فى وقت يتزايد فيه الحديث عن أهمية رأس المال البشري، وعن طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية، تصبح قضية تشغيل الشباب ومدى الاستفادة من العنصر البشري على قدر موازِ من الأهمية. وتحتل قضية تشغيل الشباب أولوية قصوى على اجندة الحكومة المصرية، وذلك نظراً لأن 88.6% من إجمالى المتعطلين فى مصر هم فى فئة الشباب (15 – 30 عام) فى عام 2007.
ويعانى سوق العمل فى مصر من عديد من الاختلالات أبرز تلك الاختلالات أن مشكلة البطالة فى مصر هى بطالة متعلمين بالدرجة الأولى، حيث يمثل المتعطلون الحاصلون على شهادات عليا ومتوسطة حوالى 95.2% من إجمالى المتعطلين فى عام 2007، ويعد ارتفاع نسبة المتعطلين بين حملة الشهادات المتوسطة والجامعية فى مقابل الأميين دليلا واضحا على عدم التوافق بين مخرجات النظام التعليمى فى مصر واحتياجات سوق العمل. كما أن هناك اختلال نوعى فى سوق العمل، يتمثل فى ارتفاع معدل البطالة بين الإناث ليبلغ 18.6% فى عام 2007، فى مقابل 5.9% لبطالة الذكور فى العام نفسه. هذا بالإضافة على وجود فئة غير قليلة تعانى من البطالة المقنعة.
وتجدر الإشارة إلى قضية على درجة كبيرة من الأهمية، وهى كبر حجم القطاع غير الرسمى ليصبح هو المشغل الرئيسي فى الاقتصاد القومي مقارنة بالحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص المنضم، حيث تبلغ نسبة المشتغلين خارج المنشأة (كمؤشر لحجم العمالة فى القطاع الخاص غير الرسمى) حوالى48.9 %، ويعاني العاملين فى القطاع غير الرسمى من انخفاض الأجر مقابل ساعات طويلة من العمل، كما يمكن أن تكون الأجور عينية، كما أنهم محرومون من خدمات شبكات الضمان، ولا حقوق لهم في الإجازات المدفوعة الأجر، وأخيراً فإن فرصة العمل مهددة بالضياع أمام العرض الكبير للأيدي العاملة فى القطاع غير الرسمي. وتتضاعف أهمية هذه القضية بالنظر إلى الأبعاد الأخرى وثيقة الصلة بالتشغيل فى الثطاع غير الرسمي، مثل تدني مستويات المعيشة والفقر وغيرها من القضايا التي باتت فى بؤرة اهتمام استراتيجيات التنمية العالمية كما تعكسها الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة.
ونتيجة لما سبق فقد تزايد الوعى بأهمية توفير التشغيل المنتج والعمل اللائق للشباب، وذلك من خلال تبني مجموعة متكاملة من السياسات المبنية على معلومات دقيقة حول سوق العمل، ويسعى المرصد المصرى للتعليم والتدريب والتشغيل إلى توفير تلك المعلومات بالتعاون مع مختلف الأطراف الفاعلة فى سوق العمل.
ونظراً لأن سوق العمل يتكون من التقاء جانبي العرض لخدمة العمل والطلب على هذه الخدمة، كما أن وجود البطالة يعنى زيادة العرض عن الطلب، لذا فإن معالجة هذه الظاهرة تعنى وضع السياسات التى من شأنها زيادة الطلب على العمالة سواء الخارجى أو الداخلى، من خلال توفير حوافز جذب الاستثمار، وتشجيع استخدام تقنيات الإنتاج كثيفة العمالة، وثمة توافق عام على أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمكن أن تعلب دورا مهما في إيجاد فرص عمل للشباب، كما يمكن توفير فرص عمل للشباب فى الخارج من خلال عقد اتفاقيات مع الدول العربية والأجنبية لتصدير خدمات العمل إليهم بشكل منظم، على غرار ما كانت تقوم به وزارة التربية والتعليم مع الدول العربية فيما يعرف بنظام الإعارة.
وعلى جانب العرض، فلا مفر من تحسين المعروض من خدمات العمل من خلال التركيز على احتياجات سوق العمل عند صياغة المناهج التعليمية والتدريبية وتوفير الإرشاد المهنى للطلبة فى المدارس والكليات، وذلك كله دون إغفال تحسين الأطر المؤسسية والتنظيمية لسوق العمل من خلال تفعيل إبرام العقود من خلال التفاوض الجماعى، والبت الفعَّال فى منازعات العمالة، وحرية العمالة فى تكوين اتحاداتهم.
م ن ق ول