السّلام عليكم ورحمة الله ،
لا أذكر أنّني طيلة ثلاثمئة وستّة وتسعين شهرا قد أكلت أكلة راقية ، وهي المدّة التي عملتها في احدى ادارات بلادي الحبيبة ، وأقولها حبيبة ولا فخر ، بخلاف من يتجرّؤون عليها بأفواههم وبشتّى الأقاويل، وآخرون منهم "بالشّقيقة" ، كأنّهم نفوا من بعد ما ولدوا من مالي أو تونس أو النّيجر ان لم نقل البينين أومدغشقر!؟، لأنّ مثل بعض البلاد الأخرى في الغرب لا أظنّ أنّها ستقبل بهم الاّ وهم راكعون أو ساجدون !؟
فقد كنت ومثلي كثير منهم كذلك ، لا أجد ما ألبس ، وان وجدت فربّما كان مرّة في السّنة أو العام أو الحول كما يحلو للكثير تسميّته ، مع ما توفّر لي من حظّ أو مناسبة ، ولا ما آكل الاّ "الكسرة بالماء" أو ما توفّر من بعض المحاصيل الفصليّة في الغابات أو الجبال أو حتّى الوديان ، لكنّي أذكر أنّ نفسي وقلبي لم يعرفا الخوف من أحد الاّ من اثنين ، والدي لمّا كنت صغيرا ، وخالقي لمّا بلغت وعقلت ، لكنّي كنت أفتخر بملّتي وبموطني ، وأحب حدّ الجنون بلدي ، طبعا بعد الله ورسوله ، كنت أحترم معلّمي وأستاذي ، وجاري وصديقي ، وابن عمّي وقريبي ورئيسي ومرؤوسي ، بما فيهم الغريب عنّي،ولا زلت الى آخر رمق من حياتي ،
وتوالت السّنين تتبعها الأحداث تلو الأخرى ، تتغيّرفيها الأحوال من حال الى آخر ، الى أن وصلت الى هذه اللحظة التي بين يديّ ، لا يهمّني ولا سيهمّني ان بقيت كما كنت أو أحسن حال ممّا كنت ، واليوم ..
فقدأصبحت أبتاع السّروال بأغلى الأثمان !، وأقطّعه اربا اربا ثمّ ألبسه ليظهر أمام الملأ عوراتي !، وأحلق رأسي وأرسم عليه شتّى أنواع التّصاميم هواياتي!، ;لا آكل الاّ طيّبا ، ولا أنام الاّ في الدّفء والظّلّ الظّليل، وأزاول تعليمي!، وربّما مهنتي وأنا في أحسن أحوالي ، يعني أمير زماني، لكنّي رغم ذلك ألعن هذا البلد ومن فيه !،ونسيت أنّ اللّعان قبل كلّ شيء لآل صهيون ، أكره هذا البلد ومن عليه !، ونسيت أنّ الكره قبل كلّ شيء لأهل الكفر ، وربّما تناسيت أنّه قد جاء عليّ يوم ابتلاني الله فيه ، فحرّم عليّ الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،فوجدت من يؤنس وحشتي ، ويحوّط بي من كلّ جهة لئلاّ أضيع ، حتّى اذا أبلغني الله مأمن اليسر بعد العسر انقلبت على عقبيّ ، فأصبحت لا أرى سوى ما وراء البحار!!؟،عموما..
لا أريد أن آكل أكلة راقية ولا تستهويني حتّى ، فالحمد لله شبعان رغم أنّني عشت جوعان ،ولا أريد أن ألبس لباس كبرياء قارون أو ممّا رأت عيناي رغم أنّني عشت عريانا ، ولكنّني أريد أن أرحل غريبا كما جئت لهذه الفانية غريبا ، جئت وأدري من أين أتيت ، وأبصرني الله طريقا فمشيت ،وصلّى الله على نبيّنا محمّد ، والحمد لله ربّ العالمين .