المدارس الصوفية في التوحيد
تبين في المباحث السابقة أن الصوفية يرون أن معرفة الإله ليست كسبية، وإنما هي إلهام عند بعض ومجاهدة عند بعض ونفث في روع عند بعض.
وتبين بالاستقراء أنهم وصلوا إلى الفناء بالله نتيجة المجاهدة أو نتيجة انعكاس النور الإلهي على مرآة القلب فيصبح في حالة تتلاشى معها الصفات المذمومة (الحسية) وتبقى معها الصفات المحمودة (الإلهية) وتتحقق حالة الفناء.
ومنهم من تترقى به الحال فيتحد بالله، فتنتفي بحقه الاثنينية ومنهم من يحل الإله به كمن قال ما في الجبة إلا الله.
ومنهم من يرى الوجود واحداً وهو القول بوحدة الوجود.
والحديث عن هذه المدارس غير الحديث عن الطرق فالطرق الصوفية متعددة جداً بعدد المشايخ.
فمنها القادرية والرفاعية والتجانية والبكتاشية والنقشبندية والبريلوية والملامتية والخلوتية وغيرها.
وقد عدد صاحب كتاب (الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ( )) حوالي مائة وخمسين طريقة في فصل كامل بعنوان (كشف بطائفة مما يسمونه الطرق الصوفية).
ومهما تعددت هذه الطرق فإنها لا تخرج عن المعنى العام للاتحاد بالله بصيغة من الصيغ الأربع التي سيتم الحديث عنها الآن وهي: الفناء ، الاتحاد ، الحلول ، وحدة الوجود.
والأمر كما قال قائلهم:
مذاهبنا شتى وحسنك واحدٌ
وكل إلى ذاك الجمال يشير
الفناء
ويبدأ البحث بالحديث عن الفناء.
1- تعريف الفناء لغة:
قال في لسان العرب( ) الفناء نقيض البقاء... وتفانى القوم قتل بعضهم بعضاً وتفانوا أي أفنى بعضهم بعضاً في الحرب وفني فناءً هرم وأشرف على الموت.
وقال في مختار الصحاح( ) مادة: ف ن ي: فني الشيء فناء باد، وتفانوا أفنى بعضهم بعضاً في الحرب وقال في (العين)( ): فني نقيض البقاء.
2- أما في الاصطلاح, فهو عندهم:
1. سقوط الأوصاف المذمومة كما أن البقاء وجود الأوصاف المحمودة والفناء فناءان أحدهما ما ذكر وهو بكثرة الرياضة والثاني عدم الإحساس بعالم الملك والملكوت بالاستغراق في عظمة الباري ومشاهدة الحق.( )
وإليه أشار المشايخ بقولهم الفقر سواد الوجه في الدارين فسواد الوجه في الدارين – حسب نفس المؤلف – هو الفناء بالله بالكلية بحيث لا وجود لصاحبه أصلاً، ظاهراً وباطناً، دنيا وآخرة،وهو الفقر الحقيقي، والرجوع إلى العدم الأصلي، ولهذا قالوا إذا تم الفقر فهو الله( ) وذكر صاحب كتاب التوقيف على مهمات التعاريف( ) نفس كلام الجرجاني.
2. الفناء: تبديل الصفات البشرية بالصفات الإلهية دون الذات فكلما ارتفعت صفة قامت صفة إلهية مقامها... وقيل الفناء هو سقوط الأوصاف المذمومة.
3. وقيل الفناء هو أن لا ترى شيئاً إلا الله، ولا تعلم إلا الله وتكون ناسياً لنفسك ولكل الأشياء سوى الله، فعندئذٍ يتراءى لك أنه الرب، إذ لا ترى ولا تعلم شيئاً إلا هو، فتعتقد أنه لا شيء إلا هو فتظن أنك هو، فتقول أنا الحق، وتقول ليس في الدار إلا الله وليس في الوجود إلا الله.( )
وعقد الهروي( ) باباً – في كتابه الموسوم ((منازل السائرين)) – في الفناء قال فيه: (( الفناء هو اضمحلال ما دون الحق علماً ثم جحداً ثم حقاً وهو ثلاث درجات فناء المعرفة بالمعروف وهو الفناء علماً، وفناء العيان في المعاين وهو الفناء جحداً وفناء الطلب في الوجود وهو الفناء حقاً.
والدرجة الثانية فناء شهود الطلب لإسقاطه وفناء شهود المعرفة لإسقاطها وفناء شهود العيان لإسقاطه.
والدرجة الثالثة هي الفناء عن شهود الفناء وهو الفناء حقاً، شائماً برق العين راكباً بحر الجمع سالكاً سبيل البقاء)).
