أثبت الأطروحة الآتية '' إن المفاهيم الرياضية أساسها الواقع الحسي ''
الإجابة
طرح المشكلة :
إن الإتفاق السائد بين فلاسفة العلوم أن المفاهيم الرياضية تطورت بشكل تدريجي منذ الهندسة الإقليدية حتى المرحلة المعاصرة لكن الخلاف السائد كان حول أصل ونشأة الرياضيات , فهناك من يرى ان العقل هو مصدر كل معرفة بما فيها المعرفة الرياضية وآخر يرى خلاف ذلك وهو أن الحس هو مصدر كل معرفة بما فيها المعرفة الرياضية إذ قيل '' إن مايوجد في الذهن من معانِ رياضية مجرد نسخ للأشياء المعطاة في التجربة الحسية '' أو بمعنى آخر إن المفاهيم الرياضية أساسها الواقع الحسي كيف يمكن ان نثبت صحة هذه الأطروحة وما السبيل للدفاع عنها؟
محاولة حل المشكل :
إن المفاهيم الرياضية لم تنشأ دفعة واحدة إنما تطورت عبر التاريخ , فلا وجود لمفاهيم رياضية في غياب الواقع الحسي حيث أن تلك المفاهيم هي عبارة عن نتائج التجربة الحسية لدى الإنسان ولم ترد اليه من أي جهة اخرى غير العالم الحسي , فهو المصدر الأساسي للمعرفة حيث يثبت تاريخ الرياضيات ذلك بوصفها علم خاضع للتغير والتطور كغيره من العلوم الأخرى , والواقع وحده من يولد المعرفة بشكل جزئي ثم يتممها العقل بأشكال أخرى تبعاً لتطور الفكر البشري , يقول دافيد هيوم '' كل ما أعرفه قد أستمددته من التجربة '' والمقصود بذلك أن الواقع الحسي أو التجريبي هو المصدر اليقيني للمعرفة وأن كل معرفة عقلية هي صدى لإدراكاتنا الحسية عن هذا الواقع وإن عدنا الى المدرسة السوفسطائية نجدها تتلازم و النظرية التجريبية للرياضيات حيث أن المدرسة السوفسطائية جعلت من الواقع الحسي مصدراً وحيداً للمعرفة.
فمثلاً علم الهندسة والمساحة والحساب نشأ في مصر القديمة تحث ضغط الحاجات الإقتصادية والإجتماعية فالمصريين القدماء أبتكرو أساليب هندسية لتحديد مساحات الحقول , كذلك تثبت بعض الأبحاث أن البابليين أستعملوا الحساب والهندسة في تنظيم الفلاحة والري وفي العام 1000 ق.م أخترع اليابنيون أول معداد يدوي يسمى '' أبوكس '' كان يستعان به في إجراء العمليات الحسابية ويقول في هذا الجانب فريدريك أنجلز '' إن الرياضيات ككل العلوم نابعة من حاجيات الإنسان... ''
كذلك بالعودة إلى علم نفس الطفل يتبين لنا أن الطفل في سنواته الأولى عاجز عن تجريد الأعداد من معدوداتها فعن طريق الخبرة يتمكن الطفل من التعرف على العناصر الجزئية أو المواقف المتشابهة وحين يربط بين العناصر المشتركة يحصل بذلك على مفهوم عام وتوضح الدراسات أن مفهوم العدد هو مفهوم مركب وتعلمه ليس بالشيئ السهل , لذلك يجب التمهيد له بإستيعاب مايعتمد عليه من مفاهيم رياضية أولية.
حيث ان النظرية التجريبية تؤكد ان لايمكن التسليم بأفكارفطرية عقلية لأن النفس البشرية تولد صفحة بيضاء .
عرض منطق الخصوم ونقده :
لقد حاول العقليون أنصار النظرية المثالية أمثال أفلاطون وديكارت رد أصول الرياضيات الى أصول عقلية تجريدية حيث يرتكز أعتقادهم على ان المفاهيم الرياضية سابقة عن كل تجربة في شكل مبادئ كلية ثابته تحت إسم عالم المثل لدى أفلاطون والنور الإلهي لدى ديكارت واعتبروا أن كل مانحوزه من مفاهيم رياضية ذات أصل اولي سابق عن الوجود الإنساني , لكن وجهت اليهم انتقادات متعددة فإن نظرنا من حيث ليس هنالك دليل موضوعي يثبت أن الفكر الرياضي ماهو إلا فكر فطري خالد سابق للوجود كذلك لم يقنع أفلاطون خصومه بوجود عالم مثالي هو أصل للأعداد الحسابية , كما وجهت إنتقادات لديكارت لإعتباره ان المفاهيم الرياضية عقلية لأنه لو كانت كذلك لأشترك فيها جميع الناس , ذلك ما يوكده الواقع من جهة ومن جهة اخرى الصورية المطلقة ثابته وجامدة على خلاف ماتتميز به الرياضيات من حيوية وتطور ونرى ذلك من خلال تطورها تاريخياً وأكثر مايثبت ذلك الإنتقال من الهندسة الإقليدية الى الهندسة المعاصرة .
حل المشكلة :
مما سبق ذكره يمكن ان نرى وبوضوح ان المفاهيم والمعاني الرياضية هي نسخ للمعاني والمفاهيم المعطاة في التجربة الحسية كما هو حال كل العلوم الأخرى , اما الإعتقاد بأفكار فطرية خالدة وسابقة للوجود الإنساني ماهو الا مبالغة ومغالطة , ومنه الأطروحة القائلة '' إن المفاهيم الرياضية أساسها الواقع الحسي '' صحيحة ويمكن الدفاع عنها والأخذ بها .