--------------------------------- منقول من منتديات الشروق ---------------------
بسم الله
هؤلاء هم - للأسف- أساتذة أولادنا وبناتنا !
عبد الحميد رميته , الجزائر
منذ ما يقرب من الشهرين قبل اليوم اتصل بي السيد مدير جامعة التكوين المتواصل لولاية ميلة من أجل تكليفي بمهمة تدريس مادة تعليمية العلوم الفيزيائية ( منهجية تدريس المادة ) لحوالي 70 أستاذ للتعليم المتوسط , مقسمين إلى فوجين في كل فوج حوالي 35 أستاذ .
وهذا ضمن حوالي 10 أفواج منهم أساتذة تعليم متوسط ومنهم معلمو ابتدائي . الكل يدرس بصفة خاصة منهجية التدريس ... والكل قديم في التعليم , كل واحد قضى في التعليم حوالي 20 سنة أو 25 سنة أو أكثر أو أقل في التعليم الابتدائي أو المتوسط .
وهذا التكوين فرضته وزارة التربية والتعليم على هؤلاء المعلمين والأساتذة من أجل تكوينهم ليكون مردودهم لتلاميذهم أكبر وأعظم , وكذلك من أجل ترقيتهم , لأن معلمي الابتدائي تُـسلم لهم في نهاية سنة التكوين شهادة تعادل شهادة البكالوريا , وأساتذة المتوسط تُـسلم لهم شهادة تشبه شهادة الليسانس ( هذا طبعا في حدود ما فهمتُ أنا ) .
هذا التكوين بدأ حوالي جانفي 2014 م وسينتهي بإذن الله مع نهاية ديسمبر 2014 م . بدأ الأساتذة والمعلمون التكوين مع بداية جانفي 2014 م , إلا مادة تعليمية العلوم الفيزيائية فإن تدريسها تأخر حتى بداية مارس 2014 م تقريبا .
التكوين يتم لكل فوج من خلال ساعتين فقط في الأسبوع ( ساعة في مادة وساعة في مادة أخرى ) , وذلك يوم السبت من كل أسبوع . وهذا التكوين يتم بثانوية عبد الحفيظ بوالصوف بميلة ( وهي الثانوية التي درَّستُ بها التلاميذ مادة الفيزياء والكيمياء منذ شهر سبتمبر
1984 م وحتى تقاعدتُ ابتداء من سبتمبر الماضي ( 2013 م ) .
استجبتُ لطلب السيد المدير لا لغرض مادي , وإنما فقط من أجل محاولة إفادة أساتذة المتوسط بعد أن أفدتُ تلاميذ ثانويين لمدة 35 سنة , وكذلك من أجل الاطلاع على برنامج الفيزياء والكيمياء للتعليم المتوسط , وكذا من أجل الاحتكاك بأساتذة قدامى تمنيتُ أن أفيدهم وأستفيدَ منهم ... هكذا تمنيتُ وهكذا توقعتُ , ولكن ... ليس كل ما يتمنى المرء يدركه , تجري الرياحُ في الكثير من الأحيان بما لا تشتهي السفن للأسف الشديد .
بدأتُ أخطط لقضاء سنة دراسية أفيدُ فيها وأستفيدُ ما استطعتُ ... بدأت في الاطلاع على برنامج الفيزياء والكيمياء للتعليم المتوسط , وأخذتُ كل هذه الدروس من الأنترنت ونسختها
( على حسابي الخاص , ومن جيبي ) للأساتذة , ثم وزعتها عليهم في الحصة الثالثة المشئومة ... وبدأت أفكر في تقديم أكبر عدد ممكن من النصائح والتوجيهات لهؤلاء الأساتذة , وفي واجبات جماعية بسيطة تفيدهم ولا تضرهم , وفي طبع بعض المواضيع الفيزيائية والدينية والتربوية ثم توزيعها على الأساتذة , وفي إجراء مسابقات تثقيفية وترفيهية للأساتذة بالتوازي مع تطبيق البرنامج المسطر من طرف وزارة التربية والمتعلق بتعليمية العلوم الفيزيائية ... تمنيتُ وتمنيتُ ولكن " عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون ( في النهاية ) إلا ما أريد" .
قدمتُ خلال الحصص الثلاثة الأولى ( 29 مارس و5 أفريل و12 أفريل 2014 م ) , قدمتُ للأساتذة مجموعة كبيرة من النصائح والتوجيهات المتعلقة بكيفية تدريس العلوم الفيزيائية استقيتها من تجربتي الطويلة في مجال التعليم .
وخلال الحصة الثالثة أردتُ أن أبدأ مع الأساتذة في الحديث عن ( أخطاء شائعة في تدريس العلوم الفيزيائية في التعليم المتوسط ) , وذلك قبل أن أبدأ في تطبيق برنامج الوزارة .