وقد علق ابن القيم عليه في مدارج السالكين قائلاً:
وقد خبط صاحب المنازل في هذا الموضع وجاء بما يرغب عنه الكمل من سادات السالكين والواصلين إلى الله فقال الفكرة في عين التوحيد اقتحام بحر الجحود وهذا بناء على أصله الذي أصله وانتهى إليه كتابه في أمر الفناء فإنه لما رأى أن الفكرة في عين التوحيد تبعد العبد من التوحيد الصحيح عنده لأن التوحيد الصحيح عنده لا يكون إلا بعد فناء الفكرة والتفكر، والفكرة تدل على بقاء رسم لاستلزامها مفكراً وفعلاً قائماً به والتوحيد التام عنده لا يكون مع بقاء رسم أصلاً كانت الفكرة عنده علامة الجحود واقتحاما لبحره وقد صرح بهذا في أبياته في آخر الكتاب.( )
ما وحَّد الواحد من واحدٍ إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد
قال ابن القيم:
ومعنى أبياته ما وحد الله عز وجل أحد حق توحيده الخاص الذي تفنى فيه الرسوم ويضمحل فيه كل حادث ويتلاشى فيه كل مكون فإنه لايتصور منه التوحيد إلا ببقاء الرسم وهو الموحد وتوحيده القائم به فإذا وحده شهد فعله الحادث ورسمه الحادث وذلك جحود لحقيقة التوحيد الذي تفنى فيه الرسوم وتتلاشى فيه الأكوان فلذلك قال إذ كل من وحده جاحد هذا أحسن ما يحمل عليه كلامه وقد فسره أهل الوحدة بصريح كلامهم في مذهبهم قالوا معنى كل من وحده جاحد أي كل من وحده فقد وصف الموحد بصفة تتضمن جحد حقه الذي هو عدم انحصاره تحت الأوصاف فمن وصفه فقد جحد إطلاقه عن قيود الصفات وقوله توحيد من ينطق عن نعته أي توحيد المحدث له الناطق عن نعته عارية مستردة فإنه الموحد قبل توحيد هذا الناطق وبعد فنائه فتوحيده له عارية أبطلها الواحد الحق بإفنائه كل ما سواه.( )
وبسط ابن القيم الكلام في شرح كلام الهروي صاحب المنازل وبين أن من كلامه ما هو باب للاتحادية للقول بوحدة الوجود، وإن لم يقصدها الهروي فقال: قال الاتحادي هذا دليل على أن الشيخ (الهروي) يرى مذهب أهل الوحدة لأن العيان إنما يسقط في مبادئ حضرة الجمع لأنه يقتضي ثلاثة أمور معاين ومعاين ومعاينة وحضرة الجمع تنفي التعداد.أ.هـ.( )
ثم حاول بعد ذلك الدفاع عن الشيخ ورد قول الاتحادية، والذي يراه البحث أن ظاهر كلام الهروي قد تقدم وهو يشير إلى الوحدة بغض النظر عن احترام ابن القيم لآراء الشيخ الهروي، رغم أنه خطأه عند ما قال وقد خبط صاحب المنازل في هذا الموضع...إلخ.. وقد مر الكلام قبل صفحاته قليلة.
وختم ابن القيم حديثه عن الفناء بقوله:
ويعرض للسالك على درب الفناء معاطب ومهالك لا ينجيه منها إلا بصيرة العلم التي إن صحبته في سيره وإلا فبسبيل من هلك منها أنه إذا اقتحم عقبة الفناء ظن أن صاحبها قد سقط عنه الأمر والنهي لتشويشه على الفناء ونقضه له والفناء عنده غاية العارفين ونهاية التوحيد فيرى ترك كل ما أبطله وأزاله من أمر ونهي أو غيرهما ويصرح بعضهم بأنه إنما يسقط الأمر والنهي عمن شهد الإرادة وأما من لم يشهدها فالأمر والنهي لا زِمان له ولم يعلم هذا المغرور أن غاية ما معه الفناء في توحيد أهل الشرك الذين أقروا به ولم يكونوا به مسلمين البتة كما قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) وقال تعالى قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون )وقال تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) قال ابن عباس تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره.
ومن كان هذا التوحيد والفناء غاية توحيده انسلخ من دين الله ومن جميع رسله وكتبه إذ لم يتميز عنده ما أمر الله به مما نهى عنه ولم يفرق بين أولياء الله وأعدائه ولا بين محبوبه ومبغوضه ولا بين المعروف والمنكر وسَوى بين المتقين والفجار والطاعة والمعصية بل ليس عنده في الحقيقة إلا طاعة لاستواء الكل في الحقيقة التي هي المشيئة العامة الشاملة ثم صاحب هذا المقام يظن أنه صاحب الجمع والتوحيد وأنه وصل إلى عين الحقيقة وإنما وصل المسكين إلى الحقيقة الشاملة التي يدخل فيها إبليس وجنوده.( )
وتكلم القشيري قبل هؤلاء عن الفناء فبدا وكأنهم اقتبسوا منه كلامه بنصه حينا وبمعانيه حينا.( )
فأشار بالفناء إلى سقوط الأوصاف المذمومة وبالبقاء إلى قيام الأوصاف المحمودة.
