جلالة "الكَرْمَة"
نضجت عناقيد العنب وتدلّت، حينئذ عرف الأهل أنّ الكرمة التي غرسوها ذات شتاء، تحتاج إلى سند أصلب لتستند إليه برفق. فعناقيدها برزت فوق الأغصان، ولا بدّ لها من حلّ عاجل.
جمع أهل الضيعة الأبناء والحفدة، وأومأوا جميعا إلى الكرمة، قال كبيرهم: العناقيد تثاقلت، والثمار ينعت. وها هو ذا العنب يبدو مكتنزا. ولا بد من سند صلب يحمي الكرمة من السقوط والتدحرج.
ابتسم أحدهم وقال متفائلا: القطف، القطف...ااا فهزّ إخوته رؤوسهم راضين، ولسان حالهم يقول: سنستدعي بقية الأشجار لنتبيّن هذا الخطب الجلل، حتّى لا نقع في مصيدة عناقيد العنب.
ولّى الأهل وجوههم شطر الكرمة، وهم يصرّحون بوجود السند الذي يصلح لحملها، وراح أحدهم يصف هيكله، والآخر يصوّر متانته. والأهل يصفقون لروعة الأمر، وعظمة الشأن، وبين الفينة والأخرى يشعر بعضهم بنخوة تختلج بخلده، ونشوة تجول بخاطره. فيهتف الجميع: القطف، القطف ...ااا
وأهل الكرمة ينتظرون وينتظرون، والكلام طال، والهتاف ازداد. التفت الأهل إلى كرمتهم، ولا سند يليق بها، فهزت الكرمة أغصانها لتلفت الانتباه إليها دون جدوى، وحافظت على شموخها إلى أن هوت، فتراكضت أشجار الضيعة لئلا يدهسها هول مصيبة الكرمة، ها هي ذي عناقيدها تبددت ولم تُقضم أبدا. وإلى الآن يشير الجميع بالبنان إلى جلالة الكرمة.