الحمد لله معز من أطاعه واتقاه واتبع رضاه ومذل من خالف أمره وعصاه ، احمده سبحانه لارب لنا سواه ولانعبد إلا إياه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين .. أما بعد
لقد وفر الإسلام للإنسان الكرامة ورعاه وعني به من قبل أن يوجد ويولد حتى يتوفى بل بعد أن يتوفى وأننا نقرأ في كتاب الله وسام المجد لأبناء آدم ( ولقد كرمنا بني آدم ) فبنوا آدم كرموا بالدين وكرموا بالعقل وكرموا بتحميل الأمانة وكروا بطهارة أجسادهم أحياء وأمواتا .
كرموا بنو آدم بالخلق السوي ودعوا إلى النهج الرضي.
فهل بعد هذا التكريم تكريم ، إن الكرامة التي يقررها الإسلام هي عصمة حماية وعزة وسيادة واستحقاق وجداره .
كرامة تتغذى من عقيدته ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) . وكرامة يستوجبها بعمله وسيرته ( ولكل درجات مما عملوا ) ( ويؤت كل ذي فضله فضله ) .
أيها الأخوة
كرم الله ابن آدم وبالأخص المسلم فهل حافظ على كرامته وتكريمه .
لقد كرم الله عباده بالخلق الحسن ودعاهم إلى الإيمان فافترقوا فرقتين فرقة حافظت على ما أراد الله لما من كرامة فآمنت وعملت العمل الصالح وفرقة أخلدت إلى أسفل سافلين بتنكيها طريق الحق واختيارها الغواية .
( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ... ) .
وفي نداء الله لعباده
( يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك )
ألا تعلم أيها الإنسان أن هذا المستوى الرفيع من الخلفة يقتضي مسئولية كبرى تنتهي بك إلى نعيم أو إلى جحيم ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) .
أيها الأخوة
لقد خلق الله في العباد نوازع الشر والخير ( ونفس وماسواها فألهما فجورها وتقواها ) .
والنفس أمارة بالسوء ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .
والنفس تميل إلى الشهوة ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) . ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم يحافظون ) .
فالإسلام دعى المسلم إلى تنمية الخير الذي فيه الفطرة التي فطر عليها ودعي إلى التخلص من نوازع الشر وتقليلها ومحاولة علاج النفس وتزكيتها والتخلص من أوحال المعصية إلى عز الطاعة وكرامتها .
أيها الأخوة
إن من حكمة الله وعدله أن خالف بين طبائع البشر وميولهم وقسم بينهم قدراتهم وأفهامهم كما قسم بينهم أرزاقهم .
فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) . رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة .
فالناس في خصائصهم وطبائعهم كمعادن الأرض فيها الصحيح والخسيس والنفيس والغالي والرخيص والمعادن تختلف في نفاستها وأصالتها والناس كذلك ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( الناس كالإبل المائة لاتكاد تجد فيه راحلة ) .
أيها الأخوة في الله
إن قيمة المؤمن هي بطاعة مولاه وبما يعيشه في هذه الحياة فمن تحقيق العبودية لربه جل في علاه. ومن هنا وجب على المسلم أن يعيش في هذه الحياة محافظا على كرامته التي كرمه الله إياها فيأبى سفاسف الأمور ويحرص على معاليها .
إذا عمل فلله وبالله وإذا تكلم فلله وبالله يعيش حياته مستعليا بدينه تقوده همة عالية تنظر إلى متع الحياة المادية نظرة ازدراء واحتقار وتتطلع نفسه إلى القيم الإيمانية التي تسمو بها النفس وتستعلي على الأهواء والشهوات والملذات ويعيش المسلم لأهداف سامية وأغراض شريفة يتحكم المسلم في نزعات نفسه واهوائها فيخضعها لدين الله استجابة لأمر الله .
أيها الأخوة
إننا نعيش في عصر ضعفت فيه الهمم وماتت وصار كثير من الناس يعيش الدنيا وملذاتها وجمع حطامها يعيش لشهواته وملذاته يعيش لبطنه وفرجه يعيش للجاه والعظمة يعيش موافقا لهواه يصدق فيهم قول الله تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم ).
وهذ والله أيها الأخوة يندى له الجبين ويبعث الأسى في قلوب المؤمنين سواء الناس نهمين على تفكيرهم حب المادة وتهافتون تهافت الفراش على النار عليها .
فاتقوا الله فما للمال خلقنا ولا لاتخاذه هدفا أسمى أمرنا فاحذوا سيطرة حب المال على النفوس ( من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا مايبقى على مايفنى ) .
إن من الناس من يعيش للهوى والشهوة وبتفكيرات ساذجة واهتمامات تافهة .
أين تصرف طاقات الأمة اليوم ، أين طاقة كل مسلم اليوم ماذا قدّم المسلم في يومه لآخرته ماذا قدم لسعادته ماذا قدّم لميزانه .
إن كثيرا من الناس اليوم يعيش سبهللاً لا في عمل الدنيا ولافي عمل الآخرة .
إننا اليوم بلينا بطاقات مهدرة تعيش عيشة البهائم تأكل وتشرب ولانفع فيها ، والبهائم أنفع منهم .
أيها الأخوة
لقد كرم الله بالإسلام فلماذا تخلى كثير من الإسلام عن تعاليمه .
لقد كرم الله الإنسان بالعقل فلماذا يسعى بعض ـــ جاهدين بأموالهم وطاقاتهم .
لقد كرم الله المسلم بالمحافظة على عرضه فلماذا يسعى بعض الناس إلى تدنيس أعراضهم وأعراض المسلمين . لقد كرم الله المؤمن بالحرية بأن لايعيش إلا لله ولا يعبد إلا الله ولايذل نفسه إلا لله ومن الناس من يعيش لغير الله ويعبد غير الله ويذل نفسه لغير الله .
أيها الأخوة .. أيها الأخوة
احذوا أن تتطلعوا للدنيا وتمدوا أعينكم وتنسوا آخرتكم ( وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) .
ويقول الله تعالى ( ولاتمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ) .
فقيمة المؤمن وآماله وروحه وتطلعاته أجل وأكبر وأعظم من أن تتطلع إلى الأرض دون السماء أو أن تتطلع إلى ماوصف بالفناء دون من وصف بالبقاء .
قيمة المؤمن أجل وأكبر وأعظم من أن ترتبط بجوانب مادية وقيم فانية .
قيمة المؤمن أجل وأعظم من أن ترتبط بالشهوات والملذات ويعيش أسير نفسه وهواه .
فأحبوا معالي الأمور وأشرفها واتركوا سفاسف الله وتوافه الأفكار ..
قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها ). رواه الطبراني بسند صحيح .
م ن ق ول