ولقد كثُر الكلام هذه الأيّام -في الجزائر- حول ضرورة الإلتزام بتعاليم (!) المذهب المالكي والتحذير من فتنة (!) اللامذهبية (!!) وقد حمل لواء هذه الدعاية رجلان من أهل التصوّف والخرافة والبدعة، معروفان بعدائهما لعقيدة أهل السنّة والجماعة أهل الحديث والأثر.
أمّا الصوفي الأوّل فهو رأس البدعة في الجزائر وهو المنسّق الأعلى (الأسفل) للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا وهو المدعو محمّد بن بريكة ! حيث إنّ هذا الأخير يشنُّ هذه الأيّام حملة شعواء ضدّ أهل السنّة السلفيين الذين يُسمّيهم هو بالوهّابيين.
وأمّا الصوفي الثاني فهو (صاحبنا!) أبو شبر شمس الدّين بوروبي! طبعاً هو غنيٌّ عن كلّ تعريف !! الرجل الذي يسبُّ الإمام أحمد والدارمي وأبي يعلى الفرّاء وابن خزيمة وابن تيمية وابن القيّم و و و ..إلى آخر القائمة الطويلة.
ومن الطريف في الأمر أنّ كلا الرجلين اجتمعت كلمتهما على وجوب صدّ الفتنة القادمة من الشرق (!) -زعموا - أي من بلاد التوحيد المملكة العربية السعودية حرسها الله تعالى وجعلها ذخرا لأهل السنّة والجماعة- وذلك بإلزام النّاس بالمذهب المالكي وتعاليمه وإن خالفت هذه التعاليم الأحاديث الصحيحة والسنن الثابتة.
وأنا أتعجّب من حمق هذين الرجلين! كيف يريدان أن يمنعا العلم القادم من أرض الحجاز وفي نفس الوقت يُريدان إلزام النّاس بمذهب إمام أرض الحجاز ؟!
أوليس الإمام مالك بن أنس رحمه الله من الحجاز ؟ أليست المملكة العربية السعودية من الحجاز ؟ ألم يكن الإمام مالك من أهل المدينة النبويّة على ساكنها أفضل صلاة وأزكى تسليم ؟ أليست المدينة في السعودية ؟ أم لعلّ القوم ظنّوا الإمام مالك جزائري ؟؟!!
ثمّ كيف يدعوا هؤلاء القوم إلى الرجوع إلى فقه الإمام مالك وجعله المصدر الأوّل والأخير في الفتيا في الجزائر وفي نفس الوقت يتغافلون عن عقيدة الإمام مالك التي لم يشيروا إليها في نُباحهم ولو من بعيد ؟!
فهل يجوز لهم أن يأخذوا من الرجل فقهه ويتركوا عقيدته ؟! قد يصحُّ هذا الفعل مع من كانت عقيدته فاسدة من أمثال العز بن عبد السلام والسبكي والمناوي وغيرهم من الذين نبغوا في العمليات وزلّت بهم القدم في العلميات فهل الإمام مالك بن أنس صاحب عقيدة فاسدة ؟!
فإن كان جوابهم لا -وهو الحقّ- وكانوا حقّا مالكيّة فلينهجوا نهج مالك في العقيدة أيضا، أو أنّهم سيزعمون أنّ الإمام مالك كان أشعريا قادريا كما هو حال بن بريكة أو جهمياً صوفياً كما هو حال شمس الدّين ؟!
أليس من الإنصاف أن يعلّم هؤلاء القوم الشعبَ الجزائريَّ عقيدة الإمام مالك قبل فقهه ؟!
أم أنّ الهوى يُسيطرُ على أفئدتهم فهم يتخيّرون ما يُناسبُهم ويتركون ما لا يُناسبُهم ؟! لا شكّ أنّ الجواب الأخير هو واقع القوم، فمالنا من حيلة مع من كانت هذه حاله إلا أن نقول لهم: حسبُنا الله ونعم الوكيل، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ورحم الله أبا شامة الإمام المحدّث الفقيه (ت 665 هـ) حين تحدّث عن العلماء في عصره وتقصيرهم، وتحدّث عن المقلّدين الملتزمين بأقوال من سبقهم من الرجال من غير معرفة بأدلّتهم ولا تمحيص في مُستنداتهم، فقال عليه رحمة الله: ((ومنهم من قنع بزبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم، وبالنقل عن أهل مذهبه، وقد سُئل بعض العارفين عن معنى المذهب، فأجاب أنّ معناه: ((دينٌ مُبدّل، قال تعالى: ((ولا تكونوا من المشركين من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا)).