وقبل ذلك أردتُ أن أكمل مع الأساتذة حديثا قصيرا سابقا متعلقا بالغش في الامتحانات . كنتُ قلتُ لهم من قبل بأن الغش حرام شرعا وممنوع قانونا ... وقلتُ لهم بأنني أظن بأن امتحانهم لنهاية السنة ( في ديسمبر 2014 م ) يمكن جدا أن يكون شكليا , بمعنى أن الجميع ناجحون سواء كتبوا ما يفيد في الامتحان أم لم يكتبوا ... ومع ذلك قلتُ لهم " إذا كُـلِّـفتُ أنا بحراستكم سأتشدد معكم كما هي عادتي مع تلاميذي الذي كانوا يقولون باستمرار ( نريد أن يُدرِّسنا الأستاذ رميته , ولكننا لا نريده أن يَحرسنا في الامتحانات ) ... وأنا أتشدد مع غيري كما أحب لأساتذة أولادي ومعلميهم أن يتشددوا معهم في الامتحانات ... أنا لا أقبل أبدا أبدا أبدا لأحد أولادي أو بناتي أن يغش في امتحان ما . ومع ذلك إذا أردتم أن لا أحرسكم فعليكم بالاتصال بالسيد مدير الجامعة لينتدب غيري لحراستكم ... وأما إن حرستُـكم أنا فسأتشدد معكم كما هي عادتي ... أتشدد معكم وأنا أحب لكم كل الخير ... أتشدد معكم ويمكن أن يتساهل معكم غيري , ثم أنا متأكد بعد ذلك أنكم ستحترمون في النهاية من يتشدد معكم وستحتقرون من يتساهل معكم ...".
بدأتُ هذا الحديث في حصة سابقة وأردتُ أن أن أكمله وأنتهي منه في هذه الحصة الثالثة
( حصة 12 أفريل 2014 م ) , فقلتُ لهم كذلك :
1- إذا لم تُـثبت أمانتك أثناء الامتحان بعدم الغش مهما كانت نتائج الامتحان , فمتى ستفعل ذلك ؟. وإذا لم تُـثبت من مات لها ولد صبرَها لله عند الصدمة الأولى , فمتى ستثبتُ ذلك ؟. وإذا كان الرجلُ في خلوة إجبارية مع امرأة أجنبية ولم يجاهد نفسه حتى لا يفعل معها حراما , فمتى سيثبت عفته ؟.
2- ألا تخاف إذا غششتَ في الامتحان أن يكون جزءٌ من مالك ومن أجرك ومن مرتبك (الذي ستناله بعد الترقية ) حراما أو ( على الأقل ) فيه شبهة الحرام ؟!.
3- ثم إذا غششتَ في الامتحان وأنت الأستاذ القديم والأب الكبير , كيف تواجه زوجتك وأولادك وبناتك ... كيف تقابلهم وأنت غاش في نهاية عمرك ... هل تنصحهم أو تأمرهم بعدم الغش وأنت تغش ... ماذا ستقول لتلاميذك وتلميذاتك ؟!.
" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ؟" , " لم تقولون ما لا تفعلون , كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ".
وأنا أخاطبُ الأساتذة بهذه الكلمات القصيرات لأنهي بها نصائحي لهم وأنتقل إلى الحديث عن أخطاء شائعة في تدريس العلوم الفيزيائية , فوجئتُ بالكثير من الأساتذة وقفوا وثاروا في وجهي ( القلةُ التي كانت معي التزمت السكوتَ , والأغلبيةُ التي كانت ضدي أقبلت على الفوضى والتهريج والقباحة ... والوقاحة أكرمكم الله) . أخذت الأغلبية تحتج علي على اعتبار أن الغش عندهم خط أحمر وأنهم لا يقبلون أبدا مني أو من غيري أن أمنعهم من الغش , وأن حكاية (الحرام والممنوع) لا تعنيهم , لأنهم يريدون أن يترقوا بكل ثمن , وهم ليسوا مستعدين أبدا أن يدرسوا وأن يراجعوا وأن يتعبوا أنفسهم بالتحصيل العلمي في نهاية عمرهم ( هكذا قالوا ) ...
المهم عندهم : ترقية بلا أي تعب , وشعارهم شعار الكسالى من التلاميذ " من عسنا فليس منا " و " من راقب الناس مات هما " و " من نقل انتقل , ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه " !!!.
قال لي أحدهم " يا أستاذ لماذا أنت تتعامل معنا كأننا تلاميذ ؟!" , فقلتُ له " من وضع نفسه في مقام الأستاذ سأضعه بإذن الله فوق هذا المقام , وأما من وضع نفسه في مكان التلميذ أو أدنى فسأضعه حيث وضع نفسه ".
