المقالة الجدلية : هل الشعور بالأنا يتوقف على الغير ؟
مقدمة ومحاولة طرح المشكلة
من المشاكل النفسية التي ظلت تؤرق الإنسان هي محاولة التعرف على الذات في مختلف الصفات التي تخصها ؛ بحيث اتجه محور الاهتمام إلى تشكيل بنية الأنا عبر الغير الذي بإمكانه مساعدته إلا أن ذلك لم يكن في حال من الاتفاق بين الفلاسفة الذين انقسموا إلى نزعتين الاولى تعتقد أن مشاركة الأخر أي الغير أضحت أمرا ضروريا والنزعة الثانية تؤكد على وجوب أن يتشكل الأنا بمفرده عبر الشعور وأمام هذا الاختلاف في الطرح نقف عند المشكلة التالية : هل الشعور بالأنا يتوقف على الغير ؟ وبعبارة أوضح وأحسن هل الشعور بالأنا مرتبط بالأخر أم انه لا يتعدى الشخص؟
التحليل ومحاولة حل المشكلة
الأطروحة : الشعور بالأنا مرتبط بالغير يرى أنصار الأطروحة أن الشعور بالأنا يرتبط بالغير فلا وجود لفردية متميزة بل هناك شعور جماعي موحد ويقتضي ذلك وجود الأخر والوعي به .
البرهنة : يقدم أنصار الأطروحة مجموعة من البراهين تقوية لموقفهم الداعي إلى القول بان الشعور بالأنا يكون بالغير هو انه لامجال للحديث عن الأنا خارج الأخرالذي يقبل الأنا عبر التناقض والمغايرة ومن هنا يتكون شعور أساسه الأخر عبر ما يسميه ديكارت بالعقل الذي بواسطته نستطيع التأليف بين دوافع الذات وطريقة تحديد كيفيات الأشياء والأشخاص وفي هذا السياق يعتقد الفيلسوف الألماني "هيغل " أن وجود الغير ضروري لوجود الوعي بالذات فعندما أناقض غيري أتعرف على أناي وهذا عن طريق الاتصال به وهنا يحصل وعي الذات وذات الغير في إطار من المخاطرة والصراع ومن هنا تتضح الصورة وهي أن الشعور بالأنا يقوم مقابله شعور بالغير كما انه لابد للانا أن يعي الأخر إلا أن الأخر ليس خصما ولا يتحول إلى شيء لابد من تدميره كما يعتقد البعض بل إلى مجال ضروري الاهتداء إليه لبناء ذات قوية فقد تختلف الذوات وتتنوع رؤى فكرية كثيرة ولكن لا يفسد ذلك ودا جماعيا وحتى وان استنطق الإنسان في نفسه غرائز الموت والتدمير الطبيعية فان مفهوم الصراع يناسب مملكة الحيوانات ومنطق قانون الغاب وهذا الأمر لا ينطبق على من خلقوا من اجل التعارف وليس بعيدا عن الصواب القول بان وعي الذات لا يصبح قابلا للمعرفة إلا بفعل وجود الأخر والتواصل معه في جو من التنافس والبروز ومن هنا يمكن التواصل مع الغير ولقد كتب المفكر المغربي محمد عزيز لحبابي " إن معرفة الذات تكمن في أن يرضى الشخص بذاته كما هو ضمن هذه العلاقة : "الأنا جزء من النحن في العالم "
وبالتالي فالمغايرة تولد التقارب والتفاهم ويقول تعالى : " ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " .
وهكذا فالشعور بالأخر تسمح لنا بالمتوقع داخل شخصية الأخر والاتصال الحقيقي بالأخر كما يرى ماكس شيلر يتمثل في التعاطف ومنه لا غنى للانا عن الغير .
نقد الأطروحة
يمكن الرد على هذه الأطروحة بالانتقادات التالية
إن الشعور بالأنا يتأسس على الغير لكن الواقع يؤكد بأنه قد يكون عائقا وليس محفزا لتكون ذات قوية فكل" أنا" يعيش مجالا خاصا وفي ذلك رغبة فردية وشخصية .
نقيض الأطروحة " الشعور بالأنا شخصي
يرى أنصار الأطروحة أن الأنا يعيش مع ذاته ويحيا مشاريعه بنفسه وبطريقة حرة أي كفرد حر وهذا الامتلاك يكون بمقدوره التعامل مع الواقع بشكل منسجم .
البرهنة : يقدم أنصار هذا النقيض جملة من البراهين في تأكيدهم على الشعور بالأنا على انه شخصي ولا مجال لتدخل الغير الذي يعتبره أنصار النقيض بأنه عقبة لا بد من تجاوزها ؛
ومن هذا المنطلق يؤكد الفيلسوف الفرنسي مان دوبيران على أن الشعور بالواقع ذاتي وكتب يقول : " قبل أي شعور بالشيء فلابد من أن الذات وجود " ومن مقولة الفيلسوف يتبين أن الوعي والشك والتأمل عوامل أساسية في التعامل مع الذات ووعيها ولقد كان سارتر اصدق تعبيرا عندما قال " الشعور هو دائما شعور بشيء
ولا يمكنه إلا أن يكون واعيا لذاته " ومن هنا يتقدم الشعور كأساس للتعرف على الذات كقلعة داخلية حيث يعيش الأنا داخل عالم شبيه بخشبة المسرح وتعي الذات ذاتها
عن طري ما يعرف بالاستبطان فالشعور مؤسس للانات والذات الواعية بدورها تعرف أنها موجودة عن طريق الحدس ويسمح لها ذلك بتمثيل ذاتها عقليا ويكون الحذر من وقوف الآخرين وراء الأخطاء التي نقع فيها ولقد تساءل" أفلاطون"
قديما حول هذه الحقيقة في أسطورة الكهف المعروفة أن ما يقدمه لنا وعينا ماهو إلا ظلال وخلفها نختبئ حقيقتنا كموجودات " كما يحذر سبينوزا من الوهم الذي يغالط الشعور الذي لابد أن يكون واضحا خاصة على مستوى سلطان الرغبات والشهوات ومن هنا فقد الجحيم هم الآخرون على حد تعبير أنصار النقيض فيريد الأنا فرض وجوده وإثباته
ويدعو فرويد إلى التحرر الشخصي من اكراهات المجتمع للتعرف على قدرة الأنا في إتباع رغباته رغم أنها لا شعورية وهكذا فألانا لا يكون أنا إلا إذا كان حاضرا إزاء ذاته أي ذات عارفة .
نقد نقيض الأطروحة ان هذا النقيض ينطلق من تصور يؤكد دور الأنا في تأسيس ذاته ولكن من زاوية أخرى نلاحظه قاصرا في إدراكها والتعرف عليها فليس في مقدور الأنا التحكم في ذاته وتسييرها في جميع الاحوال ففي ذلك قصور .
التركيب
من خلال لعرض الأطروحتين يتبين أن الأنا تكوين من الأخر كما انه شخصي هذا التأليف يؤكد عليه الفيلسوف الفرنسي غابريال مارسيل عن طريق التواصل أي رسم دائرة الانفراد دون العزلة عن الغير أي تشكيل للانا جماعي وفردي أي تنظيم ثنائي يكون ذات شاعرة ومفكرة في نفس الوقت .
خاتمة وحل المشكلة
يمكن القول في الختام أن الشعور بالأنا يكون جماعيا عبر الأخر كما انه يرتبط بالأنا انفراديا ومهما يكن فالتواصل الحقيقي بين الأنا والأخر يكون عن طريق الإعجاب بالذات والعمل على تقويتها بإنتاج مشترك مع الغير الذي يمنحها التحفيز والتواصل الأصيل وتجاوز المآسي والكوارث . داخل مجال من الاحترام والتقدير والمحبة
.................................................. .................................................. .............. غيدي
مقالة حول حدود التجريب في البيولوجيا
الأسئلة: - - هل تطبيق المنهج التجريبي في علوم المادة الحية مثل تطبيقه في علوم المادة الجامدة؟- هل التجريب ممكن في البيولوجيا؟- هل يمكن دراسة ظواهر المادة الحية وفق خطوات المنهج التجريبي؟- هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليه بالنجاح أم الفشل؟-
المقدمة:
تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تحرّك العلماء أسئلة وإشكالات محيّرة تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات واستنتاجات مختلفة فإذا علمنا أن المنهج التجريبي أساسه التجريب وأن البيولوجيا تدرس المادة الحية فالمشكلة المطروحة:هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليها بالنجاح أم بالفشل؟
/الرأي الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية تختلف عن خصائص المادة الجامدة, فالمادة الحية أساسها التكاثر والتغير وعلى حد تعبير الطبيب الفرنسي"بيشا"{الحياة هي جملة الخصائص التي تقاوم الموت}وربطوا فشل المنهج في البيولوجية بوجود عوائق موضوعية ترتبط بطبيعة الكائن الحيّ وذاتية (ثقافة المجتمع بكل ظواهرها) ومن هذه العوائق صعوبة الفصل والعزل لأن فصل عضو من الكائن الحيّ يؤدي إلى إتلافه(موته) أو يغير في وظائفه, هذا ما عبّر عنه "كوفيي"{سائر أجزاء الكائن الحيّ مترابطة فهي لا تستطيع الحركة غلا بمقدار ما تتحرك كلها وفصل جزء من الكتلة معناه نقله إلى نظام الذرات الميتة تبديل ماهيته تبديلا تاما} ومن الأمثلة التي توضح هذه الصعوبة أن أفضل عضو من المعدة أو الكلية يؤدي إلى تغير وظائف الكائن الحيّ كما ذهب إلى ذلك "كنغلهايم", وتظهر صعوبة التعميم بعدم وجود تطابق بين الكائنات الحية لقد جمع "أغاسيس" 27000 صدفة من البحر ولم يجدد أي تطابق بينها, هذه الحقيقة عبّر عنها "لايبندز" {لا يوجد شيئان متشابهان}والأمثلة التي تؤكد ظاهر التميز البيولوجي أن الخلايا التي تنقل لفرد آخر لا يتقبلها ذلك الفرد, أو من العوائق الابستمولوجية التي تحد من تطبيق المنهج التجريبي غياب الحتمية والسببية لأن السلوك الإنساني يجري في مجرىالحرية.