ألا ومع هذا يُخيَّل إليه أنّه من رؤوس العلماء، وهو عند الله وعند عُلماء الدين من أجهل الجهلاء، بل بمنزلة قسّيس النّصارى أو حبر اليهود، لأنّ اليهود والنّصارى ما كفروا [إلا] بابتداعهم في الأصول والفروع، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم: ((لتركبنّ سنن من كان قبلكم)). اهـ (3)
https://montada.echoroukonline.com/sh...ad.php?t=19965
*****************************
وهذا رد قوي للشيخ عبد الرزاق العباد حفظه الله على قولة " نحن على العقيدة الأشعرية ومذهب الإمام مالك وطريقة الجنيد السالك " .
تحميل المقطع الصوتي من شرح مقدمة رسالة أبي زيد القيرواني الشريط الأول . (https://shup.com/Shup/426595/imam-malik.mp3)
وإليكم تفريغ هذه الكلمة القيمة :
الأمر الثالث :
أن من فوائد قراءة هذه الرسالة القيمة : أن ندرك من خلالها الوجه الصحيح والمنهج السليم في الاتباع للإمام مالك رحمه الله , إمام أهل السنة .
ندرك من خلال هذه الرسالة القيمة المباركة الوجه الصحيح والمنهج السليم في اتباع هذا الإمام بخلاف كثير من الذين انتسبوا إلى الإمام مالكٍ رحمه الله في الفروع , ولم ينتسبوا إليه في المعتقد , حتى إنك ترى في بعضهم من يعلن صراحة في تعريفه بنفسه بأنه مالكيٌّ مذهبا أشعري عقيدةً صوفيٌّ مسلكا , فلا العقيدة عقيدة مالك ولا السلوك سلوك مالك رحمه الله .
والإمام مالك رحمه الله من أهل العلم الراسخين ومن أئمة السنة الذين نقل عنهم نقولات متكاثرة في ذم المتكلمين من جهة ذماًّ بالغا , وذمّ البدع بدع المتصوفة ذما بالغا , فذم رحمه الله بدع المتكلمين وحذر من طرائقهم , وذم أيضا بدع المتصوفة وحذر منها تحذيرا بالغا .
ثم ترى فيمن ينتسب إليه من لايرتضي طريقته في الإعتقاد ولايرتضي طريقته في السلوك وارتضى لنفسه طريقته في الفروع.فيقول عن نفسه إنه مالكيٌّ مذهبا , لكنه لايرتضي عقيدة مالك رحمه الله ولايرتضي أيضا سلوك مالك , وهذا واضح من قوله في تعريفه بنفسه أنه أشعري مذهبا صوفي مسلكا , وإلا لو كان مرتضيا لعقيدة مالك ومسلك مالك لقال عن نفسه مالكي مذهبا وعقيدة ومسلكا .
فهذه التفرقة تنبئ عن عدم ارتضاءٍ من هؤلاء للمعتقد الذي كان عليه الإمام مالك رحمه الله والمسلك الذي كان عليه الإمام مالك رحمه الله , وإذا قرئت ترجمة مالك رحمه الله , وأيضا قرئ الجهد الطيب الذي جُمع في رسالة علمية في الجامعة الإسلامية بعنوان (جهود الإمام مالك رحمه الله في العقيدة ) الشيخ سعود الدعجان حفظه الله , نرى جوانب المعتقد الصحيح وأيضا نرى ذم هذا الإمام لعلم الكلام وأهل الكلام وتحذيره منهم , وذمه أيضا للمتصوفة وطرائق المتصوفة وبدع المتصوفة وتحذيره منها , ثم بعد ذالك إذا رأينا في المنتسبين له والمنتمين إلى مذهبه ممن اختطُّو لأنفسهم طريقا آخر ومسلكا آخر غير هذا الذي كان عليه هذا الإمام .
ومن عجيب الأمر في هذا الباب ما أشار إليه شيخ الإسلام بن تيمية وأنصح طلبة العلم بقراءته في مقدمة كتابه الإستقامة , فذكر في مقدمة كتابه الإستقامة رحمه الله هذا الخلل الذي وجد في أتباع المذاهب وأشار إلى :
أن في المنتسبين إلى الإمام مالك من وقفوا على ذم الإمام مالك للمبتدعة وعلى رأسهم عنده _هكذا يقول شيخ الإسلام إبن تيمية _ وعلى رأسهم عنده الجهمية وينقلونها ويروونها , ومع ذلك هم واقعون في بدع الجهمية وبدع المتصوفة التي ينقلون عن إمامهم المنتسبين إليه ذمهم لهذه الطوائف ولهذه المذاهب.
فهم وقفوا على كلامه في ذم هؤلاء ولكنهم كأنهم يقولون : إنها لا تمس العقيدة التي نحن عليها ولا تمس المسلك الذي نحن عليه , وإنما تعني أقواما كانوا فبانوا , أما نحن فلسنا منهم ولا يشملنا هذا الذم الذي نرويه عن إمامنا مالك رحمه الله .
وفي حقيقة الأمر أن ذم الإمام مالك رحمه الله يتناولهم تناولاً واضحا , لأنهم ساروا على منهجٍ ذمه الإمام مالك وذمه أئمة السلف قاطبة رحمهم الله . هـ
وهذا كلام شيخ الإسلام بن تيمية في مقدمة كتابه الإستقامة
يقول رحمه الله رحمة واسعة :
لكن أعظم المهم في هذا الباب وغيره تمييز السنة من البدعة إذ السنة ما أمر به الشارع والبدعة ما لم يشرعه من الدين فإن هذا الباب كثر فيه اضطراب الناس في الأصول والفروع حيث يزعم كل فريق أن طريقه هو السنة وطريق مخالفه هو البدعة ثم إنه يحكم على مخالفه بحكم المبتدع فيقوم من ذلك من الشر ما لا يحصيه إلا الله , وأول من ضل في ذلك هم الخوارج المارقون حيث حكموا لنفوسهم بأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنته وأن عليا ومعاوية والعسكرين هم أهل المعصية والبدعة فاستحلوا ما استحلوه من المسلمين , وليس المقصود هنا ذكر البدع الظاهرة التي تظهر للعامة أنها بدعة كبدعة الخوارج والروافض ونحو ذلك لكن المقصود التنبيه على ما وقع من ذلك في أخص الطوائف بالسنة وأعظمهم انتحالا لها كالمنتسبين إلى الحديث مثل مالك والشافعي وأحمد فإنه لا ريب أن هؤلاء أعظم اتباعا للسنة وذما للبدعة من غيرهم والأئمة كمالك وأحمد وابن المبارك وحماد بن زيد والأوزاعي وغيرهم يذكرون من ذم المبتدعة وهجرانهم وعقوبتهم ما شاء الله تعالى , وهذه الأقوال سمعها طوائف ممن اتبعهم وقلدهم ثم إنهم , [ يخلطون ] في مواضع كثيرة السنة والبدعة حتى قد يبدلون الأمر فيجعلون البدعة التي ذمها أولئك هي السنة والسنة التي حمدها اولئك هي البدعة ويحكمون بموجب ذلك حتى يقعوا في البدع والمعاداة لطريق أئمتهم السنية وفي الحب والموالاة لطريق المبتدعة التي أمر أئمتهم بعقوبتهم ويلزمهم تكفير أئمتهم ولعنهم والبراءة منهم وقد يلعنون المبتدعة وتكون اللعنة واقعة عليهم أنفسهم ضد ما يقع على المؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ألا ترون كيف يصرف الله عني سب قريش يسبون مذمما وانا محمد )) وهؤلاء بالعكس يسبون المبتدعة يعنون غيرهم ويكونون هم المبتدعة كالذي يلعن الظالمين ويكون هو الظالم او احد الظالمين وهذا كله من باب قوله تعالى (( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا )) [ سورة فاطر 8 ] .
واعتبر ذلك بأمور :
أحدها أن كلام مالك في ذم المبتدعة وهجرهم وعقوبتهم كثير ومن أعظمهم عنده الجهمية الذين يقولون إن الله ليس فوق العرش وإن الله لم يتكلم بالقرآن كله وإنه لا يرى كما وردت به السنة وينفون نحو ذلك من الصفات , ثم إنه كثير في المتأخرين من أصحابه من ينكر هذه الأمور كما ينكرها فروع الجهمية ويجعل ذلك هو السنة ويجعل القول الذي يخالفها وهو قول مالك وسائر أئمة السنة هو البدعة ثم إنه مع ذلك يعتقد في أهل البدعة ما قاله مالك فبدل هؤلاء الدين فصاروا يطعنون في أهل السنة .هـ
أسأل الله الفقه في الدين إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين