هل الوسطية والإعتدال تعني التمييع ؟

[أبو عمار]

هل الوسطية والإعتدال تعني التمييع ؟

إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه.

إن من أسباب تشويه الحقائق على كثير من الناس وضلالهم، هو تسمية الأشياء بغير حقائقها ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم ، من هذا فقال ( ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها )[1]. فسميت بالمشروب الروحي ، أو غيره من الأسماء والسؤال هل تغيير تسميته رفع عنه حكم التحريم ؟

الجواب معروف لكل مسلم!

وكذلك في باب الألفاظ والأسماء التي جعلت لمعاني سامية وعظيمة ، فهل إذا أخذت هذه الأسماء ، وجُعلت لها معاني فاسدة ، ووضع لها دلالات مُحدَثة ، هل تُلقى هذه الألقاب والألفاظ السامية من أجل صنيع هؤلاء الذين جعلوها تدل على معاني فاسدة ؟

فقديماً كان أرباب الكلام ، والفلسفة ، يُطلِقون على هذيانهم الذي تمجه الطبائع السليمة والفطر الصافية ، يُطلِقون عليه علم التوحيد ،أو أصول الدين ! فهل تُعطل هذه الأسماء والألفاظ السامية من أجل صنيع هؤلاء ؟

والحكمة التي هي السنة أطلقها أقوام على السحر والتنجيم ، والطب حتى أصبح لفظ الحكيم لا يطلق الا على هذه المعاني فهل تعطل هذه اللفظة عن معانيها ودلالاتها التي كان السلف عليها لصنيع هؤلاء ؟

والأمر نفسه يقال بما نحن بصدده وهو "الوسطية " التي مدح الله تعالى هذه الأمة بها فقال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا))

قال الإمام السعدي في تفسيرها " { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط، فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة، وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء، بين من غلا فيهم، كالنصارى، وبين من جفاهم، كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى"[2].



فالوسطية : هذه الكلمة الشرعية السامية والتي لها دلالات عظيمة ، فهمها السلف وطبقوها على مراد الله ، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ،

لكن لما تباعد الزمان ، وظهرت الآهواء ، وقل العلم ، وأنتشرت الفتن ، وعمت البلوى ، أصبحت كل نحلة وفرقة تعطي هذه اللفظة معاني ، تسوّغ لها منهجها ، ومذهبها ، ليعطلوا تغير ماهم عليه من منكر .

فعباد القبور ، وأهل الخرافة ، ينكرون على من أنكر عليهم عبادتهم لغير الله ، ويزعمون إن إنكار هذه الأفعال ينافي الوسطية ، فيُتهم أهل الحق بالتشدد ومنافاة الوسطية ،

وأهل التمييع والتحزب المذموم ، ينكرون على من أنكر عليهم تحزبهم هذا بأنه تشدد يخالف الوسطية ، فحرفوا دلالة هذه الكلمة السامية إلى غير معناها الذي وضعت له،

فهل يُترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجرح من يستحق التجريح ويعطل علم الجرح والتعطيل من أجل فهم هؤلاء السقيم الذي لازمه أن الكلام في الرجال ونقدهم ينافي الوسطية والاعتدال ؟

ولم ينتهي الأمر حتى أصبحنا نسمع في هذا الزمان من يخضع ( السلفية ) الى معان باطلة ويجعل لها مدلولات خاطئة منحرفة ، فأصبحنا نسمع من يقول أنا من ( الحزب الفلاني السلفي )، فجمعوا بين النقيضين !

فجعلوا السلفية حزبا ً كسائر الأحزاب فلبسوا على الناس دينهم الحق !

ماهو عذركم أين الثوابت والمسلَّمات ؟

قالوا المصالح والمستجدات !

ومواكبة العصر وحل الأزمات !


فهل تترك التسمية بالسلفية من أجل تحريف هؤلاء المتكسبين الذين يبتغون المتاجرة بهذا اللفظ السامي ؟

فأصول المنهج السلفي لا تتغير بتغير الأدعياء ولاتتأثر بشعاراتهم الجوفاء !

وعجبي لايكاد ينقطع ليس من هؤلاء المتحزبين الذين يقولون أن ( إختلافنا مع حزب الأخوان السياسي المعروف ) أن إختلافنا معهم ( إختلاف تنوع ).

فهؤلاء صرحوا بأنهم على منهج الإخوان ، وأنهم خير من يمثل لهذه المرحلة ، وانه لا فرق بينهم وبين الإخوان ـ

وإختلاف التسمية لإغراض سياسية ولجمع الأصوات من الجهلة والعوام والمخدوعين لا غير ـ!!"

وأن القاعدة التي ينطلقون منها قاعدة سياسية ( نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه )

(وان كل أختلاف بين المسلمين فهو اختلاف تنوع )!

وإنما عجبي ممّن يزعم أنه حامل لواء الوسطية والاعتدال يقول : ( هم لازالوا إخواننا ) فلا يبدعهم ويزعم أن ذلك هو معنى الوسطية والإعتدال !!

فبالله عليكم رجل يقول انا حزبي ، وأعمل للحزب ، وأسير على دستوره ، وأنا ( حالا ) لست على أصول المنهج السلفي يقال له:

لا أنت متوهم أنت سلفي سلفي للنخاع !!،

ومن بدعك أو تكلم فيك فهو متشدد ، مقلد ، غالٍ في الجرح لايعرف العدل والوسطية !!

فيا طالب العلم .أنظر ألى هؤلاء كيف يسيرون من بدعة إلى بدعة ومن انحراف إلى انحراف ، ويُسوِّغون هذا الانحراف بألقاب شرعية ليخدعوا به الناس ( وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ).

اخي أما آن الآوان لك أن تعرف الفرق بين العلماء والأدعياء ؟

أما آن الآوان أن تعرف رسوخ العلماء ـ الذين لم يتغيروا ولم يبدلوا ولم يحرفوا " الكلم عن مواضعه "



وبين هؤلاء الذين يتغيرون ويتلونون بزعم ـ ان الطرح قد تغير ـ !! والمستجدات كثيرة ، وضغط الواقع

ولايتساوى من كانت ـ رجله في الماء وبين من كانت رجله في النار و . و...!ـ ؟؟

أما آن الآوان أن تعرف وتفرق بين العلماء أهل الدراية والخبرة الذين هم ـ كالصيارفة ـ يعرفون الذهب الصافي من المغشوش ،

الذين حذروا من هؤلاء قديما لمعرفتهم بحالهم ومقالهم ووصفوهم بأنه ( تربية الأخوان )

وبين من ينظم فيهم شعراً لمدحهم ولا يزال ؟!


فالله أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويثبتنا على الحق

فليس المهم أن تعرف الحق فقط وإنما المهم أن تثبت عليه حتى الختام

وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم



كتب حسن العراقي

[1] قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 5453 في صحيح الجامع
[2] تفسير السعدي / تفسير قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم امة وسطا )