الحمد لله أمر بالصلاة ، ورتب على أدائها أعظم الثواب ، وتوعد من فرط فيها أليم العذاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم التواب ، شديد العقاب ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأواب ، شدد أمر الصلاة بالخطاب ، وبين ذلك لأولي الألباب ، فمن صلى فتحت له الأبواب ، ومن هجر وامتنع عانى الشدائد الصلاب ، وتوالت عليه أصناف العتاب ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى أهل بيته الأحباب ، وأصحابه خير الأصحاب ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب . . أما بعد :
فلقد اصطفى الله جل وعلا ولد إسماعيل من ذرية آدم ، واختار كنانة من ولد إسماعيل ، واختار قريشاً من كنانة ، واختار بني هاشم من قريش .
واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم من بني هاشم ، ليكون خير البرية وأزكى البشرية ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، وسيد الأولين والآخرين .
واصطفى الله جل وعلا جبريل عليه السلام ، ليكون الروح الأمين ، والمبلغ عن رب العالمين ، قال تعالى : { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [ الحج75 ] .
واصطفى الله سبحانه وتعالى دين الإسلام ليكون الدين عنده ، ولن يقبل من أحد ديناً سواه : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [ آل عمران19 ] .
وقال سبحانه : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ آل عمران 85 ] .
واصطفى الله تعالى القرآن ليكون أفضل كتبه وأكملها ، والمهيمن عليها : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [ المائدة48 ] .
وهكذا يصطفي الله تعالى ما يشاء ، لحكم يعلمها سبحانه .
وأما في دين الإسلام فقد فضلت الصلاة على سائر العبادات إلا التوحيد ، واصطفاها الله تعالى لتكون الفيصل بين الإيمان والكفر ، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ " [ رواه مسلم ] ، وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " [ رواه الترمذي وغيره ] .
ولذا فلم تكن الكيفية التي فرضت بها الصلاة كسائر العبادات ، بل عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرضت عليه هناك بلا واسطة ، لتعلم الأمة منزلة الصلاة ، ولتقدر لها قدرها ، وتعلي شأنها ، فالصلاة عمود الإسلام وفسطاطه ، فإذا سقط العمود ، انهدم الدين والعياذ بالله ، فلا دين لمن لا صلاة له .
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي اله عنه قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ، قَالَ : " لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ " ، ثُمَّ قَالَ : " أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ " ، قَالَ ثُمَّ تَلاَ : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } حَتَّى بَلَغَ { يَعْمَلُونَ } ثُمَّ قَالَ : " أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ ، وَعَمُودِهِ ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ " قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ " ، ثُمَّ قَالَ : " أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ : " كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا " ، فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ : وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ " [ أخرجه الترمذي وغيره ، وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
ومن بين الصلوات ، خُصت صلاة الفجر بمزيد من الأجر ، وعظيم الفضل ، وحضيت بجزيل الثواب .
فهي محك الإيمان ، وعلامة التسليم والإذعان ، يتمايز فيها المؤمن من المنافق ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : " كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا الظن به " [ رواه الطبراني وبن خزيمة ] .
صلاة الفجر بمثابة الاختبار نهاية العام ، فكأن الصلوات الأخرى بمثابة التهيئة لها ، وهي الاختبار الحقيقي ، من حضرها نجح وأفلح ، ومن غاب عنها خسر وخاب .
فكما أن الطالب إذا حضر طوال العام ، وتغيب عن الاختبار عُدَّ من الراسبين ، فكذلك صلاة الفجر ، من لم يحضرها كان من الخائبين الخاسرين .
ورتب الشرع الحكيم على المحافظة عليها أجوراً لم ينلها غيرها من الصلوات ، فصاحب صلاة الفجر محاط بالفضائل ، ومبشر بعظيم البشائر ، فمن تلكم البشائر ما يلي :
البشارة الأولى :
النور التام يوم القيامة
منذ خروج المصلي من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب ، عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني ] .
معنى ذلك : أن من لم يمشي لصلاة الفجر ، فلا نور له يوم القيامة ، وهذا أول نتائج الحرمان للمتخلف عن صلاة الفجر ، حُرم النور يوم القيامة .
فكما أن للمحافظ على صلاة الفجر له بشائر ومفرحات ، فكذلك من لم يكن من أهل صلاة الفجر ، فليبشر بالوعيد ، والعقاب الشديد .
البشارة الثانية :
خير من الدنيا
إذا أدى المصلي سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " [ رواه مسلم ] ، يعني سنة الفجر .
فالمحافظ على صلاة الفجر في جماعة يحصل له البشر ، وعظيم الأجر ، والفرح والسرور ، والغبظة والحبور ، بما يجده من لذة صلاة الفجر ، وكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها .
أما المتخلف عن صلاة الفجر ، فلا يحصل له من الدنيا إلا الخزي والعار ، وسوء الخلق ، وضيق المنطق ، وتراه مقطب الجبين ، عابس الوجه ، كما أن الناس ينظرون إليه نظرة غير سوية ، نظرة ازدراء واحتقار ، إذ كيف تكون مسلماً ولا تحافظ على صلاة الفجر ، التي هي المحك الحقيقي لأهل الإيمان وأهل النفاق .
البشارة الثالثة :
حصد الحسنات
حين يجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَالْقَاعِدُ فِي الْمَسْجِد يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ كَالْقَانِتِ ، وَيُكْتَبُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ " [ أخرجه أحمد ] .
الله أكبر . . كم يخسر المفرط في صلاة لفجر من الأجر العظيم ، و الثواب الجزيل ، والخير الوفير ، كم يفقد من حسنات ، حسنات ركعتين قبل الفجر ، وحسنات الخطوات إلى المسجد ، وحسنات قراءة القرآن لحين إقامة الصلاة ، وحسنات الانتظار داخل المسجد إلى إقامة الصلاة ، لو حسبت هذه الحسنات لأصبحت ملايين ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة .
وكم يخسر المفرط في صلاة الفجر من دعاء الملائكة له ، وهم عباد الرحمن ، لا يعصونه طرفة عين ، ولا أقل من ذلك ، بل خلقوا لأجل العبادة فقط ، فيخسر تارك صلاة الفجر دعاء ملائكة الرحمن له بالرحمة والمغفرة ، إنه عمل كريم يضيعه من لم يحافظ على صلاة الفجر في بيوت الله تعالى ، حيث ينادى لها هناك .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ مَا قَعَدَ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فِي صَلاَةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ ، تَدْعُو لَهُ الْمَلاَئِكَةُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " [ رواه أحمد ] .
البشارة الرابعة :
شهادة الملائكة
إذا أقيمت الصلاة وشرع المصلي في أدائها ، فهاهو يقف بين يدي الله ملك الملوك ، الذي بيده خزائن السموات والأرض ، الغني الحميد ، وتشهد له ملائكة الله ، قال جل في علاه : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء78 ] .
مشهوداً أي : تشهده الملائكة ، أما المفرط في صلاة الفجر ، فيخسر شهادة الملائكة له ، عندما تجتمع الملائكة ليكتبوا عباد الله الذين أذعنوا لأمر الله تعالى ، واستجابوا له ، بأداء الصلاة في المسجد في وقتها المقدر لها شرعاً ، أما من لم يحضر صلاة الفجر ، فسوف يكتب مع النائمين الغافلين ، التاركين لصلاة الفجر ، فما موقفه أمام ربه وخالقه ، وما عذره عن التخلف عن الصلاة ؟
ما عذره عندما تتطاير الصحف يوم القيامة ، وتنشر الدواوين ، ويستلم كل إنسان كتابه ، فآخذ باليمين ، وآخذ بالشمال ؟ ما عذره عند من لا تخفى عليه خافية ؟
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " تَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ " ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ متفق عليه ] .
كم يخسر المفرط في صلاة الفجر من حسنات ، وكم يفقد من درجات ، وكم يوضع عليه من سيئات ، وكم ينزل في الدركات .
البشارة الخامسة :
دخول الجنة والنجاة من النار
إذا أقيمت الصلاة وشرع المصلي في أدائها ، فيا له من فوز وأجر ، وعظيم الفضل وجليل البشر .
هاهو يقف بين يدي الله ملك الملوك ، فارج الهم ، وكاشف الغم ، الذي بيده خزائن السموات والأرض ، الغني الحميد ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : " لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ " [ رواه مسلم ] .
ومن لم يصلي الفجر والعصر فلن يحصل على هذه البراءة من النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ربما ولج النار والعياذ بالله .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ متفق عليه ] ، والبردان : هما الفجر والعصر .
ومن لم يصلي الفجر والعصر لم يكن مع أولئك الرجال الذين تركوا الفراش الوثير ، والدفء المرغوب ، لن يكون مع أولئك الذين استجابوا لربهم عندما سمعوا منادي الله وهو يصدع بالأذان وهو يقول : { حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، الصلاة خير من النوم } ، فالصلاة فيها فلاح للعبد في الدنيا والآخرة ، ومن لم يصلها فلا فلاح له ولا نجاة ، نسأل السلامة والعافية .
البشارة السادسة :
رؤية الله عز وجل
يرجى لمن حافظ على صلاة الفجر والعصر ، الفوز برؤية الجبار جلا وعلا ، فعَنْ جَرِيرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِى الْبَدْرَ - فَقَالَ : " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ _ تضارون _ فِي رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " يعني الفجر والعصر ، ثُمَّ قَرَأَ : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ _ أحد رواة الحديث _ افْعَلُوا لاَ تَفُوتَنَّكُمْ [ متفق عليه ] .
قال الحافظ ابن حجر : قال العلماء : ووجه مناسبة ذكر هاتين الصلاتين عند الرؤية ، أن الصلاة أفضل الطاعات ، وقد ثبت لهاتين الصلاتين من الفضل على غيرهما ما ذكر من اجتماع الملائكة فيهما ، ورفع الأعمال ، وغير ذلك ، فهما أفضل الصلوات ، فناسب أن يجازي المحافظ عليهما بأفضل العطايا ، وهو النظر إلى الله تعالى يوم القيامة .
هكذا يتواصى الناس فيما بينهم بالمحافظة على الصلوات الخمس جماعة في وقتها ، ويخصص منها الفجر والعصر لأهميتهما الشرعية ، فهما صلاتان تأتيان بعد نوم وراحة ، وقليل من يحافظ عليهما ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
لا يحافظ عليها إلا من وقر الإيمان في قلبه ، وانغرس حب الآخرة في نفسه ، فباع الدنيا واشترى الآخرة .
وعلى النقيض من ذلك فمن كان همه النوم والأكل وجمع المال في المرتبة الأولى ، وكانت الصلاة مرتبة ثانية فهذا هو الخسران المبين .
البشارة السابعة :
أجر قيام الليل
ثم تتوالى البشائر لأصحاب الهمم العالية ، والمراتب السامية ، فمن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ، يحصل له أجر عظيم ، بمثابة من قام الليل كله لا ينام منه شيئاً ، عن عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ " [ رواه مسلم ] .
البشارة الثامنة :
دعاء الملائكة
ما أعظم فضل الله تعالى لمن أطاعه ، وعمل بمقتضى الكتاب والسنة المطهرة ، فلا ينقطع الفضل بانقضاء الصلاة ، ولا ينتهي بانتهائها ، لكن المصلي ما يزال في أجر عظيم ، وفضل كبير ، تحيطه عناية الله ، وتستغفر له ملائكة ربه ، عَنْ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ ، وَصَلاَتُهُمْ عَلَيْهِ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " [ رواه أحمد ] .
فهل يحصل لمن نام عن صلاة الفجر ، مثل هذا الأجر ؟
كلا ورب الكعبة ، لا يحصل له إلا الخسارة الوبيلة ، والندامة الثقيلة .
هل يستوي من أطاع الله ، بمن عصاه ؟ هل يستوي من ترك الدنيا وزخرفها واهتم بالصلاة ، بمن كانت الدنيا همه وشغله ، وترك الصلاة ؟ لا يستويان أبداً .
البشارة التاسعة :
أجر حجة وعمرة
إذا قويت عزيمته ، وغلب نفسه ، ودحر شيطانه ، وجلس حتى تشرق الشمس ، فقد فاز بأجر حجة وعمرة ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ _ الفجر _ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ " [ رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6346 ] .
أين من فرط في صلاة الفجر عن عظيم الأجر ، حسنات تصب في خزائن أعمال من حافظ على صلاة الفجر ، وسيئات تمتلئ بها صحائف من أهمل صلاة الفجر .
هل يستوي من يصلي ويُؤجر ، بمن ينام ويشخر ؟ لا يستويان .
البشارة العاشرة :
في ذمة الله وحفظه
لا تزال البشائر تتوالى على صاحب صلاة الفجر ، ولا يزال حفظ الله تعالى مبذولاً إليه ، فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَىْءٍ يُدْرِكْهُ ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " [ رواه مسلم ] .
من صلى الفجر لا يزال في حفظ الله تعالى ، وفي كنفه سبحانه ، لا يضره بإذن الله شيء ، فهو معزز مكرم ، محفوظ بحفظ الله له .
ومن لم يصلي الفجر فهو في ذمة الشيطان ، يضحك عليه ، ولا يبالي به في أي واد هلك .
الله أكبر . . أرأيتم كم للمحافظ على صلاة الفجر ، من خير وفضل ، وكم يُضَيِّع المتخلف عنها من عظيم الأجر ، نعم ، إنه لا يُحرم من هذا الفضل إلا محروم _ نسأل الله تعالى الثبات على دينه _ .
طيب النفس وصفائها :
ومن فوائد صلاة الفجر ، أن هناك فرقاً بين من صلى الفجر ، ومن لم يصليها ، فمما يُشاهد على صاحب الصلاة ، لاسيما صلاة الفجر ، طلاقة المحيا ، وبشر الوجه ، والابتسامة الدائمة التي لا تفارق شفتيه ، وطيب النفس ، ونقاء السريرة ، والنشاط الواضح ، والبشر والتسامح ، المهم أنه يتمتع بأحسن الأخلاق ، وهذه من فوائد المحافظة على صلاة الفجر خاصة ، وبقية الصلوات عامة ، أما من لم يحافظ على صلواته ، فإليك هذا لحديث لتعرف الفرق بين الفريقين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يَعْقِدُ الشِّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثِ عُقَدٍ ، يضرب على كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطاً ، طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " [ متفق عليه ] .
قيل المراد بالصلاة ، صلاة التهجد ، وقيل المقصود صلاة الصبح .
المقصود أن صاحب صلاة الفجر يتميز بكرم خلقه وحسنه ، ونبل قوله وفعله ، وحسن تصرفه وتعامله مع الناس ، فهو بذلك قد حاز أجراً عظيماً ، وفضلاً كبيراً ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن أكمل المؤمنين إيماناً ، أحسنهم خلقاً ، وإن حسن الخلق ، ليبلغ درجة الصوم والصلاة " [ أخرجه البزار وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1578 ] .