بين العلامة ابن باديس والطرائق الصوفية
عماد بن عبد السلام السدراتي/ قسنطينة
ا
العلامة إبن باديس
أتعجب كثيرا لما أصبحنا نقرأه ونسمعه مما يقال أن رئيس جمعية العلماء، وعلماءها قد كرسوا للطرق الصوفية، ولست أدري من أين أتى كُتَّاب اليوم هذا الخطأ الفاحش الضار. أهو عدم دراية، أم نقص اطلاع على آثار علماء الجمعية، أم هو تحريف للتأريخ، أم دفاع عن الباطل ولو كان بالكذب أو التلبيس، ولو كان على حساب علماء الجمعية، التي يُعرف عنها - وهي من أشهر من نار على علم - حملتها الشعواء وحربها الضروس على الطرق الصوفية التي أتت على بنيها من القواعد، وفي كل الحالات المتفوه بهذا الكلام يعتبر من الغشاشين للقراء أولا، ولجيل الأمة الصاعد ثانيا، وليس بناصح لا لنفسه ولا لعامة المسلمين ثالثا. وقد صدق من قال: "ان الأمة التي لا تعرف تاريخ أمجادها أمة متخلفة". نعم. انه تخلف فكري، سببه المباشر جهة معينة التي تسعى إلى التعتيم والتجهيل والمحق لآثار علماء الجمعية بكل الطرق.
وليكن بيت المتنبي متنفسا لأهل الحق وطلابه.
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به وفي طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
.
أولا: تأسست جمعية العلماء للقضاء على الطرقية أولا ثم الاستدمار ثانيا.
النواة الأولى للجمعية كانت للقاء بين ابن باديس والإبراهيمي في المدينة النبوة، فمن خلال دراسة وتمحيص للمجتمع الجزائري، عرفا أن الداء العضال للمجتمع الجزائري الذي ينخر عموده الفقري. والمُمَكن للاستعمار الفرنسي هي الطرقية المفسدة للدين والدنيا. قال الشيخ الإبراهيمي: "كان من نتائج الدراسات المتكررة للمجتمع الجزائري بيني وبين ابن باديس منذ اجتماعنا في المدينة المنورة، أن البلاء المنصب على هذا الشعب المسكين آت من جهتين متعاونيين، وبعبارة أوضح من استعماريين مشتركين يمتصان دمه ويتعرفان لحمه ويفسدان عليه دينه ودنياه: الأول؛ استعمار مادي وهو الإستعمار الفرنسي، يعتمد على الحديد والنار والثاني استعمار روحي، يمثله مشائخ الطرق المؤثرون في الشعب والمتغلغلون في جميع أوساطه المتاجرون بإسم الدين المتعاونون مع الإستعمار عن رضى وطواعية، وقد طال أمد هذا الاستعمار الأخير وثقلت وطأته على الشعب، حتى أصبح يتألم ولا يبوح بالشكوى أو الانتقاد خوفا من الله بزعمه، والاستعماران متعاضدان يؤيد أحدهما الآخر بكل قوته ومظهرهما معا تجهيل الأمة لئلا تفيق بالعلم فتسعى في الإنفلات وتفقيرها لئلا تستعين بالمال على الثورة.
فكان من سداد الرأي وإحكام التدبير بيني وبين ابن باديس أن تبدأ الجمعية بمحاربة هذا الاستعمار الثاني لأنه أهون.
.
ثانيا: أصول دعوة الجمعية والطرقية
بل إن التحذير من الطرقية جعلها ابن باديس اصلا من اصول جمعيته. ومادة علمية قانونية مصادقا عليها وسارية المفعول بكل المراسيم: " 16 / الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها الس.
وقال الشيخ الابراهيمي: "إن جمعية العلماء حينما تبنت في برنامجها محاربة الطرقية، وإقامة المدارس الحرة، وطالبت بفصل الدين الاسلامي عن الحكومة الفرنسية كانت بذلك قد حققت نصف الاستقلال".
.
