، ومعاداته ومعاداة أوليائه القائمين بأمره، وهذا أكبر جريمة يتصورها الإنسان، فعاقبهم الحكم العدل اللطيف الخبير جلَّ وعلا عقوبة شديدة تُناسب جريمتهم فسلبهم التصرف، ووضعهم من مقام الإنسانية إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات، فأجاز بيعهم وشِراءهم، وغير ذلك من التصرفات المالية، مع أنه لم يسلبهم حقوق الإنسانية سلباً كلياً، فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم، كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، مع الإيصاء عليهم في القرآن، كما في قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى) إلى قوله: (وما ملكت أيمانكم) أ.هـ
المبحث الثاني: توحد سبب الرق وتعدد أسباب العتق:
1- سبب الرق هو قتال الكافر لأهل الإسلام:
جعل الشارع للرق سبباً واحداً وهو الكفر مع القتال وقد تقدم بيانه، ومنع من استرقاق الأنفس بغير ذلك مهما كانت الأسباب والدوافع، ونهى عن بيع الأحرار وأكل ثمنهم كما كان في الجاهلية، وقد روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره).
فالسبب الوحيد للرق هو الكفر مع المحاربة.
2- وليس كل كافر يؤسر في المعركة يصير رقيقاً:
والرق في الإسلام ليس هو الحل الوحيد في حق أسرى الحرب، بل أسير الحرب أمام خيارات إما أن يُعفى عنه ويُمنّ عليه وإما أن يُفادِي نفسه وإما أن يتم تبادل الأسرى بين المسلمين وعدوّهم وإما أن يُسترقّ
وكما أن الاسترقاق ليس هو الخيار الوحيد فكذلك خيار الحرْب ليس هو الخيار الوحيد.
3- تعدد طرق العتق:
وفي الوقت نفسه جعل الشارع عدة منافذ للخروج من هذا الرق، وطرقاً كثيرة لتحرير الرقاب وتخليصها من العبودية.
قال الشنقيطي في "الأضواء": (وتشوف الشارع تشوفاً شديداً للحرية والإخراج من الرق فأكثر أسباب ذلك، كما أوجبه في الكفارات من قتل خطأ وظِهار ويمين وغير ذلك، وأوجب سراية العتق، وأمر بالكتابة في قوله: (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) ورغب في الإعتاق ترغيباً شديداً) أ.هـ
وإليك ما نستحضره من هذه الطرق والمخارج:
1- الزكاة:
فالرقاب أحد أصناف الزكاة الثمانية كما في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل).
وإن هذه الآية لهي من أعظم الأدلة على أن الإسلام قد أولى عناية فائقة بعتق هذه الرقاب وتحريرها، حيث جعل لها نصيباً من زكاة الأموال فهو بهذا يضع (قضية الرقاب) في مقدمة القضايا التي ينبغي حلها، فدين الإسلام لا يتشوف إلى أسر الرقاب، بل يتشوف إلى عتقها وتحريرها.
2- الكفارات:
أ- كفارة القتل: قال تعالى: (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا).
ب- كفارة الظهار: كما قال تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير0فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أَن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً).
وفي قوله تعالى: (فمن لم يجد) إشارة إلى أن الرقاب قد يأتي عليها وقت لا توجد في المجتمع الإسلامي لقلة مصدرها ولكثرة عتقها.
ج- كفارة الجماع في نهار رمضان: فقد روى الشيخان عن أبى هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله، قال: "وما أهلكك ؟" قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة" قال: لا قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" قال: لا، قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً". قال: لا، قال: "ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر" فقال: "تصدق بهذا"، قال أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: "اذهب فأطعمه أهلك"). واللفظ لمسلم.
د- كفارة اليمين: قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أَيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهلِيكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة).
3- القربة:
أي: جعلها من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى ربه، كما في قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة0وما أدراك ما العقبة0فك رقبة).
وقد وردت في الباب عدة أحاديث سنذكر ما تيسر منها:
أ- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه، عضوا منه في النار، حتى فرجه بفرجه) متفق عليه.
ب- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل ؟ قال: (الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله) قال: قلت: أي الرقاب أفضل ؟ قال: (أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمناً) متفق عليه.
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقـبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم.
والشاهد من الحديث أن عتق الرقاب فيه أجر عظيم.
د- روى أبو داود في "سننه" عن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار)، وقد صححه العلامة الألباني.
وهذه بعض الأحاديث التي يذكرها العلماء في أبواب (فضل العتق).
قال ابن كثير في "تفسيره": (وقد ورد في ثواب الإعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضو منها عضوا من مُعتقها حتى الفَرْج بالفرج، وما ذاك إلا لأن الجزاء من جنس العمل).
4-العتق بالقرابة:
أي: من ملك شخصاً من قرابته المحارم فالشرع يعطيه حق العتق، كأن يملك أباه أو أمه أو أخاه أو أخته أو نحو هؤلاء، للحديث الوارد بلفظ: (من ملك ذا رحم فهو حر) أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم عن سمرة مرفوعاً، ولكن الحديث معل قد أعله البخاري وعلي ابن المديني كما في "نصب الراية" وأبو داود والترمذي والبيهقي.
وله شاهد من حديث ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وهو معل أيضاً قد أعله الترمذي والنسائي والبيهقي والمنذري كما في "نصب الراية".
ولكن في الباب آثار عن الصحابة وغيرهم، وقد صح هذا عن عمر وابن مسعود، ولا أعرف خلافاً بين الصحابة في العتق بالقرابة، وإنما اختلف الفقهاء في ضابط هذه القرابة والله أعلم.
5- عتق أم الولد:
لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تباع أم الولد)، وقد صححه العلامة الألباني في "الصحيحة" برقم: (2417) وهو كما قال.
6- سراية العتق:
لحديث: (من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه قيمة العدل) متفق عليه.
قال الشيخ البسام رحمه الله في "تيسير العلام": (للشارع الحكيم الرحيم تشوف إلى عتق الرقاب من الرق، فقد حث عليه ورغَب فيه، وجعله أجل الكفارات وأعظم الإحسان، وجعل له من السراية والنفوذ، ما يفوت على مالك الرقيق رقة بغير اختياره في بعض الأحوال، التي منها ما ذكر في هذا الحديث، وهي أن من كان له شراكة ولو قليلة في عبد أو أمة ثم أعتق جزءاً منه، عتق نصيبه بنفس الإعتاق.
فإن كان المعتق موسراً بحيث يستطيع دفع قيمة نصيب شريكه عتق العبد كله، نصيبه ونصيب شريكه، وقوم عليه نصيب شريكه بقيمته التي يساويها وأعطى شريكه القيمة، وإن لم يكن موسراً بحيث لا يملك قيمة نصيب صاحبه فلا إضرار على صاحبه فيعتق نصيبه فقط، ويبقى نصيب شريكه رقيقا كما كان).
7- المكاتبة:
والكتابة اتفاق بين العبد وسيده تكون في مدة معينة، يتفقان على أن يدفع الطرف الأول للطرف الثاني مبلغاً من المال قد يزيد قليلاً على قيمة شرائه أو ينقص عنها، ومنذ بداية هذا الاتفاق يصبح ما يجنيه هذا العبد من المال ملكاً له لا لسيده حتى تنتهي هذه المدة المتفق عليها، فإن أتى بالمال في هذه المدة وإلا عاد رقيقاً.
قال تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أَيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً).
قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره": (جعل الله للعبيد حقاً في الاكتساب لتحرير أنفسهم من الرق ويكون في ذلك غنى للعبد إن كان من ذوي الأزواج، أمر الله السادة بإجابة من يبتغي الكتابة من عبيدهم تحقيقا لمقصد الشريعة من بث الحرية في الأمة وإكثار النسل وتزكية الأمة واستقامة دينها) أ.هـ بتصرف.
وشرط هذا العتق كله وفي جميع صوره إسلام هذا العبد على الصحيح من الأقوال كما رجحه ابن القيم في "زاد المعاد" وغيره.

المبحث الثالث: أدب التعامل بين الرقيق والسيد:
1- تعامل السيد مع المملوك:
ومع أن هذا العبد مملوك الرقبة إلا أن الشريعة أوصت بإكرامه والأدب في معاملته حتى لا يشعر بشيء من التنقص والاحتقار.
وهناك توجيهات كثيرة يذكرها العلماء في: (باب: الإحسان إلى المملوك)، منها الوصية الربانية العامة وهي قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم).
يمكن ذكر بعض هذه الآداب والتوجيهات بالتفصيل فمنها:
1- أن الشارع اعتبر الإخوة بين المالك والرقيق لا زالت قائمة:
عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر رضي الله عنه وعليه حلة وعلى غلامه (أي: مملوكه) مثلها، فسألته عن ذلك، فذكر أنه قد ساب رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بأمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) متفق عليه.
2- عدم تكليفه ما لا يطيق، فإن كلفه فعليه أن يعينه:
لحديث أبي ذر المتقدم، قال النووي في "شرح مسلم": (وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل مالا يطيقه فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره).
3- أن يأكل معك مما تأكل، وتلبسه مما تلبس:
لحديث أبي ذر المتقدم، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي علاجه) رواه البخاري.
والأُكلة - بضم الهمزة -: هي اللقمة.
4- المنع من ضربه إلا بالطرق الشرعية:
أ- روى مسلم في "صحيحه" عن زاذان أبي عمر قال: أتيت ابن عمر وقد أعتق مملوكاً قال: فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال: ما فيه من الأجر ما يسوى هذا إلا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه).
ب- وروى مسلم في "صحيحه" أيضاً عن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لنا فهربت، ثم جئت قبيل الظهر فصليت خلف أبي - وهو سويد بن مقرن - فدعاه ودعاني ثم قال امتثل منه، فعفا ثم قال: كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة، فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أعتقوها) قالوا ليس لهم خادم غيرها قال: (فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها).
ج- وروى كذلك عن أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي (اعلم أبا مسعود) فلم أفهم الصوت من الغضب قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود قال فألقيت السوط من يدي فقال: "أعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام" قال فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبداً).
وفي رواية له: (فقلت يا رسول الله: هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار).
المنع من التمثيل به:
روى أحمد وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن زنباعاً أبا روح وجد غلاماً له مع جاريته فقطع ذكره وجدع أنفه، فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما فعلت ؟ قال: فعل كذا كذا قال: اذهب فأنت حر).
وقد حسنه الشيخ الألباني في "الإرواء" برقم: (1744).
قال الشنقيطي بعد كلام متقدم: (مع أنه لم يسلبهم حقوق الإنسانية سلباً كلياً، فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم، كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، مع الإيصاء عليهم في القرآن، كما في قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى" إلى قوله: "وما ملكت أيمانكم") أ.هـ
قارن أيها القارئ الكريم بين هذه الأخلاق العظيمة وبين ما يجري في سجون المحتلين لأراضي المسلمين من أصناف التعذيب وألوان الأذى، ولاسيما في سجون هذه الدول التي تتبجح بالعدل وحقوق الإنسان، ستعرف بعدها عظم الفارق بين الطريقتين.

2-
تعامل المملوك مع سيده، وترتيب الشارع
الأجور العظيمة للملوك الناصح لسيده:
والشارع لم يهمل أيضاً العبد المملوك بل اعتنى بنفسيته عناية كبيرة وصبره على خدمة سيده، فقد أخبر الشارع أن العبد المملوك إن كان ناصحاً لسيده فله أجر عظيم.
1- ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (للعبد المملوك الصالح أجران) قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك".
وهذا الذي قاله أبو هريرة: (لأحببت أن أموت وأنا مملوك) إنما قاله بسبب هذه الأجور العظيمة التي شوق إليها الشارع من قام بحقوق سيده على الوجه المطلوب منه.
قال النووي في "شرح مسلم": (فيه فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح وهو الناصح لسيده والقائم بعبادة ربه المتوجهة عليه، وأن له أجرين لقيامه بالحقين ولانكساره بالرق).
2- وفي "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (العبد إذا نصح سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين).
3- وروى البخاري في "صحيحه" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران وأيما عبد أدى حق الله وحق مواليه فله أجران).
3- شبهة والجواب عليها:
قال الشنقيطي: (فإن قيل : إذا كان الرقيق مسلماً [أي: إذا أسلم بعد الرق] فما وجه ملكه بالرق؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكقر ومحاربة الله ورسله قد زال ؟
فالجواب: أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء: أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها، فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع وهو الحكيم الخبير، فإذا استقر هذا الحق وثبت ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه كما هو معلوم عند العقلاء، نعم يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم، وقد أمر الشارع بذلك ورغب فيه، وفتح له الأبواب الكثيرة كما قدمنا فسبحان الحكيم الخبير: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) فقوله:صدقاً) أي: في الأخبار وقوله: (وعدلاً) أي: في الأحكام، ولا شك أن من ذلك العدل: الملك بالرق وغيره من أحكام القرآن) أ.هـ
المبحث الرابع: المصالح المترتبة على الرق:
قد تخفى على الناس الحكم التي أودعها الله في بعض تشريعاته، فإن لله حكماً كثيرة في شرائعه كلها حتى في عقوباته، ومن ذلك ما ذكره ابن خلدون في "مقدمته" في بيان الحكمة في قوله تعالى: (إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) حيث قال: (ويظهر من مساق الآية ومفهومها أن حكمة ذلك التيه مقصودة وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة وتخلقوا به، حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز لا يعرف الأحكام والقهر ولا يسام بالمذلة، فنشأت لهم ذلك عصبية أخرى اقتدروا بها على المطالبة والتغلب.
ويظهر لك من ذلك أن الأربعين سنة أقل ما يأتي فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر، سبحان الحكيم العليم) أ.هـ باختصار يسير.
وإنما قدمنا كلام ابن خلدون ليكون مثالاً على أن كل شيء في الإسلام له حكمة، حتى طريقة العقوبة الإلهية فإنه يقصد بها إصلاح الفرد والمجتمع.
ومن ذلك نظام الرق في الإسلام فإنه نظام بديع في غايته ووسائله، يختلف عن سائر أنظمة الرق في الغايات والوسائل، وله ثمار كريمة ومصالح عظيمة ومحاسن كثيرة منها:
1- أنها نوع عقوبة من الله لهؤلاء الكفار لأنهم فروا من العبودية لله، فابتلاهم الله بالعبودية للمخلوق.
2- أن مخالطة الرقيق للمسلمين أدت إلى إسلام كثير منهم عن قناعة ومحبة للإسلام، فكان الرق أعظم نعم الله عليهم إذ هو السبب في هدايتهم، ومن تتبع سير علماء المسلمين وقادتهم وجد الكثير منهم ممن أسلم من الموالي ثم سادوا بعد إسلامهم، وهذا من المقاصد العظيمة والغايات الكريمة، ولو لم يكن للرق إلا هذه الثمرة لكانت كافية.
فتبين من هذا أن نظام الاسترقاق في الإسلام أفضل بكثير من نظام القتل الذي بعد انتهاء المعارك التي تسلكه الكثير من الأنظمة، لأن هذا فيه دعوة الكافر إلى الاختلاط بالمسلمين والتعرف على هذا الدين الذي يدعون إليه ويقاتلون من أجله، ولهذه العلة أيضاً قَبِل الإسلام من الكفار الجزية مقابل أن يعيشوا بين أوساط المسلمين، ليعرفوا حقيقة هذا الدين ويتأملوا في محاسنه عن قرب.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان": (ولو فرضنا - ولله المثل الأعلى - أن حكومة من هذه الحكومات التي تنكر الملك بالرق، وتشنع في ذلك على دين الإسلام، قام عليها رجل من رعاياها كانت تغدق عليه النعم، وتسدي إليه جميع أنواع الإحسان، ودبر عليها ثورة شديدة يريد بها إسقاط حكمها، وعدم نفوذ كلمتها، والحيلولة بينها وبين ما تريده من تنفي أنظمتها، التي يظهر لها أن بهما صلاح المجتمع، ثم قدرت عليه بعد مقاومة شديدة فإنها تقتله شر قتلة، ولا شك أن ذلك القتل يسلبه جميع تصرفاته وجميع منافعه، فهو أشد سلباً لتصرفات الإنسان ومنافعه من الرق بمراحل) أ.هـ
فما أحلى هذه الشريعة وما أعظمها لو كان هؤلاء يفقهون أسرارها وحقائقها
.
3- أنه تخفيف عظيم عن الدولة المسلمة وبيت مال المسلمين، فأسرى الحروب يحتاجون إلى سجون ونفقات، وحراسهم يحتاجون إلى أجور كبيرة، بخلاف الرقيق في الإسلام فإنه يقوم سادتهم بكفالتهم في جميع ما يحتاجون، بدون أي أعباء على الدولة.
4- التوسعة على الأسر المسلمة بتوفير خدم يعملون لهم بدون أي مقابل سوى إطعامهم من طعام البيت وإسكانهم معهم.
5- الرق من أسباب إبقاء الزوجة الحرة التي تزوجها زوجها للدين والخلق، فإنه إذا لم يعجبه جمالها أو كانت مريضة، فله أن يشتري أمة حسناء يقضي منها وطره، ويبقي على زوجته.
6- السراري سبب عظيم من أسباب إعفاف الرجل المسلم، ففيه وقاية المجتمعات من الزنا، لأنه يحل مشكلة الذين لا يجدون طول المحصنات من الشباب المسلم حيث أحل الله له ملك اليمين.
7- أنه نوع من أنواع تخويف أعداء الإسلام وإحاطة الإسلام بهيبة عظيمة فوق ما هو عليها، فإن الكفار إذا علموا أن من وقف لجيوش التوحيد كان جزاؤه أن يكون رقيقاً خافوا من الوقوف في وجهه، ولهذه العلة نجد الكفار يشنون اليوم حرباً ظروساً على الرق.
المبحث الخامس: الرق والعنصرية في الدول الغربية:
ينبغي أن يعرف أن هذه الشبهات يثيرها أعداء الإسلام لأسباب منها أن يستروا الفضائح التي ابتلوا بها في مجتمعاتهم من أنواع المظالم على مدى التاريخ، ومن ذلك العنصرية - المعروفة في بلدانهم - التي أعيت المصلحين، وعجز الأطباء أن يجدوا لها دواءً، رغم تنظيم المؤتمرات والندوات العالمية لاستئصالها ولكن دون جدوى !!.
1- الرق في الغرب قديم:
لقد استعبد المحتلون الأسبان والبرتغاليون والإنجليز والفرنسيون سكان أمريكا الأصليين، فعاثوا في أراضيهم فساداً في سبيل البحث عن الذهب وإنشاء المزارع، فمارسوا فيهم أكبر أعمال القرصنة في التاريخ من القتل والخطف، تلك التي راح ضحيتها أكثر من أربعين مليوناً من زنوج إفريقيا، فقد سُلسلوا بالحديد، وشحنوا في سفن الحيوانات، لتقوم على دمائهم وعظامهم المزارع والمصانع والمناجم التي صنعت رفاهية الرجل الأبيض في أمريكا وأوروبا – وهل بنى الأوروبيون حضارتهم إلا على أنقاض دول وشعوب - ولا يزال أحفاد هؤلاء الزنوج السود يعانون من التفرقة العنصرية في الغرب حتى الآن.
وهناك كتاب (إلغاء نظام الرق) ومؤلفة هذا الكتاب باحثة فرنسية واسمها "نيلي شميدت" وهي مديرة قسم في المركز القومي للبحوث العلمية الفرنسية، وهي أيضاً عضوة في اللجنة الفرنسية المشرفة على ذكرى العذاب الذي وجده العبيد السود نتيجة نظام الرق الذي تاجر بهم طيلة عدة قرون، وقد تحدثت مؤلفته عن العذاب الذي وجده السود حيث أُسروا من بلادهم ثم رحلوا إلى خارج بلادهم، مع مواضيع أخرى كثيرة في هذا الباب.
حتى دعوة الدول الغربية المتأخرة لتحرير الرقيق لا تخلو من مصلحة !! فعندما سعت أوروبا في القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام الرق وتحريم تجارته، لم تكن الدوافع دوافع إنسانية، وإنما كانت في الأساس دوافع مادية، فلقد أصبح الرق في موازينهم الاقتصادية عبئاً على رأس المال، الذي هو أعظم أهدافهم.
2- مظاهر العنصرية في أمريكا:
1- العنصرية في أمريكا لها مظاهر عديدة متأصلة في المجتمع الأمريكي، من ذلك العنصرية بين البيض والسود في صور كثيرة منها التفرقة في المقابر في المطاعم وفي غير ذلك، بل يكتب بعضهم على مطعمه: (يمنع دخول الكلاب والرجال السود) !!
2- حتى إن الفرقة بين الجنسين يعتبر شيئاً ملحوظاً في المجتمع الأمريكي، بل هو من أعظم الأسباب في ضعف العلاقات الاجتماعية بين الأمريكيين، حتى إن (أندرو شايير) مؤلف كتاب: (نحن القوة الأولى) يقول عن السود: (إنهم هنا في أمريكا يعيشون كأفراد غرباء وأجانب على أرض ولدوا وترعرعوا فيها، ولا يعرفون سواها.. يمكننا النظر إلى أمريكا على أنها دولة تتكون من شعبين: البيض وهم الأغلبية المسيطرة، والسود وهم الأقلية المضطهدة).
3- ونشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) تقريراً عن وضع السود في مجال الشرطة ذكرت فيه أن شرطياً من أصل أفريقي وصل إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي وهذه هي المرة الرابعة التي يصل فيها أسود لهذه الرتبة ولكن بعض البيض اعترض على هذه الترقية، مما جعل السلطات القضائية تتدخل للنظر في القضية.
أما في المدن الأخرى فالحال ليست أفضل، ففي ولاية نيويورك حيث يبلغ الأمريكيين الأفارقة 28.7% من عدد سكان الولاية، ولكنهم لا يؤلفون أكثر من 11.4% من قوة الشرطة، أما الذين وصلوا إلى رتبة قيادية فلم يتجاوز 6.6%. ويقول التقرير إن السود بالرغم مما بلغوه في العصر الحاضر فأنهم لا يزالون يعانون من العقبات في التوظيف والترقيات والمضايقات من زملائهم البيض الذين يعترضون على ترقية زملائهم السود، حتى إن بعضهم يرفض إطاعة أوامر رئيس أسود).
4- وقد انفجرت الأوضاع الأمنية في مدينة لوس أنجلوس حيث اندلعت أعمال عنف وشغب بسبب قيام محطات التلفاز بعرض شريط لبعض رجال الشرطة من البيض وهم يضربون أحد السود وهو رودني كينج بعنف ووحشية، وكانت نتائج هذه الاضطرابات أن قتل ثمانية وخمسون منهم عشرون شرطياً، وبلغ عدد الجرحى 2382، منهم 220 جريحاً في حالة خطرة، واعتقل 13505شخصاً، ودمرت الحرائق 5537 محلاً تجارياً، وقدرت الخسائر المالية ب785 مليوناً، وساهم من رجال الشرطة والحرس القومي وجنود البحرية واحد وعشرون ألفاً.
5- وذكر (كارل بيل) مدير مجلس الصحة العقلية بشيكاغو: (إن المواطنين السود لا يزالون يتعرضون يومياً للإهانة والعنف بحيث أصبح ذلك جزءاً من لا شعورهم المحبط).
6- ويحاول مأمون أفندي- الأستاذ بجامعة "جورج تاون" تفسير أصول هذه العنصرية بقوله: (إن الرجل الأبيض ينظر باحتقار للإنسان الأسود ويبرر عنفه تجاهه من خلال منظومة ثقافية والتي معها كان يقتل البيض إخوانهم السود ويعلقونهم في الأشجار في حفل عنف جماعي، وكانوا يبررون ذلك لأنفسهم من خلال كتابهم المقدس فاللون الأسود بالنسبة للمسيحي الجنوبي هو لون الشيطان).
3- تفرقة عنصرية من نوع آخر:
1- والتفرقة العنصرية في دول الغرب - ومنها أمريكا -لم تقتصر على السود فقط بل شملت حتى الآسيويين، فقد أوردت (وكالة الأنباء الفرنسية) تقريراً من لوس أنجلوس مفاده أن جرائم الكراهية ضد الأسيويين قد ارتفعت بنسبة ثمانين بالمئة في العام الماضي في ولاية كاليفورنيا عن العام الذي سبقه، وقد نقلت الوكالة عن التقرير السنوي الثاني للتجمع القانوني لأسيويي المحيط الهادي الأمريكيين بأن هناك أربعمائة وثمان وخمسين حالة اتهام مثبتة لحوادث ضد الأسيويين مع وجود حالات كثيرة لا تصل إلى الشرطة بسبب اللغة والحاجز الثقافي وعدم وجود سجلات كاملة لدى الشرطة.
2- ومن مظاهر التفرقة العنصرية ما ذكروه من التفرقة بين الرجال والنساء، فهناك وظائف أو مناصب لا تصل إليها المرأة في أمريكا بسبب أنوثتها مهما بلغت من الذكاء.
ومن هذه التفرقة أن المصابات بأمراض القلب يحصلن على عناية أقل من الرجال من حيث الأدوية، وفي الغالب يواجهن الموت أكثر من الرجال، كما أكدت ذلك ثلاث دراسات مختلفة، وهناك أدلة على أن الأطباء يميزون الرجال المصابين بالقلب على النساء، فقد فحص الباحثون ثمانمائة حالة على مدى خمس سنوات فوجدوا أن ثلث النساء قد توفين بعد ست أشهر من الإصابة بأول أزمة قلبية.
وقد كشف (موقع القناة السابعة الإسرائيلية على الإنترنت، 18/8/2003م) عن فتوى يهودية جديدة أطلقها الحاخام (شلوموه افينار) قال فيها: إن حياة الرجل أهم من حياة المرأة، وإذا وقعت حادثة في طريق مثلاً وكان بينها رجل وامرأة والضرورة تحتم نقل أحدهما أولاً، فإنه ينبغي معالجة الرجل أولاً حتى لو أدى ذلك لموت المرأة، لأن حياة الرجل هي الأوْلى والأهم في هذه الدنيا !! وأما النساء اليهوديات فقد رفضهن هذا التمييز العنصري.
وتُشير الإحصائيات إلى أن "إسرائيل" تعتبر أكثر مكان في العالم يتم فيه ضرب الزوجات من قِبَل أزواجهن.
هذه بعض الصور المظلمة التي ضجت بها المجتمعات الغربية حتى أصبحت مجتمعات متأزمة، وهي قليل من كثير، فأين هذا من نظام الرق في اٍلاسلام بصوره المشرقة وأحواله العادلة.
4- العنصرية في الدول الأخرى:
وحتى الآن لا يستطيع السود والبيض والملونين والهنود أن يصلّوا معاً في أغلب الكنائس الهولندية البروتستانتيتية لوجود هذه التفرقة فيهم، وقد عبر الإمبراطور المسيحي جوليانوس عن الكراهية بين الطوائف المسيحية بدقة حيث قال:
(لا توجد وحوش مفترسة تتسم بالعداوة للإنسان كما تعادي الطوائف المسيحية بصفة عامة بعضها البعض) إ.هـ من كتاب "روح الإسلام".
5- لا عنصرية في الإسلام:
هذه العنصرية بجميع صورها حاربها الإسلام بكل قوة، وقد علمنا القرآن أنه لا قيمة للألوان في صنع الكرامة والشرف إلا ما يقدمه الإنسان من الإيمان والعمل الصالح.
1- قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).
فأخبر أن خير الناس هو من اجتمعت فيه هاتان الصفتان وهما: الإيمان والعمل الصالح، ولم يعول على الألوان والمناصب والأنساب فدل على أن الإيمان والعمل الصالح هما الميزان وغيرهما لا قيمة له.
2- ومثل ذلك قوله تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
3- ولما قال أبو ذر الغفاري لمملوك من مماليكه: (يا ابن السوداء) اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا من موازين الجاهلية كما مر معنا في الحديث.
وقد أثار بعض الجهلة شيئاً عجيباً يدل على فقه عجيب وهو أن النبي قد كانت عنده مثل هذه الموازين الجاهلية لأنه قال: (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي) !!
والجواب: حاشاه صلى الله عليه وسلم من مثل هذه الموازين بأبي هو وأمي، كيف يكون ذلك وهو الذي أرسله الله ليعلم البشرية أن هذه موازين لا قيمة لها، أليس هو القائل كما في حديث جابر في "صحيح مسلم": (ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي) ؟! أليس هو القائل: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ؟!
وإنما المراد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمته بالسمع والطاعة لمن تولى عليهم ولو كان من الأحباش، وقد كانت العرب تترفع وتستكبر أن تسمع لشخص فيه مثل هذا الوصف، فأخبرهم أنه يجب عليهم الصبر عموماً لكل من تولى عليهم ولو كان بهذه الصفة.
بل الحديث نفسه فيه حجة على أنه لا قيمة لهذه الموازين بقرينة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع لكل من تولى بدون تفريق بين عربي وغيره، والله أعلم.
ومثلها العنصرية في المناطق والبلدان فكلها مذموم، وأما الدعوة التي نسمعها اليوم باسم العروبة والدعوة إليها فشيء لا قيمة له أيضاً، ومن أراد أن يعرف حقيقة هذه الدعوة فليقارن بين وضع العرب قبل الإسلام ووضع العرب بعد الإسلام، وليقارن بين وضع العرب عندما تمسكوا بالإسلام ووضعهم عندما ابتعدوا عنه، وبعد هذا سيعرف بُعد هذه الدعوة عن الإسلام وخطورتها على المسلمين.
فالعرب قبل الإسلام كانوا متفرقين متنازعين لا قيمة لهم بين الأمم، بل كانوا معدودين من الأمم المتأخرة التي لا حضارة لها، لا يملكون إلا أغناماً يتتبعون بها مواضع المطر والكلأ، كلما سمعوا بمطر نزل في مكان نقضوا بيوت الشعر وسافروا إليه، مجالسهم مليئة بالغزل والفخر والحماسة والهجاء واحتقار الآخرين، بلادهم مملوكة للأعاجم فالشام مع الروم واليمن ونحوها مع الفرس إلى غير ذلك.
حتى جاءهم الإسلام فأعزهم الله به وأكرمهم باتباعه فارتفعوا بعد وضيعة وانتصروا بعد هزيمة وملكوا الدنيا بعد أن كانوا غنائم تتقاسمهم الأمم.
واليوم أصابهم شيء من الذلة بسبب ابتعادهم عن دينهم، ولا كرامة لهم إلا بالرجوع إلى دينهم والتمسك به.
فأين العروبة، وماذا حققت قديماً حتى تطالبوا بها اليوم ؟! فالعرب أعزهم الله بإسلامهم لا بعروبتهم !!
إن وراء هذه الدعوة أخطاراً عظيمة أذكر منها:
1- مصادمتها لعقيدة الولاء والبراء لأن الرابطة بين الناس ستكون هي العروبة، فالعربي أخونا ولو كان العربي كافراً، والأعجمي عدونا ولو كان مسلماً !!
2- ابتعاد المسلمين عن الهدف الحقيقي وهو السعي إلى تحقيق التوحيد في أرض الله، واستبداله بالجري وراء هذه الشعارات الكاذبة.
- خطورة هذه الدعوة على القضايا الإسلامية منها على سبيل المثال لا الحصر (قضية فلسطين)، فإننا كثيراً ما نسمع أن فلسطين عربية، وهذا ليس بصحيح بل فلسطين مسلمة، يجب أن يكون هذا شعارنا، حتى لا يطمع نصارى العرب وغيرهم في مشاركة المسلمين فيها بعد تطهيرها من اليهود.
هذه بعض مخاطر الدعوة إلى القومية العربية، وهي باختصار تذويب للهوية الإسلامية.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 20:51   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الثانية:
ما أثاروه حول الحــدود
في الشريعة الإسلامية:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة الثانية من (شبهات حول الإسلام) سنتكلم فيها عن محاسن إقامة الحدود وحاجة المجتمعات إليها، رداً على الشبه الهزيلة التي أثارها أعداء الإسلام حول إقامة الحدود، فقالوا: إن إقامة الحدود وحشية، وأنها لا تناسب العصر إلى غير ذلك من الشنشنة المعروفة.
والحق أن هؤلاء الذين ينادون بترك "إقامة الحدود" في المجتمعات يعدون بحق من أفسد الناس عقولاً، وأشأمهم على المجتمعات، لأنهم خالفوا بذلك المعقول والمنقول، فماذا تنتظر من قوم تأخذهم الرأفة بالجاني ولا تأخذهم الرأفة بمن وقعت عليه المصيبة في ماله ودمه، ويترفقون باللص دون النظر إلى ما فعله من سرقة الأموال وإخافة الآمنين والتعدي على حرمات البيوت.
فهؤلاء الذين ينفرون من إقامة الحدود يجب – والله - جهادهم بكل ما يستطاع، بالسيف والقلم واللسان وغير ذلك لأنهم أقلام مسعورة مستأجرة تكتب ما يملى عليها مقابل حفنة من المال.
وهذه الحلقة تتكون من عدة مباحث:
المبحث الأول: الحدود من دلائل رحمة الله.
المبحث الثاني: عقوبة المفسدين مستحسن في العقول.
المبحث الثالث: حفاظ الشريعة على المتهم.
المبحث الرابع: تفاوت العقوبات وتنوعها.
المبحث الخامس: الفروق بين الحدود الشرعية، والقوانين الوضعية.
المبحث السادس: مناسبة العقوبة للحد.
المبحث السابع: دعاوى المنفرين عن إقامة الحدود.
المبحث الثامن: تشوق الغرب لهذه الحدود.
أسأل الله أن يكتب لهذه الحلقات القبول، وينفع بها الكاتب والقارئ في الدارين.

المبحث الأول: الحدود من دلائل رحمة الله:
1- الحدود رحمة بالمجتمع:
1- قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/329-330): (فينبغي أن يُعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده، فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات لا شفاء غيظه وإرادة العلو على الخلق بمنزلة الوالد إذا أدب ولده، فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تشير به الأم رقةً ورأفةً لفسد الولد، وإنما يؤدبه رحمةً به وإصلاحاً لحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب، وبمنزلة الطبيب الذي يسقى المريض الدواء الكريه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، والحجم وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة، فهكذا شرعت الحدود وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها) أ.هـ
وانظر "مجموع الفتاوى" (15/288-296).
2- وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين: (2/95): (فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال،كالقتل والجراح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غير حقه) أ.هـ
2- السبب في أن الله تولى تشريع الحدود بنفسه:
يبين لنا ابن القيم السبب في أن الله لم يكل تشريع الحدود إلى غيره فقال في "إعلام الموقعين": (2/95-96): (ومعلوم أن لهذه الجنايات الأربع مراتب متباينة في القلة والكثرة، ودرجات متفاوتة في شدة الضرر، وخفته كتفاوت سائر المعاصي في الكبر والصغر وما بين ذلك، ومن المعلوم أن النظرة المحرمة لا يصلح إلحاقها في العقوبة بعقوبة مرتكب الفاحشة، ولا الخدشة بالعود بالضربة بالسيف، ولا الشتم الخفيف بالقذف بالزنا والقدح في الأنساب، ولا سرقة اللقمة والفلس بسرقة المال الخطير العظيم، فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنساً ووصفاً وقدراً لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب، ولعظم الاختلاف واشتد الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين مؤنة ذلك وأزال عنهم كُلفته، وتولى بحكمته وعلمه ورحمته تقديره نوعاً وقدراً، ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة ويليق بها من النكال، ثم بلغ من سعة رحمته وجوده أن جعل تلك العقوبات كفاراتٍ لأهلها، وطهرة تزيل عنهم المؤاخذة بالجنايات إذا قدموا عليه، ولاسيما إذا كان منهم بعدها التوبة النصوح والإنابة، فرحمهم بهذه العقوبات أنواعاً من الرحمة في الدنيا والآخرة، وجعل هذه العقوبات دائرة على ستة أصول قتل وقطع وجلد ونفي تغريم مال وتعزير) أ.هـ
3- الحدود ليست الحل الوحيد لمنع الجريمة:
يخطئ كثير من الناس عندما يظن أن إقامة الحدود هو الحل الوحيد لمنع الجريمة في الإسلام، وغاب عنهم أن إقامة الحدود عقوبة أخيرة للمجرمين، وأن هذه العقوبة قد سبقتها وسائل كثيرة ومختلفة لمنع هذه الجريمة.
1- فقد سلكت مع هذه النفوس مسلك التذكير المستمر بالله وعقابه في الدنيا والآخرة، وتذكيرها بحقارة هذه الدنيا وسرعة زوالها، وتذكير من يسارع في شيء من ملذات الدنيا بالصبر عليها وأن الله معوضها في الدار الآخرة بما هو أعظم له من هذا الفاني.
2- وسلكت الشريعة مسلك تأديب النفوس وتهذيب الأخلاق بمثل هذه العبادات التي لها أثر كبير على أخلاق المسلم وتأدبه، فلا يخفى علينا ما تفعله الصلاة في نفوس المسلمين، فإن (الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) كما أخبر الله.
3- وشرع الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعطت الحق لكل من يرى المنكر أن يغيره في حدوده الشرعية، وهذا من شأنه يقلل المنكر في المجتمع ويضعف شوكته ويقضي على جو الجريمة.
4- أمرت بكل وسيلة تباعد من هذه الجرائم كالأمر بالتعفف عموماً ولاسيما أمرين هما عفة الفروج وعفة البطون.
5- فمن لم ينفعه هذا التذكير ولا هذه الموعظة وجد أمامه عقبة أخرى وسداً مانعاً من الزواجر وهي الحدود الشرعية، فيبقى جرس الخطر يرن في أذنيه كلما عزم على الإقدام على مثل هذه الاعتداءات، لأن المجرم يفكر مراراً وتكراراً قبل أن يقدم على فعله، لأنه يعلم مقدماً الحكم الذي سينزل به ومدى فاعليته.
6- فمن لم ينفع معه ولم تخوفه هذه العقوبات فارتكب هذا الاعتداء فهنا ينتقل العلاج من الناحية الوعظية والتوجيهية إلى ناحية العقوبة المباشرة، فيقام عليه هذا الحد بعد ذلك حتى لا تتكرر هذه الاعتداءات.


المبحث الثاني: عقوبة المفسدين مستحسَن في العقول:
قال ابن القيم في"إعلام الموقعين": (2/102-103) في سياق الرد على المعترضين على الحدود: (أما قوله: "كيف تردعون عن سفك الدم بسفكه! وإن ذلك كإزالة النجاسة بالنجاسة" !! سؤال في غاية الوهن والفساد، وأول ما يقال لسائله: هل ترى ردع المفسدين والجناة عن فسادهم وجناياتهم وكف عدوانهم مستحسناً في العقول موافقا لمصالح العباد أو لا تراه كذلك ؟
فإن قال لا أراه كذلك كفانا مؤنة جوابه بإقراره على نفسه بمخالفة جميع طوائف بني آدم على اختلاف مللهم ونحلهم ودياناتهم وآرائهم، ولولا عقوبة الجناة والمفسدين لأهلك الناس بعضهم بعضاً، وفسد نظام العالم، وصارت حال الدواب والأنعام والوحوش، أحسن من حال بني آدم، وإن قال بل لا تتم المصلحة إلا بذلك، قيل له: من المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم، ويجعل الجاني نكالاً وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله، وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة) أ.هـ
المبحث الثالث: حفاظ الشريعة على المتهم:
ينبغي أن يعرف أن الشريعة كما أنها تحافظ على سلامة المجتمع وطهارته من الفواحش ومظاهر الفسق، فكذلك تحافظ على المتهم، ومما يدل على ذلك:
1- أنها لا تقيم الحد إلا على المكلف المختار العالم بالتحريم، فلا تقيمه على مجنون ولا صبي ولا مُكره، ولا جاهل إذا كانت دعوى الجهل مقبولة، كأن يكون عاش بعيداً عن المسلمين.
2- اشتراط الشريعة لإقامة الحد أن يكون الحد ثابتاً على المتهم بإقرار صحيح أو بشهادة مقبولة، ولا يكون الإقرار صحيحاً حتى يكون المقر مكلفاً مختاراً قد أقر إقراراً صريحاً، ولا تقبل الشهادة حتى يكون الشهود مرضيين قد شاهدوا ما يوجب الحد.
3- ندبت الشريعة إلى التوبة وستر المسلم على نفسه.
4- الشريعة تمنع من إقامة الحد على غير الجاني فلا يقام الحد على المرأة الحامل.
5- منعت الشريعة من أن يقيم الحدود غير ولاة الأمور أو من ينوبهم، حتى لا تعم الفوضى.
قال القرطبي في "تفسيره" عند آية: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) المسألة الثانية: (اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض وإنما ذلك للسلطان أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض).
وقال أيضاً في "تفسيره" عند آية: (كتب عليكم القصاص) المسألة الرابعة: (لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك، لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعاً أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود).
6- الشريعة تمنع من أن يؤذى المحدود قبل إقامة الحد وفي أثناءه أو بعده، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن الرجل الذي يشرب الخمر وعن التثريب على الأمة إذا أقام عليها حد الزنى.
7- الشريعة قد تسقط الحد على المتهم إذا خشي عليه أن يقع في سوء، فالمسلم إذا وقع في حد من الحدود في غزوة من الغزوات فقد أمرنا بتأخير هذا الحد إلى أن يرجع المتهم إلى بلاد المسلمين فيقام عليه الحد هناك، رحمة به وخشية أن يلحق بالكفار فيدخل في دينهم، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحد في الغزو.
8- الشريعة بينت أن الحدود كفارة لأهلها.
المبحث الرابع: تفاوت العقوبات وتنوعها:
1- تفاوت العقوبات:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/102-103): (ومن المعلوم ببدائه العقول أن التسوية في العقوبات مع تفاوت الجرائم غير مستحسن بل مناف للحكمة والمصلحة، فإنه إن ساوى بينهم في أدنى العقوبات لم تحصل مصلحة الزجر وإن ساوى بينها في أعظمها كان خلاف الرحمة والحكمة، إذ لا يليق أن يقتل بالنظرة والقبلة، ويقطع بسرقة الحبة والدينار، وكذلك التفاوت بين العقوبات مع استواء الجرائم قبيح في الفطر والعقول، وكلاهما تأباه حكمة الرب تعالى وعدله وإحسانه إلى خلقه، فأوقع العقوبة تارة بإتلاف النفس إذا انتهت الجناية في عظمها إلى غاية القبح كالجناية على النفس أو الدين، أو الجناية التي ضررها عام فالمفسدة التي في هذه العقوبة خاصة والمصلحة الحاصلة بها أضعاف أضعاف تلك المفسدة كما قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فلولا القصاص لفسد العالم وأهلك الناس بعضهم بعضاً ابتداء واستيفاءً، فكأن في القصاص دفعاً لمفسدة التجري على الدماء بالجناية وبالاستيفاء، وقد قالت العرب في جاهليتها: "القتل أنفى للقتل وبسفك الدماء تحقن الدماء" فلم تغسل النجاسة بالنجاسة، بل الجناية نجاسة والقصاص طهرة، وإذا لم يكن بدٌ من موت القاتل، ومن استحق القتل فموته بالسيف أنفع له في عاجلته وآجلته، والموت به أسرع الموتات وأوحاها وأقلها ألماً، فموته به مصلحة له ولأولياء القتيل ولعموم الناس، وجرى ذلك مجرى إتلاف الحيوان بذبحه لمصلحة الآدمي، فإنه حسن وإن كان في ذبحه إضرار بالحيوان فالمصالح المرتبة على ذبحه أضعاف أضعاف مفسدة إتلافه، ثم هذا السؤال الفاسد يظهر فساده وبطلانه بالموت الذي حتمه الله على عباده، وساوى فيه بين جميعهم، ولولاه لما هنأ العيش، ولا وسعتهم الأرزاق ولضاقت عليهم المساكن والمدن والأسواق والطرقات، وفي مفارقة البغيض من اللذة والراحة ما في مواصلة الحبيب، والموت مخلص للحي، والموت مريح لكل منهما من صاحبه، ومخرج من دار الابتلاء والامتحان، وباب للدخول في دار الحيوان).
إلى أن قال: (فكم لله سبحانه على عباده الأحياء والأموات في الموت من نعمة لا تُحصى، فكيف إذا كان فيه طهرة للمقتول، وحياة للنوع الإنساني، وتشفٍ للمظلوم، وعدل بين القاتل والمقتول، فسبحان من تنـزّهت شريعته عن خلاف ما شرعها عليه من اقتراح العقول الفاسدة والآراء الضالة الجائرة) أ.هـ
2- تنوع العقوبات:
أ- القتل:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/96): (فأما القتل فجعله عقوبةَ أعظم الجنايات، كالجناية على الأنفس فكانت عقوبته من جنسه، وكالجناية على الدين بالطعن فيه والارتداد عنه، وهذه الجناية أولى بالقتل وكف عدوان الجاني عليه من كل عقوبة، إذ بقاؤه بين أظهر عباده مفسدة لهم، ولا خير يرجى في بقائه ولا مصلحة، فإذا حبس شره وأمسك لسانه وكف أذاه والتزم الذل والصغار وجريان أحكام الله ورسوله عليه وأداء الجزية لم يكن في بقائه بين أظهر المسلمين ضرر عليهم، والدنيا بلاغ ومتاع إلى حين، وجعله أيضا عقوبة الجناية على الفرج المحرمة لما فيها من المفاسد العظيمة واختلاط الأنساب والفساد العام) أ.هـ
ب- القطع:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/96-97):
(وأما القطع فجعله عقوبة مثله عدلاً وعقوبة السارق، فكانت عقوبته به أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد، ولم تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل فكان أليق العقوبات به إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس وأخذ أموالهم، ولما كان ضرر المحارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظمُ، ضُمَّ إلى قطع يده قطع رجله ليكف عدوانه وشر يده التي بطش بها، ورجله التي سعى بها، وشرع أن يكون ذلك من خلافٍ، لئلا يفوت عليه منفعة الشق بكماله، فكف ضرره وعدوانه، ورحمه بأن أبقى له يداً من شق ورجلاً من شق) أ.هـ
وانظر الجواب الكافي (ص 172).

