الخيانة
تاريخ البث... 7/2/1431هـ الموافق 22/1/2010م
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير واشهد ان محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وامينه على وحيه ارسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد اجمعين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبن واصحابه الغر الميامين ما تصلت عين بنظر ووعت اذن بخبر وسلم تسليما كثيرا ...
اما بعد ايها الاخوة المومنون...
بينما كان النبي صل الله عليه وآله وسلم جالسا يوما بين اصحابه في مجلس مبارك فاذا برجل يقبل على النبي صل الله عليه وسلم فيساله سؤالا لم يكن رسول الله صل الله عليه وآله وسلم يفرح بسماعه لكنه كان رفيقا حليما..اقبل اليه رجل قال يا رسول الله ..."متى الساعه؟؟؟"...فاعرض عنه صل الله عليه وآله وسلم ,ثم قال الرجل اخرى يا رسول الله ..."متى الساعه؟؟؟"...فاعرض عنه ولم يردعليه كانه لم يسمع فاختلف الصحابه من بينهم فقال بعضهم قد سمع ما قال فكَرِه ما قا قال ...(يعني سمع السؤال لكن كره هذا السؤال لكنه من خلقه انه اعرض عنه فلا يريد ان يجيب عليه لكنه لم يعنفه).".قال قائل لعله سمع ما قال فكرِه ما قال "...وقال اخر"بل لعله لم يسمع ما قال"..حتى اذا مضى برهة من الزمن التفت النبي صل الله عليه وآله وسلم قال.."اين أُراه السائل عن الساعه؟؟؟"...قال ..."ها انا يارسول الله"..فقال عليه الصلاة السلام ..."اذا ضيعت الامانه فانتظر الساعه"... اذا ضيع الناس اماناتهم وحال حالهم من الامانة وحفظ العهد الى الخيانة ونقضه فاعلم ان هذا من علامات الساعه التي تؤذن بقيامها لذلك كان النبي صل الله عليه وآله وسلم يؤكد على حفظ الامانه بجميع صورها ويؤكد عليه الصلاة والسلام انه لا ايمان لمن لا عهد له ولا دين لمن لا امانة له ..الذي ليس عنده امانه في قلبه وليس عنده ايمان في داخل نفسه يمنعه من ان يمنعه من ان يخون الاخرين فلا دين له بل انه صل الله عليه وآله وسلم ذكر ان عدم حفظ الامانه وان الوقوع في الخيانه هو من صفاة المنافقين فقال صلوات ربي وسلامه عليه[اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب]وهذا نوع من الخيانه انك تتكلم بغير ما نفسك تتكلم عن الحقيقه فانت قد خنت الحقيقه ولم تحفظ امانة اللسان..قال[اذا حدث كذب واذا وعد اخلف] وهذا ايضا نوع من التضييع في الامانه وهو تضيع العهد وتضييع الوعد وتضييع اوقات الناس والتلاعب بعقولهم ...والا يكون امينا في كلامه وفي عهده ..[قال اذا حدث كذب واذا وعد اخلف ] ثم ختمها عليه الصلاة والسلام بآخرها وقال ..[واذا اتمن خان]...اذا اتمن على سر اقبل اليه انسان فاستودعه سرا كان يكون استشاره في امر يتعلق بعائلته مشكله بينه وبين زوجته او قضيه احاطت بابنه او ابنته او ربما استشاره بامر يتعلق بوظيفته او يتعلق بتجارته او يتعلق بغير ذلك من امور حياته..فيقول يا فلان انا استودعك هذا السر فاشر علي..فاذا حدثه وانتهى معه واتمنه على هذا الكلام قال واذا اتمن خان وقد قال النبي صل الله عليهوآله وسلم [اذا حدثك الرجل بحديث والتفت فيه امانه] يعني اذا اراد ان يحدثك رجل بحديث قال تعالى يا فلان فلما اقتربت منه التفت يمينا ويسارا ثم تكلم معك فان لسان حاله يقول لك هذا سر امانه لا تحدث به احدا ولا يجوز لك ابدا ان تنشره بين الناس ثم تقول هو لم يقلي احفظه لم يامرني بكتمانه..كلا ان مجرد التفاته ليتاكد ان ان لا احد يسمعه هذا يدلك على انه امانه وانه لا يرضى ان تنقل كلامه الى غيره ..قال[واذا اتمن خان]..اما ان يخون الامانه فيما يستودع من اسرار واما ان يخون الامانه في ما يستودع من اموال...اقبل اليه انسان قال انا ساسافر خذ هذه الامانه عندك او هذا ماله اعطاه لجاره الف ريال خمسة آلاف ريال قال انا سوف اسافر الى بلد بعيد فاذا احتاج اولادي شيء جعلتهم ياتون وياخذون منك المصروف الذي يحتاجونه اوما شابه ذلك مما يودعه الناس من امانات عند بعضهم البعض فلا يجوز ابدا ان يحتال في مثل ذلك..ولا يجوز له ان يتلاعب بامواله والنبي صل الله عليه وآله وسلم كان يؤكد على ذلك..