محاضرات مقياس :دراسات الجمهور
مـراحل تشكـيل مفـهـوم الجـمـهـور
يخضع مفـهـوم جمهور وسائل الإعلام في صياغته الراهنة إلى مجموعة من الاعتبارات لها علاقة بالتطور السريع الذي تشهده المجتمعات الحديثة في مجالات الإعلام و الاتصال الجماهيري خاصة انعكاسات الاستعمال المكثف لتكنولوجيات الاتصال التي أدت إلى التفكير في إعادة صياغة بعض المفاهيم السائدة حتى تتمكن من استيعاب العناصر المستجدة الناتجة عن هذا التطور.
غير أن إعادة صياغة المفاهيم غالبا ما تضيف عناصر جديدة مستجدة و لا تعني دائما بالضرورة إلغاء أو تعديل العناصر السابقة التي تدخل في تكوين المفهوم.
و فيم يخص مصطلح الجمهور فقد خضع في تشكيله إلى مرحلتين مهمتين حيث قسمتا كالتالي:
1.مرحلة ما قبل ظهور وسائل الإعلام:
كانت فكرة الجمهور في أصلها تعني هؤلاء الذين يقبلون على عرض درامي أو لعبة أو أي استعراض عام يستقطب عددا من الناس.
و كان هذا الجمهور يتصف بعدة مميزات إذ أن جميع أفراده معروفين بذواتهم و محددين في الزمان و المكان ذلك أنهم سكان لمدينة أو قرية ما، وكان تجمعهم لتشكيل جمهور العبادة أو المسرح أو الملعب أو السوق غالبا منضما بحكم العادة و معين المواقع وفقا للمراتب و المراكز الاجتماعية تشرف عليه سلطة دينية أو روحية أو إدارية حيت كان يجلس سيد القبيلة في الأول ثم تأتي حاشيته ثم النبلاء حتى نصل إلى جميع الناس وقد أضفت تلك السلطات على الجمهور طابع مؤسسة تفرض سلوكات جماعية معينة.
العديد من هذه الخصائص لا زال قائما في المفهوم السائد في الاستعمالات الراهنة للجمهور مع بعض التعديلات و التغييرات الشكلية في الترتيب و الأهمية.
2.مرحلة ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية:
وقد قسمت هذه المرحلة بدورها إلى أربع مراحل مهمة ساهمت في إضافة عناصر جوهرية و إدخال تعديلات شكلية على عدة خصائص ويتجلى ذلك في ما يلي:
•المرحلة الأولى:
تعتبر هذه المرحلة أهم مرحلة في تاريخ وسائل الإعلام الجماهيرية و التي تنعكس على تشكيل مفهوم الجمهور بشكل ما اذ عرفت اختراع حروف الطباعة في القرن الخامس عشر على يد الألماني جوتنبورغ ذلك الذي أدى إلى ظهور جمهور القراء بفضل التمكن من إصدار النشريات و المطبوعات بما فيها الصحف لاحقا و توزيعها على نطاق واسع مما كان عليه الحال سابقا.
و قد اوجد هذا التطور النوعي تقسيما اجتماعيا اقتصاديا كان معروفا في السابق بين الأغنياء و الفقراء و الحضر و البدو و ساعد هذا التطور على تكوين مفهوم أولي لما يعرف حاليا بالجمهور العام Public كفكرة أو رأي يربط بين عدد غير محدود من أناس يوجدون ضمن السكان و يختلفون عن عامة الناس تبعا لاهتماماتهم و مستو تربيتهم و تطلعاتهم الدينية أو السياسية أو الفكرية.
•المرحلة الثانية:
التطور التاريخي الثاني الذي كان التأثير البالغ في تشكيل الجمهور هو الإفرازات الاجتماعية و الثورة الصناعية التي أعطت دفعا قويا للطباعة مما أسهم في تنمية و تسويق الصحافة خاصة الصحافة الشعبية أو الموجهة إلى إفراد المجتمعات الجماهيرية Mass society الجديدة التي نمت حول المدن الصناعية الكبرى المكونة خاصة من شتات المهاجرين انتقلوا من الأرياف التي تسودها الروابط العائلية و الصلات الاجتماعية إلى المدن و المجتمعات الحديثة التي تتميز بالتباين بين إفرادها لغياب قيم ثقافية و تقاليد وأعراف اجتماعية مشتركة.
في هذه المرحلة التاريخية بدأت الصحافة تتخذ شكلها الجماهيري الذي لا زال يلازم وسائل الإعلام و الاتصال إلى الوقت الراهن مع بعض التعديلات الشكلية كما سنرى.
•المرحلة الثالثة:
و من العوامل التي ساهمت في تشكيل مفهوم الجمهور و رسم معالمه الحديثة ظهور وسائل الإعلام الالكترونية من إذاعة في عشرينات القرن الماضي و التلفزيون من نفس القرن فقد أصبح الجمهور غير محدد في المكان حيث باعد البث الإذاعي و التلفزيوني بين أفراد الجمهور من جهة و بينهم و بين المرسل أو القائم بالاتصال من جهة أخرى فظهر شكلان جديدان من أشكال الجمهور هما المستمعين و المشاهدين الذين لم تعد الأمية و الحواجز الطبيعية تحولان دون تعرضهم للرسائل الإعلامية كما كان الشأن بالنسبة للصحافة المكتوبة.
