اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الشبهة الثانية :
(( ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين ))
يقول بعض الناس :
لا يجيب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أمرنا الله تعالى بالاهتمام بأنفسنا وبّين أنه لا يضرنا ضلال الآخرين
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )).
تبين حقيقة الشبهة :
سنحاول بعون الله تعالى كشف النقاب عن حقيقة هذه الشبهة من جانبين :
من الآية نفسها .
بالنصوص الأخرى الواردة في الكتاب والسنة .
أولاً : كشف النقاب عن حقيقة الشبهة من الآية نفسها :
لو تدبر أصحاب هذه الشبهة في الآية نفسها لما نطقوا بها . اشترط الله تعالى لعدم إصابة الضرر بسبب ضلال الآخرين أن يكون الشخص مهتدياً حيث
قال تعالى : (( لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم ))
. ولا يصير الشخص مهتدياً إلاّ إذا أدى ما أوجبه الله عليه .
وممّا أوجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر . فالذي لا يقوم بهذا لا يكون مهتدياً لأن فوات الشرط يستلزم فوات المشروط . وقد بيّن هذا بعض الصحابة والتابعين وكثير من المفسرين والعلماء القدامى والمتأخرين .
فعلى سبيل المثال فقد نقل الإمام ابن جرير الطبري عن حذيفة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أنه قال: (( إذا أمرتم ونهيتم )).
كما نقل الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب في تفسير الآية أنه قال : (( إذا أمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت )).
ويقول الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره الآية : (( ومن الاهتداء اتباع أمر الله في أنفسنا وفي غيرنا ، فلا دلالة فيها إذا على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )).
ويقول الإمام النووي :
وأما قول الله عز وجل : (( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )) فمعناه : أنكم إذا فعلتم ما كُلِّفتم به فلا يضركم تقصير غيركم . ,إذا كان كذلك
فمِمّا كُلِّف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه ، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول . والله أعلم .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد
: (( والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب ، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال )).
إضافة إلى ذلك بيّن بعض العلماء أن قوله تعالى : (( عليكم أنفسكم )) في بداية الآية نفسها يدل على وجوب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أمر الله تعالى المؤمنين بأن يهتموا بأنفسهم
ومن الاهتمام بالأنفس القيام بأداء الواجبات ، ومن الواجبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وفي هذا يقول عبدالله بن المبارك : (( هذه الآية آكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن معنى ((عليكم أنفسكم
)) احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضاً ويرغّبه في الخيرات وينزه عن القبائح والسيئات )).
ثانياً : تفنيد الشبهة بالنصوص الأخرى :
وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تبيّن أنه مما يجب على الصالحين تجاه أعمال الآخرين السيئة تذكيرهم ومنعهم عنها . وإن لم يفعلوا هذا يوشك أن ينزل عليهم غضب الله فيدعونه فلا يستجيب لهم .
ومن تلك النصوص قوله تعالى: (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا
فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍٍٍ غيره . وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين .
وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون )).
بيّن الله تعالى أنه لا يجب على المتقين بسبب خوض من يخوض في آيات الله إلاّ شيء واحد
وهو : تذكيرهم . يقول القاضي البيضاوي : (( وما يلزم المتقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم الذين يجالسونهم شيء مما يُحاسَبون عليه
ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم من الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها )).
وإذا كان تذكير هؤلاء الأشرار يجب على المتقين فكيف يتصور مهتدياً عند تركه هذا الواجب .
ولذا يقول الشيخ ثناء الله الأمر تسري : (( ومن جملة اهتدائكم تذكيرهم لقوله تعالى : (( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون )).
ومن تلك النصوص أيضاً قوله تعالى : (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )).
يقول الحافظ الكلبي الغرناطي في تفسير الآية :
(( أي لا تصيب الظالمين ، بل تصيب معهم من لم يغير المنكر ، ولم ينه عن الظلم ، وإن كان لم يظلم )).
وسبيل الاتقاء من العذاب هو الإنكار على ظلم الظالمين كما قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية : (( أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعقاب)).
هذا وقد بين أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطأ المستدلين بهذه الآية على سقوط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما كان قد سمع من أُنزل عليه ( هذه الآية فقد روى الإمام أبو داود عن قيس قال :
قال أبو بكر رضي الله عنه : بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا أيها الناس ! إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها ( عليك أنفسكم لايضر من ضل إذا اهتديتم )) وإنا سمعنا النبي يقول
: (( إ، الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب )).
ولا يقف الأمر عند نزول العذاب بسبب ترك الناس الآخرين فيما هم فيه من المنكرات والمعاصي بل إن الله تعالى لا يستجيب
عاءهم إذا دعوه لكشف العذاب عنهم فقد روى الإمام الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي قال :
(( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده فتدعونه فلا يستجيب لكم )).
كل هذا يؤكد أن قول قائل : (( علينا أن نهتم بأنفسنا لأنه لا يضرنا ضلال الآخرين )) يخالف نصوص الكتاب والسنة .