السؤال المشكل: دافع عن صحّة الأطروحة التالية :
يقول فريدريك هيجل : ((إنّ اللغة وعاء الفكر))
مقدّمـــــة : يعرّف ابن خلدون الانسان على انّه كائن مدنيّ بطبعه، يعيش في جماعة ويتواصل معها، وتعدّ اللغة الوسيلة الأمثل لتحقيق هذا التواصل، وبالتالي تبادل مختلف الآراء والأفكار والتصورات. ومنها برزت مشكلة فلسفية تهتّم بالعلاقة بين اللغة الفكر، حيث ساد اعتقاد عند بعض الفلاسفة والمفكرين يزعم بأنّ اللغة عاجزة عن استيعاب مختلف موضوعات الفكر مثل : بول فاليري وهنري برغسون، إلا أنّ هذه الفكرة قد قوبلت بالرفض من قبل بعض المفكرين واللغويين يؤكّدون على أن اللغة والفكر منسجمان ولا يمكن الفصل بينهما؛ وهو ما تبنّاه أنصار الاتجاه الأحادي بزعامة فريدريك هيغل الذي صرّح قائلا: اللغة وعاء الفكر، فيا ترى ما هي الحجج والبراهين التي تثبت صحّة هذه الأطروحة؟ وكيف يمكننا الدفاع عنها؟
محاولة حلّ المشكلــــــة: أ-عرض منطق الأطروحة:
يرى أصحاب الاتّجاه الأحادي بزعامة هيجل ودي سوسير أنّه لا يمكن الفصل بأي حال من الأحوال بين اللغة والفكر، فاعتمدوا في تبرير موقفهم على جملة من المسلمات، منها أن اللغة تخلق تمايزا بين ذلك الزخم الهائل من الأفكار والمعاني التي توجد في العقل، فلولا اندراج تلك الأفكار في قوالب لغوية مناسبة لما تمكّنا من انتقاء ما يناسبنا من أفكار وتصنيفها وترتيبها، ضف إلى ذلك أنّ اللغة تعمل على اخراج الفكر من حيّز الكتمان والغموض إلى مجال الوضوح والصيغة الاجتماعية المتداولة، ومن مسلّماتهم التي يرتكزون عليها في تبرير موقفهم أنّه لا توجد أسبقية زمنية بين اللغة والفكر، ففي الوقت الذي نتكلّم فيه فإنّنا نفكر فيما نتكلم. وممّا يؤكد على ضرورة العلاقة بين اللفظ وما يقابله من أفكار أنّ الأطفال يتعلّمون التفكير في الوقت الذي يتعلّمون فيه اللغة، وعليه فجودة اللّغة عند أنصار هذا الموقف تعبّر عن جودة الفكر وأي خلل في اللغة يصاحبه اضطراب في التفكير,
الحجج والبراهين : ولقد استدل فلاسفة هذا الاتجاه بمجموعة من الحجج والبراهين منها: أنّه لو سلّمنا جدلا كما يعتقد البعض أن الأفكار هي مجرّد أحوال معنوية مستّقلة عن الألفاظ ، لكانت أحوالا غامضة ومبهمة، ولن نتمكّن من معرفتها والتمييز بينها؛ لذلك يقول أرسطو في هذا الصدد: ((ليس ثمّة تفكير دون رموز لغوية)) وهو ما تبنّاه أيضا الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل بقوله: (( إن الرغبة في التفكير من دون كلمات محاولة عديمة المعنى )).
ويستدلون أيضا على رأيهم بأن اللغة تصبغ الفكر بطابع انفعالي ليصبح خبرة إنسانية قابلة للتحليل والفهم والانتقال بين الناس، وهو ما أشار إليه ميرلوبونتي بقوله: (( إن الفكر لا يوجد خارج اللغة وبمعزل عن الكلمات )).
ومن الحجج التي يمكننا الاستئناس بها في هذا الموقف ما ذهب إليه دي سوسير عندما أبطل الفكرة القائلة بأسبقية اللغة عن الفكر، حيث شبّه الصلة الموجودة بين اللغة والفكر بورقة العملة النقدية ذات الوجهين؛ إذ لا يمكن تمزيق الوجه الأول دون تمزيق الوجه الثاني، وعليه فإنّنا على حدّ تعبير أحمد معتوق ((عندما نفكّر فإنّنا نتكلّم بصوت خافت، وعندما نتكلّم فإنّنا نفكّر بصوت عالِ))، وبالتالي لا يمكن تصور وجود فكر بدون لغة.
ب- عرض منطق الخصوم : للأطروحة خصوم يزعمون بأن اللغة منفصلة عن الفكر، وهذا الأخير أسبق من اللغة، وأوسع منها. ومن هؤلاء الخصوم نجد هنري برغسون الذي يرى أن ((اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر ))؛ فالألفاظ عند هؤلاء المعترضين ثابتة ومحدودة ومنفصلة عن بعضها البعض وهو ما يؤدي إلى تشويه الفكر وتجميده، خاصة ونحن نعلم أن الأفكار متّصلة ودائمة. وفي سياق آخر يقول برغسون ((نحن نفشل في التعبير بصفة كاملة عما نشعر به، لذلك يبقى الفكر أوسع من اللغة ))؛ فالذي شاع عندهم هو أنّ مشاعر الانسان تنبض بالحيوية، إذ لا نجد في اللغة ما يمكننا من نقل وترجمة هذه المشاعر؛ لذلك يقول بول فاليري: (( إن أجمل الأفكار هي تلك التي لا نستطيع التعبير عنها ))
النقــــــــــــد: لكن هذا الطرح لم يلق ترحيبا كليا من طرف فلاسفة آخرين، فعجز الإنسان على التعبير عن أفكاره ليس عجزا لغويا فحسب، بل هو عجز في التفكير أحيانا، وحتى ولو سلّمنا بوجود الأفكار خارج الكلمات فإنها ستكون أفكارا غامضة لا ندركها؛ لأن ما ندركه جيّدا نعبّر عنه جيّدا. وكردّ على حجّتهم القائلة بأسبقية الفكر عن اللغة، فإن الواقع يثبت أن الكثير من الأطفال يمتلكون رصيدا لغويا هائلا، ولكنّهم لا يعرفون معناه، مثل الأطفال الذين يحفظون القرآن الكريم ولا يعون ما معنى ما يحفظون.
الإستنتـــــــــــاج : ما يمكننا استنتاجه في الختام هو أننا إذا ما رجعنا إلى الرمز وتمعّنا فيه نجد أن قيمته متضمّنة فيما يحمله من وعي، الذي يعطيه معناه فاللغة إذا هي جسم الرمز والمعنى أو الفكرة هما روحه، فلا يمكن الفصل بين الجسم وروحه؛ أي بين اللغة والفكر. يقول وليام بارت هاملتون: (( إنّ المعاني شبيهة بشرار النار لا تومض إلا لتغيب، فلا يمكن إظهارها وتثبيتها إلا بألفاظ)). وبناء على ذلك يمكننا القول بأن الأطروحة القائلة: ((إن اللغة وعاء الفكر )) هي أطروحة صحيحة والدفاع عنها مشروع
إعداد تلامذة قسم 3أف02
ثانوية الشهيد حمو عثمان - خير الدين
ولاية مستغانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم
إشراف : الأستاذ عبد القادر محي الدين