ج - الجلد:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين (2/97): (وأما الجلد فجعله عقوبة الجناية على الأعراض، وعلى العقول وعلى الأبضاع، ولم تبلغ هذه الجنايات مبلغاً يوجب القتل، ولا إبانة الطرف، إلا الجناية على الأبضاع فإن مفسدتها قد انتهضت سبباً لأشنع القتلات، ولكن عارضها في البكر شدة الداعي (أي: شدة الشهوة) وعدم المعوض (أي: عدم الزوجة)، فانتهض ذلك المعارض سبباً لإسقاط القتل، ولم يكن الجلد وحده كافياً في الزجر فغُلظ بالنفي والتغريب ليذوق من ألم الغربة ومفارقة الوطن ومجانبة الأهل والخلطاء ما يزجره عن المعاودة.
وأما الجناية على العقول بالسُكر فكانت مفسدتها لا تتعدى السكران غالباً ولهذا لم يحرم السُكر في أول الإسلام كما حرمت الفواحش والظلم والعدوان في كل ملة وعلى لسان كل نبي، وكانت عقوبة هذه الجناية غير مقدرة من الشارع، بل ضرب فيها بالأيدي والنعال وأطراف الثياب والجريد، وضرب فيها أربعين، فلما استخف الناس بأمرها وتتابعوا في ارتكابها غلّظها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أُمرنا باتباع سنته، وسنته من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلها ثمانين بالسوط ونفى فيها وحلق الرأس، وهذا كله من فقه السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الشارب في المرة الرابعة ولم ينسخ ذلك، ولم يجعله حداً لا بد منه، فهو عقوبة ترجع إلى اجتهاد الإمام في المصلحة ،فزيادة أربعين والنفي والحلق أسهل من القتل) أ.هـ
ثم شرع في بيان الحكمة من تشريع تغريم المال، والتعزير، فراجعه.
ثم بين الحكمة في جعل القصاص بالإتلاف في بعض الأحيان دون بعض، كالقصاص في النفوس دون القصاص في الأموال والبهائم والديار والزروع، فراجعه في"الإعلام" (2/104-106).
3- ترتيب الحدود تبعاً لترتيب الجرائم:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/108-109): (وتأمل كيف جاء إتلاف النفوس في مقابلة أكبر الكبائر وأعظمها ضرراً وأشدها فساداً للعالم وهي الكفر الأصلي والطارئ والقتل وزني المحصن، وإذا تأمل العاقل فساد الوجود رآه من هذه الجهات الثلاث، وهذه هي الثلاث التي أجاب عنها النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود بها حيث قال له يا رسول الله: أي الذنب أعظم ؟ قال: أن تجعل الله نداً وهو خلقك، قال قلت: ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: قلت: ثم أي ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك) فأنزل الله عز و جل تصديق ذلك والذين (لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) الآية.
ثم لما كان سرقة الأموال تلي ذلك في الضرر وهو دونه جعل عقوبته قطع الطرف، ثم لما كان القذف دون سرقة المال في المفسدة جعل عقوبته دون ذلك وهو الجلد، ثم لما كان شرب المسكر أقل مفسدةً من ذلك جعل حده دون حد هذه الجنايات كلها، ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة، وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة، جعلت عقوبتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم، فمن سوّى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع، واختلفت عليه أقوال الصحابة وسيرة الخلفاء الراشدين وكثير من النصوص ورأى عمر قد زاد في حد الخمر على أربعين والنبي صلى الله عليه وسلم إنما جلد أربعين، وعزر بأمور لم يعزر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفذ على الناس أشياء عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فيظن ذلك تعارضاً وتناقضاً وإنما أتى من قصور علمه وفهمه وبالله التوفيق) أ.هـ
المبحث الخامس: الفروق بين الحدود الشرعية، والقوانين الوضعية:
مهما كانت القوانين الوضعية دقيقة في وضعها ومحكمة في بنيانها، ومهما حرص أهلها على العدل، فهي في الأخير من وضع البشر الذين لا تبلغ عقولهم عمق المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، كما يعلمها ربهم لهم قال تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
وتبقى هناك فروق ظاهرة لكل ذي عينين بين الشريعة والقوانين الوضعية - فضلاً عن الفروق الباطنة التي لا تظهر للناس - فمن هذه الفروق:
1- أن القوانين الوضعية لا تعاقب على الجرائم الباطنة التي تكون فيها الجناية خفية، ولا يباشر فيها الجاني جنايته ظاهراً كالسحر، فالسحر أصبح في المجتمعات المنحرفة من الفنون التي تجد عناية فائقة، بينما يعاني المجتمع في الحقيقة من جرائمه وتعديه على الأعراض والعقول والأموال والدين وغير ذلك، ويكون الساحر فيها حراً طليقاً !!.
2- ومنها أن الشريعة قد تؤخر العقوبة لمصلحة شرعية، سواء كانت المصلحة عائدة على الإسلام والمسلمين كتأخير الحد في الغزو، أو لمصلحة المحدود كتأخير الحد عن المريض وفي وقت البرد أو الحر الشديدين، أو لمصلحة غير المحدود كتأخير الحد عن الحامل حتى تضع، والمرضع حتى تنتهي مدة الرضاعة.
3- ومنها أن القوانين الوضعية لا تهتم بالجانب الروحي للإنسان ولا تعامله كآدمي له روح، ولذلك لا نجد أي عناية للآداب والأخلاق والمكارم في هذه القوانين.
4- القوانين لا تهتم بالحقوق والواجبات التي على الإنسان لغيره مثل بر الوالدين وتربية الأبناء وصلة الأرحام إلا ما كان مأخوذاً من هذه شريعة الإسلام.
5- القوانين لا تسعى إلى الترابط الأخوي للمجتمع، وإنما غاية ما تسعى إليه هو منع اعتداء الناس بعضهم على بعض، دون الحث على الترابط والتآخي والتآلف الذي يحث عليه الشرع.
6- القوانين الوضعية لا تنظر إلى جانب سد الذرائع ولا منع الوسائل الموصلة إلى الممنوعات.
7- القوانين الوضعية عاجزة عن حل كثير من القضايا العصرية والمستجدات التي تحدث في المجتمع، بل ويفاجأ الواضعون لها بظهور أنواع من الخلل فيها، ولذلك نجدها دائماً تتغير في كل بضع سنوات، وشريعة الإسلام فيها من المرونة والحيوية ما يجعلها دائماً صالحة لكل زمان ومكان.
المبحث السادس: مناسبة العقوبة للحد:
وقد ذكر ابن القيم وجوهاً أخرى من حكمة هذه الحدود، سنذكرها على حسب الحدود:
أ- حد الزنى:
الحكمة في الأمر بعقوبة الزانيين علانية:
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (15/285-286): (فقوله تعالى: (الزانية والزاني) الآية فأمر بعقوبتهما وعذابهما بحضور طائفة من المؤمنين، وذلك بشهادته على نفسه أو بشهادة المؤمنين عليه، لأن المعصية إذا كانت ظاهرة كانت عقوبتها ظاهرة).
الحكمة من اختلاف حد الزاني المحصن عن حد الزاني البكر:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/107-108): (ثم إن للزاني حالتين إحداهما: أن يكون محصناً قد تزوج فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة واستغنى به عنها وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنا فزال عذره من جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام.
والثانية: أن يكون بكراً لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله فحصل له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف، فحقن دمه وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعا على المعاودة للاستمتاع بالحرام وبعثاً له على القنع بما رزقه الله من الحلال، وهذا في غاية الحكمة والمصلحة جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه).
الحكمة من تغليظ شهادة الزنى:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/96): (وإنما أمر الله سبحانه بالعدد في شهود الزنا لأنه مأمور فيه بالستر، ولهذا غلظ فيه النصاب فإنه ليس هناك حق يضيع وإنما حد وعقوبة والعقوبات تدرأ بالشبهات بخلاف حقوق الله وحقوق عباده التي تضيع إذا لم يقبل فيها قول الصادقين).

ب- حد السرقة:
الفرق بين ثمن اليد في الدية وفي نصاب القطع في حد السرقة:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/63): (وأما قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار فمن أعظم المصالح والحكمة، فإنه احتاط في الموضعين للأموال والأطراف فقطعها في ربع دينار حفظاً للأموال وجعل ديتها خمسمائة دينار حفظا لها وصيانة، وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال وضمنه بيتين فقال:
يد بخمس مئين من عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكـوت لـه وأن نستجير بمولانا من النار
فأجابه بعض الفقهاء بأنها كانت ثمينة لما كانت أمينة فلما خانت هانت وضمنه الناظم قوله:
يد بخمس مئين من عسجد وديت لكنها قطعت في ربع دينـار
حمــاية الدم أغلاها وأرخصها خيانة المال فانظر حكمة الباري
وروى أن الشافعي رحمه الله أجاب بقوله:
هناك مظلومة غالت بقيمتها وههنا ظلمت هانت على الباري
وأجاب شمس الدين الكردي بقوله:
قل للمعـري عـار أيما عـار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عار
لا تقدحن زناد الشعر عن حكم شعائر الشـرع لم تقدح بأشعـار
فقيمة اليد نصف الألف من ذهب فإن تعـدت فلا تسـوى بديـنار).
الحكمة من جعل نصاب السرقة ربع دينار:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/64): (وأما تخصيص القطع بهذا القدر فلأنه لا بد من مقدار يجعل ضابطاً لوجوب القطع، إذ لا يمكن أن يقال يقطع بسرقة فلس أو حبة حنطة أو تمرة، ولا تأتي الشريعة بهذا وتنزه حكمة الله ورحمته وإحسانه عن ذلك، فلا بد من ضابط وكانت الثلاثة دراهم أول مراتب الجمع وهي مقدار ربع دينار، وقال إبراهيم النخعي وغيره من التابعين كانوا لا يقطعون في الشيء التافه فإن عادة الناس التسامح في الشيء الحقير من أموالهم إذ لا يلحقهم ضرر بفقده، وفي التقدير بثلاثة دراهم حكمة ظاهرة فإنها كفاية المقتصد في يومه له ولمن يمونه غالباً وقوت اليوم للرجل وأهله له خطر عند غالب الناس وفي الأثر المعروف: "من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها") أ.هـ
قلت: خلاصة ما ذكره ابن القيم:
الأول: أن الثلاثة الدراهم أقل مراتب الجمع.
الثاني: أن الثلاثة الدراهم هي الدخل اليومي للإنسان المتوسط.
الثالث: أن ما دون ذلك من الأشياء الحقيرة التي عادت الناس التسامح فيها.
والأثر المشار إليه حديث صحيح رواه البخاري في "الأدب المفرد" عن عبيد الله بن محصن الأنصاري مرفوعاً، وهو في "صحيح الجامع" و "صحيح الأدب المفرد".
الحكمة من قطع يد السارق دون لسان القاذف وفرج الزاني:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/106-107): (وأما معاقبة السارق بقطع يده وترك معاقبة الزاني بقطع فرجه ففي غاية الحكمة والمصلحة، وليس في حكمة الله ومصلحة خلقه وعنايته ورحمته بهم أن يتلف على كل جان كل عضو عصاه به فيشرع قلع عين من نظر إلى المحرم وقطع أذن من استمع إليه ولسان من تكلم به ويد من لطم غيره عدواناً ولا خفاء بما في هذا من الإسراف والتجاوز في العقوبة وقلب مراتبها وأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة تأتي ذلك وليس مقصود الشارع مجرد الأمن من المعاودة ليس إلا ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط وإنما المقصود الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب وأن يعتبر به غيره وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبة نصوحاً وأن يذكره ذلك بعقوبة الآخرة إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.
ثم إن في حد السرقة معنى آخر وهو أن السرقة إنما تقع من فاعلها سراً كما يقتضيه اسمها ولهذا يقولون فلان ينظر إلى فلان مسارقة إذا كان ينظر إليه نظراً خفياً لا يريد أن يفطن له، والعازم على السرقة مختف كاتم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران، ولهذا يقال وصلت جناح فلان إذا رأيته يسير منفرداً فانضممت إليه لتصحبه، فعوقب السارق بقطع اليد قصا لجناحه وتسهيلا لأخذه إن عاود السرقة فإذا فعل به هذا في أول مرة بقي مقصوص أحد الجناحين ضعيفاً في العدو ثم يقطع في الثانية رجله فيزداد ضعفا في عدوه فلا يكاد يفوت الطالب ثم تقطع يده الأخرى في الثالثة ورجله الأخرى في الرابعة فيبقى لحماً على وضم فيستريح ويريح).
وقال في "إعلام الموقعين" (2/108): (ثم إن قطع فرج الزاني فيه من تعطيل النسل وقطعه عكس مقصود الرب تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم، وفيه من المفاسد أضعاف ما يتوهم فيه من مصلحة الزجر وفيه إخلاء جميع البدن من العقوبة وقد حصلت جريمة الزنا بجميع أجزائه فكان من العدل أن تعمه العقوبة، ثم إنه غير متصور في حق المرأة وكلاهما زان فلا بد أن يستويا في العقوبة فكان شرع الله سبحانه أكمل من اقتراح المقترحين).
يمكن تلخيص ما ذكره ابن القيم في هذه النقاط:
1- أن فرج الزاني عضو مستور لا يرى، وعليه فلا مصلحة من قطعه لأن المقصود من قطع العضو أن تراه العيون لتحصل العبرة من القطع.
2- أن في قطع العضو التناسلي قطعاً للنسل وقضاء على النوع الإنساني وهذا بخلاف قطع يد السارق.
3- أن لذة الزنى سرت إلى جميع البدن فكان من العدل جلد الظهر لا قطع العضو.
4- أن قطع العضو يفوت العدل بين الزاني والزانية لأنه لا يتصور ذلك في حقها.
انظر: الحدود والتعزيرات عند ابن القيم" للشيخ بكر أبو زيد.
الرد على شبهة من قال: إن قطع يد السارق تجعله عالة على غيره:
أقول: إن هذا القول فيه تعاطف كاذب مخالف للحقيقة، وهو غير صحيح لأمور:
الأول: أن السارق أصلاً عبء ثقيل على الناس وعالة على المجتمع من قبل القطع، إذ هو مصدر خوف وقلق وذعر فهل يرضى هؤلاء المتعاطفون مع المجرمين بأن يكون اللصوص عالة على المجتمع بالتلصص على الأموال واقتناص غفلة كثير من الناس عن أموالهم ؟
الثاني: أن الواقع يكذب هذه المزاعم، فهناك حالات كثيرة حصل لها من أنواع الإعاقة بحوادث مختلفة أشد بكثير من قطع اليد ولم يكونوا يوماً من الأيام معاقين عن العمل ولا عالة على غيرهم، أضف إلى ذلك أن هناك من أقيم عليه الحد فلم يكن عالة على المجتمع، بل سعى للأكل من كسب يده وكان قطع يده درساً كبيراً له.
الثالث: لو سألناهم ماذا تريدون من الحلول غير قطع اليد ؟! لقالوا: السجن أفضل من قطع اليد.
ونقول لهم: إن استبدال قطع اليد بالسجن كما تفعله القوانين الوضعية يعتبر حلاً فاشلاً لعدة أمور:
1- أنه لا يردع المجرمين، فعقوبة السجون لم تستطع أن تمنع الجريمة، وأحوال المجتمعات اليوم شاهدة على ذلك، لأن اللصوص يخرجون من السجون فينظمون لسرقات أخرى هي أكبر من السرقات السابقة، بل يخرجون منها وقد تبادلوا الخبرات فيما بينهم لأن السجون أصبحت مدارس للجريمة.
2- أن السارق في السجن سيبقى عالة على الدولة وسيكلفها الكثير من النفقات، وهذا عين ما فروا منه.
3- أن في السجن تضييعاً لأوقات هؤلاء الجناة وأعمارهم، وإهدار لطاقة كان من الممكن أن يستفاد منها.



الرد على قولهم:
إن التكنولوجيا استطاعت أن تكشف الجريمة:
فإن قالوا: إن التكنولوجيا استطاعت أن تكشف المجرم بسهولة !!
قلنا: هذا بعد وقوع الجريمة، ولكنها لم تستطع أن تمنع الجريمة من أصلها، لأن في إقامة الحدود من الزجر والردع لهؤلاء المجرمين ما لا تملكه هذه القوانين بهذه التقنية العصرية المزعومة، فالجريمة في البلاد المتطورة أكثر من الجريمة في غيرها، فالولايات المتحدة الأمريكية تعاني من وقوع جريمة قتل كل ثلث ساعة تقريباً، فقد كشفت وزارة العدل في الولايات المتحدة الأمريكية في تقرير صدر أخيراً أن سير الجرائم في الولايات المتحدة قد ازداد بنسبة تسعة في المائة بالنسبة للعام السابق، وبنسبة خمسة وخمسين في المائة خلال اثنتي عشرة سنة أخيرة، وطبقاً للتقرير تقع كل جريمة وعمل عنيف كل نصف ساعة، وجريمة قتل كل ثلث ساعة، وانتهاك حرمة كل ست دقائق وكشفت الإحصائيات الرسمية أن عدد القتلى بلغ إلى 33 ألف و 544 وأكثرهم تتراوح أعمارهم بين عشرين وتسعة وعشرين عاماً.
الحكمة من ترك إقامة الحد في الغزو ولاسيما حد السرقة:
ورد في الباب حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تقطع الأيادي في الغزو) رواه أبو داود عن بسر بن أبي أرطأة، وهو صحيح كما في "تحقيق المشكاة" (2/299) وانظر: بحث الحديث من الناحية الحديثية والفقهية في "الحدود والتعزيرات" (ص39-68).
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/17): (فهذا حد من حدود الله تعالى وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضباً كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم، وقد نص أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود لا تقام على أرض العدو وذكرها أبو القاسم الخرقي في مختصره).
قلت: وقد أدخل العلماء غير القطع في النهي وإن كان خاصاً بالقطع للعلة نفسها، فيحرم إقامة أي: حد في الغزو، والله أعلم.
السبب في قطع اليد بالسرقة دون الغصب والانتهاب والاختلاس:
قال القاضي عياض رحمه الله كما في "توضيح الأحكام" (5/308): (صان الله الأموال بإيجاب القطع للسارق ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغصب لأنه قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمر وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها، فعظم أمرها واشتدت عقوبتها أبلغ في الزجر عنها).

ج – حد الشرب:
الحكمة من تحريم الخمر:
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (20/194): (وأما من السيئات فكقوله: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) فبين فيه العلتين:
إحداهما: حصول مفسدة العداوة الظاهرة والبغضاء الباطنة.
والثانية: المنع من المصلحة التي هي رأس السعادة وهي ذكر الله والصلاة، فيصد عن المأمور به إيجاباً أو استحباباً) أ.هـ
قلت: فالسبب في تحريم الخمر إذاً علتان أحدهما: حصول مفسدة العداوة والبغضاء، والعداوة هي الخصومة الظاهرة، والبغضاء هي العداوة الباطنة، الثانية: المنع من المصلحة التي هي رأس السعادة، وهي عبادة الله والأنس به تعالى والتنعم بالقرب منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (34/191): (فإن الله تعالى قال: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) فإن المفسدة التي لأجلها حرم الله سبحانه وتعالى الخمر هي أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتوقع العداوة والبغضاء وهذا أمر تشترك فيه جميع المسكرات لا فرق في ذلك بين مسكر ومسكر).
الحكمة في وجوب حد شارب الخمر ولو قطرة:
حرمت شريعتنا شرب الخمر ولو قطرة، وأوجبت فيه الحد لأنه وسيلة إلى شرب الكثير من الخمور، وهو يختلف عن سائر الوسائل أن الحد فيه خفيف بخلاف حد الزنى وغيره.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (34/191-192): (وهذا أمر تشترك فيه جميع المسكرات لا فرق في ذلك بين مسكر ومسكر، والله سبحانه وتعالى حرم القليل، لأنه يدعو إلى الكثير وهذا موجود في جميع المسكرات).
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/84): (ومنع قليل الخمر وإن كان لا يسكر إذ قليله داع إلى كثيره).
وقال ابن حزم في "مراتب الإجماع": (واتفقوا أن من شرب نقطة خمر وهو يعلمها خمراً من عصير العنب وقد بلغ ذلك حدَّ الإسكار ولم يتب ولا طال الأمر وظفر به ساعة شربها ولم يكن في دار الحرب أن الضرب يجب عليه إذا كان حين شربه لذلك عاقلاً مسلماً بالغاً غير مكره ولا سكران، سكر أو لم يسكر).
قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص32): (فإن شرب قطرة من الخمر مقتصراً عليها يحد كما يحد من شرب ما أسكره وخبل عقله مع تفاوت المفسدتين، ولم يجعل الوسائل إلى الزنا والسرقة والقتل مثل الزنا والسرقة والقتل، والفرق بينهما وبين شرب القطرة من الخمر خفة حد السكر وثقل ما عداه من الحدود).
د – حد القذف:
الحكمة في حد القذف بالزنا دون حد القذف بالكفر:
من المعلوم أن التهمة بالكفر أشد من التهمة بالزنا، ولكن لماذا لم تحكم الشريعة بالحد على من قذف غيره بالكفر ؟!
يوضح لنا ابن القيم الفرق بين الأمرين فيقول في "إعلام الموقعين" (2/64): (وأما إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون الكفر ففي غاية المناسبة فإن القاذف غيره بالزنا لا سبيل للناس إلى العلم بكذبه، فجعل حد الفرية تكذيباً له وتبرئة لعرض المقذوف وتعظيما لشأن هذه الفاحشة التي يجلد من رمى بها مسلماً، وأما من رمى غيره بالكفر فإن شاهد حال المسلم واطلاع المسلمين عليها كاف في تكذيبه ولا يلحقه من العار بكذبه عليه في ذلك ما يلحقه بكذبه عليه في الرمي بالفاحشة، ولاسيما إن كان المقذوف امرأة فإن العار والمعرة التي تلحقها بقذفه بين أهلها وتشعب ظنون الناس وكونهم بين مصدق ومكذب لا يلحق مثله بالرمي بالكفر).
الحكمة في جلد قاذف الحر دون العبد:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/65): (وأما جلد قاذف الحر دون العبد فتفريق لشرعه بين ما فرق الله بينهما بقدره فما جعل الله سبحانه العبد كالحر من كل وجه لا قدراً ولا شرعاً، وقد ضرب الله سبحانه لعباده الأمثال التي أخبر فيها بالتفاوت بين الحر والعبد وأنهم لا يرضون أن تساويهم عبيدهم في أرزاقهم فالله سبحانه وتعالى فضل بعض خلقه على بعض وفضل الأحرار على العبيد في الملك وأسبابه والقدرة على التصرف وجعل العبد مملوكاً والحر مالكاً ولا يستوي المالك والمملوك، وأما التسوية بينهما في أحكام الثواب والعقاب فذلك موجب العدل والإحسان فإنه يوم الجزاء لا يبقى هناك عبد وحر ولا مالك ولا مملوك).
هـ - حد القتل:
تقدم الكلام على الحكمة من تشريع حد القتل عموماً، فلا حاجة إلى الإعادة.
حكمة الاكتفاء بشاهدين دون الزنا:
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/65): (وأما اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزنا ففي غاية الحكمة والمصلحة، فإن الشارع احتاط للقصاص والدماء واحتاط لحد الزنا فلو لم يقبل في القتل إلا أربعة لضاعت الدماء وتواثب العادون وتجرؤا على القتل، وأما الزنا فإنه بالغ في ستره كما قدر الله ستره فاجتمع على ستره شرع الله وقدره فلم يقبل فيه إلا أربعة يصفون الفعل وصف مشاهدة ينتفي معها الاحتمال، وكذلك في الإقرار لم يكتف بأقل من أربع مرات حرصاً على ستر ما قدر الله ستره وكره إظهاره والتكلم به وتوعد من يحب إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة).
قلت: الصواب أنه لا يشترط أن يكون الإقرار أربع مرات، والله أعلم.
المبحث السابع: دعاوى المنفرين عن إقامة الحدود:
والمحاربون لإقامة الحدود لهم دعاوى كثيرة باطلة منها دعواهم أن إقامة الحدود لا تناسب مدنية هذا العصر.
قال الشيخ محمد خاطر "مفتي جمهورية مصر العربية" سابقاً وهو يرد على هذه الفرية: (وما لنا نذهب بعيداً في الرد على هؤلاء الذين يقولون: إن تنفيذ الحدود في العصر الحديث يتنافى مع مدنيتهم الكاذبة ولا يلائمها، ولا يأتي بالنتيجة المطلوبة، وأمام أعينهم من المشاهد الملموس المحسوس ما يقضي على كل ما يزعمون، فلقد نفذت المملكة العربية السعودية الحدود فاستقر الأمن واستتب، وأمن الناس على أموالهم وأعراضهم، وكلنا يعرف ما كان يلاقيه الحجيج قبل تنفيذ الحدود من ترويع وخوف واعتداء على النفس والمال، فما استقر إلا من بعد تنفيذها، وإنك لترى بعينيك أصحاب المتاجر والحوانيت يتركونها مفتحة الأبواب دون حراس، ويذهبون لأداء العبادة والصلاة وهم في غاية الاطمئنان.
ثم إن هذا الأمن في المملكة لم يحدث في مجتمع متقوقع انعزل بنفسه وأهله عن العالم والحضارة، بل بلغ في الحضارة شأواً مع الأمن والأمان).
[COLOR="DarkRed"]المبحث الثامن:[/COLOR] تشوق الغرب لهذه الحدود:
إن دعاة التنفير من إقامة الحدود لا يعتبرون من واقعهم الملموس في دولة المملكة العربية السعودية، فقد كانت الدول قبل تولي الملك عبد العزيز - رحمه الله - الحجاز ترسل مع رعاياها من الحجاج قوات مسلحة لتأمين سلامة الحجاج من الاعتداء عليهم، ومع ذلك لم تكن هذه القوات الخاصة ولا القوات الحجازية قادرة على إعادة الأمن، ووقف هذه العصابات عن جرائمها، ومنعها من قطع الطريق وسلب الحجاج وخطفهم والتمثيل بهم، حتى طبقت الشريعة الإسلامية وأقيمت الحدود على عهد الملك عبد العزيز، فتغير الوضع وساد الأمن في بلاد الحجاز وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين، وانتهى عهد الخطف والنهب والسلب وقطع الطريق، وأصبحت الجرائم التي كانت ترتكب في عهد الأشراف أخباراً تروى فلا يكاد يصدقها من لم يعاصرها أو يشهدها، فبعد أن كان الناس يسمعون أشنع الأخبار عن الإجرام في الحجاز، أصبحوا يسمعون أعجب الأخبار عن استتباب الأمن واستقرار النظام.
ومن هنا يكاد يتفق الناس في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وتفاوت مشاربهم على أن الأمن والاستقرار الذين تنعم بهما المملكة العربية السعودية كان نتيجة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتنفيذ أوامر الشرع الحنيف.
لقد أثبت تطبيق أحكام الشريعة في المملكة أثره الفعال، ودوره الإيجابي في استتباب الأمن واستقراره، وإشاعة الطمأنينة في النفوس، والحفاظ على الأخلاق والقيم، وحماية وحدة المجتمع، وهذه كلها أمور مشاهدة ومحسوسة وملموسة في المملكة.
إن هناك قصتين تدل على مدى تعطش الغرب للعقوبات الصارمة، وهاتان القصتان قد عاشهما الدكتور قاسم السامرائي وهو يعمل في جامعة لايدن منذ أكثر من عشرين سنة، وعمل فترات مختلفة في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم الثقافة الإسلامية.
القصة الأولى: ملخصها أن هذا الدكتور ذهب إلى محطة وقود لملأ خزان سيارته، فوجد العامل في المحطة مهموماً مغموماً، فسأله ما بك ؟ فقال له: (لقد جاءني اثنان قبل قليل وقيداني وأخذا كل ما في الصندوق) فقال له: (وما يحزنك وشركة التأمين تتكفل بدفع ما سُرِق، قال: (ليس هذا ما يهمني، ولكن لو وجد نظام عقوبات كما في السعودية لما أقدم هذان على فعلتهما).
أما القصة الثانية: فقد وقعت له في متجر لبيع الساعات، كان يقف في مكان من المتجر فسمع حواراً بين صاحب المحل وصديق له، وكان صاحب المحل يروي حادثة دخول بعض اللصوص وسرقة عدة ساعات ثمينة جداً، وتمنى لو طبق نظام العقوبات الذي يطبق في السعودية لوضع حد لهذه السرقات.
نقلاً عن كتاب "الغرب من الداخل".
فالغربيون أصبحوا غير مقتنعين بعقوبات القوانين الوضعية، فهي تعلم أن عقوبات القوانين الوضعية لم تمنع من وقوع الجريمة، فهي متشوفة إلى عقوبات أشد من هذه العقوبات.
1- وقد نشرت جريدة (الحياة) عدد (11729) 2 ذو القعدة 1415هـ (2 ابريل 1995م) أن نائبة بريطانية تطالب بجلد المجرمين، وأن تعرض هذه العقوبة خلال برنامج اليانصيب الذي يشاهده أكبر عدد من الجمهور.
2- وهناك مطالبات بإعادة تطبيق حد القتل في المجرمين، وقد عادت بالفعل في بعض الولايات الأمريكية، ولكن بعض الأصوات مازالت تعارض معاقبة المجرمين بما يستحقون.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 21:22   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الثالثة:
دعواهم أن الإسلام انتشر بالسيف:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه هي الحلقة الثالثة من حلقات (شبهات حول الإسلام) وفي هذه الحلقة نستعرض الرد على قولهم: إن الإسلام انتشر بالسيف، وهي شبهة متهافتة كما سيرى القارئ.
وللناس أقوال منحرفة في هذه المسألة:
الأول: من ينادي بحرية الاعتقاد على الإطلاق، وهؤلاء قسمان: قسم بعضهم محسوب على الإسلام وهم من المنبهرين بالحضارة الغربية، حيث زعموا أن هذه الآية: (لا إكراه في الدين) ناسخة لآيات جهاد الطلب، بل وناسخة لـ"حد الردة" على حد زعمهم، وأن الإسلام دعا إلى حرية الاعتقاد، ويستدلون بمثل قوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
وهم كثير اليوم على الفضائيات العربية وغيرها، تحت اسم "الباحث الإسلامي" و "المفكر الإسلامي" ولاسيما وقد انهزموا أمام القوانين الوضعية التي تكفل للكافر حق المواطنة كما يعيشها المسلم !!
وقسم آخر هم من المستشرقين، اندسوا بين المسلمين ساعين إلى أهداف خبيثة منها نزع كلمة الجهاد من قاموس المسلمين، حيث يدعون أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وإنما انتشر بالدعوة البريئة من كل قوة.
الثاني: من يقول إن الإسلام انتشر بقوة السيف: ويريد أن يوهم الآخرين أن الإسلام أجبر الناس على الدخول فيه، وهذا قول لبعض الغربيين الذين يفترون على الإسلام بكل ما يقدرون عليه من التهم والافتراءات، وقد دفعهم إلى هذا ما يرونه من الآيات الدالة على أن الإسلام حق، وأن محمد صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه، لأنهم رأوا أنه استطاع أن يجمع الجزيرة العربية بعد تفرقها وكثرة ضغائنها وأحقادها، ثم قامت على يديه الفتوحات العظيمة وبسرعة فائقة فقاموا يعللون هذه الفتوحات بأنه قامت بقوة السيف لا عن قناعة الناس.
وهناك قول ثالث هو أوسط الأقوال: وهم أهل الحق الذين ساروا على هدى الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح حيث قالوا: إن الإسلام لم يجبر أحداً على الدخول فيه بغير رضى واختيار منه، ولكن ليس معنى هذا أن الإسلام لا جهاد فيه، بل فيه جهاد تفتح به البلدان، غايته إخراج الناس من الظلمات من النور، وهدم معالم الطاغوت وقيام معالم التوحيد وقيام القسط والعدل بين الناس، ثم من شاء أن يدخل في الإسلام فهذا خير عظيم ومن لم يدخل فيقر على دينه بمعنى أنه يترك ولا يؤذى، ويعامل بما أمر به الإسلام من السماحة والرفق، ولكنه على خطر عظيم ولا نقول: إن له حق اختيار العقيدة التي يريدها لأن معنى هذه الكلمة هو أنه في دائرة المباح، فلا يستحق العقاب.
وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
الأول: الغاية من الجهاد في سبيل الله.
الثاني: الجهاد ليس للدفاع فقط.
الثالث: الفرق بين أدب الإسلام، وهمجية الكفار.
الرابع: تكذيب الشرع والواقع.
الخامس: الرد على ما يستدل به في هذا الموضع.
أسأل الله أن يكتب لهذه الحلقات القبول، وينفع بها الكاتب والقارئ في الدارين.
المبحث الأول: الغاية من الجهاد في سبيل الله:
لو ألقينا نظرة في تاريخ المجتمعات قبل الإسلام، لوجدناها كانت تعيش حالة رديئة، فالمجتمعات مظلمة بظلمات الشرك من عبادة الأوثان والأصنام، ومليئة بأنواع الظلم، مع ما تعانيه هذه المجتمعات من الجهل والفرقة.
فشرع الله الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته وإظهار دينه وعبادته وحده لا شريك له وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولن تتحقق هذه الغاية مع وجود الطواغيت الجاثمة على الصدور، كأهل الرئاسة والأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل.
قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله).
وفي الآية إشارة إلى فساد مجتمعاتهم من حيث الدنيا والدين، ففساد الدنيا حاصل بأكل الأموال، وفساد الدين حاصل بالصد عن سبيل الله،
فهؤلاء الطواغيت لهم مصالح عظيمة من بقاء أممهم على الكفر، فهم قطاع طريق ما بين الناس وربهم سبحانه، فشرع الله الجهاد لإزالة هذه الموانع وإزاحة هذه الطواغيت، ونقل العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة": (فهؤلاء الكفرة من الكبراء والأعيان يعرفون الحق وأن ما جاءت به الرسل هو الحق، ولكن تمنعهم الرئاسات والتسلط على العباد وظلم العباد والاستبداد بالخيرات يمنعهم ذلك من قبول الحق، لأنهم يعرفون أنهم إذا قبلوا صاروا أتباعاً وهم لا يرضون بذلك إنما يريدون أن يكونوا متبوعين ورؤساء ومتحكمين ومتسلطين، فالإسلام جاء ليحارب هؤلاء ويقضي عليهم ليقيم دولة صالحة بقيادة صالحة) أ.هـ
والخلاصة أن الإسلام جاء بالسيف لكسر الطواغيت، ولم يأت بالسيف لإجبار الناس على الإسلام.
المبحث الثاني: الجهاد ليس للدفاع فقط:
1- الجهاد ليس لدفع العدو فقط:
يقع الكثير من الدعاة في حبائل الكفار عندما ينفي فريضة جهاد الطلب، ويزعم أن الله إنما شرع الجهاد لدفع العدو فقط !! وهذا عين ما يريده أعداء الإسلام، إذ أنهم يثيرون مثل هذا الشيء لنزع لفظة (الجهاد) من قاموس المسلمين، أو على الأقل لتشكيكهم في شرعيته.
والحق أن الجهاد نوعان:
الأول: جهاد لدفع العدو، وهذا شيء جاءت به الشريعة بل دعت إليه الشرائع كلها، مع كونه مستقراً في النفوس ومعروفاً في قوانين الناس، إذ أن الأمم لا تنكر على من دفع العدو عن نفسه ورد الصائل عليه، بل هو معدود من كمال القوة وتمام الشجاعة0
والثاني: جهاد الطلب، وهذا هو الذي نتكلم عنه، وقد جاءت به الشريعة لغاية واحدة وهي إعلاء كلمة الله.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263): (فالمقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه، وهكذا قال الله تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب" فمن عدل عن الكتاب قوّم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف.
وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا - يعنى السيف - من عدل عن هذا - يعنى المصحف-) أ.هـ
وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية": (وبعثه الله تعالى بالكتاب الهادي والسيف الناصر بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه ...
فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والسنان، كلاهما في نصره أخوان شقيقان) أ.هـ
أقول: وأما استدلالهم بالآية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) فقد أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن ذلك فقال كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة": (قال بعض السلف في هذه الآية: "إنه أمر في هذه الآية بقتال من قاتله والكف عمن كف عنه"، وقال آخرون في هذه الآية: "إن هذه الآية ليس فيها ما يدل على هذا المعنى وإنما فيها أنه أمر بالقتال للذين يقاتلون أي من شأنهم أن يقاتلوا إلخ، ويصدوا عن سبيل الله وهم الرجال المكلفون القادرون على القتال بخلاف الذين ليس من شأنهم القتال كالنساء والصبيان والرهبان والعميان والزمناء وأشباههم فهؤلاء لا يقاتلون لأنهم ليسوا من أهل القتال.
وهذا التفسير كما سيأتي إن شاء الله تعالى أظهر وأوضح في معنى الآية، ولهذا قال بعدها بقليل: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" فعلم بذلك أنه أراد قتال الكفار لا من قاتل فقط) أ.هـ
2- الإسلام والسيف:
وقولنا: إن الإسلام لم يكره أحداً على الدخول فيه ليس معناه نفي السيف وتعطيله مطلقاً، و ليس معناه أن الشرع لم يأت بالسيف، بل جاء الشرع بالسيف ليقوم الدين ويعبد الله وحده.
1- قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (10/12): (فذكر تعالى أنه أنزل الكتاب والميزان وأنه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط، وليعلم الله من ينصره ورسله ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر "وكفى بربك هادياً ونصيراً").
وقال كما في "مجموع الفتاوى"(28/232): (فأخبر أنه أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنه أنزل الحديد كما ذكره، فقوام الدين بالكتاب الهادي والسيف الناصر "وكفى بربك هادياً ونصيراً"، والكتاب هو الأصل، ولهذا أول ما بعث الله رسوله أنزل عليه الكتاب، ومكث بمكة لم يأمره بالسيف حتى هاجر وصار له أعوان على الجهاد).
2- وقد روى أحمد في "مسنده" ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم).
والحديث قد حسنه شيخ الإسلام والحافط العراقي والحافظ ابن حجر والشيخ الألباني رحمة الله عليهم جميعاً.
قال الشيخ الألباني في "إرواء الغليل": (قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات غير ابن ثوبان هذا ففيه خلاف وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق يخطئ وتغير بآخره") أ.هـ
3- استدلال خاطئ ومناقشته:
وهناك من يرى أن معنى لا إكراه في الدين أن الدين يدعو إلى حرية العقيدة، فيستدل على ذلك بأن القرآن خيّر الناس بين الكفر والإيمان وأن لكل واحد من الناس الحق في اختيار الطريق الذي يريده ويحتج بقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) !! حتى قال بعضهم: إن الآية نص في أن من اختار الإيمان فله اختياره، ومن اختار الكفر فله اختياره فلا إكراه.
وهذا الاستدلال غلط لأن الآية سيقت مساق التهديد لا مساق التخيير والإباحة، ويدل على المعنى الذي ذكرناه قوله: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها).
نعم شريعة الإسلام في الدنيا تأمر بإقرار الكافر على ما هو عليه إذا دفع الجزية أو عاهد المسلمين، ونعني بإقراره أي: بتركه دون التعرض له كما هو تعبير الفقهاء، لكن هناك فرق بين أن يقال: إن القرآن أعطى الحق في اختيار العقيدة ويستدل بالآية على ذلك، وبين أن يقال: إن الشريعة أمرت بترك الكافر إذا دفع الجزية.
المبحث الثالث: الفرق بين أدب الإسلام، وهمجية الكفار:
1- الفرق بين ديننا وبينهم في الوسيلة والغاية:
الذي يقارن بين أدب الإسلام وهمجية الكفار – ولا مقارنة – يجد الفروق الكثيرة والعظيمة بين الأمرين، كالفرق بين الظلمات والنور، والظل والحرور، ونلخصها في وجهين لعل الله أن يبصر المتأثرين ببريق الغرب الكاذب فنقول وبالله التوفيق:
1- الغاية:
فالكفار إذا قاتلوا فغاية قتالهم هي في الغالب مطامع دنيوية، فهذه الدول العظمى ما قامت مجتمعاتها، ونهضت حضارتها، إلا على أنقاض دول وشعوب أخرى، غزتها وأعملت فيها السلاح مستغلة تأخرها المادي وفقرها الشديد، فبسطت على أراضيها ونهبت ثرواتها وخيراتها من الذهب والبترول والمعادن وأنواع الكنوز، وصدرتها إلى دولها البعيدة.
فما تراه من تطور وتحضر في الدول الغربية فإنه إنما بني على أنقاض وجثث ودماء وأشلاء، واعتداء على حقوق كثيرة من الأموال والثروات.
في الوقت الذي تعتبر فيه غاية الجهاد الوحيدة في الإسلام هي إعلاء كلمة ونصرة دينه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور كما قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) والفتنة هنا هي الشرك، أي: قاتلوهم حتى لا يوجد شرك، وإذا كانت غاية الجهاد هي تطهير المجتمعات من مظاهر الشرك والخرافة ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده فلا شك أن هذه غاية عظيمة وهي رأس الحق العدل.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) رواه الشيخان.
وما يحصل من عشوائية من قتل وتدمير وسفك للدماء باسم "الجهاد" !! فهو انحراف مرفوض في ديننا وشريعتنا، ولا يضر الإسلام أن هؤلاء الظالمين لأنفسهم ينسبونه للإسلام، فقد بين العلماء وحذروا من ذلك بما يكفي، فلا يحق لأحد أن ينسب هذه الأفعال إلى الإسلام، مع أن هذه الأشياء بالنسبة إلى جرائم هؤلاء الكفار شيء لا يذكر.
2- الوسيلة:
فالكفار قد استخدموا كل وسيلة ليصلوا إلى غاياتهم ومقاصدهم الدنيئة، فاستخدموا القتل والتشريد وانتهاك الأعراض وسَجْن الأبرياء ومداهمة البيوت وتخويف الصبيان والنساء والشيوخ، واستخدموا أنواع التعذيب وإبادة كل من يقف في طريقهم، دون التفريق بين الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والقادر والعاجز، ولم يفرقوا بين الأشهر الحرم وغيرها، ولم يفرقوا بين شهر صيام المسلمين وغيره.
2- شيء يسير من التاريخ الأسود للغرب:
1- ويقول ابن الأثير في "الكامل": (خلال ثلاثة أيام أعملت الفرنجة السيف في المسلمين فقتلت أكثر من مائة ألف شخص، كانت تطرح جثثهم في الخنادق بعد أن مثلوا بها، والتهموا جزءاً منها بشراهة هذا بالإضافة إلى أعداد الأسرى).
2- ويصف ابن الأثير في "الكامل" الاستيلاء على القدس فيقول: (ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين، وقتل الفرنج في المسجد الأقصى ما يزيد على السبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان وجاور ذلك الموضع الشريف، ثم بدأ النهب والسلب).
3- يقول الفرنسي جان كلود جويبو في كتابه "على خطى الصليبيين": (تحت ضغط الحجاج قرر رايموند دي سال جيل بدءً من 23 نوفمبر محاصرة "معرة النعمان" بسوريا كان الحصار طويلاً صعباً لكن الصليبيين أفلحوا في الاستيلاء على المدينة وذبحوا سكانها).
4- ويذكر الكثيرون ماذا فعل ريتشارد قلب الأسد في الحملة الصليبية الثالثة عند احتلاله لمدينة "عكا" بأسرى المسلمين فقد ذبح 2700 أسير من أسرى المسلمين الذين كانوا في حامية "عكا" وقد لقيت زوجات وأطفال الأسرى مصرعهم إلى جوارهم.
5- أما المسيحيون الأسبان فكانوا إذا دخلوا بلداً يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم، كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء, ثم يخبطون رأسه بالصخر أو بجذوع الشجر, أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون، وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه, ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد، وكانوا يقتلون الطفل ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه وقدميه قائلين: أنها أشهى لحم الإنسان.
6- وكان الأسبان باسم الدين المسيحي - الذي يبرأ منه المسيح عليه السلام - يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين ألقوا سلاحهم وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم وحرماتهم، لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب والتنكيل والقهر والفتك طوال مائة سنة.
7- أما فاسكو دي جاما فقد ضرب "كلكتا" - من مدن الهند - بالقنابل حينما تبين له أن أهلها كانوا مسلمين، كما أمر بإحراق مجموعة من السفن التجارية الإسلامية كانت محملة بالأرز، وقطع أيدي وآذان وأنوف بحَّارتها.
8- كما أغرق فاسكو دي جاما سفينة فى خليج عُمان تنقل الحجاج من الهند إلى مكة وعلى ظهرها مائة حاج حيث أعدمهم جميعاً.
9- حاول ماجلان سنة 1519م تنصير أهل الجزر من المسلمين، وحينما فشل فى مهمته لتمسك أهلها المسلمين بالإسلام أحرق مساكنهم ومثل بهم، وقد أطلق على هذه الجزر التى أشهرها مندناوا، اسم الفليبين (نسبة إلى فيليب الثاني ملك أسبانيا).
10- وسار الكابتن هنس البريطاني على نفس المنوال في احتلاله فقط لمدينة عدن في اليمن، دع عنك ما فعله البريطانيون بعد ذلك طوال سني احتلالهم، بل زور الكابتن هنس وثيقة مكذوبة على سلطان عدن ولحج وهو السلطان العبدلي فزعم أن العبدلي باعه أرض عدن، وهذا كذب كما حققه د/ القاسمي في كتابه حول هذا الموضوع.
فدخل مدينة عدن فقتل أهلها من الصيادين وغيرهم وعاثوا في الأرض فساداً، ولم يخرجوا إلا بعد قرابة مائة وثلاثين عاماً.
11- أما عن جرائم انجلترا وفرنسا وهولندا والدانمارك وألمانيا وإيطاليا فى البلاد الإسلامية التى اغتصبوها فحدِّث ولا حرج.
12- ناهيك عن اختطاف المسلمين الأفارقة وبيعهم لخدمة البيض فى المستعمرات التابعة لهم، الذى يبلغ عدد من نقل منهم إلى أمريكا فقط بأكثر من مليونين وثلث مليون، تبعا لتقدير أحد المؤرخين البرتغاليين.
13- فهذا النقيب الفرنسي "دي ليل" يحكى أهوال غرف التعذيب التى عثروا عليها فى أحد الأديرة: (رأينا غرفاً صغيرة فى حجم جسم الانسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدوداً بها حتى يموت. وتبقى الجثث فى السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم وتأكله الديدان، ولكى تُصرَف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي، وقد عثرنا فى هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت فى أغلالها.
ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشرى، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجياً، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوق، والدماء الممزوجة باللحم المفروم.
14- وقد صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في شهر ديسمبر لسنة 1992 بشأن جرائم الصرب في البوسنة والهرسك: (إنني لا أرضى على ما يحدث فى البوسنة من جرائم بشعة، لكنني لن أسمح بأن تكون البوسنة دولة إسلامية فى قلب أوروبا).
15- وفي أيامنا هذه قد نقلت وسائل الإعلام العالمية ما يفعله الجيش الأمريكي في العراق من الجرائم والعنف والوحشية، فقد استخدم الأسلحة الممنوعة فيما يسمى بـ"حرب المطار" واستخدم الفوسفور الأبيض في مداهمته للفلوجة، وفعل بالمساجين في سجن أبي غريب ما عرفه العالم كله من أنواع التعذيب، واعتدى على النساء العراقيات بأنواع من الاغتصاب والاعتداء كما صورته الصحف العالمية.
16- وكذلك ما يفعله اليهود في فلسطين طوال هذه السنين الطويلة، فقد ارتكبوا المجازر في المخيمات وقصفوا المدن بأكملها وهدموا المنازل وقتلوا الأبرياء، وآخرها ما حدث من اعتداء مجرم على المسلمين في غزة بما لم يشهد له التاريخ مثيلاً إلا في النادر.
ثم العجيب أنهم بعد كل هذا يأتون ليثيروا على الإسلام هذه الشنشنة المعروفة، بل ولا يستحيون من الكلام على الإرهاب والعنف !! فيالها من مهزلة وياله من استخفاف بعقول الناس.
ولما هدم بعض الأفغان صنماً كبيراً في أفغانستان قامت الدنيا وما قعدت وتكلمت عنه الصحف وتحدثت عنه القنوات تعاطفاً مع هذه الحجر الجامد بحجة أنه من التراث، ولم يظهروا أي تعاطف مع قضية المسلمين الضعفاء في غزة فقاتل الله مدنية الغرب الزائفة !!
17- وفي عام 1992م وبمناسبة مرور 500 عام على اكتشاف أمريكا واستعمارها، زار "البابا يوحنا بولس الثاني" جنوب أمريكا، فقوبل بمظاهرات دامية مندّدة وبتحطيم تماثيل قادة المستكشفين والقديسين، لأنهم فعلوا في أمريكا ما لا يخفى.
18- وما محاكم التفتيش التي جرت بعد ذلك على سمع وبصر العالم كله لمسلمي الأندلس بخافية على أحد؛ ويكفي كي يعرف المرء الفرق في التعامل بيننا وبينهم؛ أن يعلم أن الملكة إيزابيلا قد أصدرت عام (1502م) مرسوماً يخيّر جميع الأندلسيين بين التنصير أو الرحيل !! ومن لم يرض بهذا أو بذاك، نال مصيره المحتوم الذي سمعت به الدنيا كلها ولم يخف على أحد.
3- ما يفعلونه من الجرائم إنما هو باسم الدين المسيحي:
1- هذا ما اغتصبه المحتل الأوروبى باسم الدين المسيحي، ولقد أكد ملك إسبانيا ذلك أمام البابا قائلاً: "إن إسبانيا قد جندت نفسها لحرب المسلمين فى أفريقيا حرباً لا تنفك عنها حتى تغرس الصليب فى ديار المسلمين وتجعل أتباع محمد يخضعون له قهراً".
2- ويقول أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط فى وزارة الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى سنة 1967: (يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية).
3- وقد صرح جورج بوش الابن بنحو هذه العبارة في أثناء رئاسته لأمريكا قبيل احتلاله لأفغانستان.
وكل ما تقدم إنما هو قطرة من جرائم هؤلاء المجرمين في حق البشرية عموماً، وفي حق الإسلام خصوصاً.
4- الأدلة على أدب الإسلام:
لابد بعد هذه الجولة من عقد مقارنة ولو سريعة بين هذه الهمجية التي سار عليها الغربيون في حروبهم، وبين أدب الإسلام، ليستبين الجاهل والمنبهر بحضارة الغرب الفرق بين الأمرين.
فوسيلة الإسلام في الجهاد هي كما يلي:
1- الدعوة إلى الإسلام أولاً وقبل كل شيء، فإن رفضوا الإسلام فالجزية، فإن رفضوا الجزية فالقتال.
2- مقاتلة من يقاتل فقط، وترك الراهب في صومعته، والمرأة والشيخ الكبير وغيرهم ممن لم يقاتل.
3- عدم التمثيل بالجثث إلا على سبيل المقابلة على أحد قولي الفقهاء.
4- ترك انتهاب الأموال من الغنائم، والغلول منها حتى تقسم بالعدل.
5- عدم تحريق البيوت والأشجار ونحو ذلك إلا في حالات خاصة.
6- قبول الجزية منهم إن أرادوا ذلك، وهذا فيه دليل على أن الإسلام لا يجبر أحداً بالدخول فيه، بل فيه إعطاء فرصة عظيمة لهذا الكافر ليدرس الإسلام عن قرب، ويتأمل في محاسنه ومصالحه، فلعله يدخل في الإسلام عن قناعة.
دلت على ذلك عدة أدلة منها:
1- ففي "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان).
2- وما رواه مسلم في "صحيحه" عن بريدة قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا).
قال النووي في "شرح مسلم": (وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي: تحريم الغدر وتحريم الغلول وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة).
3- وروى ابن ماجه في "السنن" عن حنظلة الكاتب قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس فأفرجوا له فقال: "ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل" ثم قال لرجل: "انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرك يقول: لا تقتلن ذرية ولا عسيفاً").
والحديث حسنه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (701) و"صحيح أبي داود" برقم: (2395).
والعسيف: الأجير.
4- وفي العهدة العمرية عهد عمر مع نصارى القدس ونصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء (وهي القدس) من الأمان أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها، أنّه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيّزها، ولا من صليبهم، ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم .. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله، وذمة الخلفاء، وذمة المسلمين).
ذكره ابن جرير الطبري في تاريخ "الأمم والملوك".
5- أدب المسلمين:
1- اعترف المؤرخ جوستاف لوبون بتسامح صلاح الدين وعدله فقال: (وتم طرد الصليبيين من القدس على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي، ولم يشأ صلاح الدين أن يفعل فى الصليبيين مثل ما فعله الأولون من ضروب التوحش فيبيد النصارى عن بكرة أبيهم، فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعاً سلب شىء منهم).
2- وأشار المؤرخ "أيوركا" بما لقيه الصليبيون من حسن معاملة صلاح الدين لهم يوم فتح القدس، فقال: (لقد أظهر الجند المسلمون الذين رافقوا المطرودين من أهل الصليب شفقة مؤثرة، ولاسيما على النساء والأطفال، ولا يوجد دليل على ذلك أكبر من تهديد صلاح الدين لأصحاب السفن من رعايا الجمهوريات الإيطالية لنقل هؤلاء البائسين من الصليبيين).
3- ولما علم صلاح الدين بمرض خصمه ريتشارد قلب الأسد، وبأنه بحاجة إلى بعض الفاكهة والثلج، فبعث إليه صلاح الدين بحاجته، وأرفقها بالدواء والشراب، ولم يكد ريتشارد يشفى من مرضه حتى عاد مرة أخرى إلى قتال صلاح الدين !!
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/85): (إن المسلمين لم يفتحوا البلدان إلا بعد أن فتحوا القلوب أولاً بالدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه بالقول وبالفعل) أ.هـ
المبحث الرابع: تكذيب الشرع والواقع:
1- تكذيب الشرع والواقع لهذه الدعوى:
دعواهم أن الإسلام انتشر بالسيف شيء يكذبه الشرع والواقع الملموس بل وشهادة الكفار أنفسهم.
أولاً تكذيب الشرع:
وفي ذلك عدة أدلة تدل عل ما ذكرناه، منها:
1- قوله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
قال ابن كثير: (أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بيّنه، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً) أ.هـ
ونحب أن نبين أن قتل المرتد ليس داخلاً في الآية لأن بين الأمرين فرقاً، فقد ذكر الطاهر بن عاشور في "تفسيره" أن حكمة تشريع قتل المرتد - مع أن الكافر أصلاً لا يقتل - هو أن المرتد بخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه ينادي على أنه خالط هذا الدين فوجده غير صالح فهذا تعريض بالدين واستخفاف به، ففيه تمهيد طريق لمن يريد أن ينسل من هذا الدين وذلك يفضي إلى انحلال الجامعة، فلو لم يجعل لذلك زاجر ما انزجر الناس ولا نجد شيئا زاجرا مثل توقع الموت، فلذلك جعل الموت هو العقوبة للمرتد حتى لا يدخل أحد في الدين إلا على بصيرة، وحتى لا يخرج منه أحد بعد الدخول فيه، وليس هذا من الإكراه في الدين المنفي بقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) على القول بأنها غير منسوخة، لأن الإكراه في الدين هو إكراه الناس على الخروج من أديانهم والدخول في الإسلام وأما هذا فهو من الإكراه على البقاء في الإسلام.
2- قوله تعالى عن نوح أنه قال لقومه: (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون).
3- وقال تعالى : (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره": (والاستفهام في "أفأنت تكره الناس" إنكاري، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لحرصه على إيمان أهل مكة وحثيث سعيه لذلك بكل وسيلة صالحة، منزلة من يحاول إكراههم على الإيمان حتى ترتب على ذلك التنزيل إنكاره عليه).
4- قوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن).
والشاهد أن الله أمر بدعوة أهل الكتاب بالتي هي أحسن ليدخلوا عن قناعة.
5- وثمامة بن أثال الحنفي من بني حنيفة أسره المسلمون وهم لا يعرفونه، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه وأكرمه وأبقاه عنده ثلاثة أيام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضاً كريماً فيأبى ويقول: (إن تسأل مالاً تُعطه، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ، وإن تنعم تنعم على شاكر، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أطلق سراحه).
تأثر ثمامة بهذه السماحة وهذه المعاملة الكريمة فذهب واغتسل، ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً مختاراً وقال له: يا محمد، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلىّ، والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلىَّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إلي، ثم أسلم بإسلامه كثير من قومه، وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه سروراً عظيماً، ولما ارتد كثير من قومه مع مسيلمة لم يرتد ثمامة بن أثال مع قومه بل ظل ثابتاً لأنه دخل عن قناعة.
ولم يقف أثر تسامح النبي صلى الله عليه وسلم في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه، فقد ذهب مكة معتمراً فهمَّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة، فآلى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئاً من الحبوب حتى يأذن محمد صلى الله عليه وسلم) والقصة إلى هنا في "الصحيحين".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (زاد ابن هشام: "ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلى بينهم وبين الحمل إليهم") أ.هـ
6- أسلم المهاجرون والأنصار قبل نزول آيات الجهاد بوقت كثير لأن الجهاد شرع في المدينة ولم يشرع في مكة، وآيات الأمر بالجهاد كلها مدنية، فدل على أن إسلامهم كان عن قناعة.
بل وأسلم بعض الناس باختيارهم دون أن تفتح بلادهم ودون أن يدخلها المجاهدون في سبيل الله كأهل اليمن كما هو معلوم ومعروف.
ثانياً تكذيب الواقع:
ومن نظر إلى واقع الناس اليوم يرى كذب هذه الدعوى ويدل على ذلك أمور:
1- أننا نجد الكثير من الناس من يدخل في الإسلام اليوم مع عدم وجود الجهاد الشرعي الصحيح، ولاسيما الذين أسلموا في بلاد الكفر اليوم - ومنها أوروبا وأمريكا – فإنهم يدخلون في دين الله أفواجاً، لما يرون فيه من محاسن عظيمة، وعقيدة سهلة صحيحة، ودين يحل مشاكلهم، ويجيب على إشكالاتهم المحيرة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في الأديان الأخرى، حتى اعترف الرئيس الأمريكي السابق "بل كلينتون" بأن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا من أقوى المؤكدات على أن الناس يدخلون في دين الإسلام عن قناعة ودراسة لجوانب الإسلام وحباً لمحاسنه.
2- أن كثيراً ممن أسلم صرح مبيناً سبب إسلامه، فقد ذكر بعضهم أن السبب أنه وجد القرآن ينهى عن كل قبيح ويأمر بكل جميل، وآخر ذكر أنه تأثر بقصة عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلقاء، وآخر يقول: إن الحقائق العلمية العصرية قد دل عليها القرآن قبل كذا وكذا عام، إلى غير ذلك من القصص.
3- لو كان الإسلام انتشر بالسيف لما بقي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أناس متمسكون بهذا الدين في أنفسهم ويعلمونه أبناءهم إلى يومنا هذا، فقد مرت بهم ظروف قاسية ومحن شديدة وقرون كثيرة وهم ثابتون على دينهم، ولو دخلوا في الإسلام بإكراه لكانت هناك فرصة للإنسلاخ من هذا الدين والتخلص منه، لكنهم دخلوا عن قناعة فصبروا عليه، وضربوا أروع الأمثلة في الثبات على الدين مما يدل على أنهم راغبون فيه ومحبون له.
4- لو كان الإسلام قد انتشر بالسيف، ودخل الناس في الإسلام عن طريق الإجبار لاعتناقه، لما بقي كتابي واحد في أرض الإسلام قديماً ولا حديثاً في مختلف أقطار الشرق، وإن وجود هذه الأقليات الكتابية وغيرهم في مجتمعات المسلمين وهي تنعم بالرخاء والثراء لأكبر دليل على سقوط هذا الدعوى.
5- إن بعض الفتوحات التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده رضي الله عنهم تدل على أن الجيوش التي خرجت من المدينة خرجت هادية للناس وداعية إلى دين الله وناشرة له، وليست جيوش تخرج لاحتلال بلاد وإجبار أهلها على دخول دين لا يرغبون فيه لأنها قليلة في كثير من الأحيان، وغالباً ما تدخل البلاد بعد عودتها من بلاد أخرى منهكة القوى ومتعبة في نفسها.
ثالثاً شهادة الكفار وآخرين من غيرهم:
1- يقول شارلكن: (إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وأنهم مع امتشاقهم السيف نشراً لدينهم، تركوا من لم يرغبوا فيه أحراراً فى التمسك بتعاليمهم الدينية).
2- ويستشهد الدكتور أ. س. ترتون مؤلف "أهل الذمة فى الإسلام" بشهادة البطريرك النصراني (عيشويابه): (إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا بأعداء للنصرانية بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قديسينا وقسيسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا).
3- يقول المؤرخ الشهير (ولز) فى صدد بحثه عن تعاليم الإسلام: (إنها أسست فى العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ فى الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة، ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما غمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي عما فى أية جماعة أخرى سبقتها ...... إنه مليء بروح الرفق والسماحة والأخوة).
5- ويقول (رينو) فى كتابه تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط: (إن المسلمين فى مدن الأندلس كانوا يعاملون النصارى بالحسنى، كما أن النصارى كانوا يراعون شعور المسلمين فيخنتون أولادهم ولا يأكلون لحم الخنزير).
6- ويقول (أرنولد) وهو يتحدث عن المذاهب الدينية بين الطوائف المسيحية: (ولكن مبادئ التسامح الإسلامي حرَّمت مثل هذه الأعمال التى تنطوي على الظلم، بل كان المسلمون على خلاف غيرهم، إذ يظهر لنا أنهم لم يألوا جهداً فى أن يعاملوا كل رعاياهم من المسيحيين بالعدل والقسطاس، مثال ذلك: أنه بعد فتح مصر استغل اليعاقبة فرصة إقصاء السلطات البيزنطية ليسلبوا الأرثوذكس كنائسهم، ولكن المسلمين أعادوها أخيراً إلى أصحابها الشرعيين بعد أن دلَّلَ الأرثوذكس على ملكهم لها).
7- ويقول كاتب غربي كبير هو "توماس كارليل" صاحب "كتاب الأبطال" ترجمه الكاتب الصحفى أنيس منصور تحت عنوان: "العظماء مائة أعظمهم محمد" فإنه اتخذ نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام مثلاً لبطولة النبوة، فقال ما معناه: (إن اتهامه - أي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم، إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ويستجيبون له، فإذا آمن به من لا يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها).
من كتاب "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" للعقاد.
8- الدكتور نبيل لوقا بباوي الذى أصدر مؤخرًا دراسة تحت عنوان : "انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء" رد فيها على الذين يتهمون الإسلام بأنه انتشر بحد السيف وأجبر الناس على الدخول فيه واعتناقه بالقوة.
9- ذكر المؤرخ النصراني "فيليب فارج" والمؤرخ "يوسف كرباج" في كتاب "المسيحيون في التاريخ الإسلامي العربي والتركي" (ص 25، 46، 47) أن عدد سكان النصارى واليهود في مصر إبان خلافة معاوية حوالي 2500.000 نسمة، وبعد نصف قرن أسلم نصف هذا العدد في عهد هارون الرشيد بسبب عدالة وسماحة الإسلام.
10- تقول بوجينا غيانا ستشيجفسكا المستشرقة البولونية في كتابها "تاريخ التشريع الإسلامي":
(ومع هذا فلما انتصر عليهم يوم فتح مكة عفا عنهم وأحسن إليهم، ولذلك أحبوه وأسلموا طواعية واختيارا، والقول أن الإسلام انتشر بالسيف كلام يكذبه التاريخ ويكذبه الواقع).
11- يقول د. مراد هوقمان فى كتابه: "الإسلام عام 2000": (ولكن حتى اليوم - لحفظ ماء الوجه - يُصر العالم الغربي على الأسطورة التى اخترعها، أن الإسلام انتشر بالسيف والنار)
ثم قال: (ويعجب المرء أشد العجب من استمرار تلك الأسطورة حتى اليوم، حيث المسلمون مستضعفون فى مشارق الأرض ومغاربها، ومع هذا يزيد تمسكهم بالإسلام فى بلاد مثل كشمير والبوسنة والهرسك وشيشان وغيرها، بل ويدخل الآلاف الأمريكيون والأوروبيون فى الإسلام سنوياً، ناهيك عن البلاد التى دخلت الإسلام بأكملها دون أن يصلها جندي مسلم واحد!!. ومثال ذلك أندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين، فيها عدد من المسلمين يتجاوز المسلمين العرب، كذلك كل إفريقيا المسلمة إذا استثنينا شمال إفريقيا) أ.هـ
2- لو فرضنا أن الدين انتشر بالسيف لم يكن في هذا عيب لأنه لمصلحة البشرية:
غاية الجهاد هي تطهير المجتمعات من مظاهر الشرك والخرافة ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده وليقوم الناس فيما بينهم بالقسط والعدل، وهذه غاية عظيمة وهي رأس الحق العدل وهي لمصلحة البشرية كلها.
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (ما رأيكم في قول من قال: إن الإسلام انتشر بالسيف، ونريد أن نرد عليهم رداً منطقيا ؟
فقال: هذا القول على إطلاقه باطل، فالإسلام انتشر بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأيد بالسيف، فالنبي صلى الله عليه ويسلم بلغه بالدعوة بمكة ثلاثة عشر عاماً ثم في المدينة قبل أن يؤمر بالقتال، والصحابة والمسلمون انتشروا في الأرض ودعوا إلى الله ومن أبى جاهدوه لأن السيف منفذ، قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فمن أبى قاتلوه لمصلحته ونجاته، كما يجب إلزام من عليه حق لمخلوق بأداء الحق الذي عليه ولو بالسجن أو الضرب، ولا يعتبر مظلوما فكيف يستنكر أو يستغرب إلزام من عليه حق لله بأداء حقه فكيف بأعظم الحقوق وأوجبها وهو توحيد الله سبحانه وترك الإشراك به، ومن رحمة الله سبحانه أن شرع الجهاد للمشركين وقتالهم حتى يعبدوا الله وحده ويتركوا عبادة ما سواه، وفي ذلك سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة. والله الموفق) أ.هـ
المبحث الخامس: الرد على ما يستدل به في هذا الموضع:
استدل هؤلاء على دعواهم أو استدل لهم من تأثر بقولهم بأن الإسلام انتشر بالسيف ببعض الأدلة، فنحن نذكرها ونبين الجواب عن هذه الاستدلالات.
استدلالهم على ذلك بحديث: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف" وفي الحديث كذلك: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي):
هذا الحديث صحيح كما تقدم، وليس فيه ما يدل على ما ذكروه لا من قريب ولا من بعيد، وإنما غاية ما يدل عليه هو أن الإسلام يدعو إلى الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمة، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) فليس فيه أن الاسلام أجبر الناس على الدخول فيه من غير أي شيء يدل على رضاهم، وإنما فيه إثبات الجهاد وأن الله أباح الغنائم لأمة الإسلام، فهي لهم حلال بخلاف الأمم السابقة.
استدلالهم بحديث: "جئتكم بالذبح":
روى أحمد في "المسند" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما كانت تظهر من عداوته قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا، قال فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفاً بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال: فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فقال: تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وصاه قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم انصرف راشداً فوالله ما كنت جهولاً قال: فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون له أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه قال وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول وهو يبكى (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط).
وسنده حسن وقد صححه ابن حبان فرواه في "صحيحه" وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح موارد الظمآن" و"صحيح السيرة" وأحمد شاكر في "تحقيق المسند".
وتوجيه الحديث هو أن يقال: إن هذه الكلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قالها بعد أن استهزؤوا به ثلاثاً وهم جلوس في الحجر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، وبعد أن وجد منهم العناء الشديد، فمقولته صلى الله عليه وسلم هذه إنما قالها على أنها عقوبة من الله لا ليدخلهم في الدين بالإكراه وقد خاطبهم صلى الله عليه باللين واللطف بما فيه الكفاية، والسياسة تقتضي أن تتغير اللهجة فتارة تكون لهجة فيها لين وتارة تكون لهجة شديدة كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم).
قال ابن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة": (فذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو:
1- فإنه إما أن يكون طالباً للحق راغباً فيه محباً له مؤثراً له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة ولا جدال.
2- وإما أن يكون معرضاً مشتغلاً بضد الحق ولكن لو عرفه لآثره واتبعه، فهذا يحتاج مع الحكمة إلى الموعظة بالترغيب والترهيب.
3- وإما أن يكون معانداً معارضاً فهذا يجادل بالتي هي أحسن فإن رجع إلى الحق وإلا انتقل معه من الجدال إلى الجلاد) أ.هـ
وقيل: إنه قالها بعد أن أطلعه الله على ما سيكون من مصارعهم، وقد ثبت عنه أنه قد أخبر بمصارع القوم في غير هذه المناسبة.
ولقد قال بعضهم: إنه يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها لهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب بل هم وثنيون والوثنيون لا يخيرون ما بين القتال والجزية على قول للفقهاء، بل يلزمون بالإسلام أو القتال، ولكن هذا القول غير مقبول عند من يرى أنه لا فرق بين الكتابيين والوثنيين فكلهم تقبل منهم الجزية وهو الصحيح.
استدلالهم بأن "النبي خطب على معتمداً على سيف":
قال ابن القيم في "زاد المعاد": (ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف وهذا جهل قبيح من وجهين:
أحدهما: أن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس.
الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف) أ.هـ










