|
قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
القواعد الحسان لتفسير القرآن (71 قاعدة) - إبن السعدي رحمه الله -
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
2015-01-05, 14:57 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
القواعد الحسان لتفسير القرآن (71 قاعدة) - إبن السعدي رحمه الله -
آخر تعديل ابو اكرام فتحون 2015-03-30 في 21:32.
|
||||
2015-01-05, 15:02 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
القاعدة الثانية: العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب وهذه القاعدة نافعة جداً، بمراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعلم غزير، وبإهمالها وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير، ويقع الغلط والارتباك الخطير. وهذا الأصل اتفق عليه المحققون من أهل الأصول وغيرهم، فمتى راعيت القاعدة حق الرعاية وعرفت أن ما قاله المفسرون من أسباب النزول إنما هوعلى سبيل المثال لتوضيح الألفاظ، وليست معاني الألفاظ والآيات مقصورةً عليها. فقولهم: نزلت في كذا وكذا، معناه: أن هذا مما يدخل فيها، ومن جملة ما يراد بها، فإن القرآن ـ كما تقدم ـ إنما نزل لهداية أول الأمة وآخرها، حيث تكون وأنى تكون. والله تعالى قد أمرنا بالتفكر والتدبر لكتابه، فإذا تدبرنا الألفاظ العامة، وفهمنا أن معناها يتناول أشياء كثيرة، فلأي شيء نخرج بعض هذه المعاني، مع دخول ما هو مثلها ونظيرها فيها (1) ؟ ولهذا قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه " إذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك، فإنه إما خير تُؤمر به، وإما شر تُنهى عنه ". فمتى مر بك خبر عن صفات الله وأسمائه، وعما يستحقه من الكمال، وما يتنزه عنه من النقص. فأثبت له جميع ذلك المعنى الكامل الذي أثبته سبحانه لنفسه ونزّهه عن كل ما نزه نفسه عنه، وكذلك إذا مر بك خبر عن رسله وكتبه واليوم الآخر، وعن جميع الأمور السابقة واللاحقة، فاجزم جزماً لا شك فيه أنه حق على حقيقته، بل هو أعلى أنواع الحق والصدق، قيلا وحديثا. وإذا أمر بشيء نظرت إلى معناه، وما يدخل فيه وما لا يدخل، وعلمت أن ذلك الأمر موجه إلى جميع الأمة، وكذلك في النهي. ولهذا كانت معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله أصلَ كل الخير والفلاح، والجهل بذلك أصل كل الشر والخسران. فمراعاة هذه القاعدة أكبر عون على معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله والقيام بها. والقرآن قد جمع أجل المعاني وأنفعها وأصدقها بأوضح الألفاظ وأحسنها كما قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] ، يوضح ذلك ويبينه وينهج طريقته |
|||
2015-01-05, 15:05 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
القاعدة الثالثة: الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس تفيد الاستغراق بحسب ما دخلت عليه وقد نص على ذلك أهل الأصول وأهل العربية، واتفق على اعتبار ذلك أهل العلم والإيمان. فمثلُ قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ـ إلى قوله تعالى ـ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35] يدخل في هذه الأوصاف كل ما تناوله من معاني الإسلام والإيمان والقنوت والصدق إلى آخرها. وأن بكمال هذه الأوصاف يكمل لصاحبها ما رتب عليها من المغفرة والأجر العظيم، وبنقصانها ينقص، وبعدمها يفقد، وهكذا كل وصف رتب عليه خير وأجر وثواب، وكذلك ما يقابل ذلك كل وصف نَهى الله عنه ورتب عليه وعلى المتصف به عقوبة وشراً ونقصاً، يكون له من ذلك بحسب ما قام به من الوصف المذكور، وكذلك مثل قوله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} [المعارج من 19: 21] ، عام لجنس الإنسان. فكل إنسان هذا وصفه إلا من استثنى الله بقوله: {إِلَّا الْمُصَلِّين