نقد: هذه الأطروحة تتجاهل أن العلم الحديث قد وجد حلولا لأكثر هذه العوائق.
الرأي الثاني(نقيض الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية مماثلة لخصائص المادة الجامدة لوجود نفس العناصر الطبيعية(هيدروجين, أوكسجين, آزوت, كربون.....) وأن أفضل طريقة لدراسة المادة الحية هي الطريقة التجريبية أي تفسير الظواهر الحيوية تفسيرا وضعيا من خلال ربطها بشروط فيزيائية وكيميائية عبّر عن هذه الأطروحة أصدق تعبير "كلود برنار" قائلا{المظاهر التي تتجلى لدى الكائنات الحية مثل المظاهر التي تتجلى فيه الأجسام الجامدة تخضع لحتمية ضرورية تربطها بشروط كيميائية خالصة} وأمام التقدم المذهل في التكنولوجيا لم تعد مطروحة صعوبة الفصل والعزل وعلى حدّ تعبير "توماس كسكي" {أمكن فحص الجسم البشري من الخلايا المفردة إلى الحمض النووي} واستنسخ بعض العلماء النعجة [دولي] بل وأمكن القيام بعمليات جراحية دون الحاجة إلى فصل الأعضاء (جراحة القلب المفتوح مثلا), والتعميم ممكن لوجود تشابه في الوظائف حيث أثبتت بحوث علماء الوراثة أن التماثل الوراثي بين الإنسان والقرد من فصيلة الشمبانزي يصل إلى حدود 99, كما أن النشاط الآلي عند الكائنات ومثال ذلك عملية الهضم التي تبدأ بالأسنان وتنتهي في صورة أحماض أمينية وتؤكد فكرة السببية, وملخص الأطروحة في عبارة"كلود برنار" {بفضل التجريب يمكننا فهم ظواهر الأجسام الحية والسيطرة عليها}.
نقد: هذه الأطروحة تتجاهل أنه لابد أن يرتبط التجريب بضوابط أخلاقية وكذا مراعاة خصوصية الكائن الحيّ.
/التركيب: لا شك أن إشكالية حدود التجريب في البيولوجيا ترجع إلى عوائق ابستمولوجية نابعة من صميم موضوعها [العوائق الموضوعية] هذه العوائق تم تجاوزها تدريجيا أولا من خلال مراعاة خصوصيات الكائن الحيّ [التغيّر والتكاثر] قال "كلود برنار" {يجب على البيولوجيا أن تستعير من العلوم الفيزيائية والكيميائية المنهج التجريبي ولكن مع الاحتفاظ بخصوصياتها} وثانيا من خلال فكرة طرح فكرة التجريب في البيولوجيا في ضوء علاقة العلم بالأخلاق والدين, وكما قال "بوانكريه"{لا يمكن أن يكون العلم لا أخلاقيا لأن الذي يحب الحقيقة العلمية لا يمكنه أن يمتنع عن محبة الحقيقة الخلقية}.
-الخاتمة: وفي الأخير يمكن القول أن البيولوجيا هي علم دراسة الكائنات الحية وهي بحث علمي يغلب عليه التنوع إذ يمكن دراسة الظواهر الحيوية من زاوية وظائف الأعضاء وهذا ما يعرف بالفيزيولوجيا أو دراسة حدود التجريب وبناء على ما تأسس نستنتج:التجريب في البيولوجيا ممكن بشرط احترام خصوصيات الكائن الحيّ وكذا المبادئ الأخلاقية. .