دور رجال الطريقة التيجانية في مقاومة الاحتلال - الشيخ عز الدين القسام أحد رجال التيجانية المجاهدين -
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كل حال، حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، لا إله إلا هو مالك الملك وهو على كل شيء قدير، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، وصلاة وسلاما على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها،الطاهر المطهر الشفيع المشفع، سيدنا محمد أفضل العرب والعجم ورسول الله إلى أفضل الأمم الفاتح الخاتم صلى الله عليه وسلم كثيرا، أما بعد :
كان المؤرخون المسلمون منصفين، فقد كتبوا عن خصومهم فأشادوا بما فيهم من فضل، وعمل المستعمرون من الأوروبيين على إخفاء كل فضيلة في الأمم الإسلامية وعلى إلصاق التهم الكاذبة بهم، والدس والوقيعة بينهم .
فإذا أراد الباحث استقصاء مآثر الدول الإسلامية التي قامت في إفريقيا الغربية وجاهدت المستعمرين ونشرت راية الإسلام لا يجد من المراجع ما يكفي لأن المستعمرين أبادوا ما كتبه الأولون، وعملوا على تعليم النشء أمجاد أوروبا، ونسبوا إلى أنفسهم كل فضيلة، فصار غالب المسلمين الذين ابتلوا بهم يعلمون الكثير عن أوروبا وتاريخها، ويجهلون تاريخ العرب والمسلمين، اللهم إلا الشيءالقليل .
وكان المستعمرون المحتلون لبلاد المسلمين يعملون على طمس اللغة العربية لغة القرآن الكريم وإقامة المدارس الفرنسية ومنع إقامة المدارس العربية والإسلامية، فكانوا ينشئون كنيسة ومدرسة ومستشفى وهذا التجمع لا يدخله إلا المسيحيون برعاية المحتل الغاصب للبلاد، ولا يستفيد منه المسلمون، وبعد التخرج يعينون الدارسين للغة الفرنسية في المصالح التي يتحكمون فيها، وبذا يضيقون على المسلمين، فماذا فعل شيوخ الطريقة التجانية إزاء هذا الوضع المؤلم الذي يؤدي ببساطة شديدة للجهل والفقر والمرض ؟
لقد أقام شيوخ الطريقة مدارس في بيوتهم لتحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية والنحو وغيرها، واستخدموا الطب النبوي في علاج المرضى، وعلموا أبناءهم الزراعة ورعاية الماشية والأغنام، وبذلك تغلبوا على القهر الاستعماري البغيض وهنا في هذا البحث سوف نتعرض لعدد من المجاهدين من أقطاب الطريقة التجانية بما يتناسب مع الوقت المخصص للبحث، حيث إننا لو تتبعنا جهود شيوخ الطريقة التجانية وجهادهم ضد الاحتلال الأجنبي لما كفى مجلدات ضخمة، ونعتذر لكل من لم يذكر من هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم فداء لأوطانهم وأهليهم ودينهم، ومازال هناك جنود مجهولون يناضلون لدحض الأشكال الجديدة للاحتلال المتمثلة في التحكم في الاقتصاد، ومنع تقدم الدول الإسلامية، واحتكار التكنولوجيا المتقدمة والسلاح والبنوك والإعلام، إلى آخر ما يحتاجه الإنسان المسلم .
المجاهدون هم:
1. سيدي أحمد عمار التجاني وأخوه سيدي البشير من أحفاد الشيخ الأكبر سيدي أحمد التجاني مؤسس الطريقة التجانية والمدفون بالمغرب في مدينة فاس:
اعتقل سيدي أحمد عمار في 10 فبراير 1869م وأخوه سيدي محمد البشير ونفوهما إلى بوردو بفرنسا، وظلا طوال الحرب السبعينية بين فرنسا وألمانيا معتقلين بفرنسا.
2. سيدي ابن عمر التجاني :
ذكر مولانا الشيخ محمد الحافظ التجاني في كتابه (الانتصاف) طبعة الزاوية التجانية بتماسين ص39، ما أذاعته محطة صوت العرب بمصر يوم الاثنين الموافق 18مارس 1957م أن الاستعمار الفرنسي اعتقل سيدي ابن عمر التجاني زعيم التجانيين، والسيد باش آغا حميده والسيد مولود بالأغواط، حيث وجدوا عندهم أسلحة وصلة وثيقة بالثوار الجزائريين .
3. شيخ الإسلام الحاج عبد الله نياس وخليفته الشيخ إبراهيم نياس الكولخي :
يقول الأستاذ إبراهيم تيام تلميذ الشيخ في مؤلفه (25 سنة على رحيل الشيخ) في ذكر مواقفه الشجاعة في مواجهته العدوان الاستعماري على إفريقيا :
كان الشيخ معروفا بمواقفه الشجاعة لدحض محاولات الجمعيات التبشيرية التي كانت تساندها السلطات الاستعمارية لاستقطاب المسلمين المحتاجين، فيبين لهم أن الرزق على الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من يتعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله .
ويؤكد الشيخ أن السنغال لم ولن تكون أبدا لقمة سائغة في أفواه الاحتلال الأجنبي .
ويعود الشيخ إبراهيم بذاكرته إلى سنة 1340هـ تاريخ وفاة والده المجاهد الكبير شيخ الإسلام الحاج عبد الله نياس الذي نشر الإسلام في طول السنغال وعرضها، وعمل هو وتلاميذه على نشر أنوار الكتاب والسنة والتحذير من فتنة الاستعمار الفرنسي، حيث خاض معارك طاحنة من الجهاد المسلح ضد المستعمرين والوثنيين الغزاة في ملاحم مشهورة بالسنغال .
ثم يستطرد قائلا: وهكذا وجدت نفسي أمام المسئولية في استمرار مسيرة والدي ولولا فضل الله ما استطاع أحد أن يتغلب على الأساليب الشيطانية للحكم الاستعماري المظلم في تلك الفترة .
4. الرائد الأول للجهاد في الشام وفلسطين البطل الشيخ عز الدين القسام خليفة الطريقة التجانية بحيفا :
ولد محمد عز الدين القسام في بلدة جبلة عام 1300 هــ الموافق 1883 م ودرس بالأزهر الشريف وأكمل دراسته في تركيا ثم عاد معلما ومدرسا وخطيبا، إذ ألقى موعظة لفتت أنظار الحاضرين إليه، وتساءلوا فيما بينهم من هذا الذي أسر القلوب ببيانه , فكانت دعوة القسام لإحياء الإسلام بصورته الشاملة التي تهتم بقضايا المجتمع، وقد كان للشيخ عز الدين القسام علاقات مع علماء الطريقة التجانية منهم الشيخ سيدي محمد عبد المالك بن العلمي الذي عرفه بدار سيدي أحمد التجاني، فأصبح الشيخ عز الدين القسام عالم من علماء الطريقة التجانية المتمسكين بالكتاب والسنة والحرص على العمل الصالح والتخلق بمكارم الأخلاق .
جهاده :
وقد أجاد الطالب جمال غريسي والأستاذ علي غريسي من الزاوية التجانية بالوادي بالجزائر وقدما بحثا قيما حول شخصية الرائد الأول للجهاد في فلسطين الشيخ عز الدين القسام خليفة التجانية بحيفا، فلا نكون كالمثل القائل: يبيع الماء في حارة السقايين، ونكتفي بما قيل في هذا البحث في جهاده للمحتل الفرنسي والبريطاني وقطعان الصهاينة.
5. فضيلة الشيخ علي الدقر :
ولد في دمشق عام 1294 هـ الموافق 1877 م من أسرة صالحة وكان رضي الله عنه علم الأعلام أسس الجمعية الغراء لتعليم أولاد الفقراء، وكان له الدور الرئيسي لقيام الثورة السورية ضد الاحتلال
6. فضيلة الشيخ عمر بن سعيد الفوتي :
ولد الشيخ عمر سنة 1212 هـ بالسنغال , وحفظ القرآن الكريم عن والده سعيد بن عثمان ولم يتجاوز عمره اثنا عشره سنة، واجتهد في تحصيل العلوم الشرعية وتبحر فيها قبل الثلاثين من عمره المديد، وكان يدعو المسلمين للعمل بكتاب الله العزيز وشرحه لهم وقراءة السنة المشرفة فأقبل على صحبته خلق كثير، فخاف أعداء الإسلام من المستعمرين الفرنسيين وملوك الكفار من ظهور عصبية إسلامية تهدد تخومهم، وتساءلوا فيما بينهم: هل يتم تمدين السودان الغربي على يد فرنسا وضباطها المسيحيين أم على يد التجانية رسل الإسلام والسلام ؟
ولذلك عملوا على إطفاء هذا النور في بدايته، خاصة وقد رأوا الكثير من أتباعهم يعتنقون الإسلام ويلتحقون بالشيخ عمر بن سعيد الفوتي، فاضطر للدفاع عن الإسلام ومعتنقيه بمحاربة الاستعمار الفرنسي، وبنى إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف، حتى إن المؤرخين الإفرنج تباهوا مشيرين إلى أن إفريقيا كادت تكون كلها إسلامية لولا قضاء فرنسا على السلطة التجانية بغرب إفريقيا، بقيادة عمر بن سعيد الفوتي و أنجاله وأتباع الطريقة التجانية بقيادة شيوخها .
ومن أقوال الشيخ عمر بن سعيد الفوتي في مجاهدته للاحتلال الفرنسي :
حاربناهم فهزمناهم مرارا، ثم جاءونا بأسلحة لا قبل لنا بها، يصيبوننا ولا نصيبهم، فعلمنا أن الأمر حتم، ولجأوا إلى خندق، فوشى بعض الخونة على مكانهم، فأطلق المستعمرون عليهم الدخان والغازات السامة، فخرج بعض أبنائه فقاتلوا حتى قتلوا .
7. فضيلة الشيخ محمد الحافظ التجاني :
ولد الشيخ رضي الله عنه عام خمسة عشر وثلاثمائة وألف من هجرة الرسول r بمحافظة المنوفية من أعمال الديار المصرية.
وتعلق قلبه بالعلم والعلماء منذ طفولته، ثم درس القرآن والفقه والحديث والتفسير وغيرها على كبار علماء عصره، وقد وهبه الله ذاكرة عجيبة وحافظة واعية، فكان لا يقرأ شيئا إلا حفظه ووعاه، حتى أن أحد علماء الشام قابله في منى في الحج ولما سأله الشيخ عن علماء الشام بأسمائهم قال للحاضرين مع الشيخ:يا قوم إن شيخكم لموسوعة في حفظ الأسماء .
دور الشيخ محمد الحافظ في مقاومة الاحتلال الإنجليزي في مصر :
أخبرني الحاج فريد مرسي التجاني مقدم الطريقة وأحد الذين أدخلهم الشيخ الخلوة قال : كان شيخنا الحافظ عضوا في جمعية اليد السوداء لمجاهدة الإنجليز، وكان للجماعة موقع سري وعند اجتماعهم يجدون الشيخ يدخل عليهم مسرعا ويطلب منهم مغادرة المكان فورا، وما أن يغادروا إذ بالضباط الإنجليز والجنود يدخلون المكان ويدمرونه .
كما أخبرني أنه رضي الله عنه عمل ساعيا بالسفارة الإنجليزية، فكان يصور الوثائق الخطيرة والمستندات الهامة ويرسلها إلى قادة الثورة والدفاع المدني .
هذا وقد أخبرني الشيخ بنفسه أنه كان يركب الحصان من الشمس إلى الشمس في الدعوة إلى مقاومة الاحتلال، وفي أواخر عام 1918 م قاد ثورة شعبية ضد الاحتلال البريطاني لمصر من البر الغربي للنيل، وكانت ثورة أخرى بالبر الشرقي، ولولا أن الإنجليز فتحوا كبري أسيوط لنجحت الثورة، ولكنها أجهضت لانقسام الثوار قسم بالشرق وآخر بالغرب، حيث أطلق عليهم جنود الاحتلال النار فاستشهد عدد كبير من الثوار .
ولقد عثرت في أوراق والدي على خطاب من قريبه بأسيوط واسمه أحمد أبو بكر أرسله لعمي عبد العزيز عبد اللطيف في أسيوط في 18 سبتمبر 1918 م، يقول فيه:حضرة المحترم ولدنا عبد العزيز أفندي عبد اللطيف، بعد السلام والسؤال عن صحتكم، لعلكم بخير وسلامة، أعرفكم الأسبوع الماضي قبض على أخيكم عبد الحافظ في نقطة شارع الخزان الساعة 11 مساء، وجاءوا به صحبة مكنوتن مفتش الداخلية وواحد ريس وواحد عسكري، ودخلوا معه منزلنا وأجروا تفتيش الأودة الساكن فيها وتفتيش هدومه، ولما لم يجدوا عليه اثبات تركوه بعد أخذ ورد وإهانة وقت دخول المفتش المنزل وإجراء التفتيش أمر لا يمكن التعبير عنه.
بالاختصار أرجو التنبيه على أخيكم بأن يأخذ هدومه من منزلنا ويسكن محل ما يرغب بعيدا عنا، أو أولى أن يقدم استعفا ويترك أسيوط لأنه الآن أصبح مهدد وتقريبا مراقب من رجال الحكومة .... إلخ، (مرفق صورة أصل الخطاب).
وأخبرني الأستاذ محمود الحبيب سعيد عبد الحافظ، وهو على قيد الحياة الآن، ووالده وجده من كبار علماء التجانيين، أنه سأل سيدنا الشيخ محمد الحافظ التجاني عن موقف التجانيين من الجهاد، فأجاب رضي الله عنه: إن شقت عظام التجانيين تجد الجهاد محفورا فيها وممتزجا بدمائهم .
كما روى لنا واقعة القبض على مولانا الحافظ الذي قال: إن الانجليز أمروا باعتقاله، فحبس في حجرة بمفرده، فوجد عنده بالحجرة وهي مغلقة عليه من يسأله: أنت هنا ليه ؟ فأجابه بأنه مسجون، فقال له : قل مع ثني الأصبع : (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنا يبصرون) عشر مرات مع الأصابع العشرة ثم افتح يديك إلى الأمام واخرج، قال فضيلة مولانا محمد الحافظ: ففعلت مثلما قال، وخرجت من باب الحجرة ثم من باب السجن نهارا ظهرا والحراس واقفون كما هم، أما القائل لي فقد اختفى من الحجرة بعد أن قال ما قال .
وختاما أتوجه بخالص الشكر والتقدير لفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، ووزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، ومعالي الوزير، وسيادة الدكتور محمد العيد التماسيني شيخ الطرقة التيجانية وخليفة سيدي الحاج علي التماسيني وسائر القائمين على تنظيم هذا الملتقى سائلا المولى عز وجل أن يجعل ثواب ذلك في ميزان حسناتهم، والحمد لله أولا وأخرا.
الأربعاء 21 جمادى الثاني 1429 هـ/ 25 يونيه 2008 م.