َ} [المعارج:22] إلى آخرها كما أن قوله: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر 1، 2] دال على أن كل إنسان عاقبته ومآله إلى الخسار {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] وأمثال ذلك كثير. وأعظم ما تعتبر به هذه القاعدة: في الأسماء الحسنى، فإن في القرآن منها شيئاً كثيراً، وهي من أجل علوم القرآن بل هي المقصد الأول للقرآن. فمثلاً يخبر الله عن نفسه: أنه الرب الحي القيوم، وأنه الملك والعليم والحكيم، والعزيز والرحيم، والقدوس السلام، والحميد المجيد. فالله هو الذي له جميع معاني الربوبية التي يستحق أن يؤله لأجلها وهي صفات الكمال كلها، والمحامد كلها له، والفضل كله، والإحسان كله، وأنه لا يُشارِك اللهَ أحد في معنى من معاني الربوبية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] لا بشر ولا مَلَك، بل هم جميعاً عبيد مربوبون لربهم بكل أنواع الربوبية، مقهورون خاضعون لجلاله وعظمته، فلا ينبغي أن يكون أحد منهم نداً، ولا شريكا لله في عبادته وإلهيته، فبربوبيته سبحانه يربي الجميع من ملائكة وأنبياء وغيرهم: خلقاً ورزقاً وتدبيراً وإحياء وإماتة، وهم يشكرونه على ذلك بإخلاص العبادة كلها له وحده، فيؤلهونه ولا يتخذون من دونه ولياً ولا شفيعاً، فالإلهية حق له سبحانه على عبادته بصفة ربوبيته، وأنه الملك الذي له جميع معاني الملك، وهو الملك الكامل والتصرف النافذ، وأن الخلق كلهم مماليك لله، عبيد تحت أحكام ملكه القدرية والشرعية والجزائية (1) ، وأنه العليم بكل شيء، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، الذي أحاط علمه بالبواطن والظواهر والخفيات والجليات والواجبات والمستحيلات، والجائزات. والأمور السابقة واللاحقة والعالم العلوي والسفلي والكليات والجزئيات. وما يعلم الخلق وما لا يعلمون {ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] وأنه الحكيم الذي له الحكمة التامة الشاملة لجميع ما قضاه وقدره وخلقه، وجميع ما شرعه لا يخرج عن حكمته، لا مخلوق ولا مشروع، وأنه العزيز الذي له جميع معاني العزة على وجه الكمال التام من كل وجه، عزة القوة وعزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة، وأن جميع الخلق في غاية الذل ونهاية الفقر، ومنتهى الحاجة والضرورة إلى ربهم، وأنه الرحمن الرحيم الذي له جميع معاني الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء، ولم يخل مخلوق من إحسانه وبره طرفة عين. تبلغ رحمته حيث يبلغ علمه {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} [غافر: 7] وأنه القدوس السلام، المعظم المنزه عن كل عيب وآفة ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له ند من خلقه. وهكذا بقية الأسماء الحسنى، اعتبرْها بهذه القاعدة الجليلة ينفتح لك باب عظيم من أبواب معرفة الله، بل أصل معرفة الله تعالى معرفة ما تحتوي عليه أسماؤه الحسنى، وتقتضيه من المعاني العظيمة، بحسب ما يقدر عليه العبد، وإلا فلن يبلغ علم أحد من الخلق بذلك، ولن يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده. ومن ذلك قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، يشمل جميع أنواع البر والخير، وتشمل التقوى جميع ما يجب اتقاؤه من أنواع المَخُوفات والمعاصي والمحرمات. والإثم: اسم جامع لكل ما يؤثم، ويوقع في المعصية. كما أن العدوان: اسم جامع يدخل فيه جميع أنواع التعدي على الناس في الدماء والأموال والأعراض، والتعدي على مجموع الأمة، وعلى الحكومات والتعدي على حدود الله. و" المعروف " في القرآن: اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً، وعكسه: المنكر والسوء والفاحشة. وقد نبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته إلى هذه القاعدة، وأرشدهم إلى اعتبارها إذ علمهم أن يقولوا في التشهد في الصلاة: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) فقال: (فإنكم إذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح من أهل السماء والأرض) [رواه البخاري] وأمثلتها في القرآن كثيرة جداً. |
