قال معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل نؤاخذ بما تكلمت به ألسنتنا؟
قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ معاذ ثم قال: " يا معاذ ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم فمن كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيرًا أو يسكت عن شر. قولوا خيرًا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا ".[1]
" فبهذا المخلوق الصغير يعبر الإنسان عن بغيته ويفصح عن مشاعره به يطلب حاجته ويدافع عن نفسه ويعبر عن مكنون فؤاده.... بحادث جليسه ويؤانس رفيقه وبه السقطة والدنو والرفعة والعلو " [2].
قال صلى الله عليه وسلم: " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة ".[3]
قال الشاعر:
احذر لسانك أيها الإنسان *** لا يلدغنـك إنـه ثعبـان
والله إن الموت زلة لفظـة *** فيها الهلاك وكلها خسران
"كم من صائم أفسد صومه يوم فسد لسانه وساء منطقه واختل لفظه؟ ليس المقصود من الصيام الجوع والظمأ بل التهذيب والتأديب.
في اللسان أكثر من عشرة أخطاء إذا لم يتحكم فيه. من عيوبه الكذب والغيبه والنميمة والبذاء والسب والفحش والزور واللعن والسخرية والاستهزاء وغيرها "[4].
والمسلم الحق هو كما قال صلى الله عليه وسلم " من سلم المسلمون من لسانه ويده "[5]
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لايلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لايلقي لها بالا يهوي بها في جهنم " [6]والعياذ بالله.
إذا ماهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام؟
هديه صلى الله عليه وسلم في الكلام هو:
أولًا:
أنه نهى عن الصمت إلى الليل عن علي رضي الله عنه قال: " حفظت عن رسول صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد احتلام ولاصمات يوم إلى الليل "[7]، أي سكوت يوم إلى الليل.
ثانيًا:
كان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت " عن جابر بن سمره رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت قليل الضحك " [8].
كيف نوفق بين الأول والثاني؟
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصمت ويتكلم عند الحاجة.
ثالثًا:
من صفات كلامه صلى الله عليه وسلم:
أولًا:
أنه أوتي جوامع الكلم: قال صلى الله عليه وسلم: " بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب"[9].
والمقصود بجوامع الكلم:
قال النووي رحمه الله، قال الهروي: يعني به القرآن الكريم، جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني.[10]
ثانيًا:
عن أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثة لتعقل عنه " [11]
ثالثًا:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " ماكان رسول صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فضل يحفظه من جلس إليه " [12]، وقالت: كان كلامه صلى الله عليه وسلم كلامًا فصلًا يفهمه كل من سمعه " [13]
والمقصود بالفصل هو: " عدم الموالاة بين الجمل بل يفصل بعضها عن بعض " [14]
رابعًا:
وعنها رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثًا لو عدّه العاد لأحصاه "[15] كناية عن عدم كثرة الحديث.
خامسًا:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال " كان في كلامه ترتيل أو ترسيل " [16]، أي لا يعجل بكلامه صلى الله عليه وسلم.
سادسًا:
عن جابر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا يا رسول الله قد علمنا: الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون." [17]
الثرثار: كثير الكلام تكلفًا.
المتشدق:
المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحًا وتعظيمًا لكلامه.
المتفيهق:
من الفهق وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبرًا وارتفاعًا وإظهارًا للفضيلة على غيره.
سابعًا:
حذر صلى الله عليه وسلم من بعض الأمور:
أولًا:
وكالة يقولون (الإشاعات): قال أبو مسعود لأبي عبد الله أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود: " ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في: زعموا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بئس مطية الرجل زعموا " [18]، وقال صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع "[19].
قال الإمام النووي رحمه الله:
"وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن وقد تقدم أن مذهب أهل الحق أن الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولا يشترط فيه التعمد لكن التعمد شرط في كونه إثمًا والله أعلم ".[20]
قال مالك رحمه الله: " أعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إمامًا أبدًا وهو يحدث بكل ما سمع " [21]، قال النووي رحمه الله: فمعناه أنه إذا حدث بكل ما سمع كثر الخطأ في روايته فترك الاعتماد عليه والأخذ عنه." [22]
ثانيًا:
عن رجل قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فتعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان فقال: " لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب." [23]
ثالثًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم "[24] قال مالك: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس – يعني في أمر دينهم – فلا أرى به بأسًا وإذا قال ذلك عجبًا وتصاغرًا للناس فهو المكروه الذي نهى عنه.[25]
-