•المرحلة الرابعة:
و يتمثل العنصر التاريخي الرابع في اعتناق نظريات الديمقراطية السياسية الذي تعتبر وسائل الإعلام و حريتها أحد أهم مظاهرها فقد انعكس تطبيق الأفكار الديمقراطية في أنظمة الحكم على مهم و وظائف وسائل الإعلام و على الرقابة السياسة و الاجتماعية و مبادئ الوصول إليها و المشاركة فيها كما انعكس على وعي المجتمع ككل بأهمية الإعلام و دوره في الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية.
فلم يعد الجمهور فقد مجد قراء للصحف و مستمعي إذاعات ومشاهدي تلفزيونات و إنما في نفس الوقت يتضمن ناخبون و مستهلكون للسلع و الخدمات حيث ظهرت مصطلحات لها علاقة وطيدة بالجمهور مثل الجمهور الناخبين mass electorate و جمهور السوق mass market ,
إن هذه المراحل الأربعة التي ذكرناها لا تعني أن تطور مفهوم الجمهور قد توقف عند هذا الحد و إنما لا تزال هناك تطورات في هذا المفهوم مع تطور تكنولوجيات الاتصال حيث بدأت تظهر بعض المصطلحات التي ترتبط بتقنية الانترنت مثل جمهور الواب web audience و ubiquitous و netizen و online audience و offline audience و غيرها من المصطلحات.
مـفـهـــوم الجــمــهــور
إن العملية الإعلامية ترتكز أساسا على أربع عناصر أساسية هي المرسل sender أو source system الذي يقوم بتوجيه عنصر الرسالة message عن طريق الوسيلة الإعلامية ( الصحيفة، الإذاعة، التلفزيون و الانترنت) إلى المتلقيreciever أو reception system و هو ما يعرف بالجمهور أما العملية الاتصالية فيكون فيه بالإضافة إلى عناصر العملية الإعلامية عنصر رجع الصدى حيث تنعكس فيه العملية الإعلامية فيصبح المتلقي مرسلا و المرسل متلقيا .
إذن فمن هذا المنطلق ومن المراحل التي تناولناها في تشكيل مفهوم الجمهور يمكن أن نقول بان الجمهور هو ذلك المتلقي أو المتفاعل مع رسالة إعلامية مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو الكترونية تحتوي على أهداف سياسية أو اقتصادية أو إيديولوجية.
أنـواع الجــمـهــور
1.الجمهور العام:
هو أكثر حجما من التجمعات الأخرى أعضاؤه أكثر تبعثرا ، متباعدين في المكان و أحيانا في الزمان و لكنه ذو ديمومة أكثر يتشكل حول قضية مشتركة من الحياة العامة هدفه الرئيسي تكوين اهتمام أو رأي عام حول قضية أو العام كظاهرة اجتماعية ارتبط ظهوره و تطوره بالبرجوازية و الصحافة حتى أصبح خاصية من خصائص مجموعة من القضايا للوصول إلى تغيير سياسي و هو عنصر أساسي للمشاركة في المؤسسات الديمقراطية و يعتبر الجمهور الديمقراطية ، فهو يتميز بوجود جماعة نشطة متفاعلة و مستقلة في وجودها على الوسيلة الإعلامية التي تعمل من خلالها.
و قد عرفه ديوي على أنه تجمع سياسي لمجموعة من الأفراد يشكلون وحدة اجتماعية من خلال الاعتراف المتبادل بوجود مشاكل مشتركة ينبغي إيجاد حلول مشتركة لها.
2.الجمهور الخاص:
هو الجمهور الذي يجمع أفراده بعض الاهتمامات أو الحاجات أو الاتجاهات المشتركة التي تميز عضويتهم في هذا الجمهور مثل الافراد المشتركين في صحيفة ما و يصبح من بعد ذلك من واجب وسائل الاعلام استشارة هذا الاهتمام و تدعيمه و تلبية حاجاته بحيث يمكن أن تحتفظ بهذا الجمهور الذي يندمج أعضاؤه في التركيز الجمعي و ينشرون بذلك الاتصال الذي يرتبط بهذا التركيز و عذا ما يبرر اختيار وسائل الإعلام للموضع الشائع بين هذا الجمهور الذي تتخذه مدخلا لتنظيم الاهتمامات و تكييفها .
وقدم الباحث الأمريكي كلوس تحليلا عدديا للجمهور حسب درجات مساهمته كما يلي:
•الجمهور المفترض:
هو مجموع السكان المستعدين لاستقبال عرض وحدة اتصال أي الذين يملكون الوسائل المادية و التقنية التي تمكنهم من استقبال الرسائل الإعلامية لوسيلة معينة و من هنا فإن كل من يمتلكون أجهزة استقبال تلفزيون أو إذاعة يشكلون الجمهور المفترض لهما و الجمهور المفترض للصحيفة يقاس بعدد نسخ السحب أما جمهور الواب المفترض حسب هذا المنظور فهو أكثر تعقيدا لأنه يتطلب توفر جهاز كمبيوتر و خط هاتفي و مودام إلى جانب اشتراك في الانترنت.
•الجمهور الفعلي:
هو مجموع الأشخاص الذين استقبلوا فعلا العرض الإعلامي مثل المواظبين على برنامج تلفزيوني أو المستمعين المداومين على حصة إذاعية معينة أو قراء صحيفة أو زوار موقع الكتروني يسجل حضورهم بمجرد النقر على الرابطة.
•الجمهور المتعرض:
و هو جزء من الجمهور الفعلي الذي يتلقى الرسالة الإعلامية بصرف النظر عن إدراكها و عن الموقف الذي يتخذه
المصدر: مدونة ولد بسطامي