|||
2015-01-05, 15:09 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
القاعدة الرابعة:
إذا وقعت النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام دلت على العموم كقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36] فإنه نهى عن الشرك به في النيات، والأقوال والأفعال، وعن الشرك الأكبر، والأصغر والخفي، والجلي. فلا يجعل العبد لله نداً ومشاركاً في شيء من ذلك. ونظيرها قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً} [البقرة: 22] . وقوله في وصف يوم القيامة: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} [الانفطار: 19] ، يعم كل نفس، وأنها لا تملك شيئاً من الأشياء، لأي نفس أخرى، مهما كانت الصلة، لا إيصال شيء من المنافع، ولا دفع شيء من المضار. وكقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] ، فكل ضر قدره الله على العبد ليس في استطاعة أحد من الخلق كائنا من كان كشفه بوجه من الوجوه. ونهاية ما يقدر عليه المخلوق من الأسباب والأدوية: إنما هو جزء من أجزاء كثيرة داخلة في قضاء الله وقدره. وقوله: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] وقوله {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] يشمل كل خير في العبد ويصيب العبد، وكل نعمة فيها حصول محبوب، أو دفع مكروه، فإن الله هو المنفرد بذلك وحده. وقوله {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُو} [فاطر: 3] ،وإذا دخلت [من] صارت نصاً في العموم كهذه الآية: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:47] وقوله {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] ، ولها أمثلة كثيرة جداً. |
|||
2015-01-05, 15:14 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
القاعدة الخامسة: المقرر أن المفرد المضاف يفيد العموم كما يفيد ذلك اسم الجمع فكما أن قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلى آخرها يشمل كل أم انتسبت إليها، وإن علت. وكل بنت انتسبت إليك وإن نزلت ـ إلى آخر المذكورات ـ فكذلك قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] فإنها تشمل النعم الدينية والدنيوية، وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] فإنها تعم الصلوات كلها، والأنساك كلها، وجميع ما العبد فيه وعليه في حياته ومماته، الجميع من الله فضلاً وإحساناً، وأنك قد أتيت ما أتيت منه وأوقعته وأخلصته لله وحده، لا شريك له. وقوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] على أحد القولين: إنه يشمل جميع مقاماته في مشاعر الحج: اتخذوه معبداً. وأصْرَح من هذا قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [النحل: 123] ، وهذا شامل لكل ما هو عليه من التوحيد والإخلاص لله تعالى، والقيام بحق العبودية. وأعم من ذلك وأشمل: قوله تعالى لما ذكر الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] فأمره الله أن يقتدي بجميع ما عليه المرسلون من الهدى، الذي هو العلوم النافعة والأخلاق الزاكية، والأعمال الصالحة، والهدى المستقيم. وهذه الآية أحد الأدلة على الأصل المعروف: [أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه] وشرع الأنبياء السابقين هو هداهم في أصول الدين وفروعه، وكذلك قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153] ، وهذا يعم جميع ما شرعه لعباده، فعلاً وتركاً، اعتقاداً وانقياداً، وأضافه إلى نفسه في هذه الآية لكونه هو الذي نصبه لعباده، كما أضافه إلى الذين أنعم عليهم في قوله {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] لكونهم