ثار أساتذة سيئون في وجهي لبعض دقائق بطريقة وقحة جدا , ولم تفد أوامري لهم بالجلوس والتوقف عن الاحتجاج , لأنني قلت لهم في البداية بأنني أنصح لهم ولا أريد أن نضيع الوقت في المناقشة وفي الأخذ والرد في مسألة بديهية وخارجة عن مجال التعليم حتى وإن كانت لها صلة بالتربية .
وأثناء محاولتي إسكاتهم قام أحد الأساتذة الفوضويين وقال لي بصوت مرتفع جدا " قدم درسَـك المفروض عليك تدريسه , وليس عليك نصحنا أو توجيهنا , فهذا ليس من شأنك , ونحن لا تهمنا هذه النصائح والتوجيهات . قدم لنا الدرس واترك لنا امتحان نهاية السنة نتصرف فيه أو معه كما نشاء نحن لا كما تشاء أنت , وذلك عندما يحين وقت الامتحان " .
قال لي الأستاذُ صراحة " قدم درسَـك وكفى " , وقال تلميحا ( لا دخل لك في نصحنا أو توجيهنا ) . قال هذه الكلمات وأعادها عدة مرات , وذلك وسط احتجاجات صاخبة من طرف الكثير من زملائه المشابهين له !!!.
عندما سمعتُ كلامه ورأيتُ قوة احتجاجه واحتجاج زملائه وعاينتُ سوء أدب الأساتذة مع من جاء يُعلمهم ويُكونهم , ورأيتُ الوقاحة مجسدة أمامي ورأيتُ كذلك جنون الحرص على الغش عند هؤلاء الأساتذة الذين يُـدرسون لنا أولادنا وبناتنا ... عندما رأيتُ وسمعتُ ذلك قررتُ أن أتوقف عن هذا التكوين , اليوم خيرٌ من الغد .
أعطيتُهم 15 قرصا ( فيه دروس السنوات ال 4 للمتوسط في العلوم الفيزيائية ) لفوج وأعطيتُ ال 15 قرصا الأخرى للفوج الآخر , وجمعتُ أدواتي قبل أن تنتهي الساعة وقلت لهم ( السلام عليكم ... وداعا ... هداني وإياكم لكل خير وسامحني الله وإياكم ... أسأل الله أن يصلحنا جميعا وأن يصلح أحوال التعليم في بلاد المسلمين أجمعين ) .
خرجتُ من القسم واتصلتُ بنائب مدير الجامعة ومن معه ممن يعاونه في مهمة الأمانة وسلمتُ لهم القرص ( الذي يحتوي على برنامج تعليمية العلوم الفيزيائية ) وكذا التوقيت وقائمة الأساتذة وكذا الطلاسة والأقلام . أخبرتُهم بحكايتي مع أساتذة التعليم المتوسط أو مع تلاميذي ( الذين لا يشبهون التلاميذ ) , وطلبتُ منهم أن يُـسلموا على السيد المدير وأن يُـبلغوا له اعتذاري لأنني أرفضُ إكمال عملي مع هؤلاء الأساتذة .
.................................................. ............................
هذه قصتي مع البعض من أساتذة التعليم المتوسط الذين درستهم 3 أسابيع وتوقفتُ عن ذلك يوم السبت 12 أفريل 2014 م . توقفتُ وذكرت سبب التوقف .
أنا أعلم يقينا بأن عندنا في الجزائر الكثير الكثير من الأساتذة الصادقين والمخلصين والمجاهدين في سبيل الله ... أساتذة حريصون دوما وباستمرار على السير على طريق ورثة الأنبياء والرسل ... أساتذة بعضهم درسني أنا والبعض الآخر درس معي والبعض الآخر سبيقى يُدرس صادقا مخلصا إلى يوم القيامة .
دنيا المسلمين ودنيا التربية والتعليم لا تخلو أبدا من الخير في الجزائر أو في غيرها من بلدان الإسلام والمسلمين ... هذا كله صحيح , ولكن صحيحٌ كذلك أنه توجد نسبة أخرى من الأساتذة والمعلمين ( كالذين حكيتُ قصتهم هنا ) , تمثل نوعية ساقطة هابطة لا قيمة لها , تسيء أكثر مما تحسن , تُـشوه صورة التربية والتعليم في بلادنا ( المشوهة أصلا ) .
هذه النسبة يزداد عددها للأسف الشديد خلال السنوات الأخيرة , لأسباب عدة منها أن السلطة في بلادنا أرادت ذلك , ومنها بُعد الأساتذة والمعلمين والتلاميذ والإداريين والأولياء ورجال الإعلام و... وحتى البعض من خطباء المساجد , بعد هؤلاء جميعا عن الدين , ومنها ... فإنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وارزقنا وعافنا .
اللهم اهدنا وأصلح أحوالنا وأحوال التربية والتعليم في كل بلاد المسلمين , آمين .