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 21:32   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الرابعة:
أن الإسلام ضد حرية الرأي

وهذه الحلقة تتكون من عدة مباحث:
[COLOR="DarkRed"]المبحث الأول:[/COLOR] حقيقة حرية الرأي.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة.
المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الرأي.
المبحث الرابع: الرقابة على وسائل الإعلام ومنها الصحافة.

المبحث الأول: حقيقة حرية الرأي:
1- احترام الإسلام للرأي:
إن الإسلام يرحب بكل الآراء التي تخدم المجتمع وتدفعه نحو تحقيق الغاية التي خلق لها والتي هي سبب سعادته ونجاته، لا الآراء التي هي محض زبالة الأذهان ولا خير فيها سوى التنقص من الشرائع والتعدي على الأعراض.
ومما يدل على أن الإسلام أعطى الحق في إبداء الرأي أشياء منها:
الأول: حق نقد الخطأ وهذا أمر مجمع عليه وقد حكى الإجماع غير واحد، ولا شك أن شرط هذا النقد ثبوت الخطأ ببراهين قوية عند المنتقد، ثم العلم بما ينتقده.
الثاني: النصح لكل إنسان، وتوجيهه إلى ما فيه الخير له في الدنيا والآخرة.
الثالث: رأي المختصين في اختصاصهم كالعالم في بابه وكذلك الطبيب والمهني وغيرهما، بحيث يقوم كل شخص بإثراء الفن الذي هو مشتغل به وخدمة المجتمع ونفع الناس.
الرابع: الحق في اختيار الإنسان الشيء الذي يريده في كثير من الأبواب بشروطه الخاصة، كاختيار الزوجة والوظيفة المناسبة له ونحو ذلك.
الخامس: الحق في رفض أي شيء لا يريده الإنسان ولا يرغب فيه كذلك بشروطه.
السادس: مبدأ الشورى الذي تميز به الإسلام، فهو من أوضح البراهين على أن الإسلام يحترم الآراء وأنه لا دكتاتورية فيه.
إلى غير ذلك من البراهين الدالة على ما ذكرنا، ويرى القارئ أن بعض هذه الأمور المذكورة تعتبر من الواجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشورى وحق نقد الأخطاء والنصح، فهذا يدل على أن الرأي له مكانته في الإسلام لكن بالقيود الشرعية.
2- ليس كل الآراء مقبولة في الإسلام:
ولكن ينبغي أن يعرف أن هذه الآراء مهما كانت منازل أصحابها فهي عرضة للخطأ والانحراف، فلا بد إذاً من التقيد بقيود الشريعة ليضمن المجتمع السلامة من مخاطر الآراء وآفاتها.
1- قال الله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم).
أي: أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم لكم من رأيكم، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، وعبارات المفسرين تدور حول هذا، فالله تعالى قد أبدل الصحابة بالإتباع الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الطريق الذي أنعم الله به عليهم هو طريق الرشاد والسداد، ولو ابتلوا بكثرة الآراء لكان فيه مشقة عظيمة عليهم.
- قال ابن جزي في تفسيره المسمى بـ"التسهيل": (أي لشقيتم والعنت المشقة، وإنما قال: لو يطيعكم ولم يقل لو أطاعكم، للدلالة على أنهم كانوا يريدون استمرار طاعته عليه الصلاة والسلام لهم والحق خلاف ذلك، وإنما الواجب أن يطيعوه هم لا أن يطيعهم هو، وذلك أن رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأصوب من رأي غيره، ولو أطاع الناس في رأيهم لهلكوا، فالواجب عليهم الانقياد إليه والرجوع إلى أمره).
- قال الطاهر بن عاشور في "تفسيره": (لأنه اقتضى أن لبعضهم رغبة في أن يطيعهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرغبون أن يفعله مما يبتغون مما يخالونه صالحا بهم في أشياء كثيرة تعرض لهم، والمعنى: ولكن الله لا يأمر رسوله إلا بما فيه صلاح العاقبة وإن لم يصادف رغباتكم العاجلة) أ.هـ
وهذا مع أصحاب رسول الله وهم أزكى الناس نفوساً وأرجحهم عقلاً وأصدقهم إيماناً وأبرهم قلوباً فكيف بغيرهم من أهل الجهالات والخبال والانحراف والضلال ؟!
2- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيي اجتهاداً فوالله ما آلو عن الحق وذلك يوم أبي جندل حتى قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تراني أرضى وتأبى") أخرجه البيهقي والطبري والطبراني.
وقال أيضا رضي الله عنه: (السنة ما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة).
ولقد اجتهد عمر في الأعمال الصالحة ليكفر ما بدر منه في تلك الحادثة، فقد جاء عند ابن إسحاق في السيرة أنه قال: (مازلت اتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذى صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذى تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً)، وفي رواية عند الواقدي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال عمر: (لقد أعتقت بسبب ذلك رقاباً وصمت دهراً).
3- وعن أبي وائل قال: لما قدم سهل بن حنيف رضي الله عنه من صفين أتيناه نستخبره، فقال: (اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت والله ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا؛ إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسد منها خصماً إلا انفجر علينا خصم؛ ما ندري كيف نأتي له ؟!).
رواه الشيخان، وهذا لفظ البخاري.
3- حدود حرية الرأي عند الغرب:
1- وأكون صادقاً إذا قلت: إن الدول التي تنادي بحرية الرأي وتدعو إليها هي نفسها لا تتصور إلى الآن حدود هذه حرية الرأي المطلوبة، فهي تعلم تمام العلم أنها لا تستطيع أن تقبل كل رأي لأن تعارض الآراء واختلاف وجهات النظر مما جبل عليه الناس، ولذلك لجأت إلى طرق الترجيح كالأخذ برأي الأكثرية والضرب على سائر الآراء، وقاعدة الأخذ برأي الأكثرية قاعدة خاطئة لأن الصواب ليس مربوطاً بقول الأكثرين، بل الأكثرية مذمومة في القرآن الكريم إذا خالفت الصواب كما قال تعالى: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وقال: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) وقال: (وقليل من عبادي الشكور) وقال: (وإن كثيراً من الناس لفاسقون) ونحو هذه الآيات.
2- ثم ينبغي أن يعلم أن هناك خطوطاً حمراء لهذه الآراء لا ينبغي تجاوزها ولا الاقتراب منها، لأنها تعلم أن فتح هذا الباب على مصراعيه معناه القضاء على قوانينها ومصالحها مع فتح أبواب من الشر لا تغلق أبداً.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة:
1- حقيقة هذه الدعوة:
في الأزمنة الأخيرة يلاحظ القارئ أن هناك حملة شديدة للإنتصار لقضية حرية الرأي، والدعوة إلى فتح أبواب هذه الحرية على مصراعيه، ولا يعلم ما وراء هذه الدعوة من الأخطار إلا من بصرهم الله بحقائق الأمور وهم أهل العلم.
وهذه الدعوى حقيقتها فتح الباب لكل الناس في أن يقولوا ما يريدون من الأقوال دون أن يكون هناك أي رقيب أو أي مانع من هذه الأمور، ويرفع سيف الرقابة على أهل التطاول والوقاحة، وهذا يساعد على فتح الباب لأمثال الصحفيين ومن يسمون بالمفكرين والأدباء والشعراء في أن يتعرضوا لمعالم الدين وشرائعه وكتبه ودواوينه بالنقد والتشكيك بل وبالرد الصريح، في الوقت الذي لا يسمح لأحد الرد عليهم لأنه هذا مناقض تماماً لحرية الرأي والتعبير.
2- تصور هذه الأخطار تفصيلاً:
وأضرار هذه الدعوة يمكن تلخيصها إلى أمور:
3- التعدي على الأصول الثابتة في ديننا ومناقشة الأمور التي لا تقبل الجدل والمناقشة، وعرضها للأخذ والرد ولو من قبل لا معرفة لهم بها.
4- إماتة روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام وبين المسلمين.
5- التسوية بين من فرق الله بينهم بفارق الجنس أو الدين أو العلم أو الاستقامة أو غير ذلك، ولكي نكون واقعيين نضرب أمثلة على ذلك فنقول: إن حرية الرأي تسوي بين الرجل والمرأة فرأيها كرأي الرجل ونظرتها كنظرته، والتسوية بين العالم والجاهل فرأيهما متساويان، والفاسق والطائع كذلك، والمؤمن والكافر.
6- انسلاخ المجتمعات من الآداب والأخلاق جملة وتفصيلاً، والدعوة إلى الرذيلة والفاحشة بحجة حرية الرأي.
ولكي لا أذهب بعيداً أذكر للقارئ ما حل ببعض المجتمعات من النكبات والتفسخ الأخلاقي باسم حرية الرأي، فمن ذلك:
- تحول الذكور إلى ما يسمى بالجنس الثالث، وقد اشتهر هذا الأمر أخيراً بشيء يثير الغرابة وفي بعض الدول العربية بالذات، وهذا من بركات حرية الرأي.
- بل بحجة حرية الرأي أجرت بعض القنوات مقابلة مع مثل هذا الصنف من الناس ليرى الجمهور بدايته ونشأته وأسباب سلوك مثل هذا الطريق مع عرض تحليلات شرعية وقضائية وطبية، وهذا أقل ما فيه نشر مثل هذه الرذيلة !! فيا لها من مهزلة واستخفاف بعقول المشاهدين.
- بل طلع علينا في هذه الأيام ما يسمى بالجنس الرابع وهن الفتيات المترجلات، فهنيئاً لهذه المجتمعات.
- وبحجة حرية الرأي كثرت أندية العراة في أوروبا وأمريكا، بل يقول بعض المسلمين الذين يسكنون في دول أوروبا: إن عندنا شوارع بأكملها من العراة.
- وبحجة حرية الرأي قُننت القوانين التي تبيح زواج الذكور بالذكور والفتيات بالفتيات، فأصبحت الكنيسة تبارك مثل هذه الزواجات وتشرف عليه، بل وتقوم هي بعقد هذه العقود وتسجيله بالسجل المدني.
7- تزوير الحقائق والكذب على الشعوب والأمم، ولكي يعلم القارئ أن هذا ليس من نسج الخيال فإني أضرب مثالاً على هذه المسألة فأقول: إن الكابتن البريطاني المجرم هنس الذي كان سبب دخول بريطانيا إلى اليمن واحتلالها لها قرابة مائة وثلاثين سنة، تصورها صحيفة يمنية في أكثر من عدد على أنه "المستكشف البريطاني" ولا تصورها للناس على حقيقته وأنه محتل معتدي على بقاع المسلمين، لأن علاقة صحيفة الأيام بالسفيرة البريطانية في اليمن شيء معلوم لكل الناس، وتخصها الزيارات من دون سائر الصحف، دع عنك مقالات الثناء والمديح التي تكيله هذه الصحيفة لهذه السفيرة.
8- إيذاء الآخرين في أعراضهم، وإثارة التهم والريبة فيهم بحجة حرية الرأي، كما تفعله بعض الصحف المشهورة عندنا فإن لها جناحاً خاصاً بعنوان: (أصحيح هذا ؟!) ثم تقول مثلاً: (بلغنا أن رئيس المؤسسة الفلانية استلم مالاً بقدر كذا وكذا مقابل أن يفعل كذا، أصحيح هذا ؟!) !!.
ولا يخفى ما في مثل هذه الأساليب العفنة من الإضرار بأعراض الناس، فإن أعراض الناس مصونة إلا بحق الإسلام، فاليوم في رئيس المؤسسة الفلانية وغداً في رئيس المرفق الفلاني وبعده في إمام المسجد وبعده في العالم الفلاني وبعده في رئيس البلاد، وهكذا من أراد أن يصطاد أعراض الناس فليذهب إلى الصحف وليكتب فيها ما شاء أو ليرسل إلى الصحفيين ليكتب له فيها ما يشاء فإن محاطة ومحمية بحق الرأي.
9- تشكيك الناس في مراجع الأمة ودواوين العلم والتي أقل ما يقال فيها إنها من تراثهم الإسلامي ككتب السنة ودواوينها كالصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم ونحو ذلك.
لقد كتب أحد الكتاب المصريين وهو "إسلام بحيري" مقالاً أو كتاباً نشرت "جريدة 14 أكتوبر اليمنية" بعض هذا المقال، وقد انتهى فضيلة هذا الصحفي العبقري إلى تضعيف بعض أحاديث الصحيحين، وستأتي مناقشته إن شاء الله في حلقات لاحقة والذي يهمنا هنا أنه قال في آخر البحث:
(لذا فإننا نستطيع وبكل أريحية أن نستدرك على كل كتب الحديث والفقه والسيرة والتفسير، وأن ننقدها ونرفض الكثير مما جاء فيها من أوهام وخرافات لا تنتهي، فهذه الكتب في النهاية محض تراث بشري لا يجب أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية أبداً، فنحن وأهل التراث في البشرية على درجة سواء، لا يفضل أحدنا الآخر، فصواب أعمالهم لأنفسهم والأخطاء تقع علينا) أ.هـ
تأمل في كلمة من هذه الكلمات تجدها مليئة بالحقد الدفين على الإسلام باسم حرية الرأي، وحرية القلم ونحو هذه العبارات التي هي ستار لهدم الدين والفضيلة.

المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الرأي:
1- حرية الرأي والتعبير:
واحترام الإسلام للرأي شيء معلوم، فالرأي في الإسلام ليس ممنوعاً على الإطلاق، ولكن في المقابل له حدود لا ينبغي تجاوزها وتعديها، لأنه إذا فتح له الباب على الإطلاق كانت الآراء سبباً للفوضى العارمة وحلول الكوارث والحروب والنكبات كما لا يخفى.
ويمكن ضبط الرأي المقبول بأمور:
الأول: أنه الرأي الذي لم يصادم شرائع الإسلام المنزلة، والتي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلت بها الكتاب، لأن رأياً يصادم دين رب العالمين ويصادم أمره ونهيه فهو رأي فاسد كرأي إبليس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": (وحديث سهل بن حنيف وعمر بن الخطاب وإن كان يدل على ذم الرأي لكنه مخصوص بما إذا كان معارضاً للنص، فكأنه قال اتهموا الرأي إذا خالف السنة) أ.هـ
الثاني: لا يتضمن الاعتداء على حقوق الآخرين.
الثالث: أنه لا يصادم مصلحة خالصة أو مصلحة راجحة في كافة النواحي.
وهذه القيود في الحقيقة ليست تقييداً للحرية بقدر ما فيها من ضمان للمصلحة العامة التي يسمو لها المجتمع.
2- حرية الرأي في الإسلام:
كل الأمم متفقة على أن حرية الرأي لها حدود لا تتجاوزها، وخطوط حمراء لا تتعداها، لكن حرية الرأي في الإسلام تختلف عن كل أصوات الحرية التي تنادي بها الشعوب والأمم، لأنه تميزت عنها بأمور:
1- أن هذه الخطوط الحمراء مأخوذة من ديننا الذي أنزله الله رحمة بعباده ولطفاً بهم، بخلاف سائر الأمم فإنه تضع حدود هذه الحريات من منطلق سياساتها ومصالحها الدنيوية العاجلة.
2- أن حرية الرأي في الإسلام ليست وليدة هذا العصر كما هو حال الحرية المزعومة في الغرب، فإنها وليدة هذه الأزمنة المتأخرة.
3- أن حرية الرأي في الإسلام تختلف عما يفعله الغربيون من حيث إن الغرب يمكن للمفكرين فيه أن يطرحوا آراءهم بين الناس ثم يتركون الناس يتصارعون ويتقاتلون دون أي: تحديد أو توجيه، تاركين للناس اختيار الطريق الذي يريدونه، وهذا فيه من العبث بقدر ما في هذه الشعار من بريق الحرية، وفيه من كتم النصيحة ما يجعل المجتمع بأسره يقع ضحية هذه الخيانة، بخلاف دين الإسلام فإن الله من رحمته قد كفانا هذا العبث والجهد فدلنا على طرق الحق بأحسن أسلوب وأسهل طريقة.
4- حرية الرأي والتعبير في الإسلام مفتوحة ما لم تؤد إلى الفساد في الأرض أو تسلك الوسائل الموصلة إليه، فالإسلام يمنع من تقديم مواد الجريمة ومن تسهيل أسبابها للناس على أن ذلك من حرية التعبير كما يفعل الغرب، فقد قدموا الإلحاد والتطاول على الشرائع والعنف وأسباب الفاحشة - وهي التي يسمونها بالجنس - والشذوذ وغير ذلك على أنه من أنواع الحرية الشخصية.
5- استغلت حرية الرأي استغلالاً سيئاً في الغرب، فهذه الحرية أداة يجني بها أصحاب رؤوس الأموال الكثير من الصفقات على حساب المجتمع فهم يملكون وسائل الإعلام ومن هنا قاموا بتوجيه الرأي العام إلى الهدف الذي يريدونه.
وهذا غير استغلال حرية الرأي في الأمور السياسية والاقتصادية والنواحي الأخرى، فالإعلام في الغرب يملكه اليهود في الغالب وهم بهذا استطاعوا أن يغرسوا في المجتمعات النصرانية الكثير من مبادئهم المنحرفة لتحقيق أهدافهم ومآربهم.
وقد سلكت بعض هذه المسالك بعض القنوات في الدول العربية، فقد فتحت باب عرض الآراء في البرامج التلفزيونية حيث تعرض فيها بعض الآراء المتعاكسة لجذب الجماهير ومن ثم تكون هذه القناة محل شهرة يتجه إليها أصحاب رؤوس الأموال للإعلان عن بضائعهم التي تدر على هذه القنوات أرباحاً هائلة.
6- حرية الرأي في الإسلام بالقيود المذكورة شيء ثابت لا يتغير، بخلاف حرية الرأي في الدول الغربية فإنها تتغير على حسب المصالح والظروف.
7- ديننا وازن بين حرية الرأي وبين سلامة المجتمع من الآراء المطروحة والمعلولة، والتي لا تحمل للمجتمع إلا الوبال، فكما نظر إلى حرية الرأي كذلك نظر إلى سلامة المجتمع وصيانته.
والخلاصة أن حرية الرأي في الإسلام مقيدة بديننا وخاضعة للقيم المأخوذة من ديننا الإسلامي، بخلاف الحرية في الغرب فإنه لا حدود لها، وهذه في الحقيقة ليست من الحرية في شيء، بل هو طريق الردى والهلاك.
المبحث الرابع: الرقابة على وسائل الإعلام ومنها الصحافة:
1- الرقابة على الصحافة:
ما أحوج الإعلام اليوم إلى الرقابة الشديدة ولاسيما الصحف بعد أن ظهرت الكثير من الآراء التي تدعو إلى التفلت من الشرائع، والانسلاخ منها.
والصحافة بدلاً من أن تجعل نفسها رقيبةً على ما تريده وتترك ما تريده بحسب ما يملى على أصحابها، هي أولى بأن تكون المراقبة.
إننا اليوم نرى تفخيماً وتعظيماً عجيبين للصحافة خصوصاً والإعلام عموماً، وليس أدل على ذلك من إضافة الألقاب الفضفاضة على مثل الصحف كلقب: (صاحبة الجلالة) ولقب (السلطة الرابعة) أي: بعد السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية ونحو هذه الألفاظ، بل أنشئت منظمات وجمعيات للدفاع عن حقوق الصحفيين وحرية تعبيرهم.
و(حرية الرأي والتعبير) أقل ما فيها أنها كلمة مطاطة تصلح مدخلاً لأي باطل ومعولاً في ضرب الفضيلة لأي هادم، فيمكن لأي شخص أن ينسلخ من الدين ويتنكر له من خلال ما يكتبه، ويمكن كذلك لأي دولة من الدول العظمى وغيرها أن تضرب أمن دولة أخرى من خلال تحريض الصحفيين على زعزعة أمن البلاد وإثارة الفتن والقلاقل فيها، ويمكن لأي صحيفة أن تثير تشويهاً على شركة من الشركات الكبرى التي لها سمعتها في السوق على حساب شركة أخرى إلخ.
ويمكن لأي أحد أن يخرج فيها من عهدة المسئولية بحجة حرية الرأي، ولا يمكن لأي أحد أن يطالب بمنع مثل هذه الفوضى لأنه سيتهم بأنه يمنع من حرية الرأي وحرية الكلمة وحرية التعبير ونحو هذه التفاهات.
وكم من عرض انتهك، وكم من شخص ظلم، وكم من فتنة قامت من بعد هؤلاء الصحفيين، فإذا ضرب أو أوذي جعلوه بطلاً من الأبطال وأسطورة من الأساطير !!.
2- نماذج مما تكتبها صحفنا:
في هذا المقام لن أتعرض لكل ما تكتبه صحفنا العربية فهذا شيء لا أقدر عليه، ولكن سأختار نموذجاً مما تكتبه صحفنا اليمنية من الجهالات، وتخرجه للناس على أنه من حرية الرأي التي ينشدونها ويسعون لها.
1- فقد نشرت جريدة "14 أكتوبر" العدد (14427) مقالاً بعنوان: (كتب التاريخ والتراث الإسلامي محرفة ومزورة) !!
2- وفي العدد نفسه والصفحة نفسها عنوان (ملعون من قال: إن والدي رسول الله في النار) !!
وتحته مقال لكاتب مصري وهو "إسلام بحيري" وهو من أجهل الناس وأضلهم عن سواء السبيل انتهى فضيلته إلى تضعيف حديث في "صحيح مسلم".
ومما جاء في المقال: (زين مسلم هكذا باستنتاجه الفطن باب الحديث باسم "بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين"، ولا أعلم كيف جزم مسلم بهذا الجزم الذي ليس فيه فقط إيذاء لرسول الله في أهله ولكن الأعظم هو الافتراء على القرآن ...
لم يشاركه في إخراجه معلمه وأستاذه البخاري ولكنه الزهو بالنفس أن يخرج الرجل حديثاً على شرطه مخالفاً للقرآن) أ.هـ
هذا ما قاله فضيلة هذا الصحفي العجيب، ولا يدري المسكين أن التبويب ليس من صنع مسلم، وليس له فيه أدنى عمل، وإنما هو من النووي الذي شرح "صحيح مسلم"، والذي جاء بعده بأكثر من قرنين !! دع عنك قلة الأدب والتطاول على هذا الإمام الكبير رحمه الله رحمة واسعة.
ولا ندري هل العنوان من الكاتب أو من الصحيفة، وعلى كل حال فقد أرادوا أن يظهروا أنفسهم أنهم يحسنون الكتابة فأساءوا إلى أنفسهم من حيث لم يشعروا.
3- وقد نشرت هذه الجريدة قبلها مقالاً انتهى فيه الكاتب إلى التطاول كذلك على حديث عائشة في "صحيح البخاري": (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى [أي: ودخل بي] وأنا بنت تسع سنين) وضعفه بطريقة غريبة !!
وقد كتبت مقالاً ناقشت فيه الكاتب المصري وأرسلت به إلى مدير تحرير الصحيفة المذكورة، لكن فاجأني الجواب أنهم لا يريدون نشر المقال المكتوب !! فتعجبت حينها من تبجح هذه الصحف بـ(حرية الرأي) و(حرية الرد) و (حرية التعبير) وغير ذلك من الألفاظ التي يتسللون منها للتطاول على الشريعة، دون أن يسمحوا لأحد أن يرد عليهم لأن هدفها أن تراقب كل أحد و ليس لأحد أن يراقبها.
ولعلنا نتعرض لمقالة هذا الصحفي في الكلام على" الزواج المبكر" إن شاء الله.
4- ونشرت هذه الجريدة أيضاً مقالاً لا أذكر عددها الآن، والكاتب هو صبحي منصور المصري وهو من المعروفين برد السنة جملة وتفصيلاً وعدم الإقرار بها، وقد انتهى إلى أن الإسلام الحقيقي في القرآن واللغة هو المسالمة، وهو يريد أن يصل إلى أن من كان مسالماً لا يؤذي أحداً فهو المسلم ولو كان معلقاً للصليب أو عابداً للوثن، ومن كان مؤذياً فهو الكافر ولو كان مؤذناً أو من أهل الصف الأول !!
5- وهناك صحيفة أخرى وهي "صحيفة الأيام" كتبت في عددها: (4189) بتاريخ 1/ يونيو / 2004 م مقالاً بعنوان: (الجمعة زيارة ولي الله العيدروس) ثم قالت:
(يصادف يوم الجمعة القادم 4/ يونيو / 2004م الموافق 16/ ربيع ثاني / 1424 هـ موعد زيارة الإمام العدني أبو بكر بن عبد الله العيدروس طيب الله ثراه.
وفي هذا اليوم يتوافد جموع غفيرة من العلماء والفقهاء ورجال الدين والمواطنين في مختلف مديريات ومحافظات الجمهورية منذ الصباح، ويتجمعون في تمام الساعة الثامنة صباحاً أمام منزل منصب عدن السيد مصطفى العيدروس، ويصحبهم في موكب تتخلله الابتهالات والتواشيح الدينية ويتوجهون صوب مسجد العيدروس ويدخلون قبته المهيبة حيث مقامه المبارك – طيب الله ثراه – وتستمر الجموع في زيارة المقام والتبرك به طيلة اليوم) أ.هـ
ولا يخفى ما في هذا من الانحراف الخطير !! فهذا بعض ما تنشره الصحف (صاحبة الجلالة) في أعدادها، وتطبع منها مئات الآلاف من الأعداد وتوزع على الناس، وهذا غير ما هو موجود في صفحات الإنترنت، فإنا لله وإنا إليه راجعون نشكو إلى الله غربة هذا الدين.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 21:40   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الخامسة
أن الإسلام ضد حرية الاعتقاد


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة الخامسة من (شبهات حول الإسلام) وسنتكلم فيها عن "حرية الاعتقاد" وعن قولهم: إن الإسلام ضد حرية الاعتقاد، وسنبين أبعاد هذه الكلمة عندهم، وما تترتب عليها من مفاسد عظيمة ومخاطر كثيرة، كل ذلك ببحث مختصر يسهل على القارئ أن يتناوله، ويتكون هذا البحث من عدة مباحث:
المبحث الأول: حقيقة حرية الاعتقاد.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة.
المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الاعتقاد.