هم السالكين له. فصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ما اتصفوا به من العلوم والأخلاق والأوصاف والأعمال وكذلك قوله {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: 110] يدخل في ذلك جميع العبادات الظاهرة والباطنة، العبادات الاعتقادية والعملية، كما أن وصف الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعبودية المضافة إلى الله كقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الاسراء: 1] وكقوله {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:23] وقوله {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] تدل على أنه وفَّي جميع مقامات العبودية، حيث نال أشرف المقامات بتوفيته لجميع مقامات العبودية، وقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] فكلما كان العبد أقوم بحقوق العبودية كانت كفاية الله له أكمل وأتم، وما نقص منها نقص من الكفاية بحسبه. وقوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] وقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] يشمل جميع أوامره القدرية الكونية. وهذا في القرآن شيء كثير. |
|||
2015-01-05, 15:16 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
|
|||
2015-01-06, 00:57 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم |
|||
2015-01-06, 14:54 | رقم المشاركة : 8 | |||
|
|
|||
2015-01-06, 14:57 | رقم المشاركة : 9 | |||
|
القاعدة الرابعة عشرة:
حذف المتعلق المعمول فيه: يفيد تعميم المعنى المناسب له وهذه قاعدة مفيدة جداً، متى اعتبرها الإنسان في الآيات القرآنية أكسبته فوائد جليلة. وذلك أن الفعل وما هو معناه متى قيد بشيء تقيد به، فإذا أطلقه الله تعالى، وحذف المتعلق كان القصد من ذلك التعميم، ويكون الحذف هنا أحسن وأفيد كثيراً من التصريح بالمتعلقات، وأجمع للمعاني النافعة. ولذلك أمثلة كثيرة جداً: منها: أنه قال في عدة آيات {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151، 152، 153] فيدل ذلك على أن المراد: لعلكم تعقلون عن الله كل ما أرشدكم إليه وكل ما علمكموه، وكل ما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة، ولعلكم تذكرون، فلا تنسون ولا تغفلون، فتكونون دائماً متيقظين مُرْهفي الحواس تحسون كل ما تمرون به من سنن الله وآياته، فتذكرون جميع مصالحكم الدينية والدنيوية، ولعلكم تتقون جميع ما يجب اتقاؤه من الغفلة والجهل والتقليد، وكل ما يحاول عدوكم أن يوقعكم فيه من جميع الذنوب والمعاصي، ويدخل في ذلك ما كان سياق الكلام فيه وهو فرد من أفراد هذا المعنى العام. ولهذا كان قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] : يفيد كل ما قيل في حكمة الصيام، أي لعلكم تتقون المحارم عموماً، ولعلكم تتقون ما حرم الله على الصائمين من المفطرات والممنوعات، ومن كل الأحوال والصفات السيئة والخبيثة، ولعلكم تتصفون بصفة التقوى، وتحصلون على كل ما يقيكم مما تكرهون، وتتخلقون بأخلاقها، وهكذا سائر ما ذكر فيه هذا اللفظ مثل قوله {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أي المتقين لكل ما يُتقى من الكفر والفسوق والعصيان، المؤدين للفرائض والنوافل التي هي خصال التقوى. وكذلك قوله {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] أي إن الذين كانت التقوى وصفهم، واليقظة والتدبر لسنن الله وآياته حالهم، وترك المحارم شعارهم متى زين لهم الشيطان بعض الذنوب ولبس عليهم الطريق، وحاول تخديرهم بالشبهات أو الشهوات، تذكروا كل أمر يوجب لهم المبادرة إلى المتاب إجلالاً لعظمة الله، وما يقتضيه الإيمان وما توجبه التقوى، وتذكروا عقابه ونكاله، وتذكروا ما تحدثه الذنوب من العيوب والنقائص وما تسلبه من الكمالات، فإذا هم مبصرون من أين