عــــــرش اولاد خالـــــد
منقول ع[IMG][/IMG]ن كتاب الدكتور عباسي عبد الحميد "منطقة بن سرور ..جهاد متصل من الحركة الوطنية الى ثورة التحرير" الصفحة من 20الى 40.
ينتسب سكان دائرة بن سرور من عرشي أولاد خالد بن زكري وأولاد سليمان بن عبدالله بن زكري إلى قبيلة سيدي نائل كبرى القبائل العربية في الجزائر وربما أكبر قبائل المغرب العربي كله ، ويجمع الرواة وبعض المصادر وأشجـار الأنساب أن "سيدي نائل" هذا هو :محمد بن عبد الله الخرشفي الشريف الإدريسي الحسني و"نائل" لقب مدح و تكريم له لنيله شرف العلم والفقه والانتساب حيث ينتهي نسبه إلى الدوحة النبوية الشريفة ،"وذكروا في سبب تلقيبه بنائل أنه نال
الخير بخدمة الصالحين ومحبتهم والصدق في موالاتهم وكمال مودتهم..(06) ، والملاحظ أن جل المصادر التاريخية تتفق في إثبات صفات الشرف والفضل إلى سيدي نائل وذريته لصلتهم المؤكدة ببيت النبوة، *ولسيدي نايل إخوة منتشرون في جهات مختلفة من بلاد المغرب العربي ذكرتهم العديد من المصادر التاريخية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتاب "التحقيق في النسب الوثيق، وكتاب سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول المشار إليهما هنا.
وقد عملت هذه المصادر جميعها على تصحيح الخطأ الذي وقع فيه ابن خلدون صاحب "المقدمة" حين نسب سهوا منه أبناء نائل الأشراف إلى الهلاليين الذين تدفقوا من مصر إلى شمال إفريقيا في منتصف القرن الخامس الهجري( الحادي عشر الميلادي، خالطا بذلك بين ذرية الشريف سيدي نائل في الجزائر و قبيلة هلالية ليبية تحمل الاسم نفسه، وقد حدث نتيجة ذلك وهْمُُ وخلط لدى بعض المؤرخين الجزائريين المتأخرين مثل الحسين الورتلاني وأحمد توفيق المدني والشيخ عبد الرحمن الجيلالي ومبارك الميلي (01)وغيرهم ، وانساقوا هم كذلك دون تثبّت وروية وراء الرواية الخلدونية في نسبة أشراف قبيلة سيدي نائل الجزائرية وهْما منهم وخلطا إلى قبائل بني هلال، فإذا علمنا أن ابن خلدون ولد سنة 1332 ،وسيدي نايل ولد بين سنتي 1484 و 1504 فإن متوسط الفرق الزمني بين الرجلين حوالي 170 سنة قبل ميلاد سيدي نايل... يقول صاحب "سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول "نقلا عن صاحب "السلسلة الوافية"02) "وأما أولاد نائل المستقرون بايالة طرابلس الغرب الذين ذكرهم ابن خلدون في العبر وذكرهم الشيخ الحسين الورتلاني في رحلته فليس لهم حظ في الشرف البتة ،ولا لهم قرابة في سيدي نائل المذكور ، حيث أن أصلهم من عرب المعقل الذين وفدوا على افريقية مع عرب هلال في سنة 460هـ ،ودليله أن ابن خلدون متقدم على سيدي نائل بنحو مائة سنة حيث وفاة ابن خلدون في سنة 808 هـ ، وسيدي نائل من أصحاب القرن العاشر لأنه من تلامذة الولي الصالح سيدي أحمد ابن يوسف الراشدي الملياني....وكان سيدي أحمد بن يوسف رضي الله عنه توفي في سنـة 923هـ ،تأمل فيما بين وفاة ابن خلدون في أول القرن التاسع، ووفاة سيدي أحمد بن يوسـف الذي هو شيخ سيدي نائل في القرن العاشر مع أن كتابه "العبر" كان ألفه في آخر عمره ، فإذا تأملت في الزمان الذي بين المذكورين يتضح لك الفرق جليا ويزول الإشكال."
أما عرش أولاد خالد بن زكري بن محمد نايل وهم سكان بلديتي بن سرور ومحمد بوضياف "وادي الشعير" فهم إحدى بطون قبيلة سيدي نائل كما سبقت الإشارة،ينتسبون لخالد وهو ابن صلب لزكريا أو زكري بن محمد نائل وثالث أبنائه،وكانت فرنسا تسميهم "أولاد خالد" قبل أن يصيروا كيانا إداريا اسمه بن سرور ، و كان عرش أولاد خالد بعد سنة 1928 ثاني أكبر عرش من أعراش منطقة بوسعادة اذ تجاوز عددهم ثلاثة الآف نسمة يضاف إليهم عدد قليل من اليهود والأوربيين في حين كان عدد سكان مدينة بوسعادة حوالي سبعة آلاف وخمسمائة نسمة حسب الإحصائيات التي أجرتها الإدارة الفرنسية.
ويقدّر عددهم اليوم في البلديتين بنحو 40.000 نسمة أو يزيد قليلا ، يقيمون على مساحة جغرافية تقدر ب: 1069 كلم2 (01) متنوعة التضاريس بين جبال منيعة شامخة*، و سهول منبسطة واسعة، تتخللها وديان **ومجاري وعيون وكل ما يوفر للسكان من أسباب العيش الكريم وسبل الاستقرار والاستمرار ، وكان لكل جبل من هذه الجبال وكل وادي وكل سهل أو وعر قصة خالدة مع الثورة التحريرية المباركة.
وإذا كانت نسبة سيدي نائل إلى البيت النبوي الشريف قد حسمتها المصادر الكثيـــرة والروايات المتواترة كما تقدم ، ونسبة خالد إلى أبيه وجده قد أكدتها أيضا علاقة البنوة وصلة الرحم الثابتة على سبيل اليقين، فإن نسبة أبناء خالد إلى خالد أو البعض منهم على الأقل تبقى مثار شك وجدل وتساؤل، ومع أن العديد من المصادر والأخبار المتواترة والروايات الشفهية وأشجار الأنساب قد أثبتت أن لأخوي خالد "امحمد و عبد الله" أبناء فإنها من جهة أخرى سكتت و لم تذكر ما إذا كان لخالد بن زكري أبناء أيضا أم لا ، وما هو ترتيبه بين إخوته؟وما صلة من ينتسبون إليه به؟؟.. وغير ذلك من الأسئلة المعلقة التي تحتاج إلى إجابة .
و يتكون عرش أولاد خالد من عشر فرق رئيسية هي: أولاد عبد الله .أولاد علي .أولاد بقيرة . أولاد جلود .أولاد شانعة . أولاد بزين . القوايد . أولاد بسوقة .أولاد سيدي عثمان . أولاد أحميدة.
وفي غياب أي مصادر أو وثائق يمكن الركون إليها أو الاستئناس بها، فإننا نجهل تماما صلة هؤلاء العشرة بخالد؟ هل هم أبناء صلب أم أحفاد أم أبناء بالتبني أم مجرد طلاب يبحثون عن شرف القرب والانتساب ليس إلا؟. والحقيقة أن الخلاف لا يثار في العادة حول صحة نسبة بعض فرق أولاد خالد لجدهم زكري بن محمد نائل فهذه مسألة أجمعت عليها كل الروايات المكتوبة والمنقولة وثبّتتها أشجار الأنساب، وإنما يأتي الخلاف و يسرى التشكيك و الغموض في صحة نسبة البعض الآخر من الفرق المكونة لهذا العرش إلى خالد نفسه ناهيك عن الخلط الحاصل في نسب الكثير من العائلات داخل الفرقة الواحدة، وقد سمعنا من يقول مثلا إن أبناء خالد الحقيقيين هم ثلاث عائلات من ثلاث فرق فقط والباقي لا صلة لهم البتّة بخالد بن زكري * وحين تسألهم عن السند التاريخي الذي يستندون إليه ،أو الحجة المنطقية التي تبرر قولهم فإنهم لا يجيبون...مع الإقرار دون إنكار بإمكانية وجود شيء من هذا القبيل، فهناك بعض العائلات التي لم تثبت نسبتها لهذا العرش على سبيل القطع و اليقين كما يحصل عادة، ومن لم تثبت نسبته لخالد حصرا فإن ثبوت نسبه لزكري لا خلاف عليه،وحتى من لم يثبت نسبه لزكري فإن صلة نسبه بمحمد نايل تبقى قائمة وثابتة لا محالة.
والشائع في الأنساب عامة أن من أسباب ضياع نسب بعض العائلات إلى قبائلها الأصلية يحدث أحيانا بسبب نسبتها إلى الأماكن والبلدان التي تسكنها دون الانتساب إلى الأجداد والقبائل والأعراش، فنجد من الألقاب: التلمساني والميلي والعقبي والأوراسي والصحراوي والتلي والشرقي والغربي..الخ ، وهذا مصداقا لقول صاحب ألفية الحديث في هذا المعنى:
وضاعت الأنساب في البلدان... فنُسب الأكثر للأوطان(01)
وسبب هذا الخلط في رأيي يعود من جهة إلى عدم اهتمام بعض الناس بضبط وتوثيق أنسابهم، ومن جهة أخرى إلى قلة المصادر و الوثائق التي تهتم بهذه الناحية ، وفي ظل غياب ذلك يفْرط الناس في الاعتماد على الروايات الشفهية الضعيفة والمغالية والمتناقضة في الكثير من الأحيان ،وعدم تحري الدقة والموضوعية من قبل البعض فيما يقولون ويكتبون.
وقد قرأت في هذا السياق نصا لأحد الكتاب المحترمين سار فيه بلا دليل وقال فيه بلا برهان وأطلق العنان لخياله وقلمه دون تروِِ حيث أخرج فرقة كاملة من دائرة الانتساب إلى عرش أولاد خالد بجرة قلم وجعلهم مجرد أدعياء نسب و شركاء أرض معهم كما نسب إلى هذه الفرقة من ليس منها من الأُسر أصلا..."...وقد عرفوا بالعثامين أو أولاد عثمان ، وقد امتزجـوا مع أولاد نائل وبخاصة أولاد خالد،وأولاد فرج وهم من ذرية عثمان اليلماني الذي خرج من القصبة ناقلا الرسالة التي جاء بها جده يلمان وهي الدعوة والتعليم ، وهم شـــركاء أرض في هذا الزمن مع أولاد خالــد في دائرة بن سـرور ولايـــة المسيلة، ومن بعض ألقابهم قني وبن سعد وبوعشرين وعبـاسي.."(01)
وربما نلتمس للكاتب العذر،وقد نسايره فيما ذهب إليه لو أن الأمر يخص عائلة أو اثنتين من هذه الفرقة انقطعت صلتهما أو اندمجتــا في غيرهما لسبب من الأسباب ،لكن من غير أن ينسحب حكمه على فرقة كاملة كما رأينا في هذا المثال .
ينفرد أبناء عرش أولاد خالد اليوم على غيرهم من ذرية سيدي نايل بأنهم العرش الوحيد الذي بقي محافظا على مضارب جده الأول "الحطبة بوادي الشعير" مقيما بها إلى اليوم ،وقد يكون ذلك عاملا من عوامل التقدير والتبجيل والاحترام التي يحظون بها لدي أشقائهم الأخرين من ذرية نايل.
وقد لا أكون مبالغا إن قلت إن أبناء هذه القبيلة - كسائر أشقائهم –مازالوا يحافظون على أصالة الأجداد و يتصفون بالكثير من المناقب الكريمة والخصال العربية الأصيلة التي ورثوها عن أسلافهم الأوائل كابر عن كابر، مثل حبهم لرياضة القنص والصيد وشغفهم بتربية الخيل و تمرسهم في فن الفروسية حتى عُرفوا بها وعرفت بهم ، واتصافهم بالنخوة وإباء الضيم وصفاء السريرة وسمو الأخلاق "وحسن الطباع وفرط السخاء وإكرام الأضياف والإيثار على النفس... وفيهم من الأولياء والعلماء والأبطال والأجواد ما لا يحصى"(02).
وقد بوأتهم هذه الصفات الحميدة والمناقب العديدة مكانة لائقة ومنزلة سامقة بين القبائل و الأعراش المجاورة وجعلتهم على الدوام محل ثقة وتبجيل ورفعة و احترام ، لأنهم كانوا سباقين إلى فعل الخير تواقين إلى التحلي بمحاسن الأخلاق ، من الدعاة السعاة إلى فض المنازعات و إصلاح ذات البين ومشاركة غيرهم في الأفراح والأتراح ،وكان آخر مسعى نبيل في سلسلة مساعيهم المشكورة وأفعالهم المبرورة ، تلك الوساطة المثمرة الناجحة التي قاموا بها لجبر الكسر ورأب الصدع وتهدئة الخواطر والنفوس وطي صفحة خلاف حاد نشب بين عرشين كريمين هما أولاد أحمد وأولاد سيدي زيان من ذرية يحي بن محمد نايل (03) سكان ناحية عين الملح، وقد أوشك ذلك الخلاف الطارئ الذي استمر لشهور أن يحدث السوء والأذى و يزرع الفتنة والبغضاء بين العشيرتين الشقيقتين المتجاورتين ، والأجمل في تلك الوساطة وذلك الصلح هو رمزية المكان الذي التأمت فيه جماعة الصلح الإصلاح ودلالته ومغزاه، بحيث جرى جمع شمل الطرفين المتخاصمين في بيت العم الأكبر ووارث خيمة الجد نائل خالد بن زكري ،في الحطبة "وادي الشعير القديمة،والحطبة كما هو معلوم هي محل إقامة الجد الأكبر" محمد نائل "ومسقط رؤوس أبنائه ،فانعكست رمزية المكان ودلالته التاريخية والعاطفية ايجابيا على نفسية الفرقاء، فلطّفت الأجواء ،وصفّت الأهواء ،وعززت الأواصر، وقربت القلوب إلى القلوب ،وخرج الفريقان المتخاصمان متآخيان متعانقان، وانطفأت من يومها جمرة الفتنة والشحناء بينهما إلى غير رجعة .