المبحث الأول: حقيقة حرية الاعتقاد:
1- حقيقة هذه الدعوة:
في الأزمنة الأخيرة يلاحظ القارئ أن هناك حملة شديدة للإنتصار لقضية "حرية الاعتقاد"، والدعوة إلى فتح أبواب هذه الحرية على مصراعيه، ولا يعلم ما وراء هذه الدعوة من الأخطار إلا أهل العلم الذين عرفوا مغزى هؤلاء الطاعنين في الإسلام، وعرفوا ما وراء الوسائل التي يسلكونها والطرق التي يسيرون عليها.
وهذه الدعوى حقيقتها فتح الباب لكل الناس في أن يعتقدوا ما يشاؤون من العقائد دون أن يكون هناك أي رقيب أو مانع.
والحق أن الله لم يكل إلى الناس اختيار الطريق الذي يعتقدون فيه أمور الغيبيات، ويحددون فيه المعالم الأساسية والخطوط العريضة التي تتعلق بأسمائه وصفاته وأمور البرزخ وأمور القيامة وما يكون في الجنة وما يكون في النار إلى غير ذلك، فهذه المسألة ليست هينة، فالإنسان في هذا الكون يحتاج إلى عقيدة صحيحة يتعامل بها مع هذا الكون الكبير والمليء بالغموض، وإلا فإنه سيتخبط فيه تخبطاً عظيماً، وينحرف فيه انحرافاً خطيراً يسيره باتجاه آخر غير الاتجاه الذي خلق له بل مناقض له تماماً، لذلك حدد الله الأصول العظيمة التي يسير عليها المؤمن في عقيدته، رحمة منه سبحانه وتعالى، ولا بأس أن نذكر بعضها:
أولاً: أمور العقائد أغلبها أمور غيبية، فلا نعتمد إلا على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع.
قال اللالكائي في أصول الاعتقاد (1/22): (أما بعد فإن أوجب ما على المرء: معرفة اعتقاد الدين.. وكان من أعظم مقول.....كتاب الله الحق المبين ، ثم قول رسول الله وصحابته الأخيار المتقين ، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع..).
وقال البيهقي: (فأما أهل السنة فمعولهم فيما يعتقدون الكتاب والسنة)( ).
وقال ابن أبي زمنين في "أصول السنة": (وأعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علماً والعجز عن ما لم يدع إليه إيمانا وأنهم إنما ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه).
وقال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى" (12/235): (الذي يجب على الانسان اعتقاده في ذلك وغيره، ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله واتفق عليه سلف المؤمنين، الذين أثنى الله تعالى عليهم وعلى من اتبعهم وذم من اتبع غير سبيلهم).
وقال شيخ الإسلام – كما في الفتاوى الكبرى (5/426)- : (فلهذا لا يعتمد أهل العلم والإيمان في مثل مسائل العلم والدين إلا على نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإن كان عندهم في بعض ذلك شواهد وبينات مما شاهدوه ووجدوه) أ.هـ المراد.
وعليه فلا يعتمد في الغيبيات على الأذواق أو المنامات أو الآراء أو المكاشفات، أو نحو ذلك.
قال شيخ الإسلام– كما في "مجموع الفتاوى" (13/27)– : (فكان من الأصول المتفق عليها من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده ...فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، و لا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط : قد تعارض - في هذا - العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل... ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها، أو بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسرها، فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تبين القرآن وتدل عليه، وتعبر عنه).
ثانياً: ولقد ذم الله سبحانه من يتكلم في "الأمور الغيبية" بدون حجج وإنما اعتماداً على الظنون، كما قال تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم، إن يتبعون إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) إلى غير ذلك من الآيات.
------------------------------------------------------------------------------
حاشية/( )نقلاً من: (تبيين كذب المفتري) لابن عساكر ، و(درء تعارض العقل والنقل) لشيخ الإسلام .
-----------------------------------------------------------------------------

ثالثاً: ما ثبت بالسنة فهو حـق وحجة كما لو ثبت بالقرآن، فقد قال الشافعي: (إذا استبانت سنة رسول الله فلا يحل لأحد أن يدعها).
وقال الطحاوي–رحمه الله-: (وما صح عن رسول الله فهو حق) أ.هـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"(19/85): (وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها، وقد يكون من سنته ما يظن أنه مخالف لظاهر القرآن وزيادة عليه كالسنة المفسرة لنصاب السرقة، والموجبة لرجم الزاني المحصن فهذه السنة أيضا مما يجب اتباعه عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين إلا من نازع في ذلك من الخوارج المارقين) أ.هـ
1- وإذا كان ذلك كذلك فلا فرق بين المتواتر والآحاد أو العقائد والأحكام، فالسنة حجة بنفسها، وإن انفردت بخبر أو بحكم ما لم ينسخ.
وقال ابن عبد البر في "جامع بيان فضل العلم": (ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصاً في كتاب الله أو صح عن رسول صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه) أ.هـ
2- ولا نقول: إن القرآن مقدم على السنة !! بل القرآن كالسنة من حيث الدلالة على الحكم، فعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه [أي: يضيفوه] فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه).
رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح ، وصححه الألباني.
3- وشرط القبول لهذا الحديث الوارد أن يكون ثابت الإسناد كما قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى"(1/250): (ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة)، وقد أشار إلى هذا الطحاوي فيما تقدم من كلامه.
رابعاً: لا بد من الجمع بين النصوص في كل شيء ولاسيما أبواب العقيدة، حتى يخرج المسلم بمعتقد صحيح في جميع مسائل العقيدة في "الأسماء والصفات" و "الوعد والوعيد" و"أبواب القدر" وغير ذلك.
خامساً: لابد من ربط نصوص الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والحذر من الخروج عن فهمهم وطريقتهم، فإن الله أثنى عليهم في كتابه الكريم، وبين مالهم من المنازل العالية والدرجات الرفيعة، وما كانوا عليه من استقامة الفهم وصحة المعتقد وصدق النية، وأثنى الله على من اتبعهم وسار على طريقهم.
قال شيخ الإسلام – كما في مجموع الفتاوى (13/243)-: (وقد تبين بذلك أن من فسر القرآن أو الحديث، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة أو التابعين، فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام) أ.هـ
والناس إذا خرجوا عن هذه القواعد العظيمة في باب العقيدة حصل منهم تخبط كبير، ولا بأس أن نذكر شيئاً من آثار الفساد الناشئ عن فساد العقيدة:
أولاً: التطاول على جناب "الرب" سبحانه وتعالى، ووصفُه بما لا يليق به، والتقول عليه بلا علم، كالذي حصل من هذه الطوائف في باب "الأسماء والصفات" و"القدر" و "والقرآن" ونحو ذلك، حتى ظهرت من المخازي والفضائح لهذه الفرق ما لا يعد ولا يحصى، ولذلك بعض أهل العلم يتعرض في كتب "العقيدة" لمخازي هذه الفرق كاللالكائي في "أصول الاعتقاد" حيث قال رحمه الله (2/648): (ما ذكر من مخازي مشايخ القدرية وفضائح المعتزلة) أ.هـ وسلك هذا المسلك جماعة من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم في بعض كتبهما.
ثانياً: التطاول على جانب "الرسل" و"الرسالات" بما لا يليق ذكره مع المقام العظيم للرسل.
ثالثاً: التطاول على جانب أفضل الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة رضي الله عنهم، وكأنهم شر الناس وأسوأهم، كما تفعل الرافضة والنواصب والمعتزلة !!.
رابعاً: فساد العقيدة يؤدي إلى فساد العقل، ولذلك فإن المشرك من أفسد الناس عقلاً وأسوأ الناس أخلاقاً وإن ظهر أنه من أذكى الناس، والأمر كما قال الله تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).
إلى غير ذلك من المفاسد التي لا تحصى عدداً.
2- أين حرية الاعتقاد يا أيها الغرب؟
وفي الوقت الذي يكثف فيها الغرب من الدعوة إلى حرية الاعتقاد نجد في المقابل أنهم لا يقفون عند حدود هذه المبادئ التي يدعون إليها ليثبتوا للناس أنهم واقفون في حدود يحترمونها - وإن كانت منحرفة من الناحية الشرعية – بل ظهر منهم من البراهين ما يدل على أن لهم فيها أغراضاً أخرى خفية.
وإليك بعض البراهين على أن هذه الدعوة إنما يدعو إليها الغرب ليخدعوا من استطاعوا من المسلمين ببريقها:
أولاً: في الوقت الذي ينادون بحرية الاعتقاد نجدهم يحاولون أن يشوهوا بالصورة الجميلة التي عليها نبي الإسلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما فعلت بعض دول الغرب والتي اعترف بعض كبارهم أنه لا توجد شخصية قريبة من شخصيته على مدى التاريخ فضلاً عن أن تكون هناك ما تماثلها.
وقد أيدتها دول أخرى على هذا الباطل، وإنما دفعهم إلى هذه أنهم يرون انتشار دين الإسلام بينهم كبير، بل صرح بعض كبرائهم بأنه لا يسمح بأن يقوم الإسلام في أوروبا كما تقدم في "الحلقة الثالثة".
ثانياً: في الوقت الذي ينادون بحرية الاعتقاد نجدهم يمنعون من ارتداء الحجاب في جامعاتهم:
1- فمنعت الفتيات اللواتي يدرسن في الجامعات من ارتداء الحجاب في فرنسا - مع قطع النظر في مسألة الدراسة في الجامعة - لكن شاهدنا من ينادي بحرية الاعتقاد كيف يكيل بمكيالين مما يدل على أن القضية قضية دعوة للإنسلاخ من الدين، في الوقت الذي تسمح مثل فرنسا بأن تخرج الفتيات في الشوارع متبرجات ولو بما يسمى بالبكيني وهو ما يستر السوأتين والثديين فقط، بل ولو تمارس الفاحشة في الحدائق العامة.
2- ويتكرر مثل هذا الفعل الدنيء في دول أخرى أوروبية كتركيا وإيطاليا وغيرهما، بل وتكررت في دول أخرى تنتمي إلى الإسلام مثل تونس ومصر وغيرهما، ففي تونس قام المسئولون هناك بإصدار تعليمات بمنع الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب ومنعوا المحجبات من دخول المدارس والجامعات.
ثالثاً: في سويسرا منعوا من بناء المآذن – بغض النظر عن حكمها الشرعي – لأن الإسلام انتشر هناك انتشاراً كبيراً.
رابعاً: يكتمون ما استطاعوا من شهادة بعضهم على أن الإسلام دين حق وأنه دين الله الذي رضيه للناس، كشهادة بعض الأدباء وشهادة بعض المفكرين عندهم وغير هؤلاء، وهذا يبين أن مثل هذه الشعارات مهما زخرفوها فإنه لا يمكن أن ينسوا حقدهم على الإسلام والمسلمين.
المبحث الثاني: أخطار هذه الدعوة:
1- تصور هذه الأخطار جملة:
يمكن لنا تصور هذه الأخطار جملة فنقول: إن مثل هذه المبادئ الهدامة والأفكار المنحرفة لها عدة أضرار على الدين والعقيدة والمجتمع بأكمله، منها: هدم الدين وتقويض أركانه، وتسويته بجميع الأديان، واعتباره واحداً منها يوصل إلى ما توصل إليه هذه الأديان ويؤدي ما تؤديه، والقضاء على أصل الولاء والبراء، وإذابة الفوارق بين من فرق بينهم الشرع، إلى غير ذلك مما يتضمن فساد الدنيا والدين، وهذا كله ينافي الغاية التي خلق لها الناس وأوجدهم الله من أجلها وهي عبادته وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دونه.
2- تصور هذه الأخطار تفصيلاً:
وأضرار هذه الدعوة يمكن تلخيصها إلى أمور:
1- عدم الكفر بالطاغوت، ويعتبر الكفر بالطاغوت الركن الثاني من أركان التوحيد، فالكفر بالطاغوت محذوف من قاموس القوانين الوضعية العصرية التي تنادي بحرية الاعتقاد، ولا يخفى ما في ذلك من المصادمة الظاهرة لكلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله، بل القضاء على معناها كلياً، فلا يحل في المجتمعات التي تنادي بحرية الاعتقاد أن تضلل عبادة غير الله من الأوثان والأصنام وغيرها من المعبودات، بل لو قام مجتمع بأكمله بعبادة الفـئران والقطط وصرف أنواع القرابين والنذور لها، لما كان هناك أدنى حق لأحد من الناس - ولو للعلماء - في أن ينكروا هذا العمل، أو يحكموا عليه بأنه شرك، بل ليس لهم الحق أن يمنعوا أبناءهم من الدخول في هذا الانحراف الخطير والذي تمجه العقول والأسماع، فحرية الرأي حق لكل أحد عند هؤلاء الذين ينادون بها ولو أدت إلى أن تسقط قوامة الآباء على الأبناء.
2- فتح باب الردة لكل شخص وإسقاط الحدود التي تترتب على هذه الردة، وهذا فتح لباب الانسلاخ من دين الإسلام، بل من الأديان كلها جملة وتفصيلاً.
ونضرب مثلاً على هذا فنقول: لو أن رجلاً مشهوراً يقتدي به الناس، يدخل في أول يومه إلى دين ثم يتركه آخر النهار إلى دين آخر لما كان هناك حق لأحد في أن ينكر مثل هذا التلاعب بدين الله ولو اغتر به الآلاف من الناس.
4- إماتة روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام وبين المسلمين.
5- التسوية بين من فرق الله بينهم بفارق الجنس أو الدين أو العلم أو الاستقامة أو غير ذلك، وإذابة الفوارق بينهما، فمثلاً يشرع للكافر في عرف هذه القوانين الوضعية الزواج بالمؤمنة لأنها أذابت جميع الفوارق بينهما، ويشرع القصاص بين المسلم والكافر وإرث المسلم للكافر والعكس، وهذا يجرنا إلى مفسدة عظيمة أخرى وهي:
5- القضاء على أصل الولاء والبراء بين أهل الإيمان وأهل الكفر.
6- فتح باب الإلحاد والتطاول على الدين والرسالات كما فعل سلمان رشدي - الهندي الأصل والبريطاني الجنسية - في كتابه: "آيات شيطانية".
3- أضرار أقرت بها الدول الغربية اليوم:
1- اليوم تشتكي بعض الدول الغربية من فتح باب حرية الاعتقاد على مصراعيه في مجالات كثيرة، ومن ذلك ما اشتهر من الأزمنة المتأخرة بما يسمى بـ"عبدة الشيطان" الذين انسلخوا من كل فضيلة وخلق وأدب في الدين والأعراف وسقطوا في أوحال الرذيلة فلم يفرح بهم أحد على ظهر الكرة الأرضية، بل الأديان والأعراف والقوانين كلها تتعجب من مثل هذه العقيدة، ولم تتصور يوماً أن يصل الإنسان إلى مثل هذه الهاوية، فهذه الطائفة المنسلخة بدأت تشتكي منها بعض المجتمعات اليوم، بل وتطاردها في بعض الأحيان لأنها رأت اقترافها للجرائم البشعة، وتعديها على الدماء والأعراض بحجة أنها من الطقوس والمناسك التي يأمر بها دينهم.
فقد نشرت عدة مواقع أخباراً عن عبدة الشيطان وتاريخهم وأحوالهم، ومن ذلك ما نشره موقع "ابتسامة" عن "عبدة الشيطان"، فقد ذكرت عنهم مقالاً جاء فيه:
(قد وقعت عام 1993م في مدينة "سانتا مونيكا" بولاية "كاليفورنيا" حادثة غريبة، فقد تقدم الأهالي بشكوى لدى السلطات ضد أفراد ينتمون للملة الشيطانية قاموا باستدراج أربع فتيات تتراوح أعمارهن بين 11-15 سنة إلى منزل شبه مهجور يقع في غابة بعيدة عن المدينة، وقد أوهموهن بوجود حفل كبير هناك.
تقول إحدى الفتيات: عندما كانت تسير بنا السيارة وسط الغابة تملكنا شيء من الخوف لكننا حاولنا إخفاءه، وعند وصولنا للمنزل شاهدنا حشداً من الرجال والنساء يرقصون ويغنون حول نار مشتعلة وهم شبه عراة، ثم أجبرنا على شرب "الفودكا" – وهو نوع من الخمور – واستنشاق نوع من المخدرات، وبعد ذلك طرحنا أرضاً بالقرب من النار، وجردنا من جميع ملابسنا، ثم وقف أحدهم وسكب على أجسادنا بول آدميين ودماً، وصاح قائلاً: في سبيل أيها الشيطان العظيم، وقام الجميع بلعق أبداننا وما عليها من نجاسات وهم يتمتمون بكلام غير مفهوم، ثم قام رجل منهم وبدأ يقرأ من كتاب: "الشيطان المقدس" بعد ذلك قام عباد الشيطان باغتصابنا عشرات المرات وبأوضاع غريبة جداً حتى إذا قضوا وطرهم عصبوا أعيننا مرة أخرى وألقونا في أحد شوارع المدينة وبعد أيام عثر رجال الشرطة على المنزل ووجدوا رماداً لتلك النار الكبيرة، أما الجناة فلا أثر لهم) أ.هـ بتصرف يسير.
2- وهناك دول أخرى تشتكي من تعدي مثل هذه الطائفة على الدماء بحجة أنها من الطقوس والمناسك، والعجيب أن مثل هذه العقائد المنحرفة دخلت حتى في الدول العربية، بل وبين أناس تبوأوا مناصب كبيرة، ففي برلمان بعض الدول العربية قام رئيس الوزراء في تلك الدولة فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فاعترض أحد النيابيين – وهو من عبدة الشيطان أو ما يسمون باليزيديين- قائلاً: (لا ينبغي مثل هذا التصرف من مثل رئيس الوزراء) فقدم رئيس الوزراء اعتذاره وقال: إنه لا يقصد أي إهانة !!
3- وهذا غير ما تعانيه بعض الدول اليوم من خطر الروافض والخوارج والمعتزلة وغيرها ممن تفطن لها الناس مؤخراً حتى الدول العلمانية، ولاسيما بعد أن عرفت أن فتح الباب لمثل هؤلاء يضرها في أمنها، لأن هذه الطوائف تبدأ دعوتها بما يشبه الدعوة الدينية ثم تتجه إلى الاتجاه السياسي.
فهذه بعض ثمار فتح باب "حرية الاعتقاد" فهنيئاً لهذه المجتمعات هذه الثمار المريرة، فحقيقة الدعوات تعرف من ثمارها ومن النتائج التي تؤول إليها.
المبحث الثالث: الحدود الشرعية لحرية الاعتقاد:
سنختصر الموضوع للقارئ الكريم ونذكر له الأمر الذي ينجي من هذه الانحرافات الفكرية التي تسمى بـ"حرية الاعتقاد" ونبين له أن النجاة من هذا كله هو التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على طريقة سلفنا الصالح رضي الله عنهم وهم الصحابة والتابعون وأتباعهم، والسير في طريقهم في كل شيء من العبادات والعقائد والأخلاق والسلوك وغيرها، لأن الخروج عن طريق هؤلاء ضر الأمة فمزق صفها، وفرق كلمتها، وأضعف قوتها، وأخرها حتى عادت إلى الخلف وتأخرت كثيراً بعد أن كانت في أعلى المراتب.
وإذا كانت هناك أضرار عظيمة قد ظهرت في المجتمعات الإسلامية بعد انحراف هذه الفرق مع وجود الطائفة الناجية والفرقة المنصورة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فكيف بفتح هذا الباب على مصراعيه وتشجيع مثل هذه العقائد الفاسدة، فماذا عسى أن تكون النتائج، وماذا عسانا أن نجد من العواقب ؟!!










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 21:50   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة السادسة:
دعواهم: أن الإسلام ظلم المرأة:


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة السادسة من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن دعوى أعداء الإسلام أن الإسلام ظلم المرأة واعتبرها نصف إنسان ومنعها الكثير من حقوقها، إلى غير ذلك من الباطل الذي ينطق به الغرب ومن اغتر بهم.
وهذه المقالة الفاجرة يلهج بها كثير من المنحرفين اليوم، فهذا باحث مغربي يدعى عبد الصمد الديميالي يقول في مؤتمر نسوي عقد في اليمن أشارت إليه مجلة "الأسرة" في عددها (81) شهر ذي الحجة 1420هـ: (إن الدين ظلم المرأة حينما لم يسو صراحة بينها وبين الرجل)، ويقول بكل وقاحة: (إذا لم تكن النصوص القرآنية صريحة وواضحة في المساواة بين الرجل والمرأة فلنلق بها في مزبلة الأيدلوجية).
ونحب أن نبين أن هذه المقالة الآثمة – من هذا الرجل أو غيره - لها جوابان: أحدهما إجمالي والثاني تفصيلي، فهذه الحلقة للجواب الإجمالي، وستأتي حلقات أخرى فيها جواب تفصيلي عن شبههم في مثل عمل المرأة والزواج المبكر والإرث ونحو ذلك من القضايا التي شغبوا بها باسم الدفاع عن حقوق المرأة، وهم الجناة الحقيقيون على المرأة وعلى الفضيلة.
وهذا الموضوع يتكون مما يلي:
مقدمـة: وفيها مقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية والإسلام.
المبحث الأول: وضع المرأة في الجاهلية.
المبحث الثاني: المرأة في الإسلام.
المبحث الثالث: المرأة في أوروبا وأمريكا.
المبحث الرابع: المرأة في شرق آسيا.
المبحث الخامس: اعتراف المنصفين في الغرب أن الإسلام أكرم المرأة.
المبحث السادس: الفوارق الكبيرة بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل.
المبحث السابع: وقفة مع دعاة الضلال والانحراف.



مقدمـة وفيها: مقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية والإسلام:
لاشك أننا إذا أردنا أن نعرف قدر الفارق بين أمرين فإن أحسن طريقة لذلك هي عقد مقارنة منصفة متجردة عن الهوى بين الأمرين من كل وجه أو من أغلب الوجوه ليظهر لنا الفارق بوضوح، ومن ذلك المقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية ووضعها في الإسلام، ليعرف الجميع كيف كانت المرأة وكيف أصبحت، حيث كانت في الحضيض ثم قفزت قفزة لم تكن تحلم بها امرأة في مجتمع من المجتمعات.
ووالله إن الفارق بينهما لعظيم جداً، ولكن كثير من الكتاب العصريين - مع ما ابتلوا به من عمى البصيرة وانعدام الإنصاف - تراهم يكثرون من الكتابات المسعورة التي تنادي بتحرير المرأة وإعطاءها حقوقها !! فكان المطلوب ممن يكتب في هذا الباب أن يخاطبهم على قدر عقولهم.
المبحث الأول: وضع المرأة في الجاهلية:
1- كانت المرأة في الجاهلية مصدر شؤم على أهلها منذ أن تولد ومنذ أن يبشر أبوها بقدومها، وقد أخبرنا الله بذلك في كتابه الكريم حيث قال: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم0يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب سـاء ما يحكمون)، ولاحظ أن القرآن الكريم يسوق مثل هذه الآية الكريمة سياق الإنكار عليهم، لا مجرد الإخبار.
2- وكانت الفتاة في الجاهلية توأد غالباً – أي: تدفن وهي حية - خشية العار، فيأخذها أبوها - دون رحمة وشفقة ويذهب بها بعيداً عن أنظار الناس ثم يحفر لها الحفرة ثم يدفنها فيها وهي حية، فتموت بهذه القتلة الشنيعة، دون أن يكون بينهم أي إنكار، وقد أشار الله إلى هذا المعنى كما في الآية السابقة: (أم يدسه في التراب) وكذلك قوله تعالى: (وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت).
3- فإذا كبرت وشبّت فإنها لا تزيد عن أن تكون متاعاً من الأمتعة لا قيمة لها، وربما تزينت بكامل زينتها ثم تخرج على الرجال وتضرب برجلها، فيقتنصها الجميع ويصطادونها بأنظارهم، دون أن تكون محفوظة ومصانة عن الأنظار.
4- وإذا زوجها أبوها فليس لها رأي، ولاحق في اختيار الزوج ولو كانت بالغة، وقد يزوجها على رجل طاعن في السن طمعاً في شيء من المال دون أن يكون لها أي اختيار، وربما تكون هناك عدة نسوة تحت هذا الرجل قد يزدن على الأربع بل أكثر بكثير، وله أن يميل إلى بعض نسائه دون الأخريات، وله أن يترك هذه الزوجة كالمعلّقة لا هي مزوجة ولا هي مطلّقة !! وله أن يحلف على تركها من الجماع السنة بل والسنتين فتبقى تحت رحمته !! وربما طلقها طلاقاً غير محدود !! وربما لا يعطيها حقوقها في عدتها كالنفقة، ونحوها، وله أن يضربها ضرباً مبرحاً فيكسر لها عظماً أو يشق لها جلداً.
5- وإذا مات زوجها فتحد عليه السنة الكاملة !! فقد روى البخاري عن زينب بنت أم سلمة قالت: وسمعت أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا" مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول).
6- وإذا مات زوجها تورث بعده كأي متاعٍ من أمتعة البيت، وقد أنزل الله في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً) فكان الرجل في الجاهلية يرث امرأة قريبه، فإن شـاءوا تزوجوها بلا مهر، وإن شاءوا زوجوها من غيرهم وقبضوا مهرها فنهوا عن ذلك كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه، وكلامه في "صحيح البخاري" !!.
المبحث الثاني: المرأة في الإسلام:
1- المرأة عند غير المسلمين:
1- كان الآشوريون والبابليون يبيعون المرأة بيعاً علناً كما يباع الرقيق في الأسواق! ويشرف على ذلك الكهان والزعماء الروحيون، فكانت المرأة في نظرهم من سقط المتاع.
2- وكان اليونان يمنعون المرأة من التصرف في مالها، ولا يبيحون لها التملك والأخذ والإعطاء، بل يعتبرونها مملوكة للرجل يتصرف فيها كيف شاء، يبيعها ويشتريها ويؤجرها.
3- وكان الفرس يقولون: إن المرأة من حقوق الرجل، فله قتلها متى شاء ومتى بدا له ذلك!! ولا حظّ لها في التعليم، وهي عرض من العروض تباع وتشترى.
4- وكان الأتراك القدامى يقدمون النساء جماعات لشهواتهم في الليل!! وفي النهار كانوا يستعملونهن للحراسة إلا أنهم كانوا يقدسون الأم فقط، وعند بلوغ البنت تكون منبوذة لا يبيحون لها الزواج إذا طُلقت، وإذا مات زوجها فلا بد أن تحرق جثتها مع جثته!! وزوجها يملكها في حياته كسائر المتاع.
5- وتعتبر المرأة عند البربر سمّاً للرجل، لا تكلمه ولا تأكل معه ولا تنطق باسمه، ويقولون: ليس السم والأفاعي والجحيم والموت أسوأ من المرأة.
6- وكانت المرأة في شريعة حمورابي تعد من ضمن الماشية !! حتى إن من قتل امرأة يسلم ابنته بدلاً عنها، ويتصرف ولي الدم في هذه البنت كيف شاء، إن شاء قتلها وإن شاء باعها، وإن شاء تمتع بها !!
7- وأما الصينيون فقد كانوا يحتقرون المرأة ويحرمونها من ميراث زوجها وأبيها، ويضاعفون عليها العقوبة أكثر من الرجل !! وكان في بعض شرائعهم وأنظمتهم أنه يجوز للرجل أن يجمع إلى ثلاثين ومائة امرأة بعصمة رجل واحد !!
8- وفي فرنسا عام 568م عقد مؤتمر للبحث هل تعد المرأة إنسانا أم غير إنسان ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان، لكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.
9- وبقيت المرأة لدى اليابانيين حتى عام 1875م لا وزن لها في المجتمع، فهي عندهم وسيلة متاع فقط، ويعتبرونها رجساً من عمل الشيطان، وتباع وتشترى في الأسواق كما يباع الرقيق !!
10- والقانون الإنكليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات.
11- لم تسلم المرأة عند اليهود من الظلم، فكانوا يعتبرونها من القاصرين الثلاثة الذين لا بد أن يُحجر عليهم وهُم: الطفل والمجنون والمرأة، ولم يُعدّل هذا القانون إلا منذ أربعين سنة! ويعتبرونها في منزلة الخادم!! ويعتبرونها لعنة؛ لأنها هي السبب في إخراج أبينا آدم من الجنة.
2- المرأة في الإسلام:
أما الإسلام فقد أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وكانت منته سبحانه عليهم كبيرة و لاسيما المرأة ، فقد جعل لها الإسلام قيمةً ومكانةً لم تكن تحلم بها:
1- أنكر على أهل الجاهلية هذا التشاؤم، وجعله حكماً سيئاً جائراً: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم0يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ساء ما يحكمون) ونهى عن كُره البنات ففي الحديث: (لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات) رواه أحمد عن عقبة بن عامر، وهو في الصحيحة برقم: (3206) وفي سنده محمد بن عمرو بن علقمة، فمن رأى حديثه حسناً حسن له هذا الحديث.
2- وتطييباً لخاطر الإناث وجبراً لكسرهن قدم الإناث على الذكور في بعض النصوص، كما في قوله: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن الذكور..) على أحد الأقوال في التفسير، وقد عقد العلامة ابن القيم في تحفة المودود باباً قال فيه: (باب: كراهية تسخط البنات) ثم قال:
قال الله تعالى: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير).
فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام: اشتمل عليها الوجود وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضاً لمقته أن يتسخط ما وهبه.
وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل: جبراً لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن، وقيل: - وهو أحسن - إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان فان الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالباً، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان.
وعندي وجه آخر: وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر.
وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث وعرف الذكور، فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير بالتعريف، فإن التعريف تنويه كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم لما ذكر الصنفين معاً قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير والله أعلم بما أراد من ذلك.
والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم0 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) وقال: (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) أ.هـ
3- حرم الله وأدها في كتابه وعلى لسان رسوله قال تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت) وأيضاً يستفاد المنع من الأحاديث الناهية عن ذلك مثل قول رسول لله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال)، والحديث رواه الشيخان عن المغيرة بن شعبة.
4- حثت الشريعة على تربية البنات، وجعلت في تربيتهن الفضل الكبير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) رواه الشيخان عن عائشة، وهناك أحاديث كثيرة في هذا الباب.
5- وإذا كبرت تحجبت واستترت عن أعين الناظرين كأنها جوهرة مصونة ودرة مكنونة، ونهى عن تبرجها لأن تبرجها معناه تطاول الأعين عليها، وطمع القلوب المريضة فيها، فأمر بحجبها عن الأعين حتى لا تكون عرضة للإنتهاك فهذا صيانة لها، وقد حصلت أشنع جرائم الاغتصاب والانتهاك والاختطاف من بعد هذا التبرج الذي صان الله المرأة منه، وحفظ لها كرامتها باجتنابه.
6- وجعل لها حق اختيار الزوج إذا بلغت، وجعل صحة العقد مترتبة على ذلك الحق.
7- وجعل للرجل عدداً معيناً من النساء وهو أربع، لا يجوز له أن يتجاوزه بإجماع أهل العلم.
8- وأمره مع ذلك بالعدل بينهن في النفقة والمبيت، وحرم عليه الميل الكامل لإحداهن على حساب الأخرى.
9- وحدد للرجل مدة للإيلاء قال تعالى: (والذين يؤلون من نساءهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم0وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) فإن جاوز المدة المذكورة – وهي أربعة أشهر - فإن المرأة لها الحق الكامل في رفع القضية إلى القاضي ليقضي لها إما بالرجوع والفيئة ويكفر عن يمينه، وإما بالطلاق.
.1- وخفض مدة الإحداد بعد موت الزوج من سنة إلى مدة أربعة أشهر وعشر ليال، أي: إلى قرابة الثلث، وإنما أبقى الإسلام هذا الإحداد لأنه حق للزوج عليها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً) رواه الشيخان.
11- ولم يجعل لأحد عليها سبيلاً فيمنعها من الزواج بعد موت زوجها.
المبحث الثالث: المرأة في أوروبا وأمريكا:
وأما المرأة في أوروبا وأمريكا اليوم فأمرها في غاية الهوان، تعيش وضعاً مزرياً، وحالة متردية إلى أبعد الحدود بل هو أسوأ بكثير من وضعها في الجاهلية، لقد استغلها الرجل أسوأ استغلال واستخدمها أسوأ استخدام، حيث استعملها كورقة رابحة، وبضاعة رائجة تدر عليه الأرباح، وإليك بعض صور هذه الإهانات:
1- المرأة في أوروبا وأمريكا تعمل اليوم في معارض الأزياء، فتأكل لقمة عيشها من عرض جسدها، واستغلال غيرها لمفاتنها، دفعها إلى ذلك المجتمع القاسي الذي لا يرحم، لأنها لو بقيت في بيتها ما أعطاها أحد شيئاً إلا بمقابل.
2- المرأة اليوم تعمل في السينما فتمثل الأفلام الغرامية الهابطة ويصورها المصورون وهي في حالة رديئة ومزرية، فتؤخذ أفلامها فتعرض في السينما على الملايين من الناس، فتحقق هذه الأفلام الأرباح الخيالية، خسرت كرامتها وربح الرجال الأموال الطائلة.
3- بل المرأة اليوم تمثل الأفلام الهابطة، ويقوم بإنتاج هذه الأفلام شركات عالمية كبيرة، وتعتبر هذه التجارة من أكثر التجارات من حيث المردود المادي، ولهذه الأفلام الخليعة رواج عجيب مواقع (الإنترنت) و(قنوات فضائية).
4- المرأة تستخدم كمتعة حقيرة في نوادي الليل، يستمتعون بها في الرقص وغيره، فهي في تلك النوادي جسد لا روح له، ومتعة لا تزيد عن ذلك.
5- وهي كذلك على أغلفة المجلات، وكلها صور غير لائقة بمكانة المرأة.
6- وهي كذلك على كرسي الاستعلامات في الفنادق، وساقية في الحانات، وسكرتيرة في مرافق العمل، ومضيفة في الطائرات وغير ذلك، ما من أحد إلا ويسترق منها النظرة تلو النظرة على أقل الأحوال، وهذا غير ما يسمى بالتحرش الجنسي وغيره.
7- والمرأة عندهم تستخدم في الدعايات لأشياء حقيرة، فتجد صور المرأة على أنواع الصابون والصلصة وأصناف معجون الأسنان وأدوات المنزل، فصور المرأة على ما يقارب ثلاثة أرباع البضائع.
والخلاصة أن المرأة في أوروبا وأمريكا وما كان على شاكلتهما في غاية الإهانة، فهذا حال المرأة في دول النصرانية، وإن ما يراه الناس من ابتسامة المرأة الغربية إنما هي ابتسامة لا تتجاوز الأسنان، فنفوسهن خاربات، وحياتهن نكدة، وقلوبهن أشبه ما يكون بالميت في القبر !!.
المبحث الرابع: المرأة في شرق آسيا:
وللمرأة في الدول الوثنية شأن عجيب لا يقل عن شأن المرأة في دول أوروبا وأمريكا، تكاد لا تصدق أنك في زمن ينادون فيه بالحقوق:
1- فالمرأة في شرق آسيا عليها أيضاً واجب الكفاح من أجل لقمة العيش كالرجل تماماً، فربما ترحل من بيتها وتقطع المسافات الطويلة إلى أماكن بعيدة، وتتحمل الغربة وتعاني من مشقة الأسفار لكي تبحث عن لقمة العيش، وربما تعمل في مناجم الفحم، أو مشاريع سفلتة الطرقات، أو عاملة فحم في قطار، أو غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا تليق بطبيعة المرأة وجسمها.
والفتاة منهم إذا انتهت من دراستها في الثانوية، أو الجامعة أخرجها أبوها من البيت وأمرها أن ترحل للقمة العيش، فترحل - على سبيل المثال - من (بكين) إلى (شنجهاي) !! فتغيب الأشهر عن بيتها بحثاً عن لقمة العيش وربما لا تعود !!
إن الإسلام كلف المرأة بواجبات كثيرة، ولكن نظر أيضاً إلى طبيعتها فكلفها بما يليق بها وبطبيعتها، وجنبها هذه الأعمال الشاقة التي هي بمنزلة الإهانات للمرأة، وإن جلوسها في بيتها أهون لها من هذه الإهانات.
فأين ضجيج هؤلاء الذين ينادون بحقوق المرأة ؟! لماذا لا ينقذونها من هذا الوضع الرديء، ويحررونها من هذه القسوة والعنف والإهانات ؟!
المبحث الخامس: اعتراف المنصفين في الغرب أن الإسلام أكرم المرأة:
1- بداية المرأة ونهايتها في الغرب:
بدأت المرأة في الغرب - كشأنها في الدول العربية اليوم - تسمع الشعارات ذات العبارات البراقة في الدعوة إلى تحرير المرأة، وأنها مظلومة يوم قعدت في البيت وتركت المجال للرجل، وأن قعودها معناه أن نصف المجتمع معطل، إلى غير ذلك من الشعارات الكاذبة، ونادوا عليها وصاحوا في أذنها بأنك تساوي الرجل في الحقوق وتساويه في الواجبات، فخرجت لتزاحم الرجل وتثبت له أنها تساويه في كل شيء، فلم تجد من وراء ذلك إلا التعب.
لقد صدمت المرأة لما رأت الرجل يريد بهذا الشعارات أن يتخلص من المسئولية التي ألقيت عليه تجاه المرأة وأن يفلت من واجب النفقة لها والرعاية والكفالة لها، ويريد بذلك كله أن يصطادها ليربح منها الأموال الطائلة.
إن المنصفين من الغربيين يرى وضع المرأة في الدول الغربية وما وصلت إليه فيعلمون أنها في حال يرثى لها، وفي وضع يندى له الجبين، وأن هذه الحقوق المكذوبة ما هي إلا تكاليف شاقة وأعباء على المرأة أرادوا أن تلتزم بها، والدكتور هنري ماكوو - أستاذ جامعي و"باحث متخصص في الشؤون النسوية والحركات التحررية" له تآليف منها ما كشف فيها زيف إدعاءات تحرير المرأة ويصفها بالخدعة القاسية إذ يقول: (تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات وخربت الحضارة الغربية).
وأكثر من ذلك شهادة النساء اللواتي جربن هذه الأوضاع فعرفن أنهن خدعن بهذه الشعارات، وأنها كانت صيداً يصطادهن بها الرجال، ففي كتاب صدر أخيراً عن حياة الكاتبة الإنجليزية المشهورة "أجاثا كريستي" ورد فيه قولها: (إن المرأة الحديثة مُغفلة لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق، لأننا بذلنا الجهد خلال السنين الماضية، للحصول على حق العمل والمساواة في العمل مع الرجل.
والرجال ليسوا أغبياء، فقد شجعونا على ذلك معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج.
ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف الضعيف أننا نعود اليوم لنساوي في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده).
ويمكن أن نذكر بعض الأضرار التي عانت منها المرأة خصوصاً والمجتمع عموماً من دعوى المرأة بما يلي:
1- انتشار الفواحش والرذيلة، وقد نتج من هذا الضرر حالات كثيرة من الإجهاض، ففي عام 1980من السنة الميلادية 1.553000 حالة إجهاض في أمريكا وحدها، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عامًا من أعمارهن، وقد قالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك.
2- تضييع المرأة لحضانة الأطفال الذين كانوا أولى بالعناية، حتى أنشئت الكثير من الحضانات لأطفال ليسوا من الأيتام بل آباؤهم موجودون.
يقول غورباتشوف عن "البيروسترويكا" إن المجتمع ظَلَم المرأة والرجل والأبناء، حين لا تَعُد المرأة تجد وقتاً للراحة في بيتها، ولممارسة حق الأمومة ورعاية أبنائها وزوجها.
ويقول: (ولكن في غمرة مشكلاتنا اليومية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة بدورها أما وربة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربية للأطفال).
ويتابع فيقول: (فلم يعد لدى المرأة العاملة في البناء والإنتاج وقطاع الخدمات وحقل العلم والإبداع، ما يكفي من الوقت للاهتمام بشؤون الحياة اليومية، كإدارة المنزل وتربية الأطفال، وحتى مجرد الراحة المنزلية، وقد تبين أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية).
وكذلك أشار نيكسون في كتابه: "ماذا بعد الإسلام" عن انهيار الأسرة في أمريكا وانتشار الجريمة والفساد في المجتمع، وقدّم إحصائيات هامة عن هذه القضايا، وعن انهيار التعليم والمواليد غير الشرعيين وغير ذلك.
لقد كان من أخطر نتائج انفلات المرأة من ضوابط الإسلام انتشار الجريمة وفساد الأجيال، حتى لم يعد العلم قادراً على ضبط المجتمع ومنع الجريمة، ولا المعاهد ولا دوائر المن ولا رجال الشرطة ولا القانون.
3- ظلمت المرأة ظلماً كبيراً يوم أن أخرجها المجتمع وهي شابة ليستفيد منها ومن جمالها، ثم رمى بها وهي كبيرة في السن في إحدى دور العجزة وكبار السن.
2- شهادة الغرب أن الإسلام أكرم المرأة:
بعد هذا كله تيقن المنصفون من الغرب وعلموا أن الإسلام أصاب عندما منع المرأة من مزاحمة الرجل في مجالات الحياة، وإليك شهادة بعضهم على ذلك:
1- قال الإنجليزي "هلمتن" قال: (إن أحكام الإسلام في شأن المرأة صريحة في وفرة العناية بوقايتها من كل ما يؤذيها ويُشين سمعتها).
2- وقالت جريدة "المونيتور" الفرنسية: (قد أوجد الإسلام إصلاحاً عظيماً في حالة المرأة في الهيئة الاجتماعية، ومما يجب التنويه به أن الحقوق الشرعية التي منحها الإسلام للمرأة تفوق كثيراً الحقوق الممنوحة للمرأة الفرنسية).
3- وقد أكدت الراهبة "كارين أرمسترونغ" الفرق بين حبس الرجل الغربي لامرأته في البيت قبل عقود طويلة، وبين بقاء المرأة المسلمة في البيت فقالت: (إن رجال الغرب النصراني حين حبسوا نساءهم ومنعوهم من مخالطة الرجال ووضعوهن في غرف منعزلة في جوف البيوت لأنهم يكرهونهن ويخافونهن ولا يأمنون عليهن، ويرون الخطيئة والغواية كامنة فيهن، فهم يخرجوهن من الحياة بهذا الحبس إلى خارجها أو هامشها، بينما حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديرا لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حرماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق) أ.هـ
وما يؤسف له أن هذا الفارق لم يفهمه دعاة تحرير المرأة عندنا في بلاد المسلمين.
المبحث السادس: الفوارق الكبيرة بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل:
1- الشرع فرق بين الرجل والمرأة:
ينبغي أن نعلم أن الشرع سوى في الأصل بين الرجل والمرأة في باب الأحكام والتكاليف والكرامة الإنسانية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) رواه أحمد وأبو داود، وصححه الشيخ الألباني في : "الصحيحة" برقم: (2863).
لكن قد يفرق الشرع بين الرجل والمرأة في مسائل كثيرة من الأحكام وغيرها، وهذا التفريق لا ينبغي أن نظن أنه من العبث، فإنه تعالى منزه عن الظلم والعبث، بل فرق الشرع بينهما لحكم كثيرة راجعة إلى قدرة المرأة وطبيعة خلقتها والعواقب التي تنتهي إليها الأمور.
وفي الحقيقة أن هذه التفرقة بين الرجال والنساء التي أتت بها الشريعة حققت التوازن المطلوب في المجتمع، ولما خرج المجتمع الغربي ومن تأثر به عن هذا التوازن الدقيق اختل نظامه وانفرط عقده وسقط في الحضيض.
2- أسباب هذه التفرقة:
تقول جليندا جاكسون حاملة الأوسكار التي منحتها ملكة بريطانيا وساماً من أعلى أوسمة الدولة، والتي حصلت على جائزة الأكاديمية البريطانية، وجائزة مهرجان مونتريال العالمي تقول: (إن الفطرة جعلت الرجل هو الأقوى والمسيطر بناءً على ما يتمتع به من أسباب القوة تجعله في المقام الأول بما خصه الله به من قوة في تحريك الحياة واستخراج خيراتها، إنه مقام الذاتية عند الرجل التي تؤهله تلقائياً لمواجهة أعباء الحياة وإنمائها، واطراد ذلك في المجالات الحياتية) أ.هـ
ويمكن أن نذكر شيئاً من أسباب هذه التفرقة وعدم التسوية بين الجنسين:
أولاً: نفسية المرأة وعاطفتها غير نفسية الرجل وعاطفته، فالغالب على المرأة أن تحمل الكثير من العاطفة والحنان والتودد مما جعل الشارع يوجهها إلى وظيفة المنزل لتقوم بالعناية الأسرية المطلوبة تجاه الزوج والأولاد فهذا أنسب لها.
ثانياً: أن المرأة تمر بفترات وتغيرات جسدية تعاني منها كثيراً كالحيض والحمل والولادة، وهذا له أثره البالغ على نفسيتها وأخلاقها وطريقة تعاملها مع الناس، بل على طريقة تفكيرها، مما يعرضها للإصابة بالإحباط والكسل والاضطراب وسرعة الانفعال.
ثالثاً: أن قلب المرأة غير قلب الرجل، وثباتها في المواقف غير ثباته، وشجاعتها غير شجاعته، فالمرأة في كثير من الأحيان تخاف من سماع الشيء قبل معاينته ولو كانت من أحقر الأشياء.
رابعاً: المرأة ليس متجلدة للأشغال والأعمال القاسية كالرجل، وهذا شيء مستقر في نفوس الخلائق ذكوراً وإناثاً، وعندما يعطي الشرع وظيفة لكل إنسان على حسب قدرته وبنيته يكون هذا قمة العدل والرحمة، فإذا خرج عن هذه الوظيفة إلى ما هو أشق منها كان هذا هو الظلم بعينه.
خامساً: أن خروج المرأة وانطلاقها ومزاحمتها للرجال واختلاط أنفاسها بأنفاسه، تترتب عليه مفاسد عظيمة تعود إلى تدمير الأخلاق وفساد الفطر والقضاء على القيم، وقد صور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائي كانت في النساء)، أي: أن فتنة النساء كانت مفتاح الفتن، وتوالت بعدها كل الفتن مثل فتنة الشرك وفتنة الدماء وغيرهما.
تقول طبيبة نفسية أمريكية: (أيما امرأة قالت: أنا واثقة بنفسي، وخرجت دون رقيب أو حسيب فهي تقتل نفسها وعفتها).
ولقد أثبتت الدراسات في الدول التي تعاني من كثرة حالات الاغتصاب، أن حالات الاغتصاب تقل كثيراً في فصل الشتاء، وهذا يدل على أن خروج النساء له أثره البالغ في مثل هذه الظاهرة.
المبحث السابع: وقفة مع دعاة الضلال والانحراف:
أولاً: أبناء جلدتنا:
1- وهناك رجل لا أدري كيف دخل في قاموس الدعاة، له برنامج في بعض القنوات واسم هذا البرنامج: "صناع الحياة" يزعم أنه في هذا البرنامج يدعو الشباب إلى استغلال طاقاتهم والمشاركة في المجتمع، وفي إحدى الحلقات والتي أسماها "ظلم المرأة"، تمنينا من مثل هذا أن يتكلم عن ظلم المرأة في المجتمعات الغربية وما تعانيه هناك، ولكن فوجئنا عندما سمعنا أنه ذكر الختان، وتعدد الزوجات بدون سبب، ولزوم السفر بمحرم، وعدم مشاركتها في الحياة السياسية ونحو ذلك.
2- ومن عجائبه ذكر أنه يجب على صاحب العمل أن يقدم المرأة على الرجل إذا تقدم رجل وامرأة لوظيفة معينة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما قال: (النساء ناقصات عقل و دين) على سبيل الدعابة !! حيث قال: (دا الرسول كان بيهزر) !! أي: يمزح.
3- وفي حلقة أخرى تسمي "الثقافة والفن" قال: إن المعازف مباحة، ويجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله.
4- وفي حديث له في إحدى المجلات انتقد الفنانات المعتزلات للغناء، وناشدهم بالرجوع إلى عملهم وأن يساهموا بأعمال هادفة بدلاً من أن يتركوا الوسط الفني للأعمال الهابطة !!
إذا نطق الغراب فقال خيراً فأين الخير من وجه الغراب
هذا شيء يسير من دعوة عمرو خالد الذي تسير دعوته بالاتجاه المعاكس للإسلام !! وهؤلاء هم الدعاة الشباب، ودعاة فقه الواقع الذين يفقهون واقعهم ويدرون بما يكيده أعداء الإسلام !! ها هم اليوم ينفذون خطط أعداء الإسلام خطة خطة، وحرفاً حرفاً.
والعجيب أن عندنا في مدينة عدن أقيم بما يسميه بعضهم بمهرجان أو حفل اشترك فيه "الإخوان المسلمون" وهم عندنا يعرفون بـ"حزب الإصلاح" - هداهم الله وأصلحهم الله – اشتركوا فيه مع "منظمة اليونسيف" للتحذير من ختان المرأة، وقد رأيت بنفسي اللافتة التي فيها الإعلان عن هذا الحفل، ثم سلم لي بعض الإخوة أوراقاً نشروا فيها التنفير عن "ختان الإناث" وهي أوراق كتبها بعض الأطباء، وأخرى هي فتوى للقرضاوي فتح لهم الباب على مصراعيه، وقد أجاب فيها عن ختان الإناث بجواب سياسي، ومن قرأ هذه الأوراق عرف أن هذا الرجل خائن للإسلام وللمسلمين.
أقول: هذه هي فتاوى أمثال هؤلاء، وهي كما ترى ليس لها في أبواب الاجتهاد أي صلة، وإنني أتعجب ممن يرد عليهم ويريد أن يعقب على أمثال هؤلاء كيف يناقشهم بكل أدب كأنهم بذلوا الوسع في شيء يسوغ لهم الخلاف فيه، وأقول: لا والله الذي لا إله إلا هو لم يجتهدوا، وإنما قالوا ما قالوا ليرضوا الغرب ومن كان على طريقتهم، والمجتمعات قد أصابتها عقدة عظيمة من جماعة "الإخوان المسلمين" لا يرجى حلها، لأنها تعرف عنها أنه تكفر الحكام وتسعى إلى السلطة بكل وسيلة وستقفز إلى السلطة متى ما سنحت الفرصة فدعوتها سياسية محضة، ولما رأى "الإخوان المسلمون" هذه العقدة عند الناس ذهبوا يميعون الفتاوى ويتلاعبون بالنصوص لعلهم يفكون هذه العقدة التي في نفوس الناس، ولعل الناس يقتنعون بأنهم دعاة مرنون ومعتدلون وليسوا متشددين !!.
ليس هكذا يا من تريد أن تثبت أن الإسلام لم يظلم المرأة، وإنما كان عليك أن تعرض الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله ولا تخجل من الحق الذي يحمله هذا الدين العظيم، بل مناهج الغرب الظالمة هي أحق بهذا الخجل.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 21:59   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة السابعة:
اعتراضهم على بقاء المرأة في البيت،
و منعها من الخروج إلى ميدان الرجل

.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي الحلقة السابعة من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن قولهم: (إن الإسلام منع المرأة من مشاركة الرجل في ميدان العمل)، وهذه من محاسن الإسلام وليس من مساوئه لو كانوا ينصفون، فعجيب أمر هؤلاء والله الذين يرون محاسن الإسلام من المساوئ، ويرون عفن الغرب من المحاسن، وهل هذا إلا لفساد فطرتهم، وانطماس بصيرتهم.
ونبين إن شاء الله أن هذا الذي شرعه الله هو الحق من قبل ومن بعد، وأن ما يدعون إليه هو الباطل، ويكفينا أن ربنا أمرنا بذلك فهذا وحده دليل على أنه الحق، وهذا غير ما اعترف به المنصفون من الغرب، ومن ذلك ما قالته إحدى الصحفيات الغربيات: (امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا) أ.هـ وسيأتي كلامها إن شاء الله.
وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
المبحث الأول: أمر الله بمكوث المرأة في بيتها.
المبحث الثاني: شروط خروج المرأة من بيتها.
المبحث الثالث: شروط عمل المرأة خارج المنزل.
المبحث الرابع: حرص أعداء الإسلام على إخراج المرأة المسلمة من البيت.
المبحث الخامس: حقائق مخيفة عن خروج المرأة في الغرب.
المبحث السادس: أضرار مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله.