بل انه صلوات ربي وسلامه عليه فهو في مكه وقذ ضيق عليه ويرميه الكفار باقذع السباب( يا مجنون,ويا كاهن ويا ساحر ويا كذاب) ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يحفظ اماناتهم اذا اودعوها عنده...عجبا هؤلاء اعداءه وهم يسبونه ويحاربون دينه ومع ذلك لم يجدوا احدا في مكه اكثر امانة منه حتى كانوا يسمونه صلوات ربي وسلامه عليه قبل ان يبعث كانوا يسمونه بالصادق والامين لكثرة ما يحفظ اماناتهم حتى وصل الى اربعين سنة صلوات ربي وسلامه عليه وهو الامين في قومه... حتى بعد ما انزل عليه القران وبعث بالرساله وكذبه قومه وكانوا يكينون عليه السباب والحرب ومع ذلك اذا اراد احدهم ان يحفظ امانه نسي ما كان بينه وبين رسول الله صل الله عليه وسلم وحرص على مال نفسه واقبل ووضعها عنده امانه...حتى انه صل الله عليه وسلم لما هاجر اصحابه الى المدينه ثم امر صلوات ربي وسلامه عليه بالهجره تحير صل الله عليه وسلم ماذا يفعل بامانة الناس التي عنده بيته في امانات عدد منهم ولو انه طاف عليهم قبل هجرته بيوم او يومين وقال ايها الناس خذوا اماناتكم... لقالوا له عجبا لماذا تامرنا باخذها هل تريد ان تخرج من مكه؟؟؟
هل لك نية ان تفارقنا؟؟؟
وبالتالي يكون قد اظهر سرا امر بكتمانه
فماذا فعل صلوات ربي وسلامه عليه ليحفظ امانة اقوام هم اعداء له..اعداء له في دينه ومكذبون له وقد ساءت اخلاقهم معه ومع ذلك هو صل الله عليه وسلم كان يقول[ادي الامانة الى من اتمنك ولا تخن من خانك] حتى لو خانني احد لا يجوز ان اخونه..خانني انسان في اهلي في عرضي في مالي تكلم فيا بكلام باطل لا يجوز ان اقابله بمثل ذلك..ولا تخن من خانك..بل ان الله جل في علاه امر نبيه صل الله عليه وآله وسلم وجعلها ربنا شريعة لجميع المسلمين فقال سبحانه وتعالى {واما تخافن من قوم خيانة فانبد اليهم على سواء} بمعنى اذا كان بيننا وبين احد من اعدائنا عهد وميثاق وصلح على ان لانحاربكم ولا تحاربونا ولا ترفعوا علينا السيف ولا نرفعه عليكم اذا كان بيننا وبينهم عهد وميثاق فيلزمنا ان نلتزم به تماما..لكن لو ظهر لنا امارات وقرائن تدل على انهم يخططون لنقض الميثاق جعلوا يشترون اسلحة كثيره او بلغنا عبر استخباراتنا انهم يجمعون الجموع لقتالنا ولخيانة عهدنا فظهر لنا انهم يخططون لذلك لكن لم يفعلوه مباشرة وصريحا فاننا لا يجوز ان نقابلهم بمثل ذلك فنفجاهم بالحرب قبل ان يفجاءونا ..لا..وانما كما قال ربنا جل وعلا معظما للامانه ومحذرا من الخيانه بجميع صورها فقال جل وعلا{واما تخافن من قوم خيانة} خفنا منهم خيانه ..ماذا نفعل؟؟؟...{ فانبد اليهم على سواء} تعال اليهم وقل يا قوم انا بيني وبينكم عهد هذا العهد الذي هو لمدة سنة وسنتين وثلاث انا اريد ان اقطعه الان ظهر لي منكم كذا وكذا انا اريد ان اقظع عهدي ..فالان ان هاجمتكم فانا بريئ من عهدكم الاول وان هاجمتموني قاتلتكم ..وهذا من تعظيم الامانه والتحذير من الخيانه ... {واما تخافن من قوم خيانة فانبد اليهم على سواء}اخبر عدوك تني قد افاجئك بقتال تعظيما لامر الامانه... فهو صلوات ربي وسلامه عليه لما اراد ان يهاجر الى المدينه وقد كان عنده امانات لبعض قريش جعل صل الله عليه وآله وسلم يبحث عن حل يحفظ به هذه الامانات حتى جاء بالرجل البطل الشجاع دعى عليا رضي الله تعالى عنه وارضاه وجعله صل الله عليه وآله وسلم معه في بيته في تلك الليله طوال الليل حتى خرج صل الله عليه وسلم في ظلمة الليل بعد ما جعل عليا ذلك البطل ينام على فراشه وجعله ايضا يحفظ هذه الامانات..هذه امانة فلان ..وهذه الامانه لفلان...وهذا الكيس لآل فلان ..جعل صل الله عليه وسلم يخبره بذلك ثم خرج صل الله عليه وسلم في ظلمة الليل بعد ما عمى الله تعالى ابصار الذين كانوا يترصدون ببيته...ارايت امانة اعظم من هذه الامانه؟؟؟...ان يحفظ امانات لاعدائه وان لا يجوز له ان يفاجئ عدوه المقاتل له ان لا يفاجئه بحرب حتى يخبره بنقض الصلح بينه وبينه والله جل وعلا قد اكد على ذلك في كتابه وقال الله سبحانه وتعالى عن الخيانه..قال جل وعلا{ يا ايها الذين امانوا لا تخون الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون}. ..
أما خيانة الله تعالى فهو نقض عهدنا مع الله جل و علا و نحن جميعا بيننا و بين الله تعالى عهد أن نعبده و لا نشرك به شيئا{و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون }و قال جل في علاه { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } فعبادة المرء لغير الله أو وقوعه في الشرك أو صرفه لنوع من أنواع العبادة لغير الله هو خيانة للعهد الذي خلق لأجله و خيانة للأمانة التي أمرهم الله بها {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}
حمل أمانة الدين أمانة عمارة الأرض ,أمانة حفظ الملة و أمانة حمل القرآن , حمل أمانة عجز ت عن حملها أو أشفقت السموات و الأرض و الجبال فإذا الإنسان قام بحفظه للأمانة لا تخونوا الله و الرسول أن لا يخون الله تعالى و أن لا يخون رسوله صلوات ربي و سلامه عليه بتضييع سنته أو مخالفته في أمره أو الوقوع في نهيه صلى الله عليه و آله و سلم و هكذا كان الصحابة الكرام في دقة إتباعهم لسنة رسول الله صلى الله و على آله و سلم خرج بعض الصحابة يوما فرأى بعض أولاده يأخذ حجرا صغيرا و يضعه في إحدى سبابته اليمنى مثلا ثم يضغط به على سبابة اليد الأخرى ثم يرميه فكان يخذف فقال له أبوه يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم ينهى عن الخذف و يقول إنها لا تصيد صيدا و لا تنكأ عدوا فلا تفعل فإنما تكسر السنة و تفقأ العين فنهاه أن يخون قولا للنبي عليه الصلاة و السلام بمخالفة مرضاته فمر بعد يومين فرآه يخذف فغضب كيف تخون النبي عليه الصلاة و السلام يقول لك الأمر ثم بعد ذلك لا تطيعه أين طاعة الله و رسوله قال أقول لك نهر النبي صلى الله عليه و سلم عن الخذف و تعود و تخذف و الله لا أكلمك أبدا ثم هجره بسبب أنه كان يخذف ما رفع صوته عليه و لا ترك صلاة و لا عقه إنما خالف نهيا لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم متعلق بفرع من فروع الشريعة و مع ذلك يعاقبه و يهجره هجرانا لأجل أنه خان السنة بعدم إتباعها لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم السنة في الطعام السنة في الشراب السنة في اللباس السنة في الكلام لا تخونوا الله و الرسول بل احفظ أمانة نبيك صلى الله عليه و سلم الذي أمرك الله تعالى بالإقتداء به ثم قال جل و علا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أمانتكم , الأمانة في المال و الأمانة في أسرار الناس و الأمانة في الوظيفة التي توكل إليك مدرس و نحن على أبواب امتحانات اتقي الله في ما تكتب اتقي الله فيما تراقب عليه من الطلاب اتقي الله فيما ترصد من الدرجات لا تخونوا أماناتكم ليكن الناس عند سواء لا تفرق بين أعربي و لا أعجمي و لا مسلم و لا كافر مدام أنهم في درجاتهم في كتاباتهم بين يديك فينبغي العدل بينهم فيما تعطيهم من حقوقهم و أن لا تفرق بينهم في ذلك و لا تخونوا أماناتكم أو بعض المدرسين الذين ربما يكون عندهم مراقبة على الطلاب ثم يشتغل بهاتفه أو كتابة أو ربما معه كتاب يقرأ فيه أو ربما إنسانا عجولا و يريد أن يفر وقته في البيت فإذا سلم الطالب ورقته جلس المدرس على طاولته و جعل يصحح الأوراق و الطلاب لا يزالوا بعضهم يختبر هذه خيانة للأمانة لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون و الإنسان إذا خان الأمانة صار به صفة من صفات المنافقين كلا بل صفة من صفات اليهود فإن اليهود لما ذكرهم الله تعالى في القرآن ذكر ربنا جل في علاه أن من أبرز صفاتهم الغدر و الخيانة و تضييع الأمانة و الافتراء على الناس و محاولة الإيقاع بالآخرين فحري بنا أيها الإخوة الكرام أن ننتبه لمثل ذلك لأجل أن يسلم الإنسان بإذن الله تعالى من أن يقع في شيء من الخيانة أو من تضييع الأمانة أسأل الله جل و علا أن يجعل الأمانة في قلوبنا نسأل الله تعالى أن يجعل الأمانة في قلوبنا و أن يجعلنا ممن يحفظونها في وظائفهم و دينهم و أولادهم نقول ما تسمعون و نستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه و توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
عن قريـــــــب
الخطبة الثانية