ثالثا: ابن باديس يصرح باصطدامه مع الطرقية
قال - رحمه الله -: "فلذلك وجدنا أنفسنا مضطرين إليه وقد كانت منا انتقادات سياسية واجتماعية وأدبية ودينية وكانت وجهتنا الأولى في النقد الديني هي الاعتقادات ولقد كان همنا الأول تطهير عقيدة التوحيد من أوضار الشرك القولي والفعلي والإعتقادي فإن التوحيد هو أساس السلوك ولذلك ابتدئ "بإياك نعبد" قبل "اهدنا" في فاتحة القرآن العظيم هنا إصطدمنا بزعماء الطرق وشيوخ الزوايا الاصطدام المعروف لأنه إذا خلص التوحيد وتوجه الناس الى ربهم الذي خلقهم وتركوهم واعتقدوا فيهم أنهم مخلوقون مثلهم لايضرون ولا ينفعون الى غير ذلك مما ينتجه التوحيد الصحيح من تحرير العقول والأرواح والقلوب والأبدان". الآثار5/75
.
رابعا: نائب الرئيس يصرح بأنه لا صوفية في الإسلام
قال الشيخ الابراهيمي: "أفيجمل بجنود الإصلاح أن يدعوا هذه القلعة تحمي الضلال وتؤويه أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملة صادقة شعارهم (لا صوفية في الاسلام) حتى يدكوها دكا وينسفونها نسفا ويذروها خاوية على عروشها". الأثار1/175
.
خامسا: ابن باديس والرد على الطرقية:
والمتتبع لكلام ابن باديس يجد أنه لا يفوت فرصة الا وقارعها بالحجة وبين زيغها وبعدها عن الحق ومن ذلك:
رد على الشيخ ابن عليوة المستغانمي في مساسه بالجناب النبوية في كتابه "رسالة جواب سؤال عن سوء مقال" فقوبل بجريمة نكراء اهتزت لها قسنطينة ككل في محاولت اغتيال.
ردوده على الشيخ مولود الحافظي في مسألة العبادة. انظر كتاب التفسير2/100
بناء المساجد على القبور من فعل شرار الخلق عند الله يوم القيامة. الآثار2/246
لعن من اتخذ المساجد على القبور. الآثار2/251
النهي عن البناء على القبور. الآثار2/250
بناء المساجد على القبور من فعل شرار الخلق عند الله يوم القيامة. الآثار2/252
تأكيد النهي من اتخاذ القبور مساجد. الآثار 2/253
من اتخاذ القبور مساجد الصلاة اليها الآثار2 /254
جواب صريح. فيه رد على صلاة الفاتح التيجانية الآثار 3/142
.
سادسا: أيوجد أوضح من هذا؟
قال ابن باديس تحت عنوان"الاصلاح الأمس واليوم": "مصر التي هي أكثر مبعث أهل البدع والضلالات الاعتقادية والعلمية من يوم انتصبت فيها دولة الفاطميين فرسخت فيها البدع الطرقية وغير طرقية - والطرق حيثما كانت تكأة وملجأ أهل البدع والخرافات - وصارت الخطة الطرقية من الخطة الاسلامية في الحكومات المصرية التي تحميها وتؤيدها فصارت البدع والضلالات رسمية في نظر المسلمين. وغير المسلمين وجاء الأزهر وأهل الأزهر - الا القليل على دين الدولة وهوى العامة يقرون تلك البدع والضلالات بسكوتهم بل بمشاركتهم العملية. وتأييدهم القولي والفعلي وما ينتشر عنهم من كتب وتلاميذ".
الاثار3/ 66 قلت: ما أشبه اليوم بالبارحة فقد أصبح للطرقية جانب سياسي في زماننا.
.
سابعا: ردود نائب الرئيس على الطرقية:
هو الإبراهيمي القائل: "أما الصوفية فقد فرغنا منها هدما وتخريبا، واقتحمنا عليها معاقلها الحصينة، ودككنا صياصيها المنيعة، واستبحنا حماها بكلمة الله، وأقمنا على أنقاضاها بناء الحق. بدأنا ذلك كله بإزالة هيبتها الباطلة من الصدور، ومحو سلطتها الكاذبة من النفوية، ثم كشفنا عن نسبتها المزورة الى الدين الحنيف. فما تمّ لنا ذلك حتى انهارت من أساسها، وتلك عاقبة كل بناء بُني على الوهم والتزوير. وقد أحيانا الله حتى شهدنا جنازتها بلا ردة، وهلنا عليها التراب غير آسفين" الأثار1/407
وقد اخترت لك أخي القاري مايلي لتقف على الحقيقة بنفسك:
سجل مؤتمر الجمعية. انظر الأثار1/155
إما سنة وإما بدعة. انظر الأثار/1/289
إلى الطرقيين الأثار. انظر الأثار1/295
موقفنا من الطرقية وصحفها. انظر الأثار1/407
.
ثامنا: المفتى الأول للجزائر
الشيخ أحمد حماني رحمه الله جعل من الصراع بين ابن باديس والطرقية صراعا بين السنة والبدعة، بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال، بتأليفه لكتاب "الصراع بين السنة والبدعة أو القصة الكاملة للسطو على الرئيس عبد الحميد بن باديس" انظره يا طالب الحق مأمور.
.
تاسعا: رد شبهة ودفع ايهام:
قال ابن باديس رحمه الله: "وها هو القانون الأساسي للجمعية كما وضع أولا مرة منذ خمس سنوات وقد كان الذين وضعوه شطرهم من الطرقيين، ولكنهم ما أكملوا السنة الأولى حتى فروا من الجمعية وناصبوها العداء واستعانوا عليها بالظلمة ورموها بالعظائم، وجلبوا عليها من كل ناحية بكل ما كان عندهم من كيد، وذلك لأنهم وجدوا كثيرا من الآفات الاجتماعية التي تحاربها هي مصدر عيشهم ووجدوا قسما منها مما تغضب محاربته سادتهم ومواليهم وقد شاهدوا مظاهر الغضب بالفعل منهم، فما رفضتهم الجمعية ولا أبعدتهم ولكنهم أبعدوا أنفسهم". الآثار 5/75
قال الشيخ محمد خير الدين عند إعادة تأسيس المجلس الإداري للجمعية في العام الثاني: "شهد العام الثاني من تأسيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) بداية ميلادها الحقيقي ومساهمتها في الحركة الإصلاحية في بلادنا فقد كان هذا العام حدا فاصلا بين العهدين ومرحلة انتقال من الفوضى والإضظراب الى التنظيم والعمل الدقيق فقد خابت مؤامرات أعداء المصلحين(الطرق الصوفية) ورد الله كيدهم في نحورهم وتأسيس المجلس الثاني من رجال جمعت بينهم الرغبة الصادقة في الإصلاح والتعاون على البر والتقوى ولم يدخروا جهدا في سبيل تحقيق غايتهم النبيلة وسادت بينهم مبادئ الأخوة الصادقة فحقق الله على أيديهم خيرا كبيرا للعباد والبلاد" مذكرات محمد خير الدين1/120
.
عاشرا: عثرات الشيخ ابن باديس
هي من قبيل"لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة" ولا يمكن لعاقل فضلا أن يدعي أنه باحث أن يبني القصور والعلي على عثرات وأخطاء وزلات. لا يسلم منها احد. بهذا فهو ليس في ميزان الباحثين شيء. والأصل رد كل الأمور المتنازع فيها للكتاب والسنة وما كان عليه السلف، قال ابن باديس: "فكل قول يراد به إثبات معنى ديني لم نجده في كلام أهل ذلك العصر (أي: السلف) نكون في سعة من رده وطرحه وإماتته وإعدامه، وكما وسعهم عدمه، ولا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم. وكذلك كل فعل ديني لم نجده عندهم وكذلك كل قيدة، فلا نقول في ديننا إلا ما قالوا، ولا نعتقد فيه إلا ما اعتقدوا ولا نعمل فيه إلا ما عملوا، ونسكت عما سكتو". الآثار 3/155
فأصول ابن باديس سلفية لا طرقية كما رأيت، وقرأت من تأصيلات في كلامه. أما ما اجتهد فيه وأخطأ فله أجر واحد بإذن الله، ولنا رده والعبرة بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، مع معرفة قدره واحترامه لأن العبرة بأصول دعوته. كما أنه من المعروف أن القول مقدم على الفعل لأن الفعل مظنة حالة استثنائية يحيط بها زمان ومكان.
وأن زيارة ابن باديس لبعض الطرقية فهو من قبيل تأليف قلوبهم للرجوع الى الحق لا غير، ومحاولة مجادلتهم بالتي هي أحسن للتي هي أقوم إن سنحت له الفرصة. والا فهو معروف بحربه واخوانه من علماء الجمعية على هذه الطرقية المشؤمة على تعبير الشيخ الابراهيمي - وان دلس أقوام - والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد.
لا تبخل بكلمة