المقامة البرلمانية
بقلم: البشير بوكثير / رأس الوادي
كتبتُ هذه المقامة مُعارضا بها" المقامة الانتخابية" للأستاذ الأديب والكاتب الأريب: علي قوادري - حفظه الله تعالى -. وليعذرني القارىء الكريم إنْ وجدها مهلهلة لتعكّر المزاج وتعذّر العلاج.
حدّثنا بوبرّيطة المهبول قال:بينما حللتُ بالجزائر بلد الشّهداء والحرائر، إذْ أنا بضجّة هزّت الأركان، فدوّت لها الآذان، وتركت الحليم حيران. ثمّ نادى منادي السلطان: أنْ هلمّوا لمأدبة الشجعان، وغنيمة الفرسان، ووليمة البرلمان، لكن لا يقربنّ مجلسنا هذا العالِم والمثقّف والفنّان، والشاعر المرهف الولهان، ولله درّ الحكيم سعدانواحد خلقوا ربّي للزّعامة، وواحد خلقوا للتصفاق- للتصفيق-). فراح البعض يهيمون ويهمزون، يقفزون ويلمزون، يصيحون ويغمزون، وآخرون يُرعدون ويزبدون، يتوعّدون ويهدّدون، بمعركة حامية الوطيس، تختلط فيها العنزة بالتيس. فوقفتُ مشدوها لا أميّز بين العروس والعريس، ولا بين المرؤوس والرّئيس. اقتربتُ الهُوينى من مُعلّقة الجدار، فتملّكني الفزع وكدتُ أنهار، وشاب وجهي الاحمرار والاصفرار أربعون حزبا أويزيدون، وكل حزب بما لديهم فرحون،وللسباق يتأهّبون ويكيدون، وللوعود المعسولة يجترّون ويُعيدون، وعن الواقع المعيش غائبون وبعيدون. هاهُنا الإسلاميون والوطنيون، وهناك الديمقراطيون والعلمانيون، وهنالك الشيوعيون والتروتسكيون،و...و... بعدها همَس هامس مثل الذباب: سنقاطع الانتخاب، بعدما حلّقتِ البطاطا في السحاب، وعلِق الفقير بالتراب، فوعود هؤلاء الذئاب كلها سراب في سراب، وجنّاتهم الموعودة للشباب، خراب ويباب،انظر إلى صورهم، كُلّهُم شِياب لا شباب. أجابه آخر: هذا منطق الخنوع والاستسلام، والخضوع للأوهام، وبالتالي فسح المجال للمتردية والنطيحة ذاتِ الأسقام، لتحقيق المآرب الشخصية والمرام على ظهور الكرام. ردّ عليه آخر، وأنا مشدوه حائر: سئمنا من أصحاب الكروش، ومللنا من ذوي الطيلسان والعُروش، في زمن المحسوبية والعْروش،حتى تصدّر القوائم البقّارة وأصحاب الشّكارة والحقّارة فتركونا مثل الدجاج المنفوش. وقال آخر: لقد احتال علينا هذا النائب الحريص،على حلّ مشكله الماديّ العويص، وتركنا يا خاوتي في حيص بيص، نلهو مثلما التلاميذ بالخشيبات والقريصات .فلا أمل في هؤلاء ولا بصيص. وهنا دفعني شاب متجهم كالهامة وصاح في عنجهية وصرامة: دعكم من هذا الزعيم الذي يرتدي الجٌبّة والعمامة، ويرفع شعار الإسلام علامة، ويعدنا بالجنّة يوم القيامة-أستغفر الله-، ويتوعّدنا باللعنة والملامة، إذا لم نُصوّتْ على حضرة العلاّمة. فماذا تقولون يا أصحاب الفهامة؟ ردّ عليه آخر: لقد اتّخذوا من الإسلام الشعار، ومن المتاجرة بالدين الدِّثار والسّتار، لخداع السُّذّج الأغيار. وحمي الوطيس وتصدى له آخر في هدوء وحسيس: ماهذا التلفيق والافتراء والاعوجاج، واتهام الناس ظلما بلا دليل ولا حِجاج؟ أتناسيْتَ زعيم العلمانيين حين هاج وماج، ورشق الإسلاميين بالأقذاء والأحجار، بتلفيق كاذب الأخبار، وزعَم أنّه النُّورانيّ من صنف الأبرار، والآخر الظلاميّ من رهط الأشرار، لكنّهم ردّوا عليه بصادق الأخبار، وحسن الترشيح والاختيار، لقوائم الانتصار، ورَمَوْه بالأزهار بَدَلَ الأحجار. وصاح آخر وهو يتحرّق، وقلبه ينفطر ويتمزّق: لقد خاننا هذا الأفّاك المُتحذلق، حين أتانا قبل خمسٍ يراوغ ويتملّق، وماء وجهه مشرق يترقرق، وبمعسول الكلام والوعود يُزخرِف ويُنمّق، ولأكياس السكّر والسميد علينا يُوزّع ويُفرّق، ومن أجل رؤيتنا مُتشوّق. وبعد صعوده البرلمان، نسي ماكان،فطوانا النسيان، وصرنا في خبر كان.أمّا هو فأضحى شعاره: انهب واسرق،لكي تُحقق ما عجز عنه المثقف الأحمق. فلن أُلدغ من جحر مرتين ولن أمنحه صوتي كي يتقلّش ويأكل الفستق، وأهلي ينهشهم الجوع والفقر المُطبِق. ومن بعيد أقبل شاب وسيم، يرتدي "الكوستيم"، وتظهر عليه أمارات التّخنّث والنعيم، وأدلى بدلوه في هذا الجدل العقيم فقال: أمّا أنا فسأطالب بحقّي في الزّواج، وركوب التوارق وحتى الميراج، وإلاّ سلّطتُ على هؤلاء سيف الحَجّاج، وأقمتُ "الباراج"،ليزول عنّي الهمّ ويعتدل المزاج. وهنا تكلّم آخر بلغة الشعب البسيط: صُن الوديعة يا قدور ، ولا تكشف المستور ، ودعنا من سفاسف الأمور، والانشغال بتغيير البورتابل والديكور، فالجزائر الحبيبة في خطر،إنْ لم نتحَلّ بالوعي والصبر و الحذر. أمّا أنا فانصرفتُ متمتما دون شعور أو إشعار: استر بلادنا ياعزيز يا جبّار، من كلّ ماكر غدّار، واحفظ وحدتنا من تكالب العدوّ والجار.