دافع عن الأطروحة التالية {إنّ أزمة اليقين في الرياضيات وتعدد أنساقها لا يفقدها قيمتها}
أ_تحليل المصطلحات:
1_دافع:أثبت برهن تأكيد ومنه الوضع
2_أزمة اليقين:الشك في قيمة الرياضيات
3_تعدد الأنساق:نسق ريمان ولوباتشفسكي
4_قيمتها:هي الأهمية والمطلقية
ب_التحليل المنطقي:
يتناول السؤال قضية اليقين الرياضي .
الرياضيات يقينية رغم تعدد الأنساق
طرح المشكلة:
تعتبر الرياضيات مجموعة من المفاهيم العقلية المجردة و هي تدرس المقادير الكمية القابلة للقياس .و قد كانت الفكرة الشائعة أن الرياضيات الكلاسيكية الاقليدية تقوم على مبادئ بديهية وواضحة ،تعتبر أن المكان مستوي لكن ظهرت أنساق جديدة تعتبر أن المكان كرويا هذا ما أدى إلى تسرب الشك لدى الفلاسفة والمفكرين في يقين الرياضيات فالتعدد حسبهم أفقدها يقينها. لكن هناك فكرة أخرى تناقضها وهي أن تعدد الأنساق في الهندسة لا يفقد الرياضيات قيمتها لأنها مبنية على الانسجام و التسلسل المنطقي بين المنطلقات و النتائج؛ ﺇذ يمكن للرياضي أن يفترض مقدمات و يستنتج منها قضايا لازمة عنها بالضرورة. فان اعتبرنا الرأي الثاني صحيحا و له ما يؤسسه فكيف يمكن إثبات صحة هذه الأطروحة وما هي الحجج والبراهين التي يمكن الاعتماد عليها؟
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الأطروحة:
ترى هذه الأطروحة أنه رغم التعدد في الهندسات فإن الرياضيات تبقى ذات قيمة معتبرة .
لأن التعدد في المنطق يستلزم التعدد في النتيجة وهذا ما يظهر جليا في الهندسات اللاإقليدية لأنها لا تتعارض مع مبادئها.فالنتائج التي وصلت إليها حقيقية ولا تلغي ما سبقها.أي أن هندسة إقليدس حقيقية وما زالت يقينية إلى يومنا، و أهم هؤلاء العالم الروسي لوباتشوفسكيLobatchevski ( 1793- 1856)، والألماني ريمـــــــانReyman(1826 – 1866 ) و قد انطلقوا من المسلمات التالية: يقين الرياضيات يستمد من الارتباط المنطقي وعلاقة اللزوم بين النتائج و المقدمات.
الحجج والبراهين:
و قد برروا موقفهم بالحجج التالية :
فبما أن الواقع يؤكد أن المكان كروي (بحسب الكرة الأرضية) هذا ما دفع بالبعض إلى التراجع عن مبادئ الرياضيات الكلاسيكية وظهرت ما يسمى بالرياضيات المعاصرة ﺇذ يرى يرى الرياضيون المعاصرون أنه ليس من الضروري أن يقوم البرهان الرياضي على المكان الحسي ، وإنما على تصور عقلي مجرد بحيث يمكن للرياضي أن يفترض مقدمات ويستنتج منها قضايا لازمة عنها بالضرورة ، يسميها هنري بوانكاري Poincaré بالمواضعات بشرط أن يخلو الاستدلال من التناقض ، فالصدق يقوم على الصلاحية المنطقية ، لا على الواقع و كل ذلك يندرج فيما يسمى بالنسق الأكسيومي Axiomatique و الأكسيوماتيك هو مبحث الأوليات وهي جمع أولية و تعني المحور أو الأساس أو اللبنة الأولى أو الفرضية التي ينطلق منها الرياضي لبناء نسق رياضي ما وكمثال عن هذه الأنساق فقد انطلق لوباتشفسكي من مسلمة مخالفة لمسلمة إقليدس وهي اعتبار المكان مقعرا أي الكرة من الداخل درجة انحنائه اقل من 0 ووصل إلى النتائج التالية:
_من نقطة خارج المستقيم يمر أكثر من موازي
_مجموع زوايا المثلث أقل من 180درجة
_المستقيم عبارة عن مجموعة من النقط المنتهية
وانطلق ريمان من مسلمة أنّ المكان محدب أي الكرة من الخارج و درجة انحنائه أكبرمن0 ووصل إلى النتائج التالية:
_من نقطة خارج المستقيم يمر أكثر من موازي
_مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة
_المستقيم مجموعة من النقط المنتهية.
عرض منطق الخصوم:
لهذه الأطروحة خصوم الذين يرون أن التعدد في الهندسة يعني الاختلاف وبالتالي فقدان المطلقية وقيمتها وﺇن لم تتمكن من المحافظة على هذا اليقين معنى ذلك أن الرياضيات الحديثة بأنساقها الجديدة ومنهجها الإكسيوماتيكي قد حطم اليقين الرياضي لهذا قال قال برتراند راسل Bertrand Russell (1970-1872):" إن الرياضي الحديث يشبه خياط الملابس يخيط بدلات و لا يعرف أصحابها" ويعني ذلك أنه يؤلف أنساقا صحيحة منطقيا لكن لا يهمه هل يوجد لها تطبيق على مستوى الواقع فهذه مهمة الرياضيات التطبيقية ".و قال أيضا :"إنّ الرياضي المعاصر لا يعرف عما يتحدث و لا إذا كان ما يتحدث عنه صحيحا".
نقدهم :لكن هذا الطرح تعرض للعديد من الانتقادات أهمها :أن الهندسة الكلاسيكية التي كانت حتى القرن 19 مأخوذة كحقيقة رياضية مطلقة و بديهية؛ واضحة أصبحت تظهر كحالة خاصة من حالات الهندسة، فما هو واضح كما يرى الفيلسوف الفرنسي و عالم الرياضيات روبير بلانشي R.Blanchet لا يعني أنه صحيح فيمكن للكل أن يساوي جزئه . لو أخذنا مجموعة الأعداد الطبيعية 1.2.3.4.5.6.7.8.9……+∞ ونأخذ جزء منها الأعداد الزوجية 2.4.6.8.......+∞ نلاحظ أن المجموعتين متساويتين في (∞) ولا تكون الأولى أكبر ﺇلا إذا حددنا المجموعتين، فبديهية ﺇقليدس القائلة أنّ الكل أكبر من الجزء تعتبر بديهية خاطئة و ليست صحيحة ﺇذ ثبت أنها صحيحة فقط في المجموعات المنتهية. فالتعدد لم يلغي كل الهندسات بل إنها ما زالت قائمة إلى يومنا هذا، فالرياضيات المعاصرة تقوم على حرية اختيار الرياضي للمسلمات التي ينطلق منها بحيث تكون أنساقها كلها صحيحة متى تطابقت المقدمات مع النتائج.
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية: ﺇنّ النقد الموجه لخصوم الأطروحة القائلة أنّ تعدد الأنساق في الرياضيات لا يفقدها يقينها يدفعنا للدفاع عنها بحجج شخصية جديدة:
فإضافة إلى ظهور النسق الإكسيوماتيكي القائم على الافتراض والاستنتاج ﺇذ أصبحت الرياضيات المعاصرة لا تميز بين البديهيات والمسلمات و التعريفات ،فهي شيء واحد داخل النسق لأن الذي يهم الرياضي هو سلامة التحليل وخلوه من التناقض و أن تكون النتائج متطابقة مع المقدمات و قد حدد الرياضي الألماني مورتزباخ شروطا ثلاثة أساسية من الناحية المنهجية في كل بناء أكسيومي وهي: أن يصرح الرياضي بالحدود الأولية التي يستعملها في صياغته لنسقه، و أن يعطي لهذه الحدود معاني مضبوطة، وألا يتناقض في استعمالها.ثم يصرح بالقضايا الأولية ( الفرضيات التي يسلم بها ) و التي سيبني عليها نسقه الرياضي و تكون أساس براهينه و استدلالاته اللاحقة . و أخيرا أن تكون العلاقة بين الحدود و الفرضيات الأولية علاقة منطقية صورية محضة و مجردة .و يرى المعاصرون أنه لا يوجد صدق مطلق بما فيه بديهيات إقليدس، و هذا ما جعل هنري بوانكاري (1912-1854)Henri Poincaré يقول : « ليست هناك هندسة أكثر يقينا من هندسة أخرى و ﺇنما أكثر ملائمة لأننا ألفناها » ويقول أيضا : « ﺇن تطور الرياضيات وضعنا أمام حقيقة هامة ألا و هي أن العقل لم يعد يكتفي باستخلاص الحقائق من التجربة؛ و لكن أصبح ينشئ المفاهيم و يعرضها على التجربة لكي تكون مطابقة لها ». كما يقول الباحث العربي المعاصر محمد ثابت الفندي: « ﺇنّ الهندسة الاقليدية ليست ﺇلا واحدة من عدد لا ينتهي من الممكنات الهندسية و الحقيقة الهندسية تعني اتساق و انسجام مجموعة من القضايا غير المتناقضة التي تستنبط من عدد من المسلمات ».
التعديل الذي ادخل على الرياضيات سمح بتطورها وغزوها لجميع العلوم ،كما أصبحت تتميز بالصرامة المنطقية وتعدد العلاقات و الإبداع في طرق البرهنة، يقول هنري برغسون: « العلم الحديث ابن الرياضيات »
حل المشكلة:
الرياضيات يقينية ولا شك في قيمتها وتعدد الأنساق دليل على تطورها وبالتالي الأطروحة صحيحة في سياقها ونسقها وتقبل الدفاع عنها و تبنيها، لأن أساس يقينها هو انسجام المقدمات التي يضعها الرياضي مع النتائج التي يتوصل ﺇليها وهذا داخل النسق الواحد حيث يقول عالم الاجتماع و الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت Auguste Comte (1857-1798): « الرياضيات هي الآلة الضرورية لجميع العلوم ».
دافع عن الأطروحة التالية {إن أزمة اليقين في الرياضيات وتعدد أنساقها لا يفقدها لا يفقدها قيمتها}
أ_تحليل المصطلحات:
1_دافع:أثبت برهن تأكيد ومنه الوضع
2_أزمة اليقين:الشك في قيمة الرياضيات
3_تعدد الأنساق:نسق ريمان ولوباتشفسكي
4_قيمتها:هي الأهميةوالمطلقية
ب_التحليل المنطقي:
يتناول السؤال قضية اليقين الرياضي .
الرياضيات يقينية رغم تعدد الأنساق
نبدأ الآن على بركة الله
طرح المشكلة:
لقد كانت الرياضيات الكلاسيكية تعتبر أن المكان مستوي مع إقليدس فظهرت أنساق جديدة تعتبر أن المكان كروي هذا ما أدى إلى تسرب الشك إلى الرياضيين في يقينها ولقد كان شائع لديهم أن التعدد في الرياضيات أفقدها يقينها لكن هناك فكرة أخرى تناقضها وهي ان تعدد الانساق في الهندسة لا يفقد الرياضيات قيمتهالهذا نتساؤل كيف يمكن إثبات صحة هذه الأطروحة وما هي الحجج والبراهين التي يمكن الإعتماد عليها؟
محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الأطروحة:
ترى هذه الأطروحة أنه رغم التعدد في الهندسات فإن الرياضيات تبقى ذات قيمة معتبرة .
لأن التعدد في المنطق يستلزم التعدد في النتيجة وهذا مايظهر جليا في الهندسات اللاإقليدية لأنها لا تتعارض مع مبادئها.النتائج التي وصلت إليها حقيقية ولا تلغي ما سبقها.أي أن هندسة إقليدس حقيقية وما زالت يقينية إلى يومنا
تدعيم الأطروحة بحجج وبراهين جديدة:
يمكن تدعيم الأطروحة بحجج وبراهين جديدة أهمها :لقد إنطلق إقليدس من مسلمة أن المكان مستوي ووصل إلى النتائج التالية:
_من خارج المستقيم لا يمر إلا موازي واحد
_مجموع زوايا المثلث180درجة
_المستقيم مجموعة من النقاط الغير منتهية
في حين إنطلق لوباتشفسكي من مسلمة مخالفة لمسلمة إقليدس وهي إعتبار المكان مقعر أي الكرة من الداخل ووصل إلى النتائتج التالية:
_من نقطة خارج المستقيم يمر أكثر من موازي
_مجموع زوايا المثلث أقل من 180درجة
_المستقيم عبارة عن مجموعة من النقط المنتهية
وإنطلق ريمان من مسلمة أن المكان محدب أي الكرة من الخارج ووصل إلى النتائج التالية:
_من نقطة خارج المستقيم يمر أكثر من موازي
_مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة
_المستقيم مجموعة من النقط المنتهية
إضافة إلى ظهور النسق الإكسيوماتيكي القائم على الإفتراض والإستنتاج.
نقد خصوم الأطروحة:
لهذه الأطروحة خصوم الذين يرون أن التعدد في الهندسة يعني الإختلاف وبالتالي فقدان المطلقية وقيمتها ولم تتمكن من المحافظة على هذا اليقين معنى ذلك أن الرياضيات الحديثة بأنساقها الجديدة ومنهجها الإكسيوماتيكي قد حطم اليقين الرياضي لهذا قال برتروندراسل "إن الرياضيات هي العلم الذي لا يعرف عما يتحدث وما إذا ما كان يتحدث عنه صحيحا"
لكن هذا الطرح تعرض للعديد من الإنتقادات أهمها :أن التعدد لم يلغي كل الهندسات بل إن هذه الهندسات ما زالت قائمة إلى يومنا هذا بالإضافة إلى المنهج الإكسيوماتيكي هو منهج جعل من الرياضيات تتقدم وتتطور
حل المشكلة:
الرياضيات يقينية ولا شك في قيمتها وتعدد الأنساق دليل على تطورها وبالتالي الاطروحة صحيحة نسبيا في سياقها ونسقها.
هل يمكن إرجاع الرياضيات إلى أصول منطقية ؟؟؟
مقدمة : تعتبر الرياضيات علم الكم المجرد سواء كان هذا الكم منفصلا أو متصلا ، ونقصد بالأول العداد والتي هي موضوع الجبر والحساب ونقصد بالثاني الخطوط والأشكال والتي هي موضوع الهندسة ، وتعتمد الرياضيات في دراستها علم المنهج الاستدلالي بالطريقة الأستنتاجية التي يعتمد عليها القياس المنطقي ، فهل يعني هذا أن الاستدلال الرياضي هو مجرد صورة للاستدلال المنطقي ؟؟
التوسيع :
1 القضية : يرى المنطقيون أن الاستدلال الرياضي يعتمد على الاستدلال المنطقي وذلك من حيث الصورة البنائية ذلك أن الاستدلال الرياضي ينطلق من عملياته البرهانية من المبادئ إلى نتائج ، وهي نفس الصورة البنائية التي يعتمد عليها القياس المنطقي وإذا كنا في القياس المنطقي ننطلق من مقدمتين كبرى وصغرى للوصول إلى نتيجة فإننا في الاستدلال الرياضي ننطلق من مبادئ الرياضيات المتمثلة في ـ التعريفات ـ البد يهيات ـ المسلمات لنصل من خلالها إلى حل المسائل الرياضية أو المعادلات ، إذا لم تكن س هي نفسها س في جميع مراحل البرهنة وفقا لمبدأ الهوية ، كما أن التفكير الرياضي لا يقبل التناقض اعتمادا على مبدأ عدم التناقض وهو يظهر جليا باعتماد الرياضيات على المنطق وهو ما جعل راسل يقول : ( المنطق هو شباب الرياضيات ) ** مناقشة : إن هذه المقاربات لا تعني بالضرورة اعتماد الرياضيات على المنطق لا من حيث السيق التاريخي ولا من حيث الطبيعة الإنتاجية للاستدلال الرياضي واعتماده على اللغة الرمزية بالإضافة إلى الاستعمالات المتعددة في حين أن استعمال المنطق يبقى محصورا في مجالات محددة
. نقيض القضية : تظهر استقلالية الاستدلال الرياضي على القياس المنطقي من خلال الخصوبة التي تتمتع بها الرياضيات من حيث تعدد المبادئ وتطورها وعمق العمليات البرهانية وتعدد نتائجها مقابل العقم الموجود في المنطق بحيث أن نتائجه لا تأتي بجديد ، بل هي مجرد تحصيل لما هو حاصل كما أن الرياضيات تعتمد على لغة رمزية و هي أساس الدقة التي يمنع بها التفكير الرياضي في حين يعتمد المنطق على اللغة الطبيعية والتي تحدث باسمها المغالطات ، بالإضافة إلى مجالات الاستعمال بحيث يقتصر استعمال المنطق في المجالات الكلامية والأفكار المجردة والأقيسة الفكرية والعقائدية بينما تستعمل الرياضي في مجالات واسعة تكون من خلالها المفاتيح التي تعتمد عليها جميع العلوم الطبيعية والرياضية . منا قشة: إن هذا التمايز بين الرياضيات والمنطق لا ينبغي على الرياضيات اعتمادها على المنطق في جميع عملياتها البرهانية . التركيب : إن ظهور المنطق الرياضي الذي يعتمد على لغة رياضية رمزية يبين لنا مدى التكامل بين التفكير الرياضي والتفكير المنطقي خاصة وأنهما يشتركان في الطبيعة التجريدية
خاتمة : ومن هذا تستنتج أن الأصل المنطقي للاستدلال الرياضي يتمثل خاصة في الصورة الأستنتاجية التي يعتمد عليها البرهان الرياضي وهو صورة منطقية فلا يمكن أن نقيم البرهان الرياضي بدون احترام قواعد المنطق ، ولكن لا يعني هذا أن نحصر الرياضيات في حدود وضيفة المنطق .
ما الذي يميز الحقيقة الرياضية عن الحقيقة التجريبية ؟
المقدمة : إن غاية العلوم المختلفة هي الوصول إلى حقائق، تختلف بإختلاف طبيعة الموضوع فتكون مجردة كما هو الحال في الرياضيات، أو تجريبية كما هو الحال بالنسبة لعلوم المادة . فما الذي يميز الرياضيات عن علوم المادة ؟و ما الفرق بين الحقيقة الرياضية والحقيقة التجريبية ؟
التوسيع :.i – أوجه الاختلاف : تهتم الرياضيات بدراسة المفاهيم العقلية المجردة القابلة للقياس أما علوم المادة، فموضوعها الظواهر الطبيعية المختلفة الجامدة منها والحية.
إن اختلاف الموضوع يؤدي إلى اختلاف المنهج بحيث أن منهج الرياضيات منهج عقلي استنتاجي، يقوم على استخراج النتائج من المقدمات اللاّزمة عنها لزومًا ضروريا ومنطقيا.لأن معيار الصدق في الرياضيات هو تطابق الفكر مع ذاته دون مراعاة الواقع.
أما منهج العلوم الطبيعية فهو منهج إستقرائي ينتقل فيه العالم من دراسة العينات إلى إستخلاص القوانين وتعميمها. وهو منهج يعتمد على خطوات أساسية :
من ملاحظة – فرضية – تجربة وقانون. وعليه فإن طريقة الرياضي إستنتاجية ينتقل فيها من العام إلى الخاص، أما طريقة العالم فهي إستقرائية ينتقل فيها من الخاص إلى العام.
إن نتائج الرياضيات يقينية ثابتة لآن موضوعها المفاهيم العقلية المجردة ، التي لا يطرأعليها أي تغيير في حين أن نتائج علوم المادة ، نسبية متغيرة لآن موضوعها هو الواقع النسبي المتغير. وبما أن معيار الصدق فيها تطابق الفكر مع ذاته ومع الواقع كانت نتائجها نسبية متغيرة. لهذا يقول " كلود برنار" : إن مبدأ العالم الرياضي يصير مبدأ مطلقا لآنه لا ينطبق على الواقع الموضوعي كما هو، ولكن على علاقات الأشياء المأخوذة في شروط بسيطة يختارها الرياضي ويخلقها في فكرة بشكل من الأشكال.لكن هذا الإختلاف لا يعني عدم وجود عناصر مشتركة بينهما.
أوجه الشبه : كل من الرياضي وعالم المادة يفترض، ثم يستدل على صحة ما إفترض، وكلاهما ينطلق من فكرة يعرفها العقل.
الخاتمة :
نسبة الترابط : إن الرياضيات تعتبر مثل أعلى لجميع العلوم الواقعية التجريبية . نظرًا لدقتها ويقينها.ولذا تصاغ كل القوانين العلمية في قالب رياضي . وكمي، كما هو الحال بالنسبة للفيزياء، كصياغة "غاليلي" لقانون سقوط الأجسام في لغة رياضية. وكذلك" مندل "عندما صاغ قوانين الوراثة على شكل نسب مئوية....إلخ. ومنه فإن التعارض بين الرياضيات وعلوم المادة تعارض زائف لهذا رفض" غاستون باشلار" الفصل بينهما.
هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم من العقل ؟
لقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ،نزعة
عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل دون
التجربة ،ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية
مهما بلغت من التجريد العقلي فإنها ليست من العقل في شي وليست فطرية ؛بل
يكتسبها الإنسان عن طريق تجاربه الحسية فما حقيقة الأمر ؟فهل المفاهيم
الرياضية في نموها انبثقت من التجربة أم من العقل ؟
يرى أصحاب الاتجاه المثالي أو العقلي أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل
وموجودة فيه قبليا فهي توجد في العقل قبل الحس أي أن العقل لم يفتقر في
البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه وإبداعها وقد
كان على رأس هذه النزعة أفلاطون الذي يرى أن المعطيات الأولية الرياضية
توجد في عالم المثل فالخطوط والأشكال والأعداد توجد في العقل وتكون واحدة
بالذات ثابتة وأزلية يقول أفلاطون(إن العلم قائم في النفس بالفطرة والتعلم
مجرد تذكر له ولا يمكن القول أنه اكتساب من الواقع المحسوس)؛فهو يرى أن
المفاهيم الرياضية لا ندركها إلا بالذهن وحده ،فالتعريفات الرياضية مجالها
ذهني ولا تتحقق إلا بواسطة العقل دون حاجة إلى المحسوسات فالتعريفات
للحقائق الرياضية واحد لا يتغير واضح متميز وعلى شاكلة هذا الطرح ذهب
ديكارت إلى أن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار لا يجوز فيها الخطأ وفي هذا
يقول (إنها ما ألقاه الله في الإنسان من مفاهيم)أي بمعنى المفاهيم الرياضية
ويؤكد مالبرانش من جهته ذلك حيث يقول(إن العقل لا يفهم شيئا ما إلا برؤيته
في فكره اللانهائي التي لديه وأنه لخطأ خالص أن تظن ما ذهب إليه فلاسفة
كثيرون من أن فكره اللانهائي قد تكونت من مجموعة الأفكار التي تكونها عن
الأشياء الجزئية بل العكس هو الصحيح ،فالأفكار الجزئية تكتشف وجودها من
فكره اللانهائي كما أن المخلوقات كلها تكتسب وجودها من الكائن الإلهي الذي
لا يمكن أن يتفرع وجوده عن وجودها )إننا فيم يقول لم نخلق فكرة الله ولا
فكرة الامتداد بكل ما يتفرع عنها من حقائق رياضية وفيزيائية فقد جاءت إلى
عقولنا من الله و يمكن أن نضم كانط إلى هذه النزعة رغم أنه كان يقصد
التركيب بين التفكير العقلي والتفكير الحسي فهو يرى أن الزمان والمكان
مفهومان عقليان قبليان سابقان لكل معرفة تجريبية ويؤطرانها وهم يرون أن هذه
الحقائق تدعم نظرتهم وهي كالتالي :إن الملاحظة لا تكشف لنا على الأعداد بل
على المعدودات كذلك أن المكان الهندسي الذي نتصوره على شكل معين يشبه
المكان الحسي الذي نلاحظ بالإضافة إلى أن الخط المستقيم التام الاستقامة لا
وجود له كذلك بعض القوانين كالعلاقات بين الأشكال كما أن الكثير من المعاني
الرياضية مثل 0.7 لا ترجع إلى الواقع المحسوس .
إن القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أنه مهما تبدو المعاني الرياضية
مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن الواقع الحسي و إلا فكيف نفسر
الاتجاه التطبيقي للهندسة لدى الشعوب القديمة خاصة عند الحضارات الشرقية في
استخدامها الطرق الرياضية في الزراعة والحساب وهذا ما يدل على ارتباط
الرياضيات أو التفكير الرياضي بالواقع .
وعلى عكس الرأي السابق نجد أصحاب المذهب الحسي أو التجريبي مثال جون لوك
*دافيد هيوم* جون ستورات مل يرون أن المفاهيم الرياضية في رأيهم مأخوذة-مثل
جميع معارفنا- من صميم التجربة الحسية ومن الملاحظة العينية ،فمن يولد
فاقدا لحاسة فيما يقول هيوم لا يمكن بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على
انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار فالمكفوف لا يعرف ما اللون والأصم
لا يعرف ما الصوت ،إن الانطباعات المباشرة التي تأتينا من العالم الخارجي
هي بمثابة توافد للأفكار ومعطيات للعقل ،ونجد جون ستوارت ميل يرى (أن
المعاني الرياضية فيما يقول والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه
هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة ) ،وهناك من
الأدلة والشواهد من الواقع النفسي ومن التاريخ ما يؤيد هذا الموقف ،فعلم
النفس يبين لنا أن الأعداد التي يدركها الطفل في بادئ الأمر كصفة للأشياء
ولكنه لا يقوى في سنواته الأولى على تجريدها من معدوداتها ثم أنه لا يتصور
إلا بعض الأعداد البسيطة فإذا ما زاد على ذلك قال عنه (كثير ) فمثلا لو
أعطينا طفل ثلاث حبات زيتون وأعطينا بالمقابل أخاه الأكبر خمس حبات فنلاحظ
أن الطفل الصغير يشعر بضيق كبير لأنه يرى أن حصته أقل من حصة أخيه لكن حكمه
لا يستند إلى أن حصة أخيه الأكبر تفوقه بـ (2) لأن هذه العملية تتطلب منه
النظر إلى كمية الزيتون باعتبارها وحدات مجردة من منافعها ثم طرح مجموع
الوحدات التي لديه من مجموع الوحدات التي كانت من نصيب أخيه وهذه العملية
ليس بوسع الطفل القيام بها في مرحلته الأولى ،كذلك أن الرجل البدائي لا
يفصل هو الآخر العدد عن المعدود فقد كان يستخدم لكل شيء كلمة خاصة به فمثلا
العدد(2) يعبر عن جناحي الطير والعدد (4) يعبر عن قدمي الطير وقد كان لليد
تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس أنها أداة الحساب ،إذن فالمفاهيم
الرياضية بالنسبة لعقلية البدائي والطفل لا تفارق مجال الإدراك الحسي
وكأنها صفة ملامسة للشيء المدرك كالطول والصلابة .أما من التاريخ فتاريخ
العلوم يدلنا على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها
تجريبية ودليل ذلك أن العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيرها
فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب للتجربة ويظهر أيضا
أن المفاهيم الرياضية الأكثر تجريدا أخذت نشأتها بمناسبة مشاكل محسوسة مثل
تكعيب البراميل وألعاب الصدفة التي عملت على ظهور حساب الاحتمالات .
إنه لمن الواضح أن العلم لا يجد أية صعوبة في تطبيق هذه المعاني ولكن هذا
لا يعني أن ننكر دور العقل في تحصيل هذه المعاني ولهذا ظهر الاتجاه
التوفيقي بين الطرفين .
إن الخطأ الذي وقع فيه المثاليون والتجريبيون هو أنهم فصلوا العقل عن
التجربة والحق أنه لا وجود لعالم مثالي أو عقلي ولأعداد وأشكال هندسية
تتمتع بوجود لذاتها مثل الأفكار الأفلاطونية والقوالب الكانطية القبلية
ونجد جون بياجي الذي يرى أن للعقل دورا إيجابيا ذلك أن عملية التجريد
واكتساب المعاني عمل عقلي ويرى في المقابل أن العقل لا يحمل أي معاني فطرية
قبلية بل كل ما فيه قدرة على معرفة الأشياء وتنظيمها ويرى كذلك جون سارتون
أن العقل لم يدرك المفاهيم الرياضية إلا من جهة ارتباطها بلواحقها المادية
ولكنه انتزعها بالتجربة من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية بحتة ،وأيضا نجد
بوانكاري يقول (لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة
فالطبيعة في نظره بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها يقول أحد العلماء
الرياضيين (إن دراسة معمقة للطبيعة تعد أكثر المنابع إثمارا للاكتشافات
الرياضية)
لا شك أن التجربة كانت في البداية منطلق التفكير الرياضي ومنه له ولكن منذ
ذلك العهد أصبح من الصبياني طرح مشكلة أسبقية العقل أو التجربة في نشوء هذا
التفكير لأن هذا التفكير الرياضي تطور بصفة مستقلة نحو النطاق أو المملكةالعقلية الخالصة ،رغم الفارق الذي يظهر بين التجربة من جهة والمجرد العقلي
من جهة أخرى فإن اللغة الرياضية تبقى نافعة جدا في معرفة العالم المحسوس.معرفة علمية