ولكن القشيري نفسه ينسب للجنيد حادثة تتنافى وهذه القيم فيقول:
كان الجنيد قاعداً وعنده امرأته فدخل عليه الشبلي، فأرادت امرأته (امرأة الجنيد) أن تستتر فقال لها الجنيد: لا خبر للشبلي عنك فاقعدي، فلم يزل يكلمه الجنيد حتى بكى الشبلي فلما أخذ الشبلي في البكاء، قال الجنيد لامرأته استتري فقد أفاق الشبلي.
وسواء كانت هذه غيبة أو فناء أو سمها ما شئت. فأي أساس شرعي هو الذي يجعل الجنيد يقول لامرأته بعدم الاستتار.؟!
وقال أبو الحسين النوري، وهو من أقران الجنيد:
أعلى مقامات أهل الحقائق انقطاعهم عن الخلائق وسبيل المحبين التلذذ بمحبوبهم وسبيل الفانين الفناء في محبوبهم.( )
وقال أبو العباس الدينوري:
مكاشفات الأعيان بالأبصار، ومكاشفات القلوب بالاتصال، وإن أدنى الذكر بنفي ما دونه، ونهاية الذكر بأن يغيب الذاكر في الذكر عن الذكر ويستغرق بمذكوره عن الرجوع إلى مقام الذكر، وهذا هو حال فناء الفناء( ) ونقل القشيري عن بعضهم أن ذا النون المصري بعث إنساناً من أصحابه إلى أبي يزيد لينقل إليه صفة أبي يزيد، فلما جاء الرجل إلى بسطام سأل عن دار أبي يزيد فدخل عليه فقال له أبو يزيد ما تريد؟ فقال الرجل: أريد أبا يزيد فقال: (أبو يزيد) من أبو يزيد؟ وأين أبو يزيد؟ أنا في طلب أبي يزيد، فخرج الرجل وقال هذا مجنون. ورجع إلى ذي النون فأخبره ما شهد فبكى ذو النون وقال: أخي أبو يزيد ذهب في الذاهبين لله.( )
وحقيقة ما يقصد بقوله ذهب في الذاهبين أنه فني في الله – وانسلخ من الحدث وبقي بالقدم، وهذا ما يؤكده ابن القيم، إذ يقول:
والفناء الذي يشير إليه القوم ويعملون عليه أن تذهب المحدثات في شهود العبد وتغيب في أفق العدم كما كانت قبل أن توجد ويبقى الحق تعالى كما لم يزل ثم تغيب صورة المشاهد ورسمه أيضاً فلا يبقى له صورة ولا رسم ثم يغيب شهوده أيضاً فلا يبقى له شهود ويصير الحق هو الذي يشاهد نفسه بنفسه كما كان الأمر قبل إيجاد المكونات وحقيقته أن يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل.( )
وهذه المعاني المطروحة في الفناء ليست جديدة تماماً فقد عبر عنها القدامى معنى دون التصريح باللفظ.
فقد مر في تعريف التصوف قول الجنيد التصوف أن تكون مع الله بلا علاقة وهذا هو التعبير القوي عن حالة الفناء. خصوصاً إذا ما قرأنا قولاً آخر للجنيد، في معنى التصوف إذ يقول: هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به.
وتكلم غير الجنيد من القدامى أيضاً في هذا المعنى، وذلك مثل قول أبي علي الروذباري عن التصوف: هو اضمحلال معالم الإنسانية وممن تكلم من سادتهم بالفناء أبو سعيد الخراز؛ قال في حلية الأولياء 10/246.. أبو سعيد الخراز ابن أحمد بن عيسى صحب ذا النون ونظراءه، وانتشرت بركاته على أصحابه ومتبعيه سيد من تكلم في الفناء.
وقال الذهبي عنه: صحب سرياً السقطي وذا النون المصري ويقال أنه أول من تكلم في الفناء... توفي سنة 277هجرية.
وقال السلمي هو إمام القوم في كل فن من علومهم... وهو أحسن القوم كلاماً ما خلا الجنيد فإنه الإمام.( )
والفناء بشتى صوره قد يقترب من حيث المعنى من الوحدة(وحدة الوجود)، لأن الحالتين (حالة الفناء وحالة الوحدة) تتحول فيهما الذاتان القديمة والمحدثة إلى ذات واحدة هي القديمة.
وقد تم الخلط بينهما كثيرا سواء عند الصوفية أو عند الفلاسفة
فقد عبر الفلاسفة عن هذا النوع من الفناء بأكثر من مقولة، إذ وصف د. مصطفى النشار حالة أفلاطون للفناء بالله قائلاً.
وعلى الرغم من محاولة أفلاطون الدائمة الاتحاد بذلك (الخير)( ) للوصول إلى معرفته معرفة حدسية مباشرة إلا أن هذا الشوق العميق إلى تلك الوحدة الصوفية وإلى تحقيق وحدة كاملة بين النفس الإنسانية والإله لا ينبغي أن يفهم على أنه نزعة صوفية متطرفة عند أفلاطون( ) والذي يهم البحث من الشاهد محاولة أفلاطون للفناء بالله او الاتحاد به علماً أن د. نشار أورد لفظ الوحدة الذي قد لا يناسب المكان الذي ذكره فيه.
وعلى أية حال فإن مقولات الفلاسفة في الفناء والاتحاد كثيرة. سيتم ذكرها بعد الحديث عن المدارس الأربع في التوحيد.
وممن قال بالفناء ابن الفارض( ) في عدة قصائد له أهمها تائيته المشهورة التي بلغت سبعمائة وستون بيتا إذ جاء فيها
وما كان لي صلى سواي ولم تكن صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
إلى كم أؤاخي الستر ها قد هتكته وحل أواخي الحجب في عقد بيعتي
أممت أمامي في الحقيقة فالورى ورائي وكانت حيث وجهت وجهتي
يراها أمامي في صلاتي ناظري و يشهدني قلبي إمام أئمتي
ولا غرو إن صلى الإمام إلي إن ثوت في فؤادي وهي قبلة قبلتي
وكل الجهات الست نحوي توجهت بما تم من نسك وحج وعمرة
إلى أن يقول :
فمن بعدماجاهدت شاهدت مشهدي وهاديَ لي إياي بل بي قدرتي
وبي موقفي لا بل إلي توجهي كذاك صلاتي لي ومني كعبتي
وقد اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ابن الفارض مع ابن عربي من أصحاب وحدة الوجود ,وَلَكَثرَة ما أورد اسميهما معا في الرد على أصحاب وحدة الوجود( )
إلا أن ما جعل البحث يصف شعر ابن الفارض في مدرسة الفناء تركيزه على الصحو والمحو وهذه مسائل تتعلق بالفناء رغم أن المحصلة واحدة في الفناء والوحدة وينزه ابن الفارض نفسه عن الحلول بقوله
ولي من أتم الرؤيتين إشارة
تنزه عن رأي الحلول عقيدتي
وقد عد أبو الوفا التفتازاني ابن الفارض من المتأثرين بنظرية الفيض الإفلاطونية المحدثة فقال:والواقع أن ابن الفارض ومن قبله الإسماعيلية والحلاج ومعاصره ابن عربي متأثرون جميعا بنظرية الفيض الإفلاطونية المحدثة( )التي هي تعبير خالص عن وحدة الوجود ,ويرى د.محمد مصطفى حلمي أن مثل هذه الآراء(العقدية) عند ابن الفارض قد تكون مردودة إلى مصدر زرادشتي أقدم فيقول:ورد في أحد كتب الديانة الزرادشتية أن الصفي والولي والكلمة الذكية كل ذلك كان قبل أن تكون السماء والأرض والأنعام والأشجار والنار( ),والصوفية كلهم يقولون بهذا تحت مسمى(الحقيقة المحمدية) التي يقول ابن الفارض فيها
وروحي للأرواح روح وكل ما ترى حسنا في الكون من فيض طينتي
و كلهم عن سبق معناي دائر بدائرتي أو وارد في شريعتي
وإني وإن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن شهود ولم تعهد عهود بذمة
فلا حي إلا عن حياتي حياته وطوع مرادي كل نفس مريدة
والذي يلوح للبحث أن كلام د. محمد مصطفى حلمي لا يتعارض مع الكلام الأول إذا لوحظ رأي د.عبد الرحمن بدوي الذي يرى أن الإفلاطونية المحدثة نفسها متأثرة بالفلسفة الشرقية إذ يقول بعد عرضه للنظرية وحديثه عن الله والعقل والنفس والطبيعة والعالم المحسوس...:وهنا نجد أنفسنا في عالم مختلف كل الإختلاف عن العالم الذي ألفناه في الفلسفة اليوناية بالمعنى الصحيح,حيث يسقط الفارق بين الذات والموضوع ولا يكون ثمة انسجام بين الاثنين ولا تفرقة وإنما يكون محو لعالم الموضوع في عالم الذات فننتقل حينئذ إلى الذاتية المطلقة التي تفصل فصلا تاما أو شبه تام بين الروح اليونانية والروح الشرقية, وهكذا نجد أفلوطين في الواقع يمثل الروح الشرقية أكثر من تمثيله للروح اليونانية...وبهذا الإفناء للموضوع في الذات ...ينتهي الفكر القديم( )