أُتوا، ومبصرون الوجه الذي فيه التخلص من هذا الذنب الذي وقعوا فيه، فبادروا بالتوبة النصوح والرجوع إلى صراط الله المستقيم، فعادوا إلى مرتبتهم وعاد الشيطان خاسئاً مدحوراً. وكذلك ما ذكره على وجه الإطلاق عن المؤمنين بلفظ " المؤمنين " وبلفظ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 62] ونحوها، فإنه يدخل فيه جميع ما يجب الإيمان به من الأصول والعقائد والأعمال والأحكام، مع أنه قيد ذلك في بعض الآيات مثل قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِالله} الآية [البقرة136] وكذلك ما أمر به من الصلاح والإصلاح، وما نهى عنه من الفساد والإفساد مطلقاً، يدخل فيه كل صلاح كما يدخل في النهي كل فساد كذلك. وكذلك قوله {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] {وَأَحْسِنُوا} [البقرة: 195] ، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس: 26] {هَلْ جَزَاءُ الْإحْسَانِ إِلَّا الْإحْسَانُ} [الرحمن:60] يدخل في ذلك كله الإحسان في عبادة الخالق بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والإحسان إلى المخلوقين بجميع وجوه الإحسان من قول وفعل وجاه، وعلم ومال وغيرها. وكذلك قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] فحذف المتكاثَر به ليعم جميع ما يقصد الناس فيه المكاثرة: من الرياسات والأموال والجاه والضيعات والأولاد، وغيرها مما تتعلق به أغراض النفوس فيلهيها ذلك عن طاعة الله. وكذلك قوله تعالى {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1، 2] أي في خسارة لازمة من جميع الوجوه إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. وقوله {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فذكر المسئولين وأطلق المسئول عنه، ليعم كل ما يحتاجه العبد ولا يعلمه. وكذلك أمره تعالى بالصبر، ومحبته للصابرين، وثناؤه عليهم، وبيان كثرة أجورهم، من غير أن يقيد ذلك بنوع، ليشمل أنواع الصبر الثلاثة، وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. ومقابل ذلك ذمه للكافرين والظالمين والفاسقين والمشركين والمنافقين والمعتدين ونحوهم، من غير أن يقيده بشئ ليشمل جميع ذلك المعنى. ومن هذا قوله {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] ليشمل كل حصر، ومنه قوله {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239] ليعم كل خوف. وقد يقيد ذلك ببعض الأمور فيتقيد به ما سيق الكلام لأجله. وهذا شيء كثير لو ذهبنا نذكر أمثلة عليه لطالت، ولكن قد فتح لك الباب، فامش على هذا السبيل المفضي إلى رياض بهيجة من أصناف العلوم (1) . (1) قال لشيخ ابن عثيمين: " يلتحق بهذه القاعدة أن الحكم المعلَّق بوصف يدل على علية ذلك الوصف فيه، فمثلا إذا قلت: " إن المتقين في جنات وعيون " [الحجر: 45] أي من أجل تقواهم فالحكم المعلق بوصف يدل على علية ذلك الوصف لهذا الحكم ويدل أيضا على أنه يعم بعموم هذا الوصف وأنه يقوى كلما قوي ذاك الوصف ويضعف كلما ضعف " |
|||
2015-01-06, 14:59 | رقم المشاركة : 10 | |||
|
|
|||
2015-01-06, 15:01 | رقم المشاركة : 11 | |||
|
القاعدة السادسة عشرة: حذف جواب الشرط يدل على تعظيم الأمر وشدته في مقامات الوعيد وذلك كقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12] {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ} [سبأ: 51] {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [البقرة: 165] {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 30] {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: 27] . فحذْف الجواب في هذه الآيات وشبهها أولى من ذِكْره، ليدل على عظمة ذلك المقام، وأنه لهوله وشدته وفظاعته لا يعبَّر عنه بلفظ ولا يُدرك بالوصف، مثله قوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] أي لما أقمتم على ما أنتم عليه من التفريط والغفلة واللهو |