المبحث الأول: أمر الله بمكوث المرأة في بيتها:
1- الوظيفة الحقيقية للمرأة:
وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بمسئولية البيت من خدمة الزوج وتربية الأطفال وتهيئة الجو المناسب لجميع الأسرة، فقد خلق الله المرأة لهذه المهنة وزودها بكثير من الحنان والعطف والرحمة واللين بما يناسب وظيفتها، وخلق فيها مقومات هذه المهنة التي يعجز عنها مجموعة من الرجال، فهي تحمل الجنين وتلده وترضعه وترعاه وتقوم بحضانته وتربيته عدة سنوات، وترعى الزوج وتطبخ له الطعام وتغسل له الثياب وتعينه في إكرام الضيف وتدبر شؤون المنزل، وهي في الفراش زوجة يجد الزوج فيها السكنى، ويجد عندها المودة والرحمة كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فمن قال بعد هذا كله إن المرأة معطلة ؟!.
2- قعودها في البيت كرامة لها بشهادة الأعداء:
1- قالت الراهبة "كارين أرمسترونغ": (حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديرا لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حرماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق) أ.هـ
2- ويقول غورباتشوف عن "البيروسترويكا": (ولكن في غمرة مشكلاتنا اليومية الصعبة كدنا ننسى حقوق المرأة ومتطلباتها المتميزة المختلفة بدورها أماً وربة أسرة، كما كدنا ننسى وظيفتها التي لا بديل عنها مربية للأطفال) أ.هـ
ويتابع فيقول: (وقد تبين أن الكثير من المشكلات في سلوكية الفتيان والشباب، وفي قضايا خلقية واجتماعية وتربوية وحتى إنتاجية، إنما يتعلق بضعف الروابط الأسرية والتهاون بالواجبات العائلية).
3- نشرت فيه مجلة "ماري كير" الفرنسية نتيجة استفتاء للفتيات الفرنسيات شمل 2.5 مليون امرأة وكان عنوان هذا الاستفتاء "وداعا عصر الحرية وأهلا بعصر الحريم"، وكان الاستفتاء عن قبول الزواج من العرب ولزوم البيت فأجابت 90% من النساء بنعم، وأوضحن أن أسباب ذلك هو أن المرأة الغربية ملت المساواة الكاذبة، وملت الاستيقاظ عند الفجر للركض وراء القطار، وسئمت الحياة العائلية التي لا ترى فيها الأولاد إلا على مائدة الطعام، وضاقت ذرعاً بالحياة الزوجية التي لا ترى الزوج إلا عند النوم.
4- وقد شهدت كاتبة أمريكية وهي واحدة ممن نصبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة واسمها (فيليس ماكجنلي)، فقد قالت في مقال لها بعنوان: "البيت مملكة المرأة بدون منازع": (وهل نعد نحن النساء بعد أن نلنا حريتنا أخيراً، خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت).
وتجيب على هذا السؤال بقولها: (إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإنني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا، وأهميتها في الحقل البشري، إلى حد أدنى أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
هذا تقرير امرأة غربية مثقفة، لكنها لم تجهل دور المرأة الحقيقي، لقد عرفت منزلة المرأة في بيتها أحسن من كثير من الأبـواق اليوم الذين ينادون بخروج المرأة من بيتها.
5- يقول الإنجليزي "صامويل سمايلس" وهو من أركان النهضة عند الإنجليز: (إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة، ومزق الروابط الاجتماعية، فإنه بسلبه الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتبرية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية، ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة القرينة المحبة للرجل، وصارت زميلته في العمل والمشاق).
6- وهذه الصحفية الأمريكية "هيلسيان ستاسنبري" بعد أن قضت في إحدى العواصم العربية عدداً من الأسابيع عادت إلى بلادها، ولم يكن ذلك ليمنعها من أن تدلي بشهادتها حيث تقول:
(إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تُقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا, امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا) أ.هـ
7- وقال الفيلسوف الألماني شوبنهور في بدايات القرن العشرين الميلادي: (اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة دون رقيب، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة، و لا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب، وإذا متّ فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة).
3- دعاة تحرير المرأة يعنون تحريرها من الدين:
وقد نشرت مجلات تركية مؤخراً صوراً لاحتفالات تركيا بذكرى مصطفى كمال أتاتورك - وهو من سقطت الخلافة العثمانية على يديه - نشرت صوراً لفتيات المدارس الصغيرات وهن يطفن المدن وإحداهن مسلسلة بالقيد والحديد وعليها الحجاب ثم يتقدم منها أحد الفتيان فينـزع عنها حجابها ويفك عنها أسرها ويصفق الجميع.
وسيأتي معنا تصريح لأحد محرري الصحف أنه يطالب بتحرر المرأة من الدين والأخلاق.
ويقول آخر: (لا تستقيم حالة الشرق الإسلامي لنا – أي: لا يسيرون على الطريق الذي نريده - حتى يُرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن)، أي: تخرج المرأة من العزلة ويكون القرآن هو المعزول.
ويقول آخر: (لا بد أنْ نجعل المرأة رسولاً لمبادئنا ونخلصها من قيود الدين).
ويقول محمد طلعت حرب باشا في كتاب له بعنوان "المرأة والحجاب": (إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي).
المبحث الثاني: شروط خروج المرأة من بيتها:
الأول: الخروج لحاجة ماسة، والثاني: أن لا تخرج إلا بإذن زوجها.
الثالث: أن تخرج بالحجاب الشرعي، وعندما نقول الحجاب الشرعي فنعني به الحجاب التي توفرت فيه جميع الشروط وهي ثمانية شروط وهي: أن يستر جميع البدن بدون استثناء، أن يكون فضفاضاً غير ضيق، وأن يكون كثيفاً غير شفاف، وأن لا يكون مبخراً ولا معطراً، وأن لا يكون مزيناً في نفسه، وأن لا يكون فيه تشبه بالرجال، وأن لا يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، وأن لا يكون ثوب شهرة.
الرابع: أن تسير في جوانب الطريق فلا تزاحم الرجال، فقد روى أبو داود والبيهقي في "شعب الإيمان" وغيرهما أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق)، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به".
وفي سنده مقال لكن تقويه طرق أخرى، وقد قال الألباني في "الصحيحة" برقم: (856): (وبالجملة فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله أعلم).
وإذا كان الخروج إلى سفر فلابد لها من محرم، فقد رويت في ذلك أحاديث كثيرة منها:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم) رواه الشيخان عن أبي هريرة.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها) رواه مسلم في "صحيحه" عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه.
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم) رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر.
المبحث الثالث: شروط عمل المرأة خارج المنزل:
1- شروط خروج المرأة:
ذكرنا فيما تقدم أن وظيفة المرأة الأولى هي القيام بمسئولية البيت وأنها تقدم للمجتمع في بيتها ما لا يقدر عليه كثير من الرجال وهذا هو الأصل، وخروج المرأة إنما هو للضرورة الطارئة، وعلى هذا فالإسلام لا يمنع المرأة أن تعمل على الإطلاق، فقد تكون هناك ظروف خاصة تجبر المرأة على الخروج من منـزلها لتعمل، فإذا اضطرت المرأة للخروج جاز لها ذلك بشروط:
الأول: مسيس الحاجة للخروج إلى العمل، ويدل على هذا قوله تعالى: (قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير).
قال ابن كثير في "تفسيره": ("وأبونا شيخ كبير" أي: فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى) أ.هـ
قلت: فهذا الخروج له سبب وهو أن الأب شيخ كبير في السن، فخروج المرأتين إذاً لم يكن للمزاحمة على الماء، ولكن دفعتهن الضرورة إلى ذلك ولولاها لما خرجوا، ثم إنهما انتظرتا إلى أن يسقي الرعاة وبقيتا محتجبتين بعيداً، فجاء موسى عليه السلام بعد ذلك ليقوم بهذه المهمة التي هي في الأصل للرجل.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن المرأة إذا خرجت ثم وجدت من يكفيها الخروج من المنزل فإنها ترجع إلى الاستقرار، وعلى ولي المرأة أن يستعمل كل وسيلة لمنع المرأة من الخروج، ولذلك قالت المرأة: (يا أبت استأجره) أي: ليكفيها الخروج من المنزل.
فإذا كانت هناك وظائف تقوم بها المرأة وهي في بيتها فهذا حسن كأن تكون مرضعة أو تخيط الثياب أو تطبخ الطعام وترسل ولدها الصغير لتبيع ما تطبخه ونحو ذلك.
الثاني: أن يكون العمل مباحاً في نفسه، لعمومات النصوص التي تشمل الرجال والنساء.
الثالث: أن يكون سالماً من الاختلاط بالرجال أو الخلوة بهم، والأدلة التي تمنع من اختلاط الرجال بالنساء ولكن المقام لا يسمح أن نذكرها كاملة فنذكر منها دليلين:
1- منها قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب): وهذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد أنهم إذا خاطبوا زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهن من النساء لحاجة، فعليهم أن يسألوهن بغير مقابلة ولا تواجه في الوجوه، لأن هذا يؤدي إلى مفاسد عظيمة كما قال تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
وهذا في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وغيرهن من المؤمنات، وإذا تصورنا المسألة فنقول: إن مثل عمر - الذي إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً آخر - إذا أراد أن يخاطب عائشة أم المؤمنين لأمر طارئ وعاجل فعليه أن يخاطبها من وراء حجاب ويسألها من وراء الباب، وإذا كان هذا في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن الضعفاء ؟!
2- قد فصل الشرع بين الرجال والنساء في أشرف بقعة وهي المساجد، وأطهر وضع وهو الصلاة، فإذا صلت النساء مع الرجال في المسجد فعليهن أن يتأدبن بالأدب الإسلامي العظيم فتدخل من باب النساء الخاص بهن ولا تزاحم الرجال من أبوابهم الخاصة بهم، وتصف في صف النساء الخاص بهن، وكلما كان الصف أبعد من الرجال كان أفضل وأعظم في الأجر، لأن خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وإذا حدث للإمام شيء وتنبهت له المرأة دون الرجال فعليها أن تصفق دون أن تنطق بكلمة واحدة، وإذا انتهت الصلاة فلا ينبغي للرجال أن يلتفتوا حتى تنتهي النساء من صلاتهن، ومع هذا التحرز البالغ فإن الشرع يقول لها إن صلاتها في بيتها أفضل لها من صلاتها في المسجد ولو كانت الصلاة في المساجد التي أجورها مضاعفة.
ويلاحظ القارئ أنه ليس هناك مواجهة في الوجوه بين الرجال والنساء في مثل هذه الأوضاع إلا على سبيل النادر والصادر عن الخطأ.
ومن نظر إلى الكليات والمدارس في الآونة الأخيرة، يرى نقيض هذا الوضع تماماً، فالفتيات في كامل زينتهن وقمة المراهقة، ويتحدثن مع الشباب ويضحكن ويخلو الشباب بهن ويراسلونهن ويتم تبادل الأفلام والكليبات الخليعة بينهم، وهل حصلت مثل هذه الأوضاع إلا لأن الباب انفتح على مصراعيه فتطور الشر حتى أصبحنا نسمع عن أطفال غير شرعيين يرمون في القمامة، وعن زواج الصداقة، وهذا النوع ليس له من الزواج إلا الجماع الذي يكون بين الرجل والمرأة، وهو ما يسمى بالاتصال الجنسي فقط، دون قضية النفقة والقوامة والتربية والتوجيه وغيرها.
والعجيب أن هناك من أصحاب الفقه العجيب من يقيس الانحراف على الاستقامة، ويلحق الخطأ بالصواب كالشاعر الحداثي اليمني عبد العزيز المقالح الذي أجاز الاختلاط في جامعة صنعاء – وهو من أسوأ أنواع الاختلاط وأقدمه – أجازه واستدل بأن النساء كن يصلين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال !!
سارت مشرقة وسرت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب
والأدلة على منع الاختلاط والرد على مثل هذا القول كثيرة في هذا الباب لكن في هذين الدليلين كفاية وعبرة لأهل الإنصاف.

2- وجود الفارق بين الرجل والمرأة:
يقول البروفسور "ستيفن جولد بيرج" قد كتب يقول محذراً: (الرجال ليسوا أفضل من النساء، ولكنهم مختلفون، إن المخ لدى الرجل يعمل بطريقة مختلفة عن مخ المرأة، وإن الرجال والنساء من ذوي المستوى الذكاء المتساوي يميل الرجال إلى تسجيل درجات أعلى في حل المشكلات المنطقية والتحليلية بينما يكون أداء النساء أعلى في المهارات الشفهية).
ويضيف قائلاً: (بأن النساء لديهن وعي عاطفي أعظم حتى قبل أن يكون لهن أولاد وإن البنات الصغيرات في الشائع أكثر وعياً وحساسية لمزاج الوالدين من الأولاد الصغار).
ويرى كارليل في كتابه: "الإنسان ذلك المجهول": (بأن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الاختلاف الخاص بالأعضاء التناسلية ووجود الرحم والحمل أو من نوع التعليم، إن هذه الاختلافات ذات طبيعية جوهرية، إنها تأتي من الاختلاف الأساسي في الخلايا ومن تلقيح الجسم كله بالمواد الكيميائية التي تفرزها المبايض.
ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق لدى دعاة "الأنثوية" إلى المطالبة بنوع واحد من التعليم لكلا الجنسين وكذلك المطالبة بقوة واحدة ومسؤوليات متساوية، وفي الحقيقية تختلف النساء بعمق عن الرجال، فكل خلية من جسمها تحمل علامة على جنسها) أ.هـ
بل يتفق الجميع من العلماء والأطباء أن هذه الفروق بين الرجل والمرأة هي منذ بداية طفولتهما إلى نهاية أعمارهما، بل إن هذه الفروق تشمل كذلك أيضاً الفروق في التفكير والغايات والوسائل التي يتوصلون بها إليها.
فهناك اختلاف شاسع في سلوك الطفل الذكر عن سلوك الطفلة ولو كانا توأمين، فالصَّبي عادةً أكثر عُنفاً ونشاطاً وإدراكاً من أخته، ولذلك تشكو الأم في العادة من نَشاط أولادها الزائد وما يُسبِّبونه لها من متاعب كتحطيمٍ الأثاث في المنزل، بينما البنات في العادة هادئاتٌ، وتميل الصَّغيرات إلى اللعب بالعرائس وإلى تسريحها والعناية بها، ويقومن بتمثيل دور الأم في البيت وكيف تصنع الطعام وترتب الدار، مع ما يلاحظ عليها من كثرة وقوفها أما المرآة وكيف تتصرف وتتحرك كفتاة شابة من حيث التدلل والتكسر، والاهتمام بالثياب الجميلة، ولذلك كثيراً ما نرى ونسمع من الفتاة الصغيرة توجيه الأنظار إليها لنرى ثوبها الجميل وتسريحة شعرها.
هذا كله يبين لنا أن الفوارق بين الرجل والمرأة كثيرة حتى من بداية نشأتهما، مما يدل على أن هذا شيء جبل الله عليه الجنسين لا يد لهما فيه.
وتستمر الفروق بينهما وتنمو يوماً بعد يوم حتى تبلغ أعظم الاختلاف عند البلوغ عندما تستيقظ الغُدد التناسلية فترسل هرمونات الذكورة إلى الصبي ليُصبح رجلاً فينمو شعر لحيته وشاربه وغير ذلك، ويصبح صوته غليظاً، وتنمو عضلاته وعظامه وتقوى ثم يتمدد جسمه، فيكون عريض المنكبين قوي الساعدين مفتول الذراعين.
أما الفتاة فتنهمر عليها هرمونات الأنوثة فتنمو أثداؤها وأجهزتها التناسلية وتبدأ الحيض، ويحصل تغير في جسمها بحيث يخفي أي نتوءٍ أو حفرة تنفر منها الأعين، وينعم صوتها ويصير رخيماً ليس هذا فحسب, ولكن الهرمونات تؤثر في السلوك كما تؤثر في القوام والمشية فتجعل الفتى مقداماً محباً للمغامرة وتجعل الفتاة شديدة الخفر والحياء ميالة إلى الدَّلال والتغنج.
تصاب المرأة كل شهر بالعادة الشهرية وهي الحيض، وهذه العادة لها أثر كبير على المرأة من حيث سلوكها.
المرأة في فترة الحيض: ويمكن ذكر بعض هذه الآثار التي ذكرها بعض الأطباء:
1- تصاب أكثر النساء بآلام وأوجاع في أسفل الظهر وأسفل البطن، وتكون آلام بعض النساء فوق الاحتمال مما يستدعي استدعاء الطبيب واستعمال الأدوية المسكنة للألم.
2- تصاب كثير من النساء بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض وخاصة عند بدايته، وتكون المرأة عادة متقلبة المزاج سريعة الاهتياج قليلة التحمل، كما أن حالتها العقلية والفكرية تكون في أدنى مستوى لها.
3- تصاب بعض النساء بالصداع النصفي وهو ما يسمى بـ(الشقيقة) وذلك قرب بداية الحيض، وتكون الآلام مبرحة وتصحبها زغللة في الرؤية وقيء.
4- تقل الرغبة الجنسية لدى المرأة وخاصة عند بداية الحيض، وتميل كثير من النساء في فترة الحيض إلى العزلة والسكينة. وهذا أمر طبيعي وفسيولوجي؛إذ أن فترة الحيض هي فترة نزيف دموي من قعر الرحم، وتكون الأجهزة التناسلية بأكملها في شبه حالة مرضية.
5- فقر الدم (الأنيميا) الذي ينتج عن النزيف الشهري إذ تفقد المرأة كمية من الدم في أثناء حيضها، وتختلف الكمية من امرأة إلى أخري وقد قيست كمية الدم أثناء الحيض وزناً وحجماً فوجد ما بين أوقيتين (60 ميليليتر) وثمان أوقيات (مائتين وأربعين ميليلتر).
6- تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجة مئوية كاملة، وذلك لأن العمليات الحيوية التي لا تكفي في جسم الكائن الحي تكون في أدنى مستوياتها أثناء الحيض، وتسمي هذه العمليات بالأيض أو الاستقلاب ويقل إنتاج الطاقة كما تقل عمليات التمثيل الغذائي، وتقل كمية استقلاب المواد النشوية والدهون والبروتين.
7) تصاب الغدد الصماء بالتغير أثناء الحيض فتقل إفرازاتها الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض.
8- نتيجة للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم ويبطئ النبض وينخفض ضغط الدم وتصاب كثير من النساء بالشعور بالدوخة والكسل والفتور أثناء فترة الحيض.
وتأمل كيف رحم الله هذه المرأة الضعيفة ولاسيما في هذه الفترة، فخفف عنها واجباتها أثناء الحيض فأعفاها من الصلاة وأعفاها من الصوم وطالبها بقضاء فقط، ومنع الزوجين من الجماع، وأخبر الزوجين بأن الحيض أذى وطلب منهما أن يعتزل كل منهما الآخر في الحيض قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
وبعد هذا كله يقول الطبيب (ريبريت): (لا تستطيع قوى المرأة أن تتحمل من مشقة الجهد البدني والعقلي ما تتحمله في عامة الأحوال، وإن عوارض الحامل لو عرضت لرجل، أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها بالمرض بدون شك، ففي هذه المدة يبقى مجموعها العصبي مختلاً على أشهر متعددة، ويضطرب فيها الاتزان الذهني، وتعود جميع عناصرها الروحية في حالة فوضى دائمة) أ.هـ
المرأة في فترة الحمل:
1- أما الحمل فله شأن آخر: فإن المرأة تمر بما يسمى فترة الوحام فينقلب كيان المرأة أثناء الحمل ويبدأ الغثيان والقيء، وكثيراً ما يكون ذلك شديداً وخاصة في الأشهر الأولى من الحمل, وتعطي الأم جنينها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية مهضومة جاهزة حتى ولو كانت هي في أشد الحاجة إليها، بل إن الأمر أبعد من ذلك فإن الجنين يحصل على حاجاته من دم الأم ولو اضطرت الأم المسكينة أن تعطيه ما يحتاج إليه من عظامها، حتى لتصاب بلين العظام وتسوس الأسنان من جراء سحب الجنين للكالسيوم وفيتامين (د) من دم الأم وعظامها.
كما أن معظم الأمهات يصبن بفقر الدم أثناء الحمل وخاصة في النصف الثاني من مدة الحمل، وذلك لانتقال المواد الهامة لصنع الدم من الأم إلى الجنين وسحبها من أماكن خزنها في جسم الأم، وفقر الدم (الانيميا) ينهك الأم وإذا زادت درجته فإنه يؤدي إلى هبوط القلب.
ليس هذا فحسب ولكن الجنين يسحب كل ما يحتاج إليه من مواد لبناء جسمه ونموه حتى ولو ترك الأم شبحا هزيلاً، يعاني من لين العظام ونقص الفيتامينات وفقر الدم، وهي تفعل ذلك راضية مختارة، كما تقوم الأم بأخذ جميع المواد السامة التي يفرزها جسم الجنين وتطردها بدلا عنه.
ولا تكتفي الأم بكل هذا بل تعطي جنينها مواد المناعة ضد الأمراض وتمنع عنه المشيمة كل ما يضره من مواد موجودة في دم الأم ولا تسمح لها بالمرور إلى الجنين كما أنها تصد عنه دخول الميكروبات إلا فيما ندر.
وفي الحمل يتحمل القلب أضعاف ما يتحمله قبيل الحمل، فإن عليه أن يقوم بدورتين دمويتين كاملتين، دورة للأم ودورة للجنين ويتحمل تبعات هاتين الدورتين، وتزداد كمية الدم التي يضخها قلب الأم إلى ما يزيد عن ضعفي ما يضخه يومياً (يضخ القلب قبل الحمل حوالي 6500 لتر يومياً أما في أثناء الحمل وخاصة قرب نهايته فتصل الكمية التي يضخها القلب إلى 15,000 لتر يومياً).
وتزداد سرعة القلب ونبضاته ويكبر حجمه قليلاً وبامتلاء البطن ونمو الجنين يضغط الحجاب الحاجز على القلب والرئتين فيصبح التنفس أكثر صعوبة وتشكو الحامل من ضيق التنفس والنهجان وخاصة عندما تستلقي على ظهرها.
ويضغط الرحم على الأوردة العائدة من الساقين فتمتلئ الساقان بالدماء وتنتفخ مسببة دوالي الساقين، كما تتورم القدمان قليلا في أواخر الحمل، ويصاب الجهاز الهضمي من أول الحمل فيكثر القيء والغثيان وتقل الشهية, ثم بعد ذلك تزداد الحرقة واللذع والتهابات المعدة، كما تصاب الحامل في العادة بالإمساك وتضطرب الغدد الصماء في وظائفها، وتصاب بعض النساء بتورم الغدد الدرقية أثناء الحمل نتيجة نقص اليود.
وهذا غير الرضاعة وأشياء أخرى، وهذا كله مما يؤيد القول بأن بقاء المرأة في بيتها أرحم لها من خروجها وممارستها للأعمال الشاقة، لأن إبقاءها في البيت بمنزلة إعفاءها من كثير من الواجبات، وإن من ينادي بخروجها من البيت ومشاركتها للعمل مع الرجل فإنه يطلب منها ما لا تستطيع، ويكلفها ما لا تقدر عليه من التكاليف فهل هذا من الرحمة بالمرأة ؟!!
المبحث الرابع: حرص أعداء الإسلام على إخراج المرأة المسلمة من البيت:
1- دعاة تحرير المرأة هم أعداؤها الحقيقيون:
هؤلاء الذين ينادون بتحرير المرأة هم أعداؤها الحقيقيون، وهم على قسمين أحدهما: من يخفي أهدافه الخبيثة تحت شعارات التقدم والحرية، والثاني: ومن يكشف أهدافه دون حياء ولا مراعاة للتدين الذي لا زال في نفوس المسلمين، ومنهم محرر "جريدة النهار اللبنانية" الذي كتب مقالاً تحت عنوان: (امرأة بلادي والعشق والجنس) قال فيه: (لنتحدث عن حرية المرأة، دعوني أعترف لكم فوراً إن حرية المرأة ليس لها غير معنى واحد إنه المعنى الجنسي، والمرأة في نظري هي مصعب الأشواق والشهوات، هي مخلوقة غرامية لا معنى لها خارج الوجد والعشق والجنس.
ما هي حرية المرأة ؟! حريتها الحقيقية هي حرية العلاقة الجنسية مع الجنس الآخر أو حتى مع بنات جنسها أو مع الجنسين معاً.
والرجل ما هو دوره ؟ عليه أن يحرض المرأة على الحرية.
إنني أطلب لامرأة بلادي الحق بأن تصادق رجلاً فجأة فإذا اشتهته حققت شهوتها، إنني أطلب لامرأة بلادي كسر طوق الاضطهاد العائلي والديني والأخلاقي، وحريتها في أن تكون حرة بلا حدود، حرة في اقامة علاقة جنسية قبل الزواج، حرة في تغيير حبيـبها متى ضجرت منه، حرة في التصرف بجسدها دون قيد ولا شرط) أ.هـ
أقول: إذن هذه هي الحرية التي يرجوها دعاة تحرير المرأة للمرأة، ولقد حصلت المرأة في الغرب على حريتها الجنسية المزعومة فماذا كانت النتيجة ؟! دمار المجتمعات وسقوط الأخلاق وضياع القيم وانهدام الأسر، 48 بالمائة من فتيات المدارس حاملات من الزنا، ومليون حالة إجهاض سنوياً !! ومليون طفل من السفاح في كل عام !! كل هذا رغم انتشار وسائل منع الحمل، وتلقين هذه الوسائل في الجامعات والمدارس من الثانوية إلى الابتدائية، وهذا غير حالات الطلاق فهناك مليون حالة طلاق في كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية فقط أغلبه من بعد ضياع الأسرة !!
2- حرص أعداء الإسلام إلى إخراج المرأة المسلمة من البيت:
تقول الصليبية "آنا مليجان": (ليس هناك لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة).
ويقول صاحب كتاب "تربية المرأة والحجاب": (إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في المشرق - لا في مصر وحدها - إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل).
ويقول د.مدرو بيرغر: (إن المرأة المسلمة هي أقدر فئات المجتمع الإسلامي على جره إلى التحلل والفساد أو إلى حظيرة الدين من جديد).
ويقول لاسي: (إن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات المسلمين توجد للإسلام داخل حصنه المنيع - الأسرة - عدواً لدوداً وخصماً قوياً لا يقوى الرجل على قهره، لأن المسلمة التي تربيها يد مسيحية تعرف كيف تتغلب على الرجل، ومتى تغلبت عليه أصبح من السهل عليها أن تؤثر على عقيدة زوجها وحسه الإسلامي وتربي أولادها على غير دين أبيهم، في هذه الحالة نكون قد نجحنا في غايتنا من أن تكون المرأة المسلمة نفسها هي هادمة للإسلام).
ويقول جان بوكارو في كتابه "الإسلام في الغرب": (إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات، ويقلب رأسا على عقب المجتمع الإسلامي، لا يبدو في جلاء مثل ما يبدو في تحرير المرأة).
ويقول زعماء صهيون "بروتوكولاتهم" وهم منظرو اليهود: (علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية).
المبحث الخامس: حقائق مخيفة عن خروج المرأة في الغرب:
1- وهذه "مارلين مونرو" الممثلة الأمريكية المشهورة التي ماتت منتحرة قبل أكثر من أربعين سنة، كتبت قبل انتحارها ترد على فتاة سألتها عن كيفية الوصول إلى الشهرة والمجد فردت عليها قائلة: (إحذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة في هذه الأرض لأني لم أستطع أن أكون أماً.
إني امرأة أفضل البيت، أفضل الحياة العائلية الشريفة على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية هي في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية الشريفة لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية، إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة) أ.هـ
ولم تلبث مارلين مونرو بعد أن كتبت هذه الرسالة إلا قليلاً حتى أقدمت على الانتحار لفرط ما عانته وقاسته من تعاسة وألم بسبب فقدانها لدور المرأة الطبيعي، دور الأم وربة البيت والحياة العائلية النظيفة الشريفة الطاهرة.
2- وقد أجريت استفتاءات في فرنسا وفي بريطانيا وفي أمريكا للنساء العاملات فوجد أن أغلبهن يفضلن العودة إلى المنزل والقيام بدور الأم وربة الأسرة، ولكنهن مضطرات إلى البقاء في العمل لأنهن لا يجدن من يعولهن.
3- ويقول المؤرخ المشهور توينبي تحت عنوان "درس من التاريخ للإنسان المعاصر": (لقد فشلت جميع جهودنا لحل مشكلاتنا بوسائل مادية بحتة، وأصبحت مشروعاتنا الجزئية موضع سخرية !! أننا ندعي إننا خطونا خطوات كبيرة في استخدام الآلات وتوفير الأيدي العاملة ولكن أحدى النتائج الغربية لهذا التقدم تحميل المرأة فوق طاقتها من العمل، وهذا ما لم نشهده من قبل فالزوجات في أمريكا لا يستطعن أن ينصرفن إلى أعمال البيت كما يجب.
إن امرأة اليوم لها عملان: العمل الأول من حيث هي أم وزوجة والثاني من حيث هي عاملة في الإدارات والمصانع، وقد كانت المرأة الإنجليزية تقوم بهذا العمل الثنائي فلم تر الخير من وراء عملها المرهق، إذ أثبت التاريخ أن عصور الانحطاط هي تلك العصور التي تركت فيها المرأة بيتها).
4- ويتحدث الأطباء في الغرب عن الطوابير الطويلة من النساء اللائي يذهبن إلى العيادات ويشكون من صداع وغثيان وآلام وأوجاع في الجسم، مع أرق في كثير من الأحيان، وبفحص هذه الحالات فحصاً جيداً تبين أنهن يعانين من الإرهاق الجسدي والنفسي نتيجة لخروجها إلى العمل.
5- نشرت جريدة "لاسترن ميل" الإنكليزية ما يلي: (لأن تشتغل بناتنا في البيوت كخوادم، خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف رداء.
إنه عار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها) أ.هـ
6- يقول علي عزت بيجوفتش الذي عرف الغرب عن قرب: (إن الحضارة الغربية قد أحالت المرأة إلى موضع إعجاب أو استغلال، ولكنها حرمت من شخصيتها وهو – أي: شخصيتها - الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير والاحترام، وهذا الموضوع مشهود بشكل مطرد وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال أو في مهن نسائية معينة مثل "الموديلات" وفي هذه الحالة لم تعد المرأة شخصية ولا حتى كائنا إنسانياً، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل) أ.هـ
7- وهناك كتاب "أرض النساء" لكاتب فرنسي أشار فيه إلى أن إحدى رائدات حركة "تحرير المرأة في أمريكا" في الستينيات، ترى التراجع عن هذه الحركة عندما أعلنت عام 1982 أنه كان هناك إفراط في تحرير المرأة وهو المسؤول عن أزمة القيم الأخلاقية التي تزلزل أمريكا".
8- وقد ذكرت بعض الدراسات أن نسبة الحوامل من جراء هذا الاختلاط بين الجنسين، قد زاد زيادة سريعة في المجتمعات المتحضرة!! فيقولون: (إن نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الأمريكية قد بلغت 48 % ثمان وأربعون بالمائة).
9- ونقل عن جريدة "الأحد" اللبنانية في عددها (650): (أن الفضائح الجنسية في الجامعات والمعاهد الأمريكية بين الطلاب والطالبات تتجدد وتزداد عاما بعد عام، وأن الطلاب يقومون بمظاهرة في بعض جامعات أمريكا، ويهتفون فيها قائلين: "نريد فتيات، نريد أن نرفه عن أنفسنا" وذكرت أن هجوماً ليلياً وقع من الطلاب على غرف نوم الطالبات وسرقن ثيابهن الداخلية).
10- وقال عميد الجامعة معقباً على ذلك الحدث: (إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعاً جنسياً رهيباً، ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكثر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة).
11- وقد أشارت الإحصائيات في الأعوام المتأخرة على أن (120) ألف طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية، لا تزيد أعمارهن على العشرين، وأن كثيراً منهن من طالبات الجامعات، وذكرت أن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها، وبالوسائل المتجاوبة مع العاطفة، وأن أكثر من 60 % ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات، وتعود أسباب فشلهن إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن ومستقبلهن، وأن 10% عشرة بالمائة فقط ما زلن محافظات.
انظر ما نقل من جريدة "الأحد" اللبنانية عدد (650).
ولا ندري لماذا لا تعالج صحفنا مثل هذه الظواهر السيئة التي منيت بها مجتمعات الغرب عموماً ؟!
12- إن الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن سابقاً أخرج بعض النساء من بيوتهن، تارة بالقوة في بعض المناطق وتارة أخرى بالإغراء، وكان ذلك في بعض الأرياف والمدن، فنتج من ذلك ضرر كبير وشر مستطير، حتى عم البلاء في كل مكان وعرف الناس شيئاً لم يكونوا يعرفونه من قبل، فكثرت حالات الحمل غير الشرعي وكثر إلقاء الأولاد غير الشرعيين في مزارع الأرياف، وفي قمامات المدن.
وهناك أدلة كثيرة ودامغة تدل على أن من ينادي بخروج المرأة لتعمل ليس إلا استدراجاً لها إلى الفراش لأنهم لا يرون المرأة إلا فرجاً لابد أن يشبع غرائزهم وشهواتهم.
وأخيراً نقول لدعاة التقدم ودعاة حرية المرأة إلى أي مستنقع قذر تريدوننا أن نصل وإلى أي هاوية ليس لها قرار تريدون أن تدفعونا يا من تدعون المرأة للخروج للعمل ؟
المبحث السادس: أضرار مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله:
في مشاركة المرأة للرجل عدة أضرار كثيرة يكفي منها أنها خالفت أمر الله في البقاء في البيت فإنه الأصل حيث قال الله تعالى: (وقرن في بيوتكن).
وهناك أضرار ومفاسد أخرى نذكر منها:
1- الوقوع في الفاحشة والانحراف الأخلاقي الناشئ من كثرة الاختلاط والاحتكاك، ومن ذلك كثرة المخادنة والمصادقة والخيانة الزوجية، ولاسيما وأكثر الوظائف النسوية هي من الوظائف التي يحتاجون فيها إلى جمال المرأة كأن تكون سكرتيرة أو مضيفة أو مقدمة برامج في التلفاز أو على كرسي الاستعلامات في الفندق أو نحو هذا، وهذا يدفع بعجلة التبرج والسفور إلى الأمام نسأل الله السلامة والعافية.
تقول الباحثة الأمريكية "هيلين فيشر": (إن الاختلاط يؤدي إلى إيجاد محيط يسبب نوعاً من التهيج) أي: التهيج الجنسي.
يقول أحد العاملين بـ"معهد العلاقات بين الجنسين" في مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا: (إننا لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل).
ولقد حدثني أكثر من شخص من الموظفين أنه يدخل على بعض المكاتب في مكان وظيفته فيجد رجلاً وامرأة في حالة عري فاضح.
ولم تكتف المجتمعات الغربية بتعريض المرأة للتحرش الجنسي فإنها تعرضت وما تزال تتعرض للاغتصاب،
ومن الإحصائيات الدالة على عظم مصيبة الاغتصاب في الدول الغربية ما أوردته إحدى الدراسات الصادرة في واشنطن أعدها "مركز الضحايا الوطني" و"مركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصاب" أن ثمان وسبعين امرأة يتعرضن للاغتصاب كل ساعة، أي بمعدل ستمائة وثلاثة وثمانين امرأة في السنة، وتضيف الدراسة أن 13% من النساء في أمريكا تعرضن للاغتصاب على الأقل مرة واحدة في حياتهن، وأن 61 في المائة منهن كن أقل من 18 سنة و29% منهن كن دون الحادية عشرة من العمر كما أن 32% كن بين سن الحادية عشر والسابعة عشر.
2- حرمان كثير من الرجال من الوظائف، فإننا نجد أن بعض الرجال يعمل موظفاً هو وزوجته طلباً في التوسع في دخل الأسرة فقط، في الوقت الذي نرى أن هناك رجالاً عاطلين عن العمل هو وزوجته، فتسبب خروج المرأة في قسمة ضيزى بين الرجال.
3- فساد مروءة كثير من الرجال الذين يعتمدون على زوجاتهم الموظفات في النفقة عليهم وعلى الأسرة وعلى كثير من متطلبات المنزل على سبيل الدوام والاستمرار، بل وصل الحال إلى أن بعض الرجال يعتمد على زوجته وحدها فقط في النفقة على الأسرة، دون أن يكون له أدنى عمل.
4- فساد مروءة وأخلاق كثير من الرجال الذين اختلطوا بالنساء في الوظائف والأعمال فساءت طباعهم وأصبح فيهم شيء من التكسر والميوعة.
5- تسلط الكثير من النساء على القوامة وهيمنتها على كثير من قرارات الأسرة لأنها ترى نفسها مشاركة للرجل في النفقة، فهي قد تخرج من المنزل وقد تأذن لأبنائها وبناتها في كثير من الأمور، وقد تحسم في كثير من القضايا دون أخذ مشورة الرجل، وهذا موجود بكثرة في المدن ولاسيما في الأسر التي تعمل فيها المرأة.
وقد اشتكى لي رجل وحدثني أنه يقوم من نومه أو يرجع من العمل إلى بيته فلا يجد زوجته في البيت فيتصل بها على الهاتف الجوال الخاص بها فترد عليه من "أسواق السوبر ماركت" !! فقد خرجت بحجة أنها تتبضع للمنزل !! وقد أخبرني أنها تفعل ذلك كل أسبوع مرة أو مرتين.
بل عمل المرأة في الوظيفة جر كثيراً من النساء إلى التسلط على الآباء والأمهات، مما سبب ضعف قوامة الولي على المرأة، لأنهم يرون أنهم عالة على بناتهم، مما جر الآباء والأمهات إلى إطلاق العنان لهؤلاء النساء، فحصل الكثير من تمرد النساء.
6- فقدان الاستقرار الأسري الذي ينشده كل رجل وامرأة، فليست المرأة متعة جسدية فقط، بل هي نفس شريفة يجد منها الزوج لطفاً وخفة، يصل إليها زوجها بعد أن تتكدر نفسه بما يلاقيه في عمله من اختلاط بأصناف الناس وألوانهم، فيبقى عندها يسيراً وإذا بكاهله يخف وبنفسه ترف، فتعود إلى سابق عهدها من الأنس واللطف، وهذا كله يفتقده الرجل في بيت تكون المرأة فيها دائمة الغياب، وهذا يسبب أثراً كبيراً على نفسيته.
7- فساد أخلاق كثير من النساء لأن الحياء يقل مع كثرة خروجهن واحتكاكهن بالرجال، وهذا شيء ملاحظ على الكثير من الموظفات إلا من رحم الله منهن.
وجاء في تقارير "اليوم العالمي لحقوق المرأة" ما يدل على أنها تندد بالمرأة الإنجليزية والأمريكية لمزاحمتها الرجال، وتشيد هذه التقارير بالمرأة السويسرية لعودتها إلى المنزل، وقد تضمن التقرير أنه أقيم حفل في سويسرا - معقل المنظمات المنافحة عن حقوق المرأة - لتكريم المرأة السويسرية لتفانيها في أداء واجباتها المنزلية.
حتى وصل ببعض النسوة أنه ربما تضع أطفالها أو بعضهم عند قرابتها أو عند الجيران، وفي الدول الأخرى يوضع الأطفال في دور الحضانة أو عند خادمات، ولقد كشف الدراسات عن تعامل هؤلاء الخادمات بعنف مع هؤلاء الأطفال.
8- اضطرار المرأة إلى التفكير بتحديد النسل حتى توازن بين عملها وتربية الأطفال، ولذلك نجد من دول كبرى مثل فرنسا واليابان تشكو من قلة المواليد.
9- تأخر زواج الكثير من الفتيات حتى يصلن إلى مرحلة اليأس من الزواج لأنها ترى أنها لا تتزوج حتى تكمل دراستها وتتوظف، وهذا يسبب كثرة حالات العنوسة في المجتمع.
10- خروج المرأة المتكرر إلى خارج المنزل يسبب لها الكثير من المتاعب البدنية والنفسية وترجع إلى بيتها وهي متعبة بدنياً وتشعر بصداع كبير في رأسها، وهذا إن كانت لا تبذل جهداً فكيف إذا كانت تخرج لبذل جهد.
تقول الدراسات في أمريكا: (إن النساء العاملات هناك أكثر عرضة للإصابة بضغط الدم وتصلب الشرايين والانهيار النفسي من ربات البيوت).
وعقد مؤتمر في ألمانيا أكد فيه رئيس أطباء المستشفى أن الإحصاءات تبين أنه من كل ثمان ساعات تعاني واحدة منهن من مرض القلب والجهاز الدموي بسبب الإرهاق غير الطبيعي.
11- ضياع حق كثير من الأطفال في الرعاية والعناية حتى ساءت أخلاق الأطفال ونشأوا على العنف، ولقد شاع في الغرب عصابات الإجرام من مدخني الحشيش والأفيون وأرباب القتل والاغتصاب الجنسي، لأن أكثرهم نتاج للتربية السيئة أو لإهمال الأبوين.
فقد نشرت "مجلة الأسرة" العدد (67) شهر شوال 1419 هـ (ص52) ما يدل على أن عمل المرأة يخلف آثاراً وخيمة على نشأة الجيل وتربيته، وأثبتت الدراسة أن أبناء الأمهات العاملات أكثر إخفاقاً وارتكاباً للشغب والجرائم.
ومن هذا الباب حرمان كثير من الأولاد من نعمة الرضاعة من الأم لأنها مشغولة بالوظيفة، وهي لا تعلم أن تغذية الطفل بما يحتاجه من اللبن ولاسيما لبن الأم خير من توفير المال له، ففوائد الرضاعة للطفل أكثر من أن تحصى، فمنها:
أ- لبن الأم معقم جاهز وتقل بذلك النزلات المعوية المتكررة والالتهابات التي تصيب الأطفال الذين يرضعون من القارورة، وكذلك تقل الالتهابات التي تصيب الجهاز التنفسي وذلك بسبب وجود مواد مضادة للميكروبات في لبن الأم.
ب- لبن الأم لا يماثله أي لبن آخر، فهو قد خلقه الله ليفي بحاجات الطفل يوماً بيوم منذ ولادته وحتى يكبر إلى سن الفطام، فتركيب اللبأ وهو السائل الأصفر الذي يفرزه الثدي بعد الولادة مباشرة ولمدة ثلاثة أو أربعة أيام يحتوي على كميات مركزة من البروتينات المهضومة والمواد المحتوية على المضادات للميكروبات والجراثيم، كما أنها تنقل جهاز المناعة ضد الأمراض من الأم إلى الطفل.
ج- يحتوي لبن الأم على كمية كافية من البروتين والسكر وبنسب تناسب الطفل تماماً، بينما المواد البروتينية الموجودة في لبن الأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات تناسب أطفال تلك الحيوانات أكثر من مناسبتها للطفل الإنساني كما أن نوعية البروتينات والسكريات الموجودة في لبن الأم أسهل هضماً من تلك الموجودة في الألبان الأخرى.
د- تكثر لدى الأطفال الذين يرضعون من القارورة الوفيات المفاجئة، وهذا النوع من الوفيات لا يعرف لدى الأطفال الذين يلتقمون أثداء أمهاتهم.
هـ- نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم أسرع وأكمل من أولئك الذين يرضعون من القارورة.
و- ينمو الطفل الذي يرضع من أمه نفسياً نمواً سليماً بينما تكثر الأمراض والعلل النفسية لدى أولئك الذين يرضعون من القارورة.
ز- يتعرض الأطفال الذين يرضعون الألبان المجففة بواسطة القارورة إلى أمراض الحساسية الجلدية بأنواعها والربو وحساسية الجهاز الهضمي بالأضافة إلى النزلات المعوية المتكررة بينما نجد الأطفال الذين يرضعون من الثدي لا يعانون من هذه الأمراض إلا نادراً.
وهذه الرضاعة تعود منافعها كذلك على الأم، ومن هذه المنافع:
أ- الارتباط النفسي بين الأم وطفلها أثناء الرضاعة عامل مهم لنفسية الأم والطفل.
ب- يعود جسم الأم إلى رشاقته وحجمه الطبيعي بسرعةٍ إذا قامت الأم بإرضاع وليدها.
ج- يعود الرحم بسرعة إلى حجمه ووضعه الطبيعي أثناء الرضاعة، وذلك لأن امتصاص الثدي يؤدي إلى إفراز هرمون "الاكسوتوسن" الذي يسرع بعودة الرحم إلى حالته الطبيعية، ولولا ذلك لأصيب الرحم بالإنتان والالتهابات.
وينظر: "عمل المرأة في الميزان" للدكتور صاحب المقالات النافعة: محمد علي البار.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 22:11   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الثامنة:
الرياضــة النســوية:


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الثامنة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن "الرياضة النسوية" لأنها من فروع الكلام على حرمان المرأة من بعض حقوقها عندهم وهكذا يزعمون.
وقد روجت لهذه الرياضة كثير من وسائل الإعلام، واستجابت لهم من الفتيات من استجابت، ظناً منهن أنهن سيلحقن بركاب الغرب وحضارته، وكأن الغرب يعيش في سعادة غامرة وهذا ليس صحيحاً، ففي مقابلة صحفية أجرتها إحدى المجلات العربية مع "نادية أوبيربيه" وهي امرأة فرنسية متخصصة فيما يقال له "الفن الإسلامي" قالت: (وجدت المرأة العربية المسلمة محترمة ومقدرة داخل بيتها أكثر من الأوروبية، واعتقد أن الزوجة والأم العربيتين تعيشان بسعادة تفوق سعادتنا، وربما كان الأمر مختلفاً بالنسبة للمرأة العاملة التي تقع عليها أعباء كثيرة بالإضافة إلى أعباء البيت).
وتوجه نصحها للمرأة المسلمة فتقول: (لا تأخذي من العائلة الأوروبية مثالاً لك، لأن عائلاتها هي أنموذج رديء لا يصلح مثالاً يحتذى).
وتحذر رئيسة "جمعية الأمهات الصغيرات في أمريكا" المسلمين في مؤتمر القاهرة فتقول: (لقد دمروا المجتمع الأمريكي وجاؤوا الآن بأفكارهم للمجتمعات الإسلامية حتى يدمروها ويدمروا المرأة المسلمة ودورها فيها) أ.هـ من كتاب "سقوط الحضارة الغربية، رؤية من الداخل" لأحمد منصور.
ويتكون هذا البحث من عدة مباحث:
الأول: مقدمة في مكر أعداء الإسلام.
الثاني: حقيقة الرياضة.
الثالث: حاجة المرأة إلى الرياضة.
الرابع: أضرار الرياضة الغربية.
الخامس: ما يلحق بهذا الباب.



المبحث الأول: مقدمة في مكر أعداء الإسلام:
لأعداء الإسلام مكر بالإسلام وأهله ليلاً ونهاراً، لا يتفطن له الكثير من المسلمين وذلك بسبب الغفلة الحاصلة منهم، وشدة دهاء هؤلاء الأعداء ودقة خططهم، ولهذه الحرب صور كثيرة منها الحرب العقدية والأخلاقية والاجتماعية على بلاد المسلمين، والتي من فروعها ما تدعو إليه بعض المنظمات وبعض وسائل الإعلام من الدعوة إلى ما يسمى بـ"الرياضة النسوية" التي قام الإعلام بالدعوة إليها على قدم وساق بحجة: (الرياضة للجميع) !!
إنها الدعوة إلى "الرياضة النسوية" تلك الدعوة التي يتعجب المسلم من شدة حرص الأعداء عليها، وسعيهم الحثيث للدعوة إليها مع ضحالة فوائدها وقلة عوائدها، مقارنةً بالزخم الإعلامي والأموال الطائلة التي يدعمون بها هذه المنظمات، فهذا يدل على أن لهم أهدافاً أخرى هي أبعد مما نتصور.
والعجيب أنه قبل ثلاث سنين أو تزيد قليلاً كنا نقرأ في بلادنا "اليمن" في صحيفة يومية مشهورة من يطالب بهذه "الرياضة النسوية" ولاسيما كرة القدم منها !! وما هي إلا مدة وجيزة وفترة يسيرة، إلا ويصبح هذا واقعاً موجوداً، وشيئاً ملموساً !!
المبحث الثاني: حقيقة الرياضة:
1- حقيقة الرياضة وهدفها:
تعريف الرياضة:
الرياضة: مصدر راض، يقال: راض المهر يروضه رياضاً ورياضة فهو مروض أي ذلله وأسلس قياده، ورياضة البدن معالجته بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة.
ثمرة الرياضة:
وقد قال المختصون: إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضاً ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هي أحسن الطرق فى هذا المجال) أ.هـ بتصرف من "فتاوى الأزهر".
خروج الرياضة عن مقاصدها:
أقول: هذه هي الرياضة في الأصل، لكن لا يخفى على أحد منا ما وصلت إليه هذه الرياضة مع مرور الأيام والليالي، وكيف تطورت تطوراً ملحوظاً حتى خرجت عن مقاصدها وأهدافها، وأصبحت متعة وترفيه لكثير من المشاهدين بل واللاعبين، بل وأصبحت اليوم مصدر رزق لكثير من الناس وربما يلتحق بها الشاب لأنها مصدر رزق فقط ليس غير، كالذين يملكون "القنوات الرياضية" والمعلقين عليها وفريق التدريب وغيرهم، بل أصبحت مصدراً لتحقيق الثروات الكبيرة، فهدف كثير من الذين يشاركون فيها هو أنهم يتحصلون على ثروة هائلة، بل أصبحت الرياضة ميداناً للتنافس القومي والإقليمي، فأصبح كل بلد يطمع في الانتصار على البلد الآخر وبأي وسيلة، وأصبحت كل قارة تتفاخر بأنها حصلت على الكأس الفلاني كذا وكذا مرة، إلى غير ذلك من الأهداف التي دخلت في الرياضة وغيرت اتجاهها اليوم، فمن الظلم بعد هذا كله أن يوصف من يمنع بعض صور هذه الرياضة لخطر في بعض مقاصدها أو وسائلها بأنه منع حق المرأة وهضمها حقها، وهذا ما نريد أن نصل إليه في حلقتنا اليوم، فـ"الرياضة النسوية" اليوم بإمكانها أن تحقق الهدف المنشود منها بغير الطريقة التي تدعو إليها هذه المنظمات اليوم، لأنهم يدعون إلى رياضة بصورة معينة تهدف من وراء ذلك إلى هدم الآداب والفضيلة.
2- كلام ابن القيم في الرياضة:
وقد ذكر ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" عند الكلام على الرياضة، أن الحركة هي عماد الرياضة، وهي تخلص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلاً للغذاء.
وقد ذكر ضابط الرياضة النافعة فقال في "زاد المعاد": (والرياضة المعتدلة هي التي تحمر فيها البشرة، وتربو ويتندى بها البدن، وأما التي يلزمها سيلان العرق فمفرطة).
وقد ذكر وقت المطلوب للرياضة فقال: (ووقت الرياضة بعد انحدار الغذاء، وكمال الهضم).
وذكر أن كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، حيث قال في "زاد المعاد": (وأي عضو كثرت رياضته قوي، وخصوصاً على نوع تلك الرياضة، بل كل قوة فهذا شأنها، فإن من استكثر من الحفظ قويت حافظته، ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة، ولكل عضو رياضة تخصه، فللصدر القراءة، فليبتدئ فيها من الخفية إلى الجهر بتدريج، ورياضة السمع بسمع الأصوات، والكلام بالتدريج، فينتقل من الأخف إلى الأثقل، وكذلك رياضة اللسان في الكلام، وكذلك رياضة البصر، وكذلك رياضة المشي بالتدريج شيئا فشيئاً) أ.هـ
ثم قال: (وأما ركوب الخيل ورمى النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهي قالعة لأمراض مزمنة).
3- شريعة الإسلام تراعي الحفاظ على الجسم:
ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم، لأن الجسم القوي أقدر على أداء التكاليف، وفي حالة ضعف الجسم عن أداء هذه التكاليف تخفف الشريعة من هذه التكاليف إبقاء على صحة الجسم، فأجازت أداء الصلاة من قعود لمن عجز عن القيام، وأباحت الفطر لغير القادرين على الصيام، ووضعت الحج والجهاد وغيرهما عن غير المستطيع كل ذلك مراعاة للقدرة وصيانة للبدن من التلف.

المبحث الثالث: حاجة المرأة إلى الرياضة:
1- حاجة المرأة إلى رياضة نزيهة:
المرأة تحتاج إلى شيء من الحركة والمرونة التي تنال بها شيئاً من النشاط والخفة وتدفع عنها الخمول والكسل، ومن ذلك ما تقوم به من الخدمة في بيتها من طبخ وكنس وغسل للثياب وحمل للماء وتكسير للحطب، ونحو ذلك مما يناسب خلقتها وطبيعة جسدها، فهذه رياضة مناسبة جداً للمرأة وهو شيء لا يستهان به من الجهد المبذول، فإنها تأوي إلى فراشها في ليلها وقد أخذ منها العمل كل قواها.
وقد عرضت "قناة العربية" في تاريخ 7/10/1429 هـ لدراسة طبية انجليزية أفادت أن ممارسة المرأة للأعمال المنزلية في حدود 20 دقيقة 5 مرات أسبوعياً يوفر اللياقة البدنية والصحية والنفسية للمرأة.
نقلاً عن رسالة: (الأندية الرياضية النسوة: نفثة تغريبية وخطوة تخريبية) للحقيل، الذي نقله عن: (الرياضة النسائية بين الصحة والاحتراف) لمحمود الشنقيطي.
فليس من الضروري أن تكون هذه الرياضة على الطريقة الغربية، والتي فيها اختلاط الشباب بالفتيات، والتكشف والسفر بدون محرم، إلى غير ذلك من المفاسد.
فمن الخطأ أن يظن الكثير أن هناك تلازماً بين رياضة النساء، وانفلاتهن من الشرع والأخلاق والقيم، فإنه يمكن للمرأة أن تمارس الرياضة بإحدى الطرق الشرعية التي كانت المرأة العربية تمارسها قديماً، أو بإحدى الطرق العصرية، وقد كانت المرأة العربية في أحسن حال وهي أقوى من هؤلاء النسوة المتأخرات وأصح بدناً وأسلم عقلاً، بل العجائز اليوم أنشط بكثير من فتيات هذا العصر.
2- أنواع الرياضة:
وهناك أنواع كثيرة من الأعمال والأفعال التي إذا قامت بها المرأة حصل لبدنها نوع من الحركة والنشاط ما تستطيع به أن تستغني عن الرياضة الغربية، فمن ذلك:
1- الصلاة ففيها بركة عظيمة على البدن عموماً وعلى الوجه خصوصاً، فضلاً عن أثرها في تزكية الروح والنفس وتهذيب الأخلاق، ولاسيما قيام الليل.
قال ابن القيم في "زاد المعاد": (ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن، وإذابة أخلاطه وفضلاته، ما هو من أنفع شيء له سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان، وسعادة الدنيا والآخرة، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شيء للبدن والروح والقلب، كما في "الصحيحين" عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن هو استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة ثانية، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان") أ.هـ
2- ومنها الصيام فقد اتفق الأطباء على أن للصيام أثراً عظيماً على البدن، وأن له وقاية كبيرة من الأمراض والتخمة – السمنة – وغير ذلك.
قال ابن القيم في "زاد المعاد": (وفي الصوم الشرعي من أسباب حفظ الصحة ورياضة البدن والنفس ما لا يدفعه صحيح الفطرة).
3- ومن ذلك الحج والعمرة فإنه جهاد النساء كما سيأتي، قال ابن القيم: (وأما الجهاد وما فيه من الحركات الكلية التى هى من أعظم أسباب القوة، وحفظ الصحة، وصلابة القلب والبدن، ودفع فضلاتهما، وزوال الهم والغم والحزن، فأمر إنما يعرفه من له منه نصيب، وكذلك الحج وفعل المناسك، وكذلك المسابقة على الخيل، وبالنصال، والمشي فى الحوائج، وإلى الإخوان، وقضاء حقوقهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، والمشي إلى المساجد للجمعات والجماعات، وحركة الوضوء والاغتسال، وغير ذلك).
4- وإذا أرادت أن تمارس الرياضة التي تحبها فتمارسها في بيتها، فقد نشرت "جريدة الرياض" العدد (10883) أن هناك دراسة أمريكية حديثة أن النساء اللواتي يمارسن الرياضة في المنزل يفقدن وزناً أكثر، ويصبح شكلهن أحسن من النساء اللواتي يمارسن نفس التمارين في النوادي الخاصّة.
5- ولها أن تمارس رياضة المشي ولاسيما في الليل مع زوجها أو أخيها أو غيرهما، أو الإتيان بأجهزة وآلات حديثة لممارسة الرياضة في البيت أو أماكن خاصة دون أدنى تكشف من النساء.
وفي مقال نشره موقع (معكم) جاء فيه: (وأوضحت الدراسة أن النساء لسن بحاجة إلى ممارسة أنشطة رياضية مرهقة في مراكز اللياقة البدنية لكي يقللن من خطورة إصابتهن بالسرطان، فالمشي لمدة ساعتين وركوب الدراجة (أي: الدراجة الثابتة) لمدة ساعة يومياً يكفي لتحقيق ذلك خاصة بعد سن اليأس، وأشارت الدراسة إلى أن النساء غير النشيطات اللاتي شملتهن الدراسة هن من اقتصرت فترة مشيهن على نصف ساعة في اليوم) أ.هـ
3- ضوابط الرياضة النسوية المشروعة:
وعلى هذا فالرياضة بالنسبة للنساء مشروعة بهذه القيود:
الأول: أن لا يكون فيها اختلاط بين الجنسين الرجال والنساء، ولا خلوة رجل بامرأة.
الثاني: أن لا يكون فيها شيء من كشف العورة للرجال أو للنساء أو تحجيمها.
الثالث: أن لا يكون فيها سفر للمرأة بدون محرم.
الرابع: أن لا يكون فيها إهمال المرأة لواجباتها في البيت أو غيره.
الخامس: أن لا يكون فيها عنف أو قسوة يضر بها أو بغيرها، أو يخرج بها عن طبيعة المرأة.
المبحث الرابع: أضرار الرياضة الغربية !!:
وينبغي أن يعرف أن الرياضة التي ينادي بها الغرب ويطالبون بها هي رياضة خاصة محددة من جهتهم، لا يريدونها لما فيها من الحيوية للمرأة كما يزعمون، ولكن لما فيها من مفاسد عظيمة، وأضرار كثيرة، وهي بالجملة ترجع إلى أمرين أحدهما: مفاسد في دين المرأة وأخلاقها، والثاني: مفاسد في بدنها.
1- المفاسد الأولى وهي المفاسد العائدة على دينها:
وهي كثيرة فمن ذلك:
1- أن هذه الرياضة فيها اختلاط الفتيات الشابات بالرجال ولاسيما الشباب، ولا يخفى ما في هذا الاختلاط من أضرار عظيمة، وعواقب وخيمة، على الفرد والمجتمع.
قال ابن القيم في "الطرق الحكمية": (ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال).
وقال رحمه الله: (ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة والرقاق ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك).
وقال رحمه الله: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة).
فالرياضة من أقوى الروابط بين الشباب والفتيات، مع كونها تكسر الحواجز بين الجنسين، وتحتم الاختلاط المستمر القائم على التهتك، فالفتاة التي هي في قمة الأنوثة وريعان الشباب، تختلط بشاب يزعم أنه يدربها أو يشرف عليها أو هو رئيس ناديها أو نحو ذلك أو يخالطها في قاعة الرياضة، فإذا كان الشاب يرى الفتاة ويلتقي بها في أماكن خاصة، ويدربها ويلقنها، فتراه يضحك معها تارةً، وتارة يصيح بها، وتارة يمسك بيديها بل وببدنها، وقد يشتبك بها ويطرحها أرضاً ويعلو عليها كما هو الحال في لعبة الدفاع عن النفس بأنواعها وفروعها، وهذا غير سائر الألعاب، فما ظنك بالنتائج المترتبة على ذلك ؟! وإذا كان هذا لا يجوز في تدريس المرأة القرآن بدون احتكاك فكيف بغيره ؟!
وقد تشارك هؤلاء الفتيات في مباريات علنية في قاعات وصالات كبيرة يحضرها جماعة كبيرة من الرجال المعجبين والمشجعين، فتعلو الأصوات وترتفع الهتافات، وتطلق الصفارات، بل حكم المباراة ومعاونوه هم أنفسهم من الرجال !! وتحصل من المهازل ما لا يعلم بها إلا الله !!.
وقد تشارك الفتيات في منافسات دولية، أو دورات خارجية، فتخرج مع الرجال والشباب وتسافر إلى الخارج، فمع من ستذهب ؟! وأين ستسكن ؟! وكم ستمكث بعيداً عن دارها وفي غربة خارج الوطن والبلاد ؟! لا شك أنها ستذهب مع رجال أجانب ليسوا من المحارم !! وستبيت في فنادق، ماذا يجري في هذا الفندق ؟! وماذا يعرض في قنواته ؟!
2- ومن ذلك التشبه بالرجال، وقد استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحاح" وغيرها بلعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء.
وقد نشرت "صحيفة الأخبار المصرية" في عددها الصادر في 20/10/1972م (ص 4): (أنه قد أقيمت في هذا الأسبوع الحفلة السنوية لسيدة العام وحضرها عدد كبير من السيدات على اختلاف مهنهن.. وكان موضوع الحديث والخطب التي ألقيت في حضور الأميرة (آن) البريطانية هو حرية المرأة وماذا تطلب المرأة، وقد حصلت على تأييد الاجتماع الشامل فتاة عمرها 17 عاماً رفضت رفضاً باتاً حركة التحرير النسائية، وقالت: إنها تريد أن تظل لها أنوثتها ولا تريد أن ترتدي البنطلون بمعنى تحدي الرجل، وأنها تريد أن تكون امرأة وتريد زوجها أن يكون رجلاً، وصفق لها الجميع وعلى رأسهن الأميرة "آن").
"كتاب المرأة العربية المعاصرة إلى أين ؟!" (ص 50).
2- المفاسد الأخرى وهي المفاسد العائدة على بدنها:
ومن مفاسد الرياضة التي يطالب بها الغرب رياضة شاقة على النساء، وعنيفة في حقهن، وإذا كان هناك بعض اللاعبين من يتعرض لبعض الإصابات الخطيرة في مثل كرة القدم، فيضطر للسفر لها، وإجراء بعض العمليات من أجلها، ثم الراحة الطويلة من أجلها، فماذا عسى أن تفعل المرأة المسكينة مع هذه المعارك كالمصارعة، والملاكمة، والجودو، والكارتيه، والجري لمسافات طويلة، وركوب الخيل، ونحو ذلك ؟! ألا ترى أن الشارع قد أسقط عليهن الجهاد في سبيل الله وهو أحق من هذه الرياضة بكثير، فقد قالت عائشة: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد ؟ فقال: (لكن أفضل الجهاد حج مبرور) رواه البخاري، وفي رواية لابن خزيمة: (عليكن جهاد لا قتال فيه ، الحج والعمرة).
فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم: (بالرفق بالقوارير)، فقد روى البخاري في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم سليم فقال: (ويحك يا أنجشة، رويدك سوقاً بالقوارير).
قال ابن بطال: (القوارير كناية عن النساء اللاتي كنّ على الإبل التي تساق حينئذ ، فأمر الحادي بالرفق في الحداء لأنه يحثّ الإبل حتى تسرع، فإذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط ، وإذا مشت رويداً أمن على النساء السقوط.) أ.هـ نقلاً من "فتح الباري" (10/538) تحت الحديث (6149).
ثم إن الرياضة النسوية بالمفهوم العصري لها أضرار بالغة على طبيعة المرأة وبدنها، فمن تلك الأضرار ما ذكره هشام البسطويسي "استشاري النساء والتوليد والعقم وخبير الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة" حيث قال: إن البحوث والإحصائيات في مجال الطب الرياضي وطب النساء والولادة والعقم حذرت من بعض الألعاب لتأثيرها على الصحة الإنجابية والمظهر الأنثوي ومنها رفع الأثقال تعد من الألعاب التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة أو الفتاة بصفة عامة، ولكننا وجدنهن مؤخراً ينخرطن نحوها رغم قسوتها التي تشوه شعور الأنثى وتدفعها نحو التعامل بمزيد من العنف وتفقدها رقة التعامل مع الآخر، فضلاً عن المصارعة الحرة والتايكواندو ورمي القرص والجلة وكرة اليد والقدم، فقد تنجم من ممارسة هذه الرياضات العنيفة الكثير من الأضرار التي تكون هذه الرياضات العضلية العنيفة التي تؤثر على مستقبل الإنجابي للفتاة منها:
1- ظهور بعض الشعيرات في غير المناطق الأنثوية مثل الذقن أو أسفل البطن مع ازدياد كثافة هذا الشعر في الأماكن المعتادة مثل العانة وتحت الإبطين.
2- نمو العضلات باليدين والفخذين وقلة المخزون من الدهون تحت الجلد والهرمون المسئول عن ارتفاع وظهور العضلات طبقاً لمعدل نموها كميات متزايدة من هذا الهرمون، وهو ما ينعكس بالسالب على النمو الأنثوي والصفات الأنثوية والذكورية بنسب محددة ويتحكم فيها النوع والجنس.
3- الرياضة العنيفة المستحدثة مثل رفع الأثقال ورمي القرص والجلة والجودو وكرة القدم تتجلى خطورتها في أهم المضاعفات، مثل فقدان غشاء البكارة جزئياً أو كلياً وذلك للأسباب والاحتمالات التالية:
أ - الدفع لأسفل وذلك أثناء عملية الرفعات والتمارين التي قد تسبب انفجار غشاء البكارة وتمزقه أثناء الدورة الشهرية.
ب- فتح الساقين مع التحميل على الفخذين بثقل الجسم يتسبب في تهتك الغشاء ولاسيما إذا كان – أي: الغشاء - من النوع المثقب أو الهلالي.
ج - الإصابة بالضربات الخطأ أو أي كرة طائشة مندفعة بقوة للمناطق الحساسة من الجسم قد تسبب جرحاً ونزيفاً لغشاء البكارة يحتاج لتدخل جراحي في أغلبية الأوقات لإيقاف النزيف.
4- ازدياد الإحساس بالرجولة أو تضاؤل الإحساس بالأنوثة مما يتطابق مع الشكل الظاهري من جراء ممارسة الرياضة العنيفة.
5- الاتجاه بالإعجاب بالجنس المشابه (أي: الأنثى)، وأقرب مثال لهذه النقطة اللاعبة العالمية "مارتينا نافرتيلوفا" التي تناولتها الصحف الغربية لحادثتها المشهورة. (أقول: سيأتي بيان قصتها).
5- التشبه بالرجال في التصرفات في التصرفات والملابس وطريقة الحوار وإخفاء معالم الأنوثة الظاهرة.
6- فقدان الدورة الشهرية أو عدم انتظامها على الأقل، ويحدث هذا مع الفتيات اللاتي يكون وزنهن أقل من أربعين كيلو أو من هن فوق مائة وخمسة عشر جراماً، والدورة الشهرية لا يمكن تخزينها أو ادخارها شهراً بعد شهر.
منقول من "منتديات الحريق".
قلت: وما ذكره الدكتور هشام عن "مارتينا نافرتيلوفا" هو ما نشرته "جريدة الأحرار" المصرية يوم الاثنين 27/7/1987م وغيرها من الصحف أنه (في إحدى جزر الكاريبي نبأ أغرب زواج تم خلال هذه الأيام، وهو زواج لاعبة التنس العالمية "مارتينا نافرتيلوفا" على صديقتها الحميمة "جودي"، وقد قدمت لها شبكة من الذهب الخالص، وكانت مارتينا المشهورة التي فازت ببطولة (ويمبلدون) العالمية قد أعلنت رفضها لكل محاولات الزواج من الرجال وعلل البعض أن مارتينا تعاني من خلل هرموني، والغريب أن مارتينا وصديقتها قد أعلنتا أنهما ينويان تأجيل مسألة الإنجاب قليلاً) أ.هـ ما نشرته الجريدة.
وما ذكره من أن بعض صور الرياضة قد يُذهب عليها بكارتها، فقد ذكرها الفقهاء أو أشاروا إلى هذا المعنى حيث ذكروا أن البكارة قد تذهب بالقفزة، وقد تذهب بالحيضة الشديدة، وقد تذهب بالإصبع، ونحو ذلك، وهذا شيء معروف في عرف الفقهاء والأطباء بل وغيرهم.
قال شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (3/88): (وإن كانت البكارة زالت بوثبة أو بإصبع أو نحو ذلك فهي كالبكر عند الأئمة الأربعة).
وذكر خبراء الصحة - كما جاء ذلك في أكثر من موقع - أن الرياضة العنيفة أو الإفراط في ممارسة الرياضة قد تكون سبباً من عدة أسباب لحرمان المرأة من الرشاقة التي تطلبها وتبحث عنها.
وقد ذكر الحقيل في رسالة "الأندية الرياضية نفثة تغريبية، وخطوة تخريبية" دراسات موثقة بمراجعها عن أضرار محققة للرياضة النسوية وقد نقلها عنه أكثر من موقع، فقال: (وتوجد دراسات متخصصة تبين أضرار هذا النوع من الرياضة على المرأة ومنها:
الدراسة الأولى: أطلقت "جامعة كاليفورنيا" تحذيراً لكل من تمارس الرياضة باتباع الحذر من إصابتها بما أسمته "أعراض التدريب الزائد عن الحد" وأكد اختصاصيو الطب الرياضي في جامعة كاليفورنيا أن النساء والفتيات اللاتي يمارسن الرياضة يكن عرضة للإصابة بثلاث مشكلات طبية هي: اضطرابات التغذية ومواعيد الدورة الشهرية – وقد تنقطع بسبب شدة التدريب واستدامته - ونخر العظام.
الدراسة الثانية: فريق من الأطباء "بجامعة أوريغان" الأمريكية أعلنوا أن ممارسة الجري لمسافات طويلة يمكن أن تؤثر في النساء تأثيراً سيئاً، إذ تبين أن نسبة كبيرة من النساء اللواتي يمارسن هذه الرياضة بصفة منتظمة يتعرضن لخطر انقطاع الطمث الشهري خلال مرحلة مبكرة من العمر، كما أنهن يصبحن عرضة للإصابة بسرطان الثدي أكثر من غيرهن، نتيجة لحدوث بعض الاضطرابات الهرمونية التي تؤثر بصفة خاصة على إفراز هرمون البروجستون الذي يمنع من الإصابة بهذا المرض الخطير.
وأيضاً فان ممارسة هذه الرياضة يمكن أن تؤثر على إفراز الهرمونات الجنسية مما يؤدي إلى إعاقة عملية الإباضة - أي خروج البويضة من المبيض- فيحول دون تحقيق الإنجاب.
وذكر الدكتور لاري لوفر: (أن الرياضة العنيفة تعد من الأسباب الرئيسة في نقص أو وقف الإباضة لدى المرأة, وكذلك تغير الوزن).
الدراسة الثالثة: قامت الدكتورة: "روز فريش" أستاذة الصحة العامة "بجامعة هارفارد" بدراسة أجرتها على (5398) امرأة تتراوح أعمارهن ما بين (21-80) عاماً وتقدمت بنتائج هذا البحث إلى الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم وخلصت في دراستها إلى أن (2622) امرأة ممن كن يمارسن الألعاب الرياضية قد بدت عليهن أعراض السرطان، وخاصة سرطان الثدي وسرطان الجهاز التناسلي وداء السكري، في مقابل القسم الآخر من النساء وعدده (2776) لم تظهر عليهن هذه الأعراض.
الدراسة الرابعة: بينت دراسة "جامعة هارفارد"، إضافة إلى دراسة أخرى أجرتها جامعة "البرتا" أن الأعمال البدنية التي تمارسها المرأة تؤثر جداً في إنتاج "الاستروجينات" التي تتحكم في الإنجاب لدى المرأة، وأشارت هذه الدراسة مع أخرى مماثلة أجرتها جامعة كندية إلى أن النساء اللواتي يمارسن الأعمال المجهدة يصبن باضطراب الإخصاب حتى لو استمر الطمث لديهن على وضعه النظامي.
الدراسة الخامسة: أجراها جراحون من مدرسة "روبرت وود جونسون" الطبية الأمريكية تشير إلى أن عدد النساء اللواتي تجرى لهن عمليات في الركبة تضاعف خلال عشر سنوات، وأن أكثر من نصف الذين تجرى لهم هذه العمليات من النساء الرياضيات.
وقال الطبيب "ستيوارت سبرنجر" الاختصاصي في علاج تشوهات العظام والعضلات من معهد أمراض المفاصل في نيويورك: (أن ركب النساء لا تحتمل سوى 35 أو 40 عاماً من العمل المرهق رغم أن متوسط أعمار النساء يصل حالياً إلى 80 عاماً).
وأوضحت الدراسة أن الفتيات يصبن بآلام أو تمزقات في العضلات والمفاصل أكثر بست مرات في الأشهر الثلاثة الأولى للتدريبات الرياضية.
وفي تجربة أجريت على لاعبي فريق جامعي لكرة السلة تبين أن إصابة اللاعبات كانت أكثر من 60% وأنهن احتجن وقتاً أطول للشفاء كما تطلب الأمر تدخلاً جراحياً بنسبة أكبر.
ويقول الطبيب "دان سيلفر" من "لوس انجلوس": (إن معظم النساء اللواتي يعانين من مشاكل في الركبة لديهن استعداد مسبق لذلك ربما منذ الولادة، وأن هذه المشكلة تتفاقم مع استمرار النشاطات المرهقة مثل رياضة الركض، ويذكر أن النساء اللواتي يلجأن إلى التمارين الرياضية للتخفيف من الوزن أو تقوية عضلاتهن معرضات للإصابة بأمراض في مفصل الركبة بالإضافة إلى أمراض مزمنة تتطور بشكل تدريجي خلال ممارسة النشاطات اليومية الاعتيادية).
الدراسة السادسة: أعد هذه الدراسة الدكتور "نيكولا مافولي"، وهي بعنوان: "الطب الرياضي للأعمار والقدرات الخاصة" وخلص في دراسته إلى أن الرياضة العنيفة تؤدي إلى اضطراب الهرمونات المتحكمة في الجهاز التناسلي للمرأة مما قد ينتج عنه تأخر بلوغ الفتاة, واضطراب الدورة الشهرية والعقم، كما أن الضغط النفسي للرياضيات قبل الدورات الرياضية التنافسية وأثنائها يؤثر على انتظام الدورة الشهرية.
وأثبت في دراسته أن الرياضة تغير مستوى هرموني "الاستروجين" و"البروجيستيرون" في الجسم، وأن التمارين المكثفة تؤدي إلى وقف الإباضة عند المرأة، كما أن زيادة حرارة جسم الرياضية تمنع اتحاد الهرمونات الجنسية داخل البلازما, فتؤدي إلى زيادة في الهرمونات الحرة الجزئية، ذلك أن تأخر الإباضة أو وقفها مرتبط بنقص هرمون "الإستروجين", مما يسبب العقم لدى المرأة.
وذكر في بحثه أن "هرمون الاستروجين" يمنع إنتاج الدهنيات الضارة والمسماة بـ ( إل دي إل) وهذه الدهنيات الضارة إذا زادت تؤدي إلى خطر الإصابة بأمراض القلب وخاصة الشريانية، والعادة أن هذا الهرمون ينقص في فترة سن اليأس أو في حال وقف الإباضة, مما يجعل الفتاة الرياضية الشابة بمثابة من هي في سن اليأس, وقد تتعرض لأمراض القلب وهي شابة نتيجة لنقص حماية هرمون الإستروجين، كما أن نقص هذا الهرمون يؤدي إلى نقص معدنية العظام، وتأخر الإباضة يحدث تغيرات في الهيكل العظمي للمرأة وخاصة النزكلة، وتغيير بنية العظام، وكذلك فإن الرياضة المكثفة تسبب زيادة هرمون الذكورة "الأندروجين"، وبناء على ذلك يوصي بالرياضة الخفيفة غير المكثفة ولا العنيفة لئلا تحصل هذه المضاعفات.
الدراسة السابعة: يقول تقرير نشرته صحيفة "لوبون الفرنسية": (إن الإفراط في الرياضة يتحول إلى سم قد يكون قاتلاً على حد تعبير الدكتور "بيرير" رئيس قسم الطب الرياضي في مستشفى بيتييه سالبتريير بباريس، فعندما تتجاوز مدة التدريبات عشر ساعات في الأسبوع تبدأ المشاكل وقد لوحظ في الرياضة التي تتطلب بذل جهد بدني كبير مثل العدو الريفي، ورياضة الدراجات الهوائية، والسباحة، والتزلج، لوحظ أن الإفراط في تدريباتها يؤدي إلى تدمير عدد كبير من الكريات الحمراء، وإذا لم يعالج الرياضي فقد يصاب بأنيميا.
كما لاحظ الأطباء خلال أخذ عينات من دم الرياضيين أن بذل جهود مكثفة بشكل متكرر يؤدي إلى انهيار الدفاعات المناعية فيصبح اللاعب سريع العطب وفريسة سهلة لكل الفيروسات التي يتعرض لها مثلما حدث للأمريكية "ريجينا جاكوبز" التي لم تحضر الألعاب الأولمبية بسبب التهاب فيروسي في الرئتين.
وهناك خطر آخر يتهدد لاعبي بعض الرياضات العنيفة أو طويلة المدى يتمثل في إصابة العضلات بالنخر الخلوي فتتوقف عملية التجدد فيها إذا كان التدريب مجهداً أو كانت فتراته متقاربة وفي هذه الحالة يكون اللاعب قد تجاوز حدود قدراته الجسدية معرضاً نفسه بذلك لمشكلات في القلب.
الدراسة الثامنة: وهي بعنوان: "رياضة العلوم الطبية"، مؤلفها، د.هيليج وكانستروب، وخلص في دراسته إلى أن الفتاة الرياضية عرضة للإصابة بأمراض الأكل, واضطراب الدورة الشهرية, وقلة كثافة العظام, وهذه الصورة معروفة ومسماة "ثلاثي المرأة الرياضية".
وقرر أن إمكانية استفادة العظام من التمارين العنيفة هي محدودة بالنسبة لتأثيرها السلبي من نقص هرمون الإستروجين المصاحب لوقف الإباضة في الفتاة الرياضية، كما ذكر أن اضطراب الدورة متكرر لدى الفتيات الرياضيات.
الدراسة التاسعة: أجريت الدراسة على الفتيات الرياضيات السباحات في اختبار النوم وتغيير المزاج خلال ثلاث مراحل:
1- مستهل موسم السباحة. 2- ومنتصف التمارين. 3- وانقضاء التمارين والموسم.
وفي كل مرحلة كان هناك تسجيل يومي ومقياس المزاج " بارامترات", وتسجيل أداء السباحة، وخلصت الدراسة إلى أن عدد الحركات خلال النوم سجلت في اللواتي يتمرنَّ بكثرة, مما يشير إلى اضطراب النوم، بالمقارنة بغيرهن, وكذلك فإن المزاج يتدهور خلال التمارين التنافسية.
الدراسة العاشرة: كتبتها لورا روبنسون بعنوان "الحزام الأسود" ناقشت فيها الاختلال الجنسي الذي يلازم الفتيات اللائي يمارسن الرياضة بصورة مكثفة وقوية وخصوصاً من يمارسن ألعاب القوى مثل: الوثب العالي، والماراثون والقفز بالزانة والقفز الثلاثي ورمي الجلة.. الخ.
وجاء في الدراسة حسب الفحص الدوري الذي كانت تجريه الباحثات على الفتيات الرياضيات والفتيات غير الرياضيات: أن الفتيات اللاتي يمارسن الرياضة العنيفة تنقطع لديهن العادة الشهرية لفترات متفاوتة وأحياناً لفترة طويلة - قد تمتد لأربعة أشهر - ويحدث عادة ما يشبه الاضطراب في الغدة المعنية بهرمون الجنس بجسم الفتاة.
وأن الفتاة التي تمارس رياضة عنيفة تتصلب عضلات جسمها وخصوصاً عضلات الأرجل واليدين وتصبح شبيهة إلى حد بعيد بزميلها الذي يمارس نفس ذلك النوع من الرياضة.
وذكرت الدراسة أن اللاعبة الإسبانية المشهورة "ماريا باتينا" تم الكشف عليها فتبين أن جسمها غير قادر على إنتاج الهرمون النسوي، بمعنى أن خصائص الأنوثة ضعفت فيها بشكل كبير، وتروي اللاعبة قصتها حول هذا الموضوع فتقول: إن معظم صديقاتها تنكرن لها وابتعدن عنها، وكذلك أصدقاؤها من الرجال ابتعدوا عنها، وتقول: إنني أصبحت غريبة في المجتمع الذي أعيش فيه، وتضررت سمعتي كثيراً، مما أثر على نفسيتي سلباً.
وكتبت إحدى المتخصصات في الطب الرياضي عن ضعف أربطة الركبة والعضلات لدى الفتيات أثناء الدورة الشهرية، وازدياد فرص الإصابة، فقالت: إن الدورة الشهرية عند المرأة تمثل سلسلة من التفاعلات المركبة بين الهرمونات الأنثوية, وهذه التفاعلات المتبادلة يمكن أن تلعب دوراً في تعرض النساء لإصابات خطيرة كتمزقات الأربطة المفصلية, وإن الهرمونات الجنسية أي:"الاستروجين والبروجستيرون والرلاكسين" تتذبذب وتتقلب بشكل جذري خلال مراحل الدورة الشهرية ويعتقد أنها تزيد من رخاوة ولين الأربطة وتضعف الأداء العضلي العصبي، ولهذا يمكن اعتبارها سبباً محتملاً لتناقص الاستقرار والثبات بالركبة سلباً أو إيجاباً لدى الرياضيات) أ.هـ مختصراً من رسالة "الأندية الرياضية"، وأنبه إلى أن ما نقلته عنه فقد أحلت إليه، وقد يجد القارئ عبارات في هذه الحلقة متشابهة مع ما يذكره أو ما يذكره غيره، وهي ليست منقولة من أحد، وعلى العموم فالرسالة المشار إليها جيدة في بابها فننصح بمراجعتها.
3- تلخيص أضرار الرياضة النسوية على المرأة:
ويمكن تلخيص أضرار رياضة المرأة على الطريقة التي يطلبها دعاة تحرير المرأة إلى ما يلي:
1- أنها سلكت كثيراً من الوسائل المؤدية إلى وقوع الفاحشة، من اختلاط الرجال بالنساء بل اختلاط أنفاس الرجال بالنساء، وسفرهن بدون محرم، والخلوة بهن وغير ذلك مما هو سبب عظيم لوقوع الفاحشة.
2- غيابها عن مقرها الذي فيه سعادتها وسعادة أسرتها، وحاجة الجميع إليها، وهو البيت التي تقوم فيه بخدمة المجتمع الصغير – وهو الأسرة – فهي في بيتها تقوم بتربية أفراد المجتمع بل أفراد الأمم.
3- الاستهانة بالمرأة وجعلها مجرد متعة ووسيلة تقضى بها الغايات، فأغلب هذه الرياضات تخرج الفتيات بثياب عارية لا تطلق عليها أنها ثياب، ثم تبث هذه المباريات على الملايين في "القنوات الفضائية"، لا يراد من ذلك سوى امتلاء مدرجات هذه الملاعب بالزبائن وإقبال المشاهدين على القنوات، فقد جعلت هذه الرياضة المرأة مهزلة !!
4- الضرر الكبير على المرأة من حيث عنف بعض أنواع الرياضة كالمصارعة والملاكمة، هذا إن صح أنها محسوبة من الرياضة لأنها عند التحقيق ليست من الرياضة في شيء، وقد ذكرت مجلة "هنا لندن" العدد (413) مارس 1983م أنه قد ارتفعت أصوات كثيرة في برلمانات دول كثيرة تطالب هذه الأصوات بمنع ممارسة الملاكمة للمحترفين، نظراً للأذى الذي يلحق بكثير من ممارسيها، وقد نجحت السويد في ذلك بينما فشلت دول كثيرة في تنفيذ هذا المنع، والحقيقة أن وفاة هذا العدد الكبير من الملاكمين كان السبب وراء ارتفاع أصوات كثيرة تنادي بإلغاء هذه اللعبة أو على الأقل وضع قواعد صارمة تحد من عنفها.
يقول الدكتور "روجود وهرتي" الناطق بلسان "الهيئة الطبية البريطانية في ويلز" عن أهداف الحملة التي تقوم بها الهيئة في هذا المجال: (إننا نريد أن نظهر للعالم كله أن الملاكمة لعبة خطيرة للغاية، ليس بسبب تزايد عدد من يلقون حتفهم بسببها فحسب، ولكن بسبب العاهات التي تصيب أضعاف هذا
العدد، وفي سبيل تحقيق ذلك، فإننا نحاول الضغط على هيئات رسمية مختلفة من أجل التنديد بهذه اللعبة، وعدم اعتبارها ضمن الألعاب الرياضية، وأؤكد هنا مرة ثانية أن خطورة اللعبة تكمن في الضرر الذي تلحقه بالمئات من ممارسيها نتيجة للعاهات التي تصيبهم.
وقد وصل عدد الملاكمين الذي لقوا حتفهم نتيجة إصابات لحقت بهم في لعبة الملاكمة ثلاثمائة وخمسين ملاكماً منذ 1945 إلى حدود سنة 1983 عن مجلة "هنا لندن" العدد (413) مارس 1983م، بل نشر موقع (إم.بي.سي) ما هو أدهى من هذا حيث نشر في يوم الخميس 23/ يوليو / 2009 م عن ضحية جديدة من ضحايا الملاكمة لقي حتفه متأثراً بجراح بليغة أصيب بها في مباراة ملاكمة، بمدينة بورتو فالارتا المكسيكية، وقد وجهت إليه عدة ضربات قوية إلى وجهه ورأسه، فأصابته بإصابات بالغة، مما اقتضى إجراء عملية جراحية بعد المباراة مباشرة بسبب نزيفٍ في المخ نجم عن الضربات التي تعرض لها، إلا أنه لقي حتفه اليوم متأثراً بمضاعفات الإصابة.
وجاء في الموقع المشار إليه: (وانتقدت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة توالي مقتل الملاكمين على الحلبات، وطالبت بحظر رياضة الملاكمة، حيف أفادت تقارير صحفية بأن حوالي 900 ملاكم قد توفوا نتيجة إصابات على الحلبة منذ 1920 حتى الآن تقريبًا، مطالبين بحظر الملاكمة كرياضةٍ يكون الموت فيها النتيجة المتوقعة للاحتراف الرياضي.
وأوضحت التقارير أن أضرار الملاكمة لا تقتصر على الخاسرين؛ حيث يقدر الاتحاد الأمريكي لجراحي الأعصاب أن ما بين 15% إلى 40% من الملاكمين السابقين لديهم شكلٌ ما من أشكال الإصابة المزمنة في المخ، وأن أغلب الملاكمين المحترفين لديهم درجة من الضرر بالمخ، سواء كانت تظهر عليهم أعراض أم لا) أ.هـ
وفي الوقت الذي انتهى الناس من بعض الأمور وتوصلوا إلى حقائق خطيرة، قمنا نحن في الدول العربية ولاسيما اليمن نريد بدء مشوار جديد والعجيب أنه لملاكمة النساء، فقد نشر موقع "مأرب برس" مقالاً عن ملاكمة الفتيات اليمنيات ذكر فيه عجائب لا حاجة لذكرها !!.
4- مهازل الرياضة النسوية:
جعلت هذه الرياضة المرأة مهزلة، ومحل للسخرية والاستهزاء:
1- وآخر هذه المهازل مسابقة نظمتها إحدى الجهات في روسيا لجري الفتيات بالكعب العالي أمام الجمهور وأغلبهم من الرجال !!
2- وقد قرأت مقالاً في إحدى المدونات لـ"مكتوب" لكاتب واسمه عبد العزيز بن حسن قال فيه: (عرفت الرياضة النسوية حدثين مثيرين، أول هذين الحدثين كان في ألعاب القوى عندما خرج ثديا إحدى المشاركات من القميص ورغم ذلك استمرت في السباق تحت تصفيق الجمهور الذي نهض من مكانه ليشجع العداءة البادية الثديان، فهل كان تصفيق الجمهور للعداءة أم للثديين ؟!!
والحدث الثاني: كان في كرة القدم عندما قامت إحدى اللاعبات بعد تسجيلها للهدف بنزع قميصها تقليداً للرجال وقد بدا صدرها عارياً أمام تصفيق الجمهور الذي لا يعرف هل يصفق للهدف أم للصدر العاري ؟!).
3- ومن مهازل الرياضة الغربية التي ينادي بها هؤلاء أنه ذكر لنا أن بعض "القنوات" العربية تعرض رياضة المصابين بالبدنة والسمنة الكبيرة هم على قسمين أحدهما: رجال وهؤلاء تدربهم امرأة في غاية الشباب والجمال، والقسم الثاني: نساء يقوم على تدريبهم رجل، ويعرض هذا البرنامج على الملايين من الناس !!.
4- ومن مهازلها أيضاً أنهم ذكروا أن امرأة ماجنة لها برنامج تمارين رياضية يعرض في "قناة لبنانية" ومعها شباب وشابات بثياب لا تستر من النساء سوى السوأتين فقط، وإذا كان هذا وحده مثيراً للغرائز والشهوات، فكيف إذا زادت عليه باستعراض الحركات المثيرة لغرائز الشباب ؟!! والعجيب أن هذا البرنامج يعرض للملايين من الناس في دول الخليج العربي ودول الشام ودول المغرب العربي وغيرها من الدول، وكثير من المشاهدين على شغف بها وبهذا البرنامج مع أنهم ليسوا من الذين يرغبون في الرياضة، فهل هذه دروس في الرياضة ؟!
5- وفي العام الماضي عام 1429 هـ خرجت فتيات مابين 15-16 سنة، من بعض المدارس عندنا في "مدينة عدن" في ليتسابقن لمسافة طويلة جرياً في الشارع على رصيف السيارات وباللباس المدرسي، والشباب في الشوارع يتابعون هذه المهزلة التي تسمى بـ"الرياضة النسوية".
6- ومن المهازل أن جريدة (نبإ الحقيقة) العدد (197) الإثنين 16/7/2007 م ونشرته صحيفة "الأيام" - وهي عندنا بمنزلة خضراء الدمن - أن فتاة يمنية تجيد لعبة التايكواندو اختصمت مع زوجها فضربته وقتلته !! ونشرته عنها "قناة العربية" في موقعها على الإنترنت يوم الأربعاء 27/ جمادى الأولى 1428هـ الموافق 13 يونيو 2007م.
المبحث الخامس: ما يلحق بهذا الباب:
وهناك أشياء أخرى تلحق بهذه الرياضة لأحد أمرين الأول: ما فيه إضرار بالمرأة وتكليفها ما لا تطيق، وإخراجها عما خلقها الله عليه، الثاني: أو إقحامها فيما يسبب الفتنة بها، ومن ذلك: عملها في الشرطة وعملها في الجيش وعملها في الكوماندوز النسائي ونحوها، وقد نشر موقع (المؤتمر.نت) مقالاً جاء فيه:
(قالت الرائد/ سعاد محمد – المدرب بمدرسة تدريب أفراد الشرطة في اليمن – إن المدرسة شهدت لديهم في الآونة الأخيرة إقبالاً متزايداً من قبل الفتيات من حملة الشهادة الجامعية والثانوية العامة للانخراط بسلك الشرطة النسائية في إشارة لنجاح تجربة الشرطة النسائية في اليمن.
وأوضحت الرائد سعاد محمد في تصريح لـ (المؤتمر.نت) أنها تقوم بتدريب آخر دفعة التحقت بالشرطة النسائية الفترة الماضية والتي بلغ قوامها (500) فتاة من أصل (700) متقدمة من مختلف المحافظات،
مشيرة إلى أن الدفعة الجديدة هي الثالثة من نوعها، ويجري تدريبها حالياً على الحركات النظامية واستخدام السلاح) أ.هـ باختصار.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-12, 22:12   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة التاسعة:
تعـدد الزوجـات:



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة التاسعة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن "تعدد الزوجات" تلكم الشرعة التي شرق بها الأعداء وحاولوا النيل منها كغيرها من الشرائع ليتوصلوا بذلك إلى الطعن في الإسلام جملة وتفصيلاً، مع أن التعدد من الناحية العملية بين المسلمين يعتبر في حكم النادر إذا قارناه بالذين يقتصرون على واحدة.
والعجيب أنهم يحتجون بأن هذا ظلم للمرأة !! ويا سبحان الله !! وأي ظلم يقع عليها وهو ينفق عليها ويقوم برعايتها وحمايتها ؟! وأي ظلم يقع عليها وهي تدخل باب التعدد برضاها واختيارها ؟!
وإذا كانوا يعنون أن الظلم هو ميل الرجل – ولو ببعض قلبه – إلى غيرها من النساء، فليت شعري ففي مجتمعاتهم ما هو أشد من هذا الميل بكثير، فقد وصلوا إلى درجة الزنى واتخاذ العشيقات على زوجاتهم، وقد نشرت جريدة "الحياة" وهي صحيفة عربية لبنانية يومية تصدر في لندن، نشرت بتاريخ 29/5/1980، أن 75% من الأزواج في أوروبا يخونون زوجاتهم، وأن نسبة أقل من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته.
وقال "بول بيورد" في كتابه: "نحو انهيار أخلاقي" وقد نشر في لندن سنة 1925م: (وإن زنا المحصنين والمحصنات لا يعد من العيب أو اللوم في فرنسا، فإذا كان أحد من المحصنين متخذاً خليلة دون زوجته فلا يرى لإخفاء الأمر لزوم ويعد المجتمع فعله ذلك شيئاً عادياً طبيعياً في الرجال) أ.هـ
وأي عيب في علاقة نظيفة تحافظ فيها المرأة على كرامتها وعفتها في المجتمع مع نيل كل حقوقها من النفقة والحماية والصيانة ؟!
على أننا لا نسلم أن ميلان الرجل إلى امرأة من نسائه دون حيف في المعاملة يعد من الظلم.
والكلام على تعدد الزوجات على قسمين: أحدهما: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم، وهذه شبهة أثاروها حول الإسلام، والثاني: تعديد النبي صلى الله عليه وسلم للزوجات، وهذه شبهة أثاروها حول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وفي حلقتنا هذه سيكون الكلام على القسم الأول، وسيأتي الكلام على القسم الثاني إن شاء الله تعالى.




القسم الأول: تعدد الزوجات بالنسبة للمسلم:
ويتكون من عدة مباحث:

المبحث الأول: هجوم الأعداء على تعدد الزوجات.
المبحث الثاني: حقيقة التعدد وأصله.
المبحث الثالث: التعدد عند الأمم.
المبحث الرابع: الحكمة من التعدد.
المبحث الخامس: شرط التعدد.
المبحث السادس: عند الغرب تعدد من نوع آخر.
المبحث السابع: بعض الغرب يطالب بتعدد الزوجات.
المبحث الثامن: شبهات حول تعدد الزوجات.
المبحث التاسع: خلاصة البحث.
المبحث الأول: هجوم الأعداء على تعدد الزوجات:
لقد اتخذ أعداء الدين من التعدد وغيره مدخلاً يظنون أنهم سيدخلون به على الإسلام، وقد أثاروا حول التعدد الكثير من الشبهات الباطلة وقعوا خلالها في الأكاذيب وأنواع التناقض وأشياء أخرى لا يمكن أن تخرج من عقلاء، فهي عند التمحيص والتدقيق لا تساوي شيئاً، وبناء على هذا فلا يحل لأحد أن يعرض التعدد أو غيره من الأشياء التي يطعن فيها أعداء الإسلام على أنها من نقاط الضعف في الإسلام، فليس في الإسلام شيء هو من نقاط ضعفه، ولا ينبغي أن نعرض مثل هذه الشرائع إلا وقلوبنا ممتلئة يقيناً وثقة بأنها حق.
ألا وإن من هؤلاء الذين طعنوا في التعدد قاسم أمين وغيره:
1- يقول "قاسم أمين" في كتابه "المرأة الجديدة": (إن في تعدد الزوجات احتقاراً شديداً للمرأة لأنك لا تجد امرأة ترضي أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما إنك لا تجد رجلاً يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته، وهذا النوع من الحب اختصاص طبيعي للمرأة كما أنه طبيعي للرجل) أ.هـ
وسيأتي بيان حقيقة هذا القياس الفاسد في الكلام على شبهات حول التعدد.
2- وهذه أمينة السعيد وهي كاتبة مصرية من أكثر الداعيات إلى تحرير المرأة، تقول كما في "مجلة حواء" 6/3/1965: (إن الجمهورية التونسية سبقتنا إلى الإصلاح فوضعت منذ ثمانية أعوام قانوناً صريحاً يحرم تعدد الزوجات تحريماً تاماً ويجعل الطلاق لا يقع إلا بإذن القاضي، وهذا أكثر ما نطالب به في الوقت الحاضر) أ.هـ
المبحث الثاني: حقيقة التعدد وأصله:
1- حقيقة التعدد:
1- والتعدد كان يفعله أهل الجاهلية وكانت له في الجاهلية مصالح ومضار، فقد كان الرجل يتزوج بما شاء من النساء لوجود كثرة في النساء وقلة في الرجال الذين يفقدون في الحروب، ويعددون الزوجات لتكثير الأولاد ولمصالح أخرى، وقد بقي هذا التعدد إلى أن جاء الإسلام حتى إنه أسلم بعض أهل الجاهلية وعنده عشر نسوة !! ولكن مع هذه المصالح العظيمة كان لتعدد الزوجات على الطريقة الجاهلية مظالم كثيرة وعظيمة تسببت في الاعتداء على كرامة المرأة، وهضم كثير من حقوق المرأة، وتسببت في معاملتها على أنها لا قيمة لها، فشرع الله تعالى لنا تعدداً آخر له ضوابطه وقيوده يأخذ مصالح التعدد، ويباين تعدد أهل الجاهلية في ظلمه ومضاره على المرأة.
2- ولم يفتح باب التعدد للرجل حتى يكون مؤهلاً لهذا الزواج، فكما أن الزواج نفسه ولو بواحدة لا ينبغي الإقدام عليه إلا بعد التهيؤ له في النفقة وغيرها، فكذلك الزواج بأخرى ينبغي الإقدام عليه بعد التأكد من أن الرجل سيقوم بحقوق هذا التعدد.
3- ثم إنه لم يأمر بالتعدد على سبيل الوجوب ولا ألزم به المرأة ولو بدون رضاها، وإنما جعل ذلك راجعاً إلى اختيار المرأة الثانية، فإن رضيت بالزاوج من رجل له زوجة أخرى وإلا فلترفض هذا الزواج، ومن هنا تسقط دعوى هؤلاء عندما قالوا: إنه ظلم على المرأة، فإن الإسلام قد حدد العدد بأربع نسوة فقط، واشترط على الرجل أن يكون قادراً على هذا الزواج، وجعله راجعاً إلى رضاها، فأين الظلم ؟!
2- أدلة التعدد:
أولاً: قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
وثانياً: قوله تعالى في سياق ذكر المحرمات من النساء: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) ووجه الدلالة هنا هو مفهوم المخالفة، أي: ولا حرج من الجمع بين امرأة وأخرى غير أختها، وقد دلت السنة على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها في وقت واحد.
ثالثاً: قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من امرأة، وإن أصل الزواج بأكثر من امرأة ليس من خصائصه، وإنما مجاوزة الأربع من النساء هي التي من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في شروط التعدد.
رابعاً: وقد تزوج كثير من الناس بأكثر من واحدة قبل أن يدركوا الإسلام، وإنما نهاهم الإسلام أن يتجاوزوا الأربع من الزوجات ولم ينههم عن الزواج بأكثر من واحدة، وتزوج آخرون بعد الإسلام وانتشر بينهم التعدد حتى كان يعرض أحدهم ابنته لصاحبه مع أنه متزوج من غيرها، وهذا أمر مشهور ومعلوم.
3- الأصل في التعدد:
والتعدد من حيث الأصل مشروع شرعه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مباح في الأصل على الإطلاق، بقطع النظر في مسألة هل الأصل التعدد أو الإفراد ؟! فإن الطرفين المتنازعين في هذه المسألة اتفقوا على أن التعدد مباح للرجل ولا يلام الرجل على تعديده للنساء.
يقول محمد قطب: (أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ وليس هو الأصل في الإسلام) وهذا غلط سواء قصد المعنى المترتب على هذه العبارة أو لم يقصده، وقد اغتر بقوله بعض الكتاب وفيما قاله نظر، وصحيح أن ذهاب الرجل إلى تعدد الزوجات يكون في الغالب لحاجة تحصل له، وسبب يدفعه إلى هذا التعدد، لكن هناك فرق بين أن يكون الرجل له سبب يدفعه إلى التعدد وبين أن نحكم بحكم عام على التعدد يكون فيه مدخل لمن أراد أن يمنعه من الكتاب أو الحكام أو غيرهما، حتى قال بعضهم وهو محمد عبده تلميذ جمال الدين الأفغاني: (إن الأصل عدم التعدد ولا يعدد الرجل بأكثر من زوجة إلا إذا عرض أمره على القاضي ورأى القاضي أن حجته مقنعة فهنا يجوز له أن يعدد النساء) !!
وعبارة محمد قطب فيها مدخل لهؤلاء وإن لم يكن يقصد مذهبهم، فإن كان يعني مذهبهم فهو أشد وأنكى.
وأرى أن من الواجب أن لا يحملنا هجوم أعداء الإسلام على أن ننهزم فنرضيهم كما فعل ذلك المخلوق الذي يسمى عمرو خالد الذي يشكك في التعدد من طرف خفي في بعض محاضراته.
فالإسلام يقر بتعدد الزواج ولو لغير سبب فهو في الأصل مباح على الإطلاق لا كما قال محمد قطب ولا غيره، ونقول لهؤلاء الذين لم يرضوا عن التعدد: ألا فلتموتوا بغيظكم فهذا شرع الله ويكفي أنه شرع الله، ويكفينا أننا رضينا به ديناً.
المبحث الثالث: التعدد عند الأمم:
تعدد الزوجات كان موجوداً في الأديان السابقة والأمم الماضية والملل المختلفة، فما أنكره أحد مطلقاً إلا المفترين في هذا العصر !! فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة - أو تسع وتسعين - كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون).
ففي هذا الحديث أن سليمان عليه الصلاة والسلام كانت تحته قرابة مائة امرأة، فهذا يدل على بطلان الدعوى أن محمداً هو أول من أتى بالتعدد !!.
والذين كتبوا عن تاريخ الزواج بينوا أن التعدد كان معروفاً في جميع البيئات قبل الإسلام، من اليهودية والمسيحية، العربية وغير العربية، ومنها الصين والهند وفارس وغيرها من الأمم.
انظر: (تعدد الزوجات) لإبراهيم الجمل.
وقد أباحته اليهودية دون حد، وكان ذلك شائعاً في ملوكها وأنبيائها، ولا توجد في أسفار "العهد القديم" - وهي التوراة - نصوص تحرم التعدد أو تمنعه عن الآباء والأنبياء ولمن دونهم من الخاصة والعامة.
يذكر الكاتب عباس العقاد أن "وستر مارك" العالم في تاريخ الزواج قال: (إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة) أ.هـ
ويقول المستشرق الفرنسي: "إتيين دينيه" الذي أسلم وسمى نفسه "ناصر الدين": (هؤلاء ملوك فرنسا دع عنك الأفراد الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والنساء الكثيرات وفي الوقت نفسه كان لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام).
وحتى قبل المسيحية واليهودية كان التعدد مباحاً مأثوراً عن الأنبياء أنفسهم فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة وهاجر، ويعقوب تزوج ليئة وراحيل، وفي العهد القديم ما يدل على أن موسى كانت له زوجة أخرى مع ابنة الرجل الصالح، وأن كثيراً من أنبياء بني إسرائيل كانوا يعددون ومعروف أن داود وسليمان عليهما السلام كان لهما زوجات كثيرة، ولقد جاء في سفر الملوك الأول أن سليمان عليه السلام كان له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من الجواري.
فالإسلام لم يبتدع التعدد، وإنما جاء فوجده منتشراً في جميع الطبقات يمارسه اليهود والعرب وغيرهم.
المبحث الرابع: الحكمة من التعدد:
1- التفصيل في حكمة التعدد:
لقد اعتبر بعض العصريين مسألة تعدد الزوجات التي شرعها الله من سمات عصر الإقطاع، يقول بعض المتطاولين: (إن تعدد الزوجات، وتتابع الزواج واتخاذ السراري والجواري من سمات عصر الإقطاع والدولة الإقطاعية) أ.هـ
والحق الذي لا خفاء به أن تعدد الزوجات يعتبر من الإعجاز التشريعي الذي يدل على كمال شريعة الإسلام وأنها دين رب العالمين، إذا لا يمكن لبشر مهما كانت عقليته أن يأتي بهذه الشرعة المتقنة المحكمة التي خلصت التعدد من الفرث والدم الذي كان عليه في الجاهلية وغيرها، وقدمته للناس مقصوراً على مصالحه العظيمة شرعاً خالصاً سائغاً للشاربين.
والخلاصة فقد اشتمل التعدد على مصالح كثيرة، ومحاسن غزيرة، فمن ذلك:
1- تكاثر الأمة:
فالمسلمون مكلفون بأن يخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، بحكم أنهم حملة هذا الدين، ولا شك أن هذا يحتاج إلى عدد كبير وهائل تقوم عليه الدولة التي ستقوم بهذه المهمة العظيمة ولاسيما أن هذه الحروب والفتوحات ستأخذ منهم وقتاً طويلاً قد تصل إلى قرون طويلة، وفي التعدد تكثير لأفراد الأمة، وزيادة في عددها.
2- التعويض عن المفقودين، والقيام على مصالح الضعفاء:
والمسلمون في حالة نشر التوحيد، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله يتعرضون إلى حالات قتل كثيرة، فينتج عن ذلك عدة أزمات وعلى رأسها أزمتان:
الأولى: فقدان الكثير من رجال المجتمع الذين يقتلون أثناء أداء واجبهم في نشر هذا الدين بين الناس، فتعدد الزوجات له أثر كبير في استمرار هذه الفتوحات التي لم تقم إلا لإعلاء كلمة الله، ولولا كثرة المسلمين التي كان من أعظم أسبابها تعدد الزوجات والتسري بالإماء لما قدر المسلمون على مواصلة الحروب أكثر من مائتي سنة في الفتوحات من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد الخلفاء الراشدين إلى عهد الأمويين إلى عهد العباسيين، ثم قتال التتار والصليبيين وغيرهم.
و لقد خاضت أوروبا معركتين خلال ربع قرن, ففني من رجالها عشرات الملايين, وأصبحت مشكلتها الاجتماعية الكبرى نقصان الرجال وكثرة النساء، حتى استسلم كثير منها في الحروب.
الثانية: ترمل الكثير من النساء، ووجود أيتام كثيرين بين أحضانهن فقدوا آباءهم ومن يعولهم، وزواج الرجال بهؤلاء النسوة والقيام على مصالح الأيتام حل لهذه الأزمة، ونأخذ مثالاً على هذا القبائل الأفغانية حيث يقوم فيها الأفغاني بالزواج من أرملة قريبه بعد وفاته حماية للزوجة ولأولادها، ولذلك كان من الأمور التي تلفت النظر أثناء الحرب الأفغانية الروسية أنه ليس عندهم دور للأيتام رغم وجود أعداد هائلة من الأيتام.
3- وقاية المجتمع من الانحراف الأخلاقي:
فهناك من الشعوب ما يزيد عدد النساء فيها على عدد الرجال بكثير، ولاسيما أعقاب الحروب الأهلية، بل بعضها يزيد على عدد الرجال في حالة السلم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى، وأنه سيكون في آخر الزمان، فقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: (لأحدثنكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد").
ففي تعدد الزوجات وقاية لهؤلاء النسوة من هذا الإنحراف الأخلاقي، أو أنهن يذقن ألم الحرمان.
4- إستغلال طاقة الرجل وقدرته على التناسل:
إذ قد يبقى الرجل معطلاً في أيام تكون المرأة فيها غير متهيأة للجماع والتناسل، كأن تكون في أيام حيضها، أو أيام نفاسها وولادتها، أو أيام مرضها، أو أيام غيابها عن زوجها، أو أيام حملها، أو أيام رضاعها، أو في المدة التي لا ترغب فيها في الرجل، وهذه تكون في سن الخمسين فما فوق في الغالب، فيكون الرجل في هذه المدة متعطلاً، والشرع حكيم لا يقر على مثل هذا التعطيل ولاسيما من يطمع في الزواج.
5- وجود منفذ شرعي للرجل الشبق الذي لا يقدر أن يصبر على ترك النساء:
فالناس يختلفون في قدراتهم الغريزية كما يختلفون في قدراتهم البدنية والعقلية، فبعض الناس لا يقدر على الصبر على النساء، ومن المعروف أن الغريزة عند الرجل ليست كالمرأة فالغالب أنها تثور على الرجل غريزته ولو لم يتعرض لفتنة، فكيف وهو يتعرض لكثير من الفتن ويصادف الكثير من النساء في الشارع وغيره ولو بغير قصد، كل هذا لا شك أن يساعد على أن يعيش الرجل في جو من ثوران الغرائز، فإذا لم يجد شيئاً يسد غريزته فربما ذهب في طريق الفاحشة، والإسلام يأمر بكل شيء يقي المجتمع من هذا الانحراف الأخلاقي.
6- وجود البديل عن المرأة العقيم:
هناك من النساء من تكون عقيماً أي: لا تلد، فكيف يصنع زوجها الذي يريد الأولاد ؟ إنه مخير بين أن يطلق زوجته، أو يصبر على الحرمان من الأولاد، أو الزواج بأخرى وهذا أنسب الحلول ففيه حصلت المصالح كلها.
ويشبه هذا الحال ما لو أصيبت المرأة بداء أو عاهة، مثل الاحتراق في جسمها، أو مرض شديد، أو نحو ذلك، مما يكدر على الرجل حياته الزوجية فيؤدي إلى طلب الزوج بزواج آخر أو يطلقها، ففي زواجه بأخرى حل لمشكلته دون تضرر أحد.
7- عودة الأسرة المتفرقة إلى سابق عهدها:
فقد يحدث خلاف بين الزوجين ويتفرقان بالطلاق، ثم يتزوج الرجل بامرأة أخرى، ثم يرغب في العودة إلى امرأته الأولى، فهنا يأتي تشريع التعدد حلاً حاسماً لمثل هذه الحالة.
[8- أنه راحة للمرأة:
ومن حكم التعدد تفرغ المرأة في غير نوبتها لطلب العلم وقراءة القرآن وتنظيف بيتها وأشياء أخرى، وهذا لا يتيسر غالباً للمرأة التي ليس لزوجها زوجة غيرها.
9- أنه وقاية للمرأة من العنوسة ذلك الكابوس المخيف:
وقد ذكرت الدكتورة/نهى عدنان قاطرجي في كتاب: (العنوسة معاناة إنسانية تهدد البناء الاجتماعي): (واقع العنوسة في العالم العربي اليوم، والذي يشير إلى أرقام مخيفة تنبئ بخطورة المشكلة، وبالحاجة الملحة إلى إيجاد حلول لها، ومن هذه الأرقام تلك الصادرة عن "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء" في مصر والتي ورد فيها أن العنوسة وصلت في مصر إلى تسعة ملايين فتاة وشاب من أصل 76 مليون نسمة، وكذلك وصل هذا العدد إلى مليون عانس في السعودية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 25مليون نسمة.
وأجرى "مركز سلمان الاجتماعي بالرياض" دراسة حول موضوع العنوسة في دول الخليج، تبين فيها: أن العنوسة بلغت في قطر 15% وفي الكويت 18%، وفي البحرين 20%).
ومثل العنوسة وجود نساء مطلقات وأرامل ونحوها، فالمجتمع الذي فيه تعدد لا تجد فيه نساء عانسات أو مطلقات أو أرامل، وإذا وجدت شيئاً من هذه الظاهرة فإنك تجد النسبة قليلة إذا قارنتها بالمجتمعات الأخرى التي لا تقبل بالتعدد.
وقد قال بعض التشاديين من بلاد تشاد في أفريقيا: (ليس في بلادنا امرأة مطلقة) أي: لأنها تتزوج مباشرة بعد انتهاء العدة.
2- تلخيص فوائد التعدد مع زيادة مصالح أخرى:
ويمكن تلخيص هذه الفوائد بما يلي:
1- تكاثر الأمة، لأنه من الأمور المحبوبة لدى الشارع.
2-التعويض عن المفقودين، والقيام على مصالح الضعفاء.
3- وقاية المجتمع من الإنحراف الأخلاقي وسد كثير من أبواب الزنا.
4- إستغلال طاقة الرجل، وقدرته على التناسل.
5- وجود منفذ شرعي للرجل الشَبِق، الذي لا يقدر أن يصبر على ترك النساء.
6- وجود البديل عن المرأة العقيم.
7- تقليل عدد الأرامل والمطلقات في المجتمع.
8- عودة الأسرة المتفرقة إلى سابق عهدها.
9- أنه راحة للمرأة.
هذه هي بعض المصالح التي ظهرت من تعدد الزوجات، وهي إما عائدة إلى المرأة أو الرجل أو المجتمع أو غيرها.
قال الشنقيطي في "الأضواء": (فالقرآن أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر، وتحديد الزوجات بأربع تحديد من حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع) أ.هـ
المبحث الخامس: شرط التعدد:
والتعدد من أجل أن يؤتي ثماره طيبة يانعة فلا بد من أن يقيد الشرع هذا الزواج بشروط يضمن بها للمرأة حقها وسلامتها من أي حيف أو ظلم يقع عليها، وهذه الشروط هي:
أولاً: أن لا يجاوز أربع نسوة في وقت واحد:
وهذا باتفاق من يعتد بقوله، وقد نقل الإجماع غير واحد من علماء المسلمين ومنهم:
1- الشافعي رحمه الله حيث نقل عنه الحافظ ابن كثير في "تفسيره" أنه قال: (وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة).
قال ابن كثير: (وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع، وقال بعضهم: بلا حصر).
2- ابن حزم حيث قال في "المحلى": (فلم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الإسلام).
3- ابن قدامة حيث قال في "المغني": (أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحداً خالفه إلا شيئا يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعاً لقول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولواو للجمع ولأن النبي صلى الله عليه و سلم مات عن تسع، وهذا ليس بشيء لأنه خرق للإجماع وترك للسنة).
4- وشيخ الإسلام حيث قال في "إبطال التحليل": (ومنها: أنه يجمع ماءه في أكثر من أربع نسوة بل أكثر من عشر وهو ما أجمع الصحابة على تحريمه).
5- والحافظ ابن حجر حيث قال في "فتح الباري": (وقد اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه و سلم الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن).
6- والقرطبي في "تفسيره" (5/17) والحافظ ابن كثير في "تفسيره" - كما تقدم قبل قليل - وغيرهم، وقد ذهب بعض الرافضة إلى جواز الزيادة على الأربع وهو قول منبوذ.
قال البخاري في "صحيحه": (باب لا يتزوج أكثر من أربع لقوله: (مثنى وثلاث ورباع) وقال علي بن الحسين: يعني مثنى أو ثلاث أو رباع، وقوله جل ذكره: (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) يعني: مثنى أو ثلاث أو رباع).
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/139): (وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم).
ثانياً: العدل: لقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة، كان الزواج بأكثر من واحدة محظوراً عليه.
والمقصود بالعدل هنا هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (32/269): (يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان..) فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثاً: بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم) أ.هـ
وأما العدل في المحبة فهو غير مكلف بها، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها، وهذا هو معنى قوله تعالى: (ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، ولذلك قال: (فلا تميلوا كل الميل).
ثالثاً: القدرة على الإنفاق على الزوجات لقوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ومن وجوه تعذر النكاح أن لا يجد المهر الذي يتزوج به، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته.
وينبغي لمن أراد أن يعدد الزوجات النظر إلى مسألة القدرة على تحمل تكاليف هذا الزواج، والقيام بأعبائه، فلا ينظر الرجل إلى كونه سيحصل على شيء من المتعة، ويغض الطرف عن الباقي من الواجبات التي عليه.
فشروط هذا الزواج هي القدرة على النفقة والوطء والقيام بالعدل بين الزوجات فيما أوجب عليه الشارع العدل فيه بينهن، فإذا لم يقدر على ذلك فليدع، ولا يلج باباً لا يحسنه، ولا يقدر على تكاليفه.
المبحث السادس: عند الغرب تعدد من نوع آخر:
التعدد خير من اتخاذ الأخدان في الغرب:
1- قالت "آني بيزانت" زعيمة "التيوصوفية العالمية" وذلك في كتابها: "الأديان المنتشرة في الهند": (كيف يجوز أن يجرؤ الغربيون على الثورة ضد تعدد الزوجات المحدود عند الشرقيين ما دام البغاء شائعاً في بلادهم ؟ … فلا يصح أن يقال عن بيئة: أن أهلها "موحِّدون للزوجة" ما دام فيها إلى جانب الزوجة الشرعية خدينات من وراء ستار! ومتى وزنّا الأمور بقسطاس مستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يَحفظ ويَحمي ويُغذي ويَكسو النساء، أرجح وزناً من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يَتّخِذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره) أ.هـ
2- ويقول الفيلسوف الألماني شوبنهور: (إنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات مادام منتشراً بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام) وهو يقصد تعدد الزوجات بصورة غير مشروعة.
3- وهذا "إسكابيرا" يتحدث عن أثر محاربة "البعثات التبشيرية المسيحية" لتعدد الزوجات لدى (الكجاتلا) "أحد قبائل جنوب إفريقية" فيقول: (إن عدداً من الأعضاء في الكنيسة يتخذون عشيقات في الخفاء على غير علم من المبشرين، لاستخدامهن في زيادة أفراد القبيلة) أ.هـ
المبحث السابع: بعض الغرب يطالب بتعدد الزوجات:
1- قال مبينار "وهو عضو مجلس النواب الفرنسي":
(إن في فرنسا الآن مليون وخمسمائة ألف فتاه لن يجدن لهن أزواجاً على افتراض أن كل شاب فرنسي يتزوج فتاه واحدة، وإني أقول بصراحة ما أنا واثق بصحته وهو أن المرأة لا تتمتع بصحة جيدة ما لم تصبح أماً.
في اعتقادي أن القانون الذي يحكم على مثل تلك الفئة الكبيرة بأن تعيش على نقيض ناموس الطبيعة إنما هو قانون وحشي بل مناف للعدالة).
قلت: الله أكبر، نعم والله إن الظالم الحقيقي للمرأة هي هذه القوانين الوضعية التي قضت أن تبقى هذه المرأة محرومة من أسهل حقوقها.
2- ويقول العالم الإنجليزي "مستر جواد": (إن النظام البريطاني الجامد الذي يمنع تعدد الزوجات نظام غير مرضي فقد أضر بنحو مليون امرأة ضرراً بالغاً حيث صيرهن عوانس، وأدي بشبابهن إلى الذبول وحرمهن من الأولاد وبالتالي ألجأهن إلى نبذ الفضيلة نبذ النواة).
3- ويقول الكاتب الفيلسوف الدكتور "جو ستاف لوبون" في كتابه "حضارة الغرب": (إن تعدد الزوجات يجنب المجتمع من أخطار الخليلات).
وقال: (إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه ويزيد الأسر ارتباطاً يمنح المرأة احتراماً وسعادة لا تجدهما في أوروبا).
4- وفي ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية طالبت نساء ألمانيا أنفسهن بتعدد الزوجات لذهاب كثير من رجالها وشبابها وقودا للحروب، ورغبة في حماية المرأة من احتراف البغاء وما يثمر منه من أولاد غير شرعيين، ففي عام 1948 أوصى "مؤتمر الشباب العالمي" في "ميونخ" بألمانيا بإباحة تعدد الزوجات حلاً لمشكلة تكاثر النساء وقلة الرجال بعد الحرب العالمية الثانية، وتقول إحدى الألمانيات: (إن حل مشكلة المرأة الألمانية هو إباحة تعدد الزوجات).
5- تقول أستاذة ألمانية: (إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء لرجل ناجح على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه، إن هذا ليس رأيي وحدي، بل هو رأي كل نساء ألمانيا).
6- يقول "اتيين دينيه": (إن نظرية التوحيد في الزوجة، وهي النظرية الآخذة بها المسيحية ظاهراً تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء، تلك هي الدعارة والعوانس من النساء والأبناء غير الشرعيين، وإن هذه الأمراض الاجتماعية ذات السيئات الأخلاقية لم تكن تعرف في البلاد التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية تمام التطبيق، وإنما دخلتها وانتشرت فيها بعد الاحتكاك بالمدنية الغربية).
7- تقول الزعيمة العالمية "أني بيزانت": (كثيرًا ما يرد على فكري أن المرأة في الإسلام أكثر حرية من غيره، فالإسلام يحمي حقوق المرأة أكثر من الأديان الأخرى التي تحظر تعدد الزوجات، وتعاليم الإسلام بالنسبة للمرأة أكثر عدالة وأضمن لحريتها، فبينما لم تنل المرأة حق الملكية في إنكلترا إلا منذ عشرين سنة فقط، فإننا نجد أن الإسلام قد أثبت لها هذا الحق منذ اللحظة الأولى، وإن من الافتراء أن يقال: إن الإسلام يعتبر النساء مجردات من الروح).
وتقول أيضاً: (متى وزنا الأمور بقسطاس العدل المستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء أرجح وزنا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره).
المبحث الثامن: شبهات حول تعدد الزوجات:
وقد أثار أعداء الإسلام شبهاً كثيرة في هذا الباب، فمن هذه الشبه:
1- أنهم قالوا: كما أن الرجل لا يحب أن يشاركه أحد في زوجته كذلك المرأة لا تحب من أحد أن تشاركها في زوجها.
وهذا الكلام الفاسد هو لقاسم أمين وقد تقدمت الإشارة إليه في البداية حيث قال: (لا تجد امرأة ترضي أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما إنك لا تجد رجلاً يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته).
ونحن نقول له هذا باطل من أوجه:
أ- إن هذا قياس فاسد لأنه مصادم للنص كقياس إبليس تماماً الذي أمره ربه بالسجود فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وعند التحقيق نجد أن هذا قياس مع الفارق لأن الطين أفضل من النار من عدة وجوه ذكرها ابن القيم وغيره، وهكذا التعدد فهو وإن كان يرى ضعفاء العقول والبصائر أنه ظلم للمرأة لأن المرأة لا تريد من يشاركها في زوجها كما لا يريد هو من يشاركه زوجته، فهو أيضاً قياس مع الفارق فالرجل يصح له أن يطأ أكثر من واحدة، بينما ممنوع أن يطأ المرأة أكثر من رجل، وهل نشأت الأمراض والعاهات العصرية إلا لحصول أسباب منها أن وطء المرأة أكثر من رجل، ولذلك شرع الإسلام العدة حتى لا تختلط المياه فتضيع الأنساب وتحصل الأوبئة، ثم إن تعدد الرجال لا يفيد المرأة بل يحط من قدرها وكرامتها.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (فذلك من كمال حكمة الرب تعالى وإحسانه ورحمته بخلقه ورعايه مصالحهم ويتعالى سبحانه عن خلاف ذلك وينزه شرعه أن يأتي بغير هذا ولو أبيح للمرأة أن تكون عند زوجين فأكثر لفسد العالم وضاعت الأنساب وقتل الأزواج بعضهم بعضاً وعظمت البلية واشتدت الفتنة وقامت سوق الحرب على ساق، وكيف يستقيم حال امرأة فيها شركاء متشاكسون وكيف يستقيم حال الشركاء فيها ؟
فمجيء الشريعة بما جاءت به من خلاف هذا من أعظم الأدلة على حكمة الشارع ورحمته وعنايته بخلقه.
فإن قيل فكيف روعي جانب الرجل وأطلق له أن يسيم طرفه ويقضي وطره وينتقل من واحدة إلى واحدة بحسب شهوته وحاجته وداعي المرأة داعية وشهوتها شهوته، قيل: لما كانت المرأة من عادتها أن تكون مخبأة من وراء الخدور ومحجوبة في كن بيتها، وكان مزاجها أبرد من مزاج الرجل وحركتها الظاهرة والباطنة أقل من حركته وكان الرجل قد أعطي من القوة والحرارة التي هي سلطان الشهوة أكثر مما أعطيته المرأة، وبلي بما لم تبل به أطلق له من عدد المنكوحات ما لم يطلق للمرأة، وهذا مما خص الله به الرجال وفضلهم به على النساء كما فضلهم عليهن بالرسالة والنبوة والخلافة والملك والإمارة وولاية الحكم والجهاد وغير ذلك وجعل الرجال قوامين على النساء ساعين في مصالحهن يدأبون في أسباب معيشتهن ويركبون الأخطار ويجوبون القفار ويعرضون أنفسهم لكل بلية ومحنة في مصالح الزوجات والرب تعالى شكور حليم فشكر لهم ذلك وجبرهم بأن مكنهم مما لم يمكن منه الزوجات وأنت إذا قايست بين تعب الرجال وشقائهم وكدهم ونصبهم في مصالح النساء وبين ما ابتلي به النساء من الغيرة وجدت حظ الرجال أن تحمل ذلك التعب والنصب والدأب أكثر من حظ النساء من تحمل الغيرة فهذا من كمال عدل الله وحكمته ورحمته فله الحمد كما هو أهله) أ.هـ
ب- ثم إن من المعروف عند جميع الناس أن الرجل بفطرته يميل إلى التعدد والتنويع، وهذا بخلاف المرأة التي لا تفكر في هذا مطلقاً إلا على سبيل الشذوذ الذي لا عبرة به، وهذا يبين الفارق بين الرجل والمرأة مما يزيد في فساد هذا القياس الذي وضعه قاسم أمين وغيره.
2- قولهم: أين المحافظة على شعور المرأة من أن تشاركها زوجة أخرى في زوجها، ويقال لهم:
أ- هل الأولى أن تشاركها امرأة أخرى شريفة عفيفة تقتسم معها حقوق الزوجية، أو تشاركها كثير من الفاجرات بطريقة الحرام، مع كونهن لا يتورعن من سحب الأزواج عن زوجاتهم وأولادهم حتى ضاعت الأسر وانهدمت كثير من البيوت، إما عشقاً في هؤلاء الأزواج أو طمعاً في المال.
ب- وأيضاً يقال: إذا كان على المرأة شيء من الضرر فإنه لا يمنع أن يكون في التعدد ضرر يسير ينغمر في المحاسن الكثيرة لهذا التعدد والتي تقدم ذكر بعضها، ومن هذه المحاسن ما يعود على المرأة نفسها، فإنها إن تضررت من جهة انتفعت من عدة جهات، هذا مع انتفاع الرجل المتزوج بل المجتمع كله، والشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة.
3- ولعلهم يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما رفض زواج علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها: (إني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبداً):
والجواب قبل نقل كلام العلماء هو أن نقول باختصار: أن أصل زواج علي بن أبي طالب من أخرى غير فاطمة مباح في الأصل، لكن منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه وسيلة لأذيته، فالزواج بالثانية يؤذي الزوجة الأولى وهذا مما لاشك فيه، والزوجة الأولى هي فاطمة والتي هي بنته صلى الله عليه وسلم وبضعة منه يؤذيه ما يؤذيها ويريبه ما رابها رضي الله عنها، فكان المنع من الزواج بأخرى ليس لذاته ولكن لأنه وسيلة لأذيته صلى الله عليه وسلم.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم":
(قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال وعلى كل وجه وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحاً وهو حي وهذا بخلاف غيره، قالوا: وقد أعلم صلى الله عليه و سلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم: "لست أحرم حلالاً ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين إحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من آذاه فنهي عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة.
والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة، وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما بل معناه أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ويكون معنى لا أحرم حلالاً أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله فإذا أحل شيئاً لم أحرمه وإذا حرمه لم أحلله ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله).
4- معارضتهم آية التعدد التي اشترطت العدل كقوله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) بآية (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، فقد حيث قالوا بعد ذلك: إذا فلا حاجة إلى الزواج لأن العدل غير متحقق:
والجواب قد ذكره العلماء وبينوا فيه الفهم الفاسد لهؤلاء، فالآية الأولى هو عدل القلوب وهو عدل المحبة والميل، وهذا شيء لا يقدر عليه زوج في الدنيا إذ لابد أن يميل إلى واحدة ولو قليلاً، ولذلك قال: (فلا تميلوا كل الميل) وأما العدل الآخر فهو عدل النفقة وهذا هو المطلوب.
5- هناك من يقول: إن في تعدد الزوجات ووجود الضرائر في البيت الواحد، وما ينشأ عن ذلك من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم، وهذا ضرر والضرر يزال، ولا سبيل إلى منعه إلا بمنع تعدد الزوجات.
والجواب:
1- أن هذا النزاع الذي يتوقع حصوله ليس من أصل تعدد الزوجات، فقد يقع بوجود زوجة واحدة مع أخوات الزوج وقريباته، وقد لا يقع مع وجود أكثر من زوجة واحدة كما هو معروف في بعض الأسر، فهو يقع مع ضيق الصدور وقلة الانسجام بين الناس سواء كانوا من الزوجات أو غيرهن.
2- ولو سلمنا باحتمال وجود نزاع يسير فهذا النزاع لو اعتبرناه ضرراً فهو ضرر مغمور في خير كثير كما تقدم وليس هناك مصلحة إلا وهي محتفة بشيء من الضرر ولو اليسير إلا فيما ندر حتى أنكر بعض الفقهاء أن تكون هناك مصالح غير محتفة بضرر.
ثم إن لكل زوجة الحق في مسكن شرعي مستقل كما يذكر الفقهاء في كتب الفقه، ولا يجوز للزوج إجبار زوجاته على العيش في بيت واحد مشترك.
المبحث التاسع: خلاصة البحث:
خلاصة ما تقدم:
1- أن تعدد النساء قد عرفته البشرية قبل الإسلام ولاسيما على ألسنة بعض الرسل، لكن الإسلام شرع هذا التعدد وهذبه من صور المظالم التي كانت الجاهلية فكان شرعة طاهرة من أنواع المظالم.
2- أن تعدد النساء من حسنات الإسلام لا من مساوئه، وليس هو مشكلة بل هو حل لكثير من المشكلات.
3- أن من هاجم التعدد لم يهاجمه لأن فيه مفاسد ظاهرة، وإنما هاجمه لأن مهاجمته وسيلة للطعن في الإسلام والتشكيك في شرائعه وشعائره، فبعض من هاجمه له مقاصد أبعد مما يظن بعض الناس، أو على الأقل هاجمه لأنه لم يفهم الحكمة العظيمة من هذا التعدد إن أحسنا به الظن.
4- أن الغربيين الذين يهاجمون التعدد قد وقعوا في تعدد آخر وهو تعدد العشيقات، وهو تعدد قبيح لأنه قائم على استغلال المرأة بأقبح أنواع الظلم.
5- أن من منع تعدد النساء بقانون مستمر ثابت فهو ظالم للمرأة نفسها وإن ادعى أنه يدافع عن حقها.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-13, 09:00   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة العاشرة:
تعـدد زوجـات نبينا صلى الله عليه وسلم.


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة العاشرة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن القسم الثاني من تعدد الزوجات وهو "تعدد زوجات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"، وتتكون هذه الحلقة من عدة مباحث:
الأول: الجواب المجمل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم.
الثاني: الجواب المفصل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم.
الثالث: خلاصة ما تقدم.
الرابع: اعتراف المنصفين من الغرب.

الأول: الجواب المجمل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم:
لقد تطاول الأعداء العصريون للإسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن كثرة زوجاته يدل على أنه رجل شهواني !! كبرت كلمةً تخرج من أفواههم، فهم لا يفهمون الزواج إلا لمعنىً واحد وهو قضاء الشهوة فقط !! مع أن كفار ومشركي زمانه صلى الله عليه وسلم لم يعترضوا على تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام ولا اليهود الذين جاوروه اعترضوا على ذلك، رغم أن هؤلاء كلهم كانوا يتربصون به، ويثيرون حوله التهم الباطلة لينفروا الناس منه، لأنهم يعرفون عفته وأخلاقه، وأنه لم يفعل ذلك إلا لأمور هي أرفع من أن تكون لإشباع رغباته وشهواته.
فكثرة نسائه تدل على كمال رجولته وفحولته ورحمته ورقته وعظم المسئولية التي على عاتقه، فزواجه صلى الله عليه وسلم كان بإباحة الله له، مع مقاصد أخرى سامية، وزيادةً في التفصيل سنتعرض في هذا المبحث إلى الأسباب التي دفعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزواج من كل امرأة ليعرف القارئ أن ما يقوله أعداء الإسلام هو من أبطل الباطل، ويمكن ردها إلى جوابين: الأول: مجمل، والثاني: مفصل.
أما الأول: فهو ما قاله الحافظ ابن حجر في " فتح الباري" (9/115): (والذي تحصل من كلام أهل العلم في الحكمة في استكثاره من النساء عشرة أوجه تقدمت الإشارة إلى بعضها:
أحدها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة فينتفي عنه ما يظن به المشركون من أنه ساحر أو غير ذلك.
ثانيها: لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
ثالثها: للزيادة في تألفهم لذلك.
رابعها: للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.
خامسها : لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه.
سادسها: نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
سابعها: الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه، وصفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.
ثامنها: ما تقدم مبسوطا من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم.
تاسعها وعاشرها: ما تقدم نقله عن صاحب "الشفاء" من تحصينهن والقيام بحقوقهن، والله أعلم) أ.هـ
وأما الجواب التفصيلي فسنذكر في كل موضع الدوافع لزواجه من كل امرأة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وقد نذكر أشياء لم يذكرها الحافظ رحمه الله.
الجواب المفصل عن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم:
(1) خديجة بنت خويلد (2) عائشة بنت الصديق (3) حفصة بنت عمر (4) أم حبيبة (رملة) بنت أبي سفيان (5) أم سلمة (هند) المخزومية (6) سودة بنت زمعة (7) زينب بنت جحش (8) زينب بنت خزيمة (9) جويرية بنت الحارث (10) ميمونة الهلالية (11) صفية بنت حُيَىّ.
مات منهن في حياته صلى الله عليه وسلم اثنتان وهما: خديجة وزينب بنت خزيمة، المعروفة بـأم المساكين، والتسع الباقيات بقين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أعماراً مختلفة، رضي الله عنهن من أمهات للمؤمنين.

وقد جمعهن أحد العلماء في الأبيات الثلاثة الآتية:-
توفى رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشـة ميمـونة وصفيـة وحفصة تتلوهن هند، وزينب
جويـرية مـع رملة ثم سودة ثلاث وست ذكرهن مهذب



1- خديجة رضي الله عنها:
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمره خمساً وعشرين سنة، وكانت هي في الأربعين من عمرها، فهي تكبره بخمسة عشر عاماً، ثم إنها ثيب وليست بكراً فقد تزوجت قبله مرتين، فهذا ليس زواج من يبحث عن المتعة واللذة ولا سيما وهو في عنفوان الشباب، وإنما هو زواج العفيف الذي يريد العفة.
ثم إن خديجة رضي الله عنها هي التي عرضت عليه الزواج بها بعد أن أعجبت بأمانته وصدقه وسيرته، فأرسلت إليه امرأة ً- أختها أو صديقتها – فقالت له: ما الذي يمنعك من الزواج ؟ فقال: لست أملك ما أتزوج به، فقالت: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى الجمال والكفاءة والمال والشرف ألا تجيب؟ قال: فكيف لي بذلك ؟ قالت: علي ذلك).
ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه طمع في غيرها في حياتها التي بقيت معه قرابة خمس وعشرين سنة، وهو مع ذلك كان يتركها ويذهب يتعبد لله في غار حراء، يبقى فيه أياماً يكتفي بالقليل من الطعام، وهذا من أكبر الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن باحثاًً إلا عن العفة، ولما تركته رضي الله عنها، ورحلت إلى الدار الآخرة كان سنها فوق الستين سنة، ومع هذا حزن عليها حزناً شديداً، وظل طيلة حياته بعدها وفياً لها يذكرها دائماً ويثني عليها ويبر بصاحباتها ويحسن إليهن، وكل ذلك يدل على أن زواجه بها، وبقاءه معها كان عن محبة ووفاء.
2- سودة بنت زمعة:
أسلمت هي وزوجها – وهو ابن عمها – السكران بن عمرو بن عبد شمس، وقد خالفت بإسلامها هذا قومها وأقاربها.
وكانت امرأة كبيرة في السن وقد ثبت عنها أنها وهبت يومها لعائشة في آخر أيامها، وهي حسيبة في قومها لا ترضى أن يتزوجها من لا يكافئها، فتزوجها رسول الله صلى عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين ولم يدخل بها إلا في المدينة تزوجها حماية لها من قومها الغلاظ، وزواجه بها أشبه ما يكون بالتكريم لها بسبب إسلامها وهجرتها وصبرها على التمسك بعقيدة التوحيد، ومواساة لها بعد مصيبتها بموت زوجها وابن عمها فهو أشبه ما يكون برعاية لأسر الشهداء – إن صح التعبير- وفي الوقت نفسه هو استمالة لقومها، وتأليف لقلوبهم لكونهم صاروا أصهاراً له، إذن هو زواج تكريم ومراعاة لمصالح الإسلام والمسلمين، لا زواج استمتاع.
3- عائشة رضي الله عنها:
هي ابنة الصديق حبيب رسول الله وأخوه في الدين، وصاحبه في الأسفار ورفيقه في الجهاد، بذل أبو بكر نفسه وماله لنصرة الإسلام.
1- وكان أبو بكر أقرب الناس إلى قلبه صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يكرمه رضي الله عنه لسابقته في الإسلام ونصرته للرسول صلى الله عليه وسلم ولغير ذلك من الفضائل، ويزيده قرباً إلى قربه وشرفاً إلى شرفه، ولم يجد صلى الله عليه وسلم أفضل من المصاهرة، ولاسيما وأن هذا الأمر كان يحلم به الكثير من الناس، هذا مع حاجته إلى زوجة تقوم على خدمته وترعى مصالحه وتؤنسه في بيته وتنقل عنه ما تراه من السنن وتسمعه من العلم، لاسيما بعد وفاة زوجته خديجة، وكبر سن سودة، ولم يتزوج رسول الله بكراً غيرها.
2- أضف إلى ذلك أن زواجه بعائشة كان بوحي من الله حيث رآها في المنام ورؤيا الأنبياء وحي، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أريتك في المنام مرتين أى أنك في سرقة من حرير، ويقال هذا امرأتك فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يكن هذا من عند الله يمضه).
3- وأيضاً قد كانت هناك مؤاخاة عظيمة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى أنه صلى الله عليه وسلم لما طلب من أبي بكر الزواج بعائشة قال له أبوبكر: ي رسول أنت أخي فقال له: أنت أخي فقي الدين ولكنها حلال لي، فيمكننا القول بعد هذا أنه صلى الله عليه وسلم قد قضى على عادة كانت موجودة في الجاهلية وهي عادة التآخي عند بعض العرب، وكانت عادة المؤاخاة عندهم تسوي بين هذه المؤاخاة بين الأخوة الحقيقية القائمة على صلة الدم، وكانوا يحرمون على أنفسهم الزواج بابنة أخيهم المزعوم، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العادة الجاهلية بزواجه بعائشة رضي الله عنها.
وكان عمرها تسع سنوات وقت الزواج وبقيت على قيد الحياة ثمانياً وأربعين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولعل هذا هو السر وراء هذا الزواج، ولم يعرف أنها اشتكت يوماً أو ادعت أنها ظلمت من أبيها الذي زوجها وهي صغيرة، بل كانت ترى أن ذلك شرف لها لا يقاربه شرف ولا يساويه شرف، وكانت متعلقة برسول الله صلى الله عليه وسلم لدماثة أخلاقه وطيب عشرته.
4- وظلت تنشر الدين وتبلغه إلى النساء والرجال سنين طويلة، وقد ذكر العلماء المؤرخون أنه قد انتقل ربع الأحكام الشرعية إلى الأمة المسلمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال توجيهات عائشة وجهودها التي استمرت قرابة ثمانية وأربعين سنة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
4- حفصة بنت عمر:
تزوجها أولاً خنيس بن حذافة السهمي وقد توفي جريحاً في غزوة بدر، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إكراماً لصديقه وصاحبه ووزيره الثاني عمر، وكان زواجه منها في غاية التكريم لها ولأبيها، ولقد ضاقت على عمر الأرض بما رحبت لما سمع بطلاقه لها، فجاء يتثبت فعلم بعد ذلك أنه لم يطلقها.
5- أم سلمة:
وهي هند بنت أمية حذيفة بن المغيرة المخزومي، كانت زوجةً لأبي سلمة عبدالله بن عبد الأسد بن مخزوم، ولقد كانت هذه المرأة من السابقات إلى الإسلام وكانت أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجها ثم عادا وهاجرا إلى المدينة وشهد زوجها غزوة بدر، ثم اشترك في غزوة أحد فأصابه جرح فمات منه.
ثم إن بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي سلمة صلة قرابة لأن أبا سلمة ابن برة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، وكانت أم سلمة حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة السن كثيرة الأولاد، وبهذين العذرين اعتذرت لأبي بكر وعمر لما تقدما لها، ولما تقدم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذرت بهذين العذرين فقالت: (يا رسول الله: إنني امرأة كبيرة السن، وذات عيال، وشديدة الغيرة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكبر منك سناً، وأما العيال فإلى الله، وأما الغيرة فأدعو الله فيذهبها عنك) وقد كان، ونقف هنا وقفة قصيرة عند قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكبر منك سناً) وكان هذا جواباً لها عن قولها: (أنا كبيرة) وفي هذا دليل على أنه كان لا يتتبع صغيرات السن عليه الصلاة والسلام وإنما ييتبع من كانت ذات دين أحوج ما تكون إلى وقف من يعولها وسترها.
وقد تزوجها في السنة الثانية بعد غزوة بدر، فعرف من هذا أن زواجها منها كان لإكرامها والقيام على مصالحها هي وأولادها، وليس لشهوته المحضة صلى الله عليه وسلم.
6- زينب بنت خزيمة:
من بني عامر بن صعصعة، كانت تدعى في الجاهلية بأم المساكين لكثرة إطعامها المساكين، وكانت زوجة للطفيل بن الحارث بن عبد المطلب الذي استشهد يوم أحد ولم تكن ذات جمال أو شابة، وإنما تزوجها رسول الله على كبر سنها بعد مقتل زوجها في الجهاد تعويضاً ورعاية لها، وإشفاقاً على أبنائها، ولم تعش مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهرين، أو ثلاثة أشهر ثم توفيت.
7- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب:
أسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش وأبوها غير راضٍ في وقت كان هو ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً من قومهما، ثم ارتد زوجها في الحبشة، ودعاها إلى التنصر فأبت وبقيت على إسلامها، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكرمها، ويعز من شأنها، ويهون عليها من أمر الغربة، وفي الوقت نفسه يتألف أباها أحد رؤوس الشرك في ذلك الوقت، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في الحبشة سنة ست أو سبع، وأمهرها النجاشي، وأرسلها إلى المدينة عام الهدنة مع خالد بن سعيد يوم فتح خيبر.
8- جويرية بنت الحارث:
كان أبوها سيد بني المصطلق، وقد جمع جموعاً كثيرة لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، أو غزوة بني المصطلق سنة خمس من الهجرة.
عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام فأبوا فقاتلهم رسول الله صلى الله وسلم وانتصر عليهم، فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها على سبع أواق من ذهب، فلم تجدها ولم تجد من يعينها، فذهبت إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من الأمر ما لا يخف عليك، فوقعت في سهم ثابت بن فيس فكاتبته على نفسي، وجئتك أستعينك، فقال لها: "هل لك في خير من ذلك ؟" قالت: وما هو يا رسول الله ؟ قال: "أقضي عنك كتابتك وأتزوجك" ؟ قالت: نعم قال: "قد فعلت").
فخرج الخبر إلى الناس وعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية، فقال الناس بعضهم لبعض: لقد صاروا أصهار رسول الله صلى عليه وسلم، ثم أطلقوا ما بأيديهم من سبايا بني المصطلق.
لهذا قالت عائشة: (لا نعلم امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية).
وكان اسمها برة فغيره رسول الله إلى جويرية، فلم يلبث بنو المصطلق أن أسلموا متأثرين بهذه المصاهرة، ثم صاروا في صفوف المدافعين عن الإسلام بعد أن كانوا من أعدائه، فحصلت بهذا الزواج الكثير من المصالح.
9- زينب بنت جحش:
وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب، ولزواجه منها قصة، فزيد بن حارثة الكلبي كان قد أصابه سبي في الجاهلية فاشترته خديجة رضي الله عنها، ووهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتبناه بمكة قبل النبوة وهو ابن ثمان سنين، ثم علم أبوه حارثة مكانه فخرج لفدائه ولقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى عليه وسلم: نخيره، فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً.
واختار زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنعه زيد خرج إلى الحجر وأشهد الناس أن زيداً ابنه يرث كل منهما الآخر، فطابت نفس أبيه حارثة ومن يومها نسب إلى رسول الله فكانوا ينادونه بزيد بن محمد، حتى جاء الإسلام وأبطل هذه الأمر بقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم) ومن يومها دعي زيد بن حارثة، ودعي غيره كذلك لآبائهم.

وقال ابن كثير في "تفسيره":
(وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة، فكان يقال له: "زيد بن محمد"، فلما قطع الله هذه النسبة بقوله تعالى: (وما جعل أَدعياءكم أَبناءكم ذلكم قولكم بأَفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل0ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)، ثم زاد ذلك بياناً وتأكيداً بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن حارثة، ولهذا قال في آية التحريم: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) ليحترز من الابن الدعي، فإن ذلك كان كثيرًا فيهم) أ.هـ
ثم أعلم الله رسوله بالوحي أن زيداً سيتزوج زينب ثم يطلقها، ثم يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبطال ما تعارف الناس عليه من تحريم امرأة الإبن بالتبني، ولقد انتشر هذا الأمر بينهم انتشاراً كبيراً بحيث لا يتأهل لإبطاله وإنهائه من بينهم إلا تشريع عملي يكون من الرسول صلى الله عليه وسلم، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أسامة.
قال ابن كثير:
(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية وأمها أميمة بنت عبد المطلب وأصدقها عشرة دنانير، وستين درهما، وخمارا، وملحفة، ودرعا، وخمسين مدا من طعام، وعشرة أمداد من تمر قاله مقاتل بن حيان، فمكثت عنده قريباً من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله يقول له: "أمسك عليك زوجك، واتق الله". قال الله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) أ.هـ
10- ميمونة بنت الحارث بن حزق الهلالية:
تزوجت مرتين قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ولما مات زوجها الثاني عرضها العباس رضي الله عنه على النبي يريد بذلك تشريفها، وهي قد وهبت نفسها للنبي أيضاً، وفيها نزل قوله تعالى: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) الآية، فقبل صلى الله عليه وسلم مع أنه ليس فيها ما يغري من الجمال أو الأموال وإنما كانت هذه المرأة على صلات كثيرة بأشراف العرب، فأم الفضل لبابة الكبرى زوجة العباس أختها، وكذلك لبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة أم خالد بن الوليد، وعصماة زوجة أبي بن خلف الجمحي، وعزة زوجة زياد بن عبد الله الهلالي.
ولها أخوات لأمها هن: أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب، ثم أبي بكر الصديق، وسلمى بنت عميس، زوجة حمزة بن عبد المطلب، وسلامة بنت عميس زوجة عبد الله بن كعب بن منبه الخثعمي، فمن هنا تأتي الدوافع الأخرى لزواجه منها، فإن أخواتها الشقيقات وغير الشقيقات زوجات لسادة أشراف قريش، ومن المصلحة أن يصاهرهم ويقترب منهم.
11- صفية بنت حيي بن أخطب:
كانت من اليهود وقد تزوجها اثنان لما كانت معهم، وقد وقعت في السبايا في غزوة خيبر سنة سبع، فطلب دحية الكلبي من رسول الله جارية من السبايا، فقال له: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء الصحابة فقالوا: يا رسول الله إنها بنت سيد بني قريظة وبني النضير فما تصلح إلا لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لدحية: (خذ جارية من السبايا غيرها) وخيرها رسول الله بين أن يعيدها إلى قومها أو أن يعتقها ويتزوجها، فاختارت الزواج منه رضي الله عنها، فهذا يدل على أنه أراد من زواجه بها صلى الله عليه وسلم شيئاً آخر هو تأثر قومها بهذا الخلق العظيم، ودخولهم في دين الإسلام.
12- مارية القبطية:
بعث النبي حاطب بن أبي بلتعة سنة ست بكتاب إلى المقوقس حاكم الإسكندرية ومصر يدعوه إلى الإسلام فتلقى الرسول القادم والكتاب الذي معه لقاءً حسناً، وبعث إلى النبي هدايا منها مارية القبطية ومعها أختها سيرين، وخصي يقال له المأبور، وقيل: إنه بعث أربع جوار.
فوهب رسول الله صلى عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن، واتخذ النبي مارية لنفسه فولدت له ابنه إبراهيم.
فظهر بهذا أن مارية كانت مهداة من المقوقس فهي أمة وليست زوجة من الزوجات، وكان سبب قبولها أن رد الهدايا كان معيباً في عرف الملوك والعظماء، ولو رده عليه فلربما استاء المقوقس، ولاسيما وأنه تلقى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لقاءً حسناً وزاد على فأهدى إليه أشياء، فلا حرج في قبولها ولاسيما وأن النبي يريد تأليف القلوب، وعدم تنفيرها.
الثالث: خاتمة الفصل:
أولاً: يمكن تلخيص الحكم من كثرة نسائه فيما يلي:
1- أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة من النساء، وقد تقوم المرأة بما لا تقدر عليه الأخرى.
2- لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرته فيهم.
3- للزيادة في تألفهم لذلك.
4- للزيادة في التكليف حيث كلف أن لا يشغله ما حبب إليه منهن عن المبالغة في التبليغ.
5- لتكثر عشيرته من جهة نسائه فتزاد أعوانه على من يحاربه.
6- نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال، لأن أكثر ما يقع مع الزوجة مما شأنه أن يختفي مثله.
7- الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة، فقد تزوج أم حبيبة وأبوها إذ ذاك يعاديه، وتزوج صفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها، فلو لم يكن أكمل الخلق في خلقه لنفرن منه، بل الذي وقع أنه كان أحب إليهن من جميع أهلهن.
8- ما تقدم مبسوطاً من خرق العادة له في كثرة الجماع مع التقلل من المأكول والمشروب وكثرة الصيام والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرته تكسر شهوته فانخرقت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم.
9- ما تقدم نقله عن صاحب "الشفاء" من تحصينهن، والقيام بحقوقهن.
10- معرفة ما كان عليه من قوة العبادة وشدة الصلة بالله سبحانه وتعالى حيث لم تشغله هؤلاء النسوة عن عبادة ربه تعالى والدعوة إلى توحيده سبحانه وتعالى.
قال القاضي عياض في "الشفا" (1/116): (ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه درجة علياء وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره) أ.هـ
11- إظهار فضائله وإبراز مكانته صلى الله عليه وسلم في القيام بحقوق الخلق، فإنه مع هذا العدد الكبير من النساء كان ينفق عليهن ويعدل بينهن، مع كثرة انشغاله وتحمل الأعباء الكثيرة في الدعوة ونشرها بين الناس في خارج المدينة، وتدبير شئون المسلمين في الداخل.
12- معرفة ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كمال الرجولة والذكورية، وقد قال القاضي عياض في "الشفا" (1/114): (والضرب الثاني: ما يتفق التمدح بكثرته والفخر بوفوره كالنكاح والجاه.
أما النكاح فمتفق فيه شرعاً وعادة، فإنه دليل الكمال وصحة الذكورية ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمادح به سيرة ماضية، وأما في الشرع فسنة مأثورة، وقد قال ابن عباس: أفضل هذه الأمة أكثرها نساء مشيراً إليه صلى الله عليه وسلم) أ.هـ
13- كثرة زوجاته مع اقتصاد معيشته دليل على نبوته ولو لم يكن نبياً لما صبر نساؤه عليه، ولاسيما وأنه صلى الله عليه وسلم قد خيرهن بين أن يمتعهن ويسرحهن وبين أن يبقين معه على قلة ذات اليد فاخترنه صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: ما ذكروه من تهمة أنه شهواني كلام لا يقبله عاقل بعد التأمل في سيرته وحياته، حيث نرى أنه نشأ عفيفاً في قمة صباه وعنفوان شبابه، ثم إنه عندما أراد الزواج تزوج الكبيرات اللواتي قد تزوجن من غيره، والملوك وأهل البذخ والمترفون إذا أرادوا النكاح فإنما يرغبون في الصغيرات والأبكار من النساء اللواتي لم يمسهن أحد، مع حرصهم على تنويع أنكحتهم وتذوقاتهم، ومن تأمل سيرته صلى الله عليه وسلم وجد أنه بعيد من ذلك بكثير، حيث أبى ما عرضته عليه قريش من تزويجه بأجمل النساء مقابل ترك الرسالة، وأن أنكحته إنما تعددت بعد أن دخل في مرحلة الكبر وتجاوز فترة الشباب بكثير، وهو مع هذا كانت أنكحته إما لما لمصلحة انتشار الإسلام وترسيخه في النفوس، أو لتمكينه في الأرض، أو لمصلحة المرأة نفسها كالقيام عليها، وعلى أولادها، أو لمصلحة أقرباءها، أو تحقيقاً عملياً لبعض التشريعات كجواز الزواج من زوجة الإبن بالتبني، فلم يكن التشهي هو الدافع له إلى تعدد نسائه ولاسيما وأن تعدد نسائه كان بعد ذهاب أيام شبابه، والله أعلم.
الرابع: اعتراف المنصفين من الغرب:
هناك الكثير من الغربيين ممن تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأسباب زواجاته المتعددة فلم يملك إلا أن يشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بالعفة والخلق، وأن سبب زواجه كان لمصلحة أخرى خارجة عن شهواته، ويكفينا هنا أن نذكر في هذا المقام اثنين من هؤلاء:
1- قال الفيلسوف الإنجليزي "توماس كارليل":
(وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً، وأشد ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوياً لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ، كلاّ فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أية كانت، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله وكان طعامه عادة الخبز والماء وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار) أ.هـ
نقلاً عن"الإسلام بين الإنصاف والجحود" لمحمد عبد الغني حسن.
2- وتقول البريطانية الباحثة في الأديان "كارين أرمسترونج" في كتابها "سيرة النبي محمد":
(لقد أثار موضوع زوجات النبي تأملات كثيرة في الغرب، تتسم بالبذاءة والصفاقة، وبكثير من مشاعر الحسد التي فشل الكتَّاب في إخفائها، على نحو ما رأينا في الفصل الأول الذي بينتُ فيه أن محمداً كثيراً ما اتهم بالميل إلى الشهوة الجسدية، وقد فرض القرآن فيما بعد ألا يزيد عدد زوجات المسلم على أربع، ولو أن محمداً قد سُمح له باعتباره نبياً بأكثر من ذلك، والواقع أن الاقتصار على زوجة واحدة لم يكن يعتبر من الأعراف المستحبة في بلاد العرب إلا من جانب قلة لا تذكر، وبعد سنوات كثيرة عندما أصبح محمد من سادة العرب العظماء، كانت زوجاته الكثيرات من دلالة منزلته الرفيعة.
ويغلب أن يكون تعدد الزوجات هو العرف السائد في المجتمع القبلي، ولا يجد الكتاب المقدس - أي التوراة - غضاضة على الإطلاق في الحديث عن الإنجازات الجنسية للملك داود، أو الزوجات اللائي لا يحصى عددهن للملك سليمان، ويعتبر عدد زوجات النبي محمد، بالقياس إلى زوجاتهما، ضئيلاً إلى درجة كبيرة. والواقع أنهما كانا يعيشان مثل النبي محمد في مجتمع يمر بفترة انتقالية من الحياة القبلية إلى حياة المدينة، ولكن يخطئ من يظن أن محمداً كان ينعم بالملاذ في حديقة من المتع الدنيوية، بل إن كثرة زوجاته كانت أحياناً، على نحو ما سوف نرى، نعمة ونقمة معاً).










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-13, 09:11   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الحادية عشرة:
هل في شعائر الحج بقايا وثنية ؟!



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الحادية عشرة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن قولهم: (إن شعائر الحج من الوثنية) !! وهي من أعجب الشبه وأغربها، وقائلها هم أوقح من يثير شبهة على الإسلام، وفي هذه الحلقة سأرد على هذه المقالة بقدر استطاعتي فهذا جهد المقل مع مراعاة الاختصار، وإن كانت قد بقيت لنا حلقات من: (شبهات حول الإسلام) مما يتعلق بالمرأة، ولكن فضلنا تقديم ما يتعلق بالحج لأن المسلمين يعيشون في هذه الأيام موسم الحج لبيت الله الحرام فنحن الآن في أواخر ذي القعدة/ 1430 هـ.
ويتكون هذا البحث من فصلين:
الفصل الأول: مقاصد الحج ومنافعه.
الفصل الثاني: قولهم: إن شعائر الحج بقايا وثنية

الفصل الأول: مقاصد الحج ومنافعه:
المبحث الأول: فضل الحج:
للحج فضائل عظيمة وردت أغلبها في السنة الصحيحة، ونحن نذكر منها ما استطعنا، فمن ذلك:
الأول: أنه ركن من أركان الإسلام:
ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان). رواه البخاري ومسلم.
الثاني: أنه من أفضل الأعمال والقرب التي يتقرب بها العبد إلى الله:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا ؟ قال: "ثم الجهاد في سبيل الله" قيل له: ثم ماذا ؟ قال : "ثم حج مبرور) رواه الشيخان.
وإنما قدم الأيمان لأن غاية الغايات ورأس المقاصد، ثم أتبعه بالجهاد لأن منفعته المتعدية أظهر وأعظم، ولأنه يتعلق بإعلاء كلمة التوحيد وقمع الكفر، والمراد بالحج هنا حج النافلة، أما حج الفريضة فهي مقدمة على الجهاد وإن كان واجباً، ثم جعل بعده الحج بياناً لمنزلته عظيمة.
الثالث: أن الله يغفر به الذنوب:
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق رجع كهيئته كيوم ولدته أمه) رواه الشيخان.
2- وعن عمرو بن العاص أنه في سياق حكايته عند الموت لقصة إسلامه، ومن ذلك أنه قال: (فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك لأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: (ما لك يا عمرو ؟) قال: قلت أردت أن أشترط، قال: (تشترط ماذا ؟) قلت: أن يغفر لي، قال: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم في "صحيحه".
الرابع: أن الله يجازي العبد به الجنة إذا كان مبروراً:
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه الشيخان.
2- والبر في الحج هنا هو ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الذي رواه أحمد في "المسند" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ("الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، قيل: يا رسول الله وما بره ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "طيب الكلام وإطعام الطعام").
الخامس: أنه أفضل الجهاد، وأنه جهاد الضعفاء:
1- عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور) رواه البخاري.
2- وروى ابن خزيمة في "صحيحه" عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة").
3- وعن ماعز - وهي غير من أقيم عليه الحد - عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) رواه أحمد والطبراني في "الكبير".
4- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج جهاد كل ضعيف). رواه ابن ماجه، وصححه العلامة الألباني في "صحيح الترغيب".
5- وعن الحسين بن علي رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جبان وإني ضعيف قال: هلم إلى جهاد لا شوكة فيه: الحج). رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وصححه الألباني في "الإرواء".
السادس: أنه ينفي الفقر والذنوب:
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) رواه الترمذي وقال: (حديث حسن صحيح)، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب".
وفي الحج فضائل كثيرة هذه بعضها.



المبحث الثاني مقاصد الحج ومنافعه:
الحج مدرسة تربوية مليئة بالدروس الإيمانية والفوائد العقدية والتهذيب الأخلاقي، يتربى عليها المؤمن من أول خروجه من منزله ومفارقته لأهله وأحبابه إلى أن يعود كيوم ولدته أمه، ويمكننا ذكر ما نستحضره من مقاصد الشريعة في الحج والمنافع الدينية المترتبة على الحج والتي تعود على الحجاج وغيرهم، ومنها:
1- التعبد لله تعالى بأداء هذه المناسك التي اشتملت على التذلل لله تعالى وتعظيم شعائره ومفارقة المحبوبات لأجله، وإظهار الشوق إلى زيارة بيته وتقديمه على المال والزوجة والولد، وبذل النفس والنفيس لنيل مراضيه.
2- ومنها: اتباع الأنبياء والسير على طريقهم في كل صغيرة وكبيرة، وتذكير الناس بأن هذا الدين قائم على الإتباع لا على الاستحسان والأهواء والأذواق.
3- ومنها: تذكير الناس باليوم الآخر ومظاهر البعث والحشر، وأن الذي قدر على جمعهم في وقت واحد بأمره الشرعي قادر كذلك أن يجمعهم في وقت واحد بأمره الكوني، قال تعالى: (وما أمركم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)، فالحاج يعيش في لحظات إحرامه في عالم آخر يتذكر فيه الدار الآخرة، فالحاج يغادر أوطانه التي ألفها ونشأ في ربوعها ويتجرد من المخيط طاعة لله تعالى، فيتذكر حاله إذا غادر هذه الدنيا، وإذا جرد من ثيابه بعد موته، وإذا تنظف واغتسل عند ميقاته تذكر أنه سيغسل بعد وفاته، وإذا لبس رداء وإزارا أبيضين لمناسكه تذكر أنه سيلبس لفائف بيضاء وسيكفن فيها تكون هي لباسه إذا وضع في قبره، وإذا وقف في صعيد عرفات والمشعر الحرام وقت اجتماع الحجيج تذكر أنه يوم القيامة سيبعث الله الناس وسيساقون إلى الموقف، ولذلك نجد أن كثيراً من الحجاج يتأثرون بالحج ويتغيرون بعد عودتهم بما لا يتأثرون بالمواعظ لسنين كثيرة، فلله در هذه الشريعة العظيمة ما أحلاها في قلوب الموحدين.
4- ومنها: التقاء جميع أجناس المسلمين من الآسيويين والإفريقيين والأوروبيين وغيرهم، ففي الحج يجتمع المسلمون على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وتنوع أجناسهم ولغاتهم، فتلتقي القلوب وتزداد المحبة ويحصل الائتلاف، ولذلك يعتبر هذا الجمع من أعظم الجموع التي تستغل لتعليم الناس الأمور التي تهم جميع المسلمين.
5- ومنها: إظهار مظهر من مظاهر العدل والتسوية بين المسلمين في مظاهر العبادة، شأن الحج في هذا شأن الصلاة والصوم وغيرها من العبادات التي تقوم على التسوية، فيجتمع المسلمون من جميع أقطار الأرض في مكان واحد، يلبسون زياً واحداً، ويستوي في شعائر الحج الأمير والحقير، والكبير والصغير، والرجل والمرأة في أداء مناسكه وشعائره، إلا من خصه الدليل لضعف أو عذر آخر، فتتوحد وجهاتهم وأفعالهم في زمان واحد ومكان محدد، لا يتميز فيه قوم عن قوم في وقوفهم في عرفة ومبيتهم في مزدلفة والرمي والمبيت في منى ونحو ذلك.
6- ومنها: إظهار عظمة الإسلام في النفوس وأنه دين عالمي له أتباع من جميع الأجناس والبلدان، وليس ديناً إقليمياً يقوم على جنس من الناس، ولا شك أن معرفة هذا علماً وواقعاً له أثره على النفوس وعلى قوة إيمان أهله وزيادة حبهم لدينهم، وتأمل في قول عمرو بن عبسة للنبي - وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له -: (فمن معك على هذا الدين ؟! قال: حر وعبد).
وعندما حججنا قال لي أحد إخواننا: إن الإسلام في عيني عظيم، ولكن زادت عظمته في عيني اليوم لما رأيت أصنافاً وألواناً من الناس.
7- تعلم المسلم ضبط النفس والتأدب بأدب الإسلام وحفظ اللسان مما لا يليق بالمسلم، لأن الله أوجب على الحجاج التعامل بكل أدب قبل التوجه إلى البيت الحرام بقوله: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
8- تعلم المسلم البذل لله تعالى والنفقة في سبيل الله طلباً لوجه الله وابتغاء مرضاته، ذلك لأنه ينفق في الذهاب إلى الحج وفي طعامه وشرابه هناك وفي شراء الهدي وغير ذلك.
9- ومن منافعه تعلم المسلم تنويع العبادات، فهو يتقلب ما بين إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير ووقوف ومبيت ودعاء وذكر ورمي وغير ذلك.
10- ومن منافعه تعلم المؤمن الصبر والتجلد وتحمل ألوان المشاق لله تعالى، وأصناف الناس على اختلاف طبائعهم وألوانهم وعاداتهم.
11- زمنها: إغاظة الكفار عندما يرون الموحدين يتوجهون بمئات الآلاف إلى البيت الحرام ليؤدوا فريضة الحج، فيحصل للكفار غيظ وحنق شديد ولاسيما اليهود والنصارى الذين نجتمع معهم في الانتساب إلى أبينا إبراهيم، وذلك عندما يرون حج المؤمنين ولاسيما مع إطلاعهم على مناسك الحج عبر وسائل الإعلام، وإنما يحصل غيظهم لأشياء منها أن الله خص الموحدين بمنه وكرمه بالبيت الحرام والذي هو موضع الحج دون سائر ذرية إبراهيم فلله الحمد والمنة.
10- ومن منافع الحج، ما يحصل من فضل عظيم يعود على الفقراء والمساكين الذين يصيبون من فضل الله من الطعام في مثل هذه الأيام من الهدي أو غيره من أنواع الفدية في مكة وغيرها.
11- ومن منافعه أن المؤمن يتعود التسليم لله تعالى، وإن لم يفهم الحكمة من التشريع الإلهي فليس العبرة بكونه يفهم الحكمة – وإن كان أمراً طيباً – ولكن الشأن كل الشأن هو التسليم لله في أحكامه وشريعته.
12- ومن منافع الحج أن المؤمن يعيش بقرب عجيب من الله، ويعيش لحظات عظيمة تجعل قلبه يهفو إلى الحج كلما تذكر الحج أو سمع التلبية وغيرها مما يذكره بالحج والمشاعر.
الفصل الثاني: قولهم: إن شعائر الحج بقايا وثنية:
المبحث الأول: من هؤلاء ؟!:
هناك أشخاص ممن لا تعرفهم المجتمعات إلا بقذف الشبهات التي يظنون أنهم يسقطون بها الإسلام، وما درى المساكين أنهم هم الساقطون في الدنيا والآخرة (إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين، وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً) ومن أمثلة هؤلاء:
الأول نوال السعداوي: وقد تناقلت الجرائد ومواقع الانترنت مقالتها بأن (شعائر الحج بقايا وثنية)، ومنها موقع "صحيفة نلتقي" فهذه المقالة مشهورة عنها، ومن مقالاتها العجيبة:
1- (سقوط الإله في اجتماع القمة) وهذا عنوان مسرحية لها، تسببت في إثارة الناس عليها ومنهم علماء الأزهر حيث حكموا بردتها.
2- ومن ذلك أن مذيع الجزيرة سألها عن رأيها في الشذوذ الجنسي فقالت: (أنا لم يحصل لي أن فعلت ذلك) فقال لها المذيع: نسألك عن رأيكِ في الشذوذ الجنسي ؟! فأجابت بقولها: (الناس أحرار) !!.
والمثال الثاني المدعو حسن حنفي: وهو أستاذ الفلسفة في "جامعة القاهرة"، فهذا الرجل عندما رجع من الحج كتب مقالة في صحيفة "أخبار الأدب" العدد (654) يوم الأحد 22/1/2006م وعنوان المقالة: (خواطر حاج بين تهنئة بالسفر و تهنئة بالعودة) كتبها بعد عودته من الحج، نذكر منها ما يلي:
1- (وتجمعت في ليلةٍ حاجات المجتمع المصري وإحباطاته، وعجزه عن تحقيق ما يريد فلم يبق له إلا الدعاء في الحرم المكي أو المسجد النبوي كملجئٍ أخير، بالرغم من وصف إقبال الدعاء بأنه سؤال وشحاذة، ومن يريد شيئاً عليه أن يحققه بنفسه وجهده).
2- ويقول: (كانت الحيرة يوم السفر بأي ملابس يسافر الحاج، باللباس العادي ثم يغيره بعد الوصول إلي ملابس الإحرام، وهو أقرب إلي التواضع وإخفاء النوايا وأقرب إلي التقوى، أم لبس الإحرام منذ مغادرة المنزل؟ وفضل "الأستاذ" (يعني نفسه) الخيار الأول وغادر بالملابس العادية، ووجد الناس في المطار وقد فضلوا الخيار الثاني زي الإحرام، وتذكر العَالِم (يعني نفسه) قول المسيح: إذا أردت أن تصلي فلا تصل أمام الناس حتى لا تأخذ جزاءك منهم بل ادخل إلي غرفة وأغلق الباب وصل لله حتى لا يراك إلا أبوك الذي في السماوات، والشعائر تظاهر أمام الناس، وأكثر الشعائر مظهرية مناسك الحج).
3- (والكعبة بناء أسود مغطى بقطيفة سوداء مذهبة عالية البنيان، عريضة الحائطين، يلف الناس حولها، توحي للناظر بالوثنية القديمة في العصر الجاهلي، ربطاً للجديد بالقديم، وللمسلمين بالحنفاء، وللرسول بإبراهيم، من بقايا الوثنية القديمة بعد تهذيبها).
(وإلى منى تتحرك الملايين لرمي الجمرات من علي الجسور أو الأنفاق، ومكانها من فوق الجسر إلي أسفله أو في النفق أمام الحائط المبني كالتمثال في الجاهلية).
4- (وفي النهاية يتم التحلل من الإحرام، وكان حراماً قبلها الحلق أو التطيب أو الاستحمام بصابون ذي رائحة طيبة أو حتى عند البعض دعك الأسنان بمعجون به رائحة النعناع أو الفواكه حتى لا ينعم الحاج بطيب الحياة وهو محرم، وكأن النظافة ليست من الإيمان، وكأن الإسلام ليس دين النظافة، وكأن النظافة ليست أساس الطهارة، وفي الحلق، يفضل البعض حلق شعر الرأس كلية فيصبح الحاج أصلعاً والأنوار ساطعة فوق الرؤوس بدل أن تخرج منها) أ.هـ إلى غير ذلك من الجمل التي لوث بها حسن حنفي مقالته الآثمة هداه الله.
المبحث الثاني: الرد على قولهم:
قولهم: إن شعائر الحج من بقايا الوثنية، قول من يجهل الفرق بين الحنيفية والوثنية، بل قول من يجهل حقيقة الحنيفية وحقيقة الوثنية من أصلهما وتاريخهما، لأن مقالتهم اشتملت على التسوية بين النقيضين، والجمع بين المتضادين، والخلط بين المتغايرين، وهما لا يجتمعان في أي موضع فكيف يجتمعان في أعظم العبادات وفي الركن الرابع من أركان الإسلام العملية ؟!
ويمكننا تلخيص الرد على قولهم بأوجه نبين فيها الفرق بين حنيفية الحج والوثنية:
الأول: قولهم: (بقايا وثنية) معناه أن أصل الحج من فعل المشركين ووثنيتهم وإنما الذي وصل إلى الإسلام هو بقايا منه تسربت إلى شريعة الإسلام، وهذا قول إنسان جاهل بالشريعة والتاريخ، لأن الجميع مجمعون على أن أول من دعى الناس إلى الحج هو إمام الموحدين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم استمر عليه الناس - ومنهم المشركون - حتى أدخل المشركون فيه أشياء ليست منه هو من ابتداعهم وتحريفهم، وهنا سنذكر أشياء مما أدخله المشركون على الحج والعمرة وليست هذه الأشياء منهما، من ذلك:
أ- كان أهل الجاهلية لا يرون العمرة في أشهر الحج، بل يقولون: إذا برئ الدبر - يعني: الجروح التي في ظهر الدابة - وعفا الأثر وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شرع الله في ديننا العمرة ولو في أشهر الحج.
ب- وكان المشركون يطوفون بالبيت عراة كما قال الله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا إنا وجدنا آباءنا عليها والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحج بعد هذا مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان كما جاء ذلك في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة.
ج- وكان طوافهم بالبيت كما قال الله: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية).
د- وكانت لهم أصنام على الصفا والمروة يسعون بينها، ولما أراد بعض المؤمنين الطواف بين الصفا والمروة تحرج أن يسعى بينهما لأن الصفا والمروة كانت تضم صنمين كبيرين، فكأنهم أرادوا أن يقطعوا كل صلتهم بعادات الجاهلية، فأنزل الله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم).
هـ- وكانوا يقولون: (لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك) كما في "صحيح مسلم".
إلى غير ذلك من مظاهر الشرك، التي طهرها الإسلام، وأعاد للحج صفاءه ونقاءه، فهل الحج من بقايا الوثنية، أم أن الحج من ملة إبراهيم وأتباعه الموحدين ؟!
الثاني: أن الله يقول لإبراهيم: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)، فهو أول من أمره الله بهذا الأذان، وإبراهيم هو إمام الموحدين وهو من كسر الأصنام ورفض الوثنية بجميع أشكالها فكيف يرفض نوعاً من الوثنية ويأمر بآخر من جنسه ؟!
الثالث: الوثنية قائمة على عبادة الأوثان وتعلق القلوب بها باستحسان الإنسان وابتداعه، فهو يعتقد أنها تشفع له عند الله وتقربه زلفى إليه سبحانه، بينما الحج قائم على توحيد رب العالمين، وتتبع مراضيه واقتفاء آثار رسله وأوليائه، فهل هما واحد ؟!
وأما عبادة الله عند الكعبة بالطواف حولها، وعند الحجر الأسود باستلامه وتقبيله، وعند الصفا والمروة بالسعي بينهما، وعند عرفات بالوقوف فيه، وعند مزدلفة بالمبيت فيها، فهذا ليس عبادة لها وليس من الإشراك به وإنما هو امتثال لله، والله سبحانه وتعالى أمر الملائكة بأن يسجدوا لآدم فسجدوا طاعة لله وليس عبادة لآدم، فكذلك المسلمون يذهبون إلى الكعبة ويطوفون بها طاعة لله تعالى، ويعبدون رب الكعبة وليست الكعبة هي المعبودة، وإنما المعبود ربها الذي أمر بتعظيمها وبقصدها وبالطواف حولها، إذ كيف يعبد الموحدون الكعبة وهم منهيون عن الحلف بها من دون الله، فإذا كنا قد نهينا أن نحلف بالكعبة فقط فكيف بصرف العبادة الصريحة لها ؟! فقد روى النسائي وغيره عن قتيلة: (أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون: تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت).
والناس يعلمون أن تعظيم علم الدولة الذي يرمز للدولة، ليس في الحقيقة تعظيماً لذات الخرقة المرئية ولا لألوانها، وإنما هو تعظيم لهذه البلد التي يمثلها هذا العلم، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، فما الذي أشكل على نوال السعداوي وأمثالها، وما الذي جعلهم يحتارون في هذه المسألة التي لا تشكل على عجائز القرى والأرياف، ورب جاهل أعلم من دكتور ؟! إلا أن تقول هي عن تعظيم العلم أنه من الوثنية الباقية !!
الرابع: أن عمر أراد أن يعلم الناس أن الحج ليس فيه مشابهة لا من بعيد ولا من قريب بمظاهر عبادة الأوثان التي كانت في الجاهلية، وأن الأمر كله يدور على إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نظر عمر رضي الله عنه إلى الحجر الأسود فقبله ثم قال: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك) رواه الشيخان.
قال العيني في "عمدة القاري شرح البخاري": (قال محمد بن جرير الطبري: إنما قال ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر رضي الله عنه أنه يظن الجهال بأن استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله، فأراد عمر أن يعلم أن استلامه لا يقصد به إلا تعظيم الله عز وجل، والوقوف عند أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر الله تعالى بتعظيمها، وأن استلامه مخالف لفعل الجاهلية في عبادتهم الأصنام لأنهم كانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، فنبه عمر على مخالفة هذا الاعتقاد، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلا من يملك الضر والنفع، وهو الله تعالى جل جلاله) أ.هـ بتصرف يسير.
المبحث الثالث: أين أنتم من مظاهر الوثنية الحقيقية ؟!:
إنني أتعجب كل العجب ممن يرمي الحج بمثل هذا التشويه التي يدل على اجتماع أصناف الجهل والوقاحة في قائلها، في الوقت الذي يمر أمام عينيه ألوان من الوثنية في المجتمعات دون أن يلتفت إليها، مما يؤكد أن هؤلاء الكتاب مستأجرون لأناس يكتبون لهم ما يملون عليهم، ولاسيما بعدما أعطيت لمثل هؤلاء الكتاب الحصانة باسم حرية الرأي وحرية التعبير ونحو ذلك، فلماذا لا نراهم يكتبون عن مظاهر الوثنية في المجتمعات والتي منها:
1- الوثنية التي عند النصارى الذين يعبدون المسيح، وينصبون له ولأمه مريم عليهما السلام التماثيل على رؤوس الكنائس بل وفي الكنائس نفسها، ويحملون معهم الصلبان ويعتقدون أن لها شأناً عظيماً وهذه أظهر أنواع الوثنية والشرك، والنصارى يعيشون في دول كثيرة منها مصر - وإن كانوا أقل من المسلمين – وكنائسهم فيها كثير، فما ندري لماذا يترك هؤلاء الكتاب الفصحاء مثل هذه الوثنية الصريحة، ويهاجمون شيئاً يجهلونه ولا يفهمونه ؟!
2- ومن مظاهر الوثنية: تعظيم ما يسمى بالجندي المجهول، وزيارته في وقت خاص من السنة، والسير إليه بخطى هادئة ومنظمة، وتقديم زهور خاصة إليه يقدمها أكبر شخص في البلد، وإذا كان يحرم علينا اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وثناً يعبد فكيف بغيره ؟! فما أشبه الليلة بالبارحة.
3- وهناك لون آخر من الوثنية هو هذه التماثيل العظيمة التي تكون في وسط والعواصم وبين الشوارع العامة والتي ترمز لعظماء التاريخ أو عظماء البلد خاصة، فهذه هي بقايا الوثنية، ولذلك قرن النبي صلى الله عليه وسلم التماثيل بالقبور إذا رفعت فوق مستواها فقال لعلي بن أبي طالب: (لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) كما في "صحيح مسلم"، أليست هذه هي بقايا الوثنية ؟!
ولا أقول: إن من فعل ذلك يعد كافراً كفراً من الإسلام على الإطلاق، ولكن أقول: إن هذا الفعل لا يشك عاقل أنه مأخوذ من أفعال الكفار الذين هم غارقون في أنواع الوثنية.
4- ومن مظاهر الوثنية عبادة القبور التي عجت وضجت بها المجتمعات الإسلامية كاليمن ودول الشام ودول المغرب العربي والدول الإفريقية وغيرها، ولا شك أن لمصر من ذلك نصيب كبير فلماذا لا يكتب هؤلاء الفصحاء في مثل هذه المظاهر الوثنية الموجودة عندهم إن كانوا يريدون تطهير المجتمعات حقاً من مظاهر الوثنية.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-13, 12:36   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم وفي صاحب الردود









رد مع اقتباس
قديم 2016-01-13, 16:57   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيكم بارك الله

وبقيت أربع شبهات أضعها غدا ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-13, 23:37   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
zozo1977
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

تقولين ان سبب الرق هو واقتبس من المقال
المبحث الثاني: توحد سبب الرق وتعدد أسباب العتق:
1- سبب الرق هو قتال الكافر لأهل الإسلام:
جعل الشارع للرق سبباً واحداً وهو الكفر مع القتال وقد تقدم بيانه، ومنع من استرقاق الأنفس بغير ذلك مهما كانت الأسباب والدواف

لكن لا نجد في القراءن الكريم اي اية تقول ان اسير الحرب يسترق بل نجد هده الاية
قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا
اي ان اسير الحرب يفدى او يطلق سراحه بدون اي مقابل
ثانيا ادا كان الرق مصدره اسرى الحرب فقط فلمادا يعتبر ابناء العبيد رقيق اي انك تبقى من الرقيق بالوراثة










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلام, حول, شبهات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc