الطفل الذي أرعب فرنسا وعملاءها و"الفارس الظل عمر الصغير" الذي هزم الكبار
كانت اطلالة يوم 7 جانفي 1944 كسائر الايام التي اعتادتها الجزائر العاصمة روتينية في مجملها لكن هذا اليوم تميز بسقوط امطار غزيرة ....وفي احدى غرف منازل حي القصبة تقبع ام في ركن لمنزل وهي تحمل طفلا بهي الطلعة فارحة مستبشرة بقدوم فرد انظم الى عائلة ياسف احمد انه عمر الطفل الذي سيكون له عما قريب شان عظيم...........
تربى ياسف في احدى شوارع القصبة هذا الحي العتيق الذي لعب على مدى الازمنة والعصور ادوارا رائعة في البطولة والفداء فكان عمر منذ نعومة اظفاره ذكيا يشع بريق من عينيه يحمل تساؤلات عديدة ما انفك يلقيها على نفسه واحيانا كان يلتجىء الى امه او ابيه كانت اسئلة ملحة تصدر من صبي صغير ولكنها تتميز بوعي راشد متفهم للاوضاع التي تحيط باهله وسكان حيه فكان يقارن دائما بين محيطه والناس وهو يراهم يعيشون ضائقة العيش والكابة تعلو سيماهم وملامح الحزن تظهر جلية في عيونهم تباين شاسع لاحظه عمر رغم صغر سنه فبعيدا عن حي القصبة ببضعة امتار هناك احياء راقية واناس اخرون يختلفون تماما عن اهله واهل حيه ومظاهر الثراء والاستبشار واضحة على وجوههم كان ذلك يحز في نفسه فيتالم ولكنه كان يعلم انه لا يستطيع ان يفعل شيئا غير الالتجاء الى حضن امه وهو يتساءل من هم هؤلاء الناس الدين ينعمون بكل الخيرات في حين يفتقر اهله وجيرانه الاقربين الى الضروري ...مما تقوم عليه معيشتهم. اسئلة تبقى دائما معلقة بدون اجوبة. وما يميز عمر عن باقي اقرانه انه كان لا يلعب او يلهو مثلهم بل كان دائما وحيدا تراه شارد الذهن والبال ولطالما استغل الفرصة كلما اتيحت له ليشجع اهله وبعض الكبار في الحي لسب هؤلاء الدين يسمونوهم( النصارى) الذين احتلوا ارضهم وحرموهم من خيراتها واستغلوا جهودهم وقوتهم حتى يزدادوا ثراء على ثراء ونعيما على نعيم وكانت ردود الافعال الصادرة عن الاهالي المستضعفين كثيرا ما تسترعي انتباهه وتفكيره الطويل ويحدث نفسه احاديث تبدو كبيرة من ان يحملها جسده الصغير ومع ذلك كانت تساكنه ولا تكاد تغادره لحظة من ليل اونهار.. ياالله ماذا لو كان بمستطاعي فعل شيء لهذا الوطن العزيز.
لما اندلعت ثورة نوفمبر المباركة كان الطفل يقيم في بيت جده وكان خاله كثير الاستقبال للناس من الرجال والنساء وهو امر لم يتعود عليه من قبل غير ان ذكاءه الوقاد وفطنته المبكرة ووعيه الزائد عن اللزوم بالنسبة لفتى في سن عمره جعله يفهم الامر ويتحسس ما كان يدور بين القوم وما يتطلعون اليه من طموحات واهداف فهم اذن الامر ولما ادرك خاله ان الطفل مهيء لما كان يحضره له راح يشرح له الموقف وبدا يشركه في بعض المهام في بداسة الامر تمثلت في حمل رسائل الى اشخاص سبق له وان راهم من قبل أي يعرفهم ممن كانوا يترددون على دار خاله ويجتمعون فيها وشيئا فشيئا اصبح مسبلا " يراقب الطريق للفدائيين ويترصد لهم العساكر فكم وحدة من الوحدات العسكرية راوغها وابعدها عن السبيل الصحيح لما كانت تجوب احياء القصبة ودروبها المختلفة مما ساهم في انقاذ مجاهدين فداءيين كانت الثورة تصاب بخسارة كبرى لو قدر لاحدهم ان يقبض عليه لولا هدا الطفل الشجاع الذي كان مثالا للبطولة والفداء والتضحية . ولطالما لجا الى امه التي كانت تحنو عليه كاي ام في الدنيا وحق لهاذلك" بانه لا خوف عليه وانه مجاهد واذا ما قدر له ان يموت سيموت شهيدا ويذهب الى الجنة حيث الخلود.
واصبح الفتى الذي بلغ انذاك عشر سنوات يلقب بالبطل الصغير واصبح رفيق كبار قادة الثورة وزعمائها من امثال عرباجي والعربي بن مهيدي وبن بولعيد وعلي لابوانت وحسيبة بن بوعلي وعثمان رامل وغيرهم وكانوا على عظمتهم يعتزون به وينوهون بخصاله ويعترفون بشجاعته ويطمئنون لما يقوم به وعزاؤهم لما تحيط بهم الخطوب وتقسو عليهم الظروف وكانت قاسية اشد القسوة في ذلك الوقت انهم يرون في البطل الصغير ...حامل المشعل وامل الغد المشرق.. ولقد برهن هدا الطفل انه اهل للثقة التي وضعت فيه وانه اهل للمسؤولية واصبح يحمل السلاح في محفظته الصغيرة مراوغا الوحدات العسكرية التي لم تتفطن للدور الذي لعبه هذا الطفل في معركة الجزائر .
ولم يقتصر مجال نشاط الطفل عمر على العاصمة فقط بل كان ينتقل ايضا الى ناحية القبائل كمراسل للجبهة وحامل لاسلحة ثم اصبح فيما بعد مقاتلا فكم من جندي اسقطه برصاصه تاركا اياه يتخبط في دمائه وكان كثير الالم والحزن مثله في ذلك مثل باقي كبار المجاهدين - لسقوط رفقائه في ساحة المعركة- وكان يبكي بكاءا مرا وياسى لدلك اسى كبيرا غير ان ذلك كان يزيده عزما ومضاءا وايمانا وثباتا على مواصلة الكفاح حتى النصر او الاستشهاد.......
انكشاف امره
انكشف امر الطفل في الفترة الممتدة بين56-1957 وعرف المستعمر امر هذا الطفل البطل عقب قتل احد الخونة" حيث عثر على صوره وباشرت السلطات الفرنسية حملة واسعة للبحث عنه فابعد بامر من الجبهة الى بلاد القبائل لفترة مؤقتة ولم يستطع الطفل البقاء والتاقلم معها فعاود الرجوع الى الجزائر العاصمة والتقى من جديد بخاله وعلي لابوانت وبو حميدي محمود وبعد فترة من الوقت وصفت بانها اكبر الفترات التي شددت فيها القوات الفرنيسية الحصار على العاصمة القي القبض على ياسف سعدي بطل معركة الجزائر واصبحت القصبة من كثرة المراقبة المسلطة عليها والحصار الكبير المضروب عليها شبيهة ببركان هائج من طرف الجيش الفرنسي يجوبها عساكره من اعالي ثكنة علي خوجة( حاليا) الى غاية ساحة الشهداء وتمسك الناس اعتباطا بدون تمييز سواء اكانوا رجالا او شيوخا او حتى اطفالا ولم تنج شريحة من الناس من جرائمهم وقمعهم..
استشهاده
وكان الطفل موجودا مع علي لابوانت وحسيبة بن بوعلي وبوحمدي محمود وياسف عمر ب 5 نهج ديزابديرام في الماوى الذي ياويهم ويقيمون فيه ولما انكشف امر الرسالة التي بعثت بها الى حسيبة الى غندريش احد الفدائيين وتخبره فيها بان المنطقة المستقلة ستتسلم اسلحة قريبا حتى تتمكن من استئناف المعركة.. غير ان غندريش اصبح جاسوسا وعميلا لصالح الجنرال ماسو وسلمه الرسالة الواردة من حسيبة واحاطه علما بمقر الفدائيين الاربعة وفي 8 اكتوبر 1957 احاطت الجيوش الفرنسية الحي من كل مكان ونسفت المقر فاستشهدوا- رحمهم الله - لكي تعيش الجزائر حرة مستقلة .