|||
2015-01-06, 15:05 | رقم المشاركة : 12 | |||
|
|
|||
2015-01-06, 15:12 | رقم المشاركة : 13 | |||
|
القاعدة العشرون: وقد وصفه الله تعالى بكل واحدة من هذه الأوصاف الثلاث.القرآن كله محكم باعتبار، وكله متشابه باعتبار، وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث فوصفه بأنه محكم في عدة آيات، وأنه: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] ومعنى ذلك أنه في غاية الإحكام ونهاية الانتظام، فأخباره كلها حق وصدق، لا تناقض فيها ولااختلاف، وأوامره كلها خير وبركة وصلاح، ونواهيه متعلقة بالشرور والأضرار والأخلاق الرذيلة والأعمال السيئة فهذا إحكامه. ووصفه بأنه متشابه في قوله من سورة الزمر: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر: 23] أي: متشابها في الحسن والصدق والحق، ووروده بالمعاني النافعة المزكية للعقول، المطهرة للقلوب، المُصلحة للأحوال، فألفاظه أحسن الألفاظ ومعانيه أحسن المعاني. ووصفه بأن {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] فهنا وصفه بأن بعضه هكذا وبعضه هكذا، وأن أهل العلم بالكتاب يردون المتشابه منه إلى المحكم، فيصير كله محكماً ويقولون: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] أي: وما كان من عنده فلا تناقض فيه، فما اشتبه منه في موضع، فسره الموضع الآخر المحكم، فحصل العلم وزال الإشكال. ولهذا النوع أمثلة؛ منها: ما تقدم من الإخبار بأنه على كل شيء قدير، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء. فإذا اشتبهت على من ظن به خلاف الحكمة، وأن هدايته وإضلاله يكون جزافاً لغير سبب وضحت هذا الإطلاق الآيات الأخر الدالة على أن هدايته لها أسباب، يفعلها العبد ويتصف بها مثل قوله في سورة المائدة: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلام} [المائدة: 16] وأن إضلاله لعبده له أسباب من العبد، وهو توليه للشيطان، قال في سورة الأعراف: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إنهم اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّه} [الأعراف: 30] وفي سورة الصف: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] . وإذا اشتبهت آيات على الجبري الذي يرى أن أفعال العباد مجبورون عليها، بينتها الآيات الأخر الكثيرة الدالة على أن الله لم يجبر العباد، وأن أعمالهم واقعة باختيارهم وقدرتهم، وأضافها إليهم في آيات غير منحصرة. كما أن هذه الآيات التي أضاف الله فيها الأعمال إلى العباد حسنها وسيئها، إذا اشتبهت على القدرية النفاة، فظنوا أنها منقطعة عن قضاء الله وقدره، وأن الله ما شاءها منهم ولا قدرها، تليت عليهم الآيات الكثيرة الصريحة بتناول قدرة الله لكل شيء من الأعيان والأعمال والأوصاف، وأن الله خالق كل شيء. ومن ذلك: أعمال العباد، وأن العباد لا يشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين. وقيل للطائفتين: إن الآيات والنصوص كلها حق، ويجب على كل مسلم تصديقها والإيمان بها كلها، وأنها لا تتنافى، فهي واقعة منهم وبقدرتهم وإرادتهم، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم. وما أُجْمِلَ في بعض الآيات فسرته آيات أخر، وما لم يتوضح في موضع توضح في موضع آخر، وما كان معروفاً بين الناس وورد فيه القرآن أمراً أو ناهياً، كالصلاة والزكاة والزنا والظلم، ولم يفصله فليس مجملاً، لأنه أرشدهم إلى ما كانوا يعرفون، وأحالهم على ما كانوا به متلبسين، فليس فيه إشكال بوجه والله أعلم. |
|||
2015-01-07, 14:24 | رقم المشاركة : 14 | |||
|
القاعدة الحادية والعشرون: القرآن يجري في إرشاداته مع الزمان والأحوال في أحكامه الراجعة للعرف والعوائد وهذه قاعدة جليلة المقدار، عظيمة النفع، فإن الله أمر عباده بالمعروف، وهو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً وعرفاً، ونهاهم عن المنكر، وهو ماظهر قبحه شرعا وعقلا وعرفا. وأمر المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصفهم بذلك. فما كان من المعروف لا يتغير في الأحوال والأوقات كالصلاة والزكاة، والصوم والحج، وغيرها من الشرائع الراتبة، فإنه أمر به: كلٌ في وقت. والواجب على الآخِرِين نظير الواجب على الأولين من هذه الأمة. وما كان من المنكر لا يتغير كذلك بتغير الأوقات كالشرك والقتل بغير حق، والزنا وشرب الخمر ونحوها ثبتت أحكامه في كل زمان ومكان لا يتغير ولا يختلف حكمه. وما كان يختلف باختلاف الأمكنة والأزمة والأحوال، فهو المراد ههنا. فإن الله تعالى يردهم فيه إلى العرف والعادة والمصلحة المتعينة في ذلك الوقت. وذلك أنه أمر بالإحسان إلى الوالدين بالأقوال والأفعال، ولم يعين لعباده نوعاً خاصاً من الإحسان والبر، ليعم كل ما تجدد من الأوصاف والأحوال، فقد يكون الإحسان إليهم في وقت غير الإحسان في الوقت الآخر، وفي حق شخص دون حق الشخص الآخر. فالواجب الذي أوجبه الله: النظر في الإحسان المعروف في وقتك ومكانك، في حق والديك. ومثل ذلك: ما أمر به من الإحسان إلى الأقارب والجيران والأصحاب ونحوهم، فإن ذلك راجع في نوعه وجنسه وأفراده إلى ما يتعارفه الناس إحساناً. وكذلك ضده من العقوق والإساءة، ينظر فيه إلى العرف وكذلك قوله تعالى في سورة النساء {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وفي سورة البقرة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ، فرد الله الزوجين في عشرتهما وأداء حق كل منهما على الآخر على المعروف المتعارف عند الناس في قطرك، وبلدك وحالك. وذلك يختلف اختلافاً عظيماً، لا يمكن إحصاؤه عداً. فدخل ذلك كله في هذه النصوص المختصرة، وهذا من آيات القرآن وبراهين صدقه. وقال تعالى في سورة الأعراف {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} [الأعراف: 26] فقد أباح لعباده الأكل والشرب واللباس، ولم يعين شيئاً من الطعام والشراب واللباس، وهو يعلم أن هذه الأمور تختلف باختلاف الأحوال، فيتعلق بها أمره حيث كانت، ولا ينظر إلى ما كان موجوداً منها وقت نزول القرآن فقط. وكذلك قوله في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] ومن المعلوم: أن السلاح والقوة الموجودة وقت نزول القرآن غير نوع القوة التي وجدت بعد ذلك. فهذا النص يتناول كل ما يستطاع من القوة في كل وقت وبما يناسبه ويليق به. وكذلك لما قال تعالى في سورة النساء: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] لم يعين لنا نوعاً من التجارة ولا جنساً، ولم يحدد لنا ألفاظاً يحصل بها الرضى، وهذا يدل على أن الله أباح كل ما عد تجارة ما لم ينه عنه الشارع، وأن ما حصل به الرضى من الأقوال والأفعال انعقدت به التجارة، فما حقق الرضى من قول أو فعل، انعقدت به المعاوضات والتبرعات. وفي القرآن من هذا النوع شيء كثير. |
|||
2015-01-07, 14:28 | رقم المشاركة : 15 | |||
|
القاعدة الثانية والعشرون:
فــــــــي مقــــــــــاصد أمثــــــــــلة الــــــــقرآن اعلم أن القرآن الكريم احتوى على أعلى وأكمل وأنفع المواضيع التي يحتاج الخلق إليها في جميع الأنواع، فقد احتوى على أحسن طرق التعليم، وإيصال المعاني إلى القلوب بأيسر شيء وأوضحه. فمن أنواع تعاليمه العالية: ضرب الأمثال، وهذا النوع يذكره الباري سبحانه في الأمور المهمة، كالتوحيد وحال الموحد والشرك وحال أهله، والأعمال العامة الجليلة. ويقصد بذلك كله توضيح المعاني النافعة، وتمثيلها بالأمور المحسوسة، ليصير القلب كأنه يشاهد معانيها رأي العين. وهذا من عناية الباري بعباده ولطفه. فقد مثّل الله الوحي والعلم الذي أنزله على رسوله في عدة آيات بالغيث والمطر النازل من السماء، وقلوب الناس بالأراضي والأودية، وإن عمل الوحي والعلم في القلوب كعمل الغيث والمطر في الأرض، فمنها: أراضٍ طيبة تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب الكثير. كمثل القلوب الفاهمة التي تفهم عن الله ورسوله وحيه وكلامه، وتعقله، وتعمل به علماً وتعليماً بحسب حالها. كالأراضي بحسب حالها. ومنها أراض تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فينتفع الناس بالماء الذي تمسكه فيشربون ويسقون مواشيهم وأراضهم، كالقلوب التي تحفظ الوحي من القرآن والسنة وتلقيه إلى الأمة ولكن ليس عندها من الدراية والمعرفة بمعانيه ما عند الأولين وهؤلاء على خير ولكنهم دون أولئك. ومنها: أراض لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، كمثل القلوب التي لا تنتفع بالوحي لا علما ولا حفظا ولا عملا. ومناسبة الأراضي للقلوب كما ترى في الظهور. وأما مناسبة تشبيهه الوحي بالغيث لأن الغيث فيه حياة الأرض والعباد وأرزاقهم الحسية، والوحي فيه حياة القلوب والأرواح ومادة أرزاقهم المعنوية. وكذلك مثّل الله كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. فكذلك شجرة التوحيد ثابتة بقلب صاحبها معرفة وتصديقا وإيمانا وإرادة لموجبها، وتؤتي أكلها وهو منافعها كل وقت من النيات الطيبة والأخلاق الزكية، والأعمال الصالحة والهدْي المستقيم، ونفع صاحبها وانتفاع الناس به. وهي صاعدة إلى السماء لإخلاص صاحبها وعلمه ويقينه. ومثّل الله الشرك والمشرك الذي اتخذ مع الله إلهاً يتعزز به، ويزعم أنه سينال منه النفع، ودفع الضرر كالعنكبوت اتخذت بيتاً وهو أوهن البيوت وأوهاها، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا إلى ضعفها. كذلك المشرك ما ازداد باتخاذه ولياً ونصيراً من دون الله إلا ضعفاً، لأن قلبه انقطع عن الله، ومن انقطع قلبه عن الله حلّه الضعف من كل وجه. وتعلقه بالمخلوق زاده وهناً إلى وهنه، فإنه اتكل عليه وظن منه حصول المنافع، فخاب ظنه وانقطع أمله، وأما المؤمن فإنه قوي بقوة إيمانه بالله وتوحيده وتعلقه بالله وحده، الذي بيده الأمر والنفع ودفع الضرر، وهو المتصرف في أحواله كلها، كالعبد الذي استقام على صراط مستقيم في أقواله وأفعاله، منطلق الإرادة تحررعن رق المخلوقين، غير مقيد لهم بوجه من الوجوه، بخلاف المشرك فإنه كالعبد الأصم الأبكم الذي هو كَلٌّ وعالة على مولاه، أينما يوجهه لا يأت بخير، لأن قلبه متقيد للمخلوقين مُسْتَرق لهم، ليس له انطلاق ولا تصرف في الخير ولا شعور به. ومثله أيضاً كالذي خر من السماء فتخطفته الطيور ومزقته كل ممزق. وهؤلاء الذين زعموا أنهم آلهة ينفعون ويدعون لو اجتمعوا كلهم على خلق أضعف المخلوقات، وهو الذباب لم يقدروا باجتماعهم على خلقه، فكيف ببعضهم!! فكيف بفرد من مئات الألوف منهم!! وأبلغ من ذلك أن الذباب لو يسلبهم شيئاً لا يقدروا على استخلاصه منه ورده، فهل فوق هذا الضعف ضعف؟ وهل أعظم من هذا الغرور الذي وقع فيه المشرك شئ؟ وهو مع هذا الغرور وهذا الوهن والضعف متقسِّم قلبه بين عدة آلهة، كالعبد بين الشركاء المتشاكسين، لا يتمكن من إرضاء أحدهم دون الآخر. فهو معهم في شر دائم وشقاء متراكم. فلو استحضر المشرك بعض هذه الأحوال الوخيمة لربأ بنفسه عما هو عليه، ولعلم أنه قد أضاع عقله ورأيه بعدما أضاع دينه. وأما الموحد فإنه خالص لربه، ولا يعبد إلا خالقه وبارئه ولا يرجو غيره ولا يخشى سواه، وقد اطمأن قلبه واستراح، وعلم أن الدين هو الحق وأن عاقبته أحمد العواقب، ومآله الخير والفلاح والسعادة الأبدية، فهو في حياة طيبة، ويطمع في حياة أطيب منها. ومثَّل الله الأعمال بالبساتين، فذكر العمل الكامل الخالص له الذي لم يعرض له ما يفسده كبستان في أحسن المواضع وأعلاها، تنتابه الرياح النافعة، وقد ضَحَى وبرز للشمس، وفي خلاله الأنهار الجارية المتدفقة، فإن لم تكن غزيرةً فإنها كافيةٌ له كالطل الذي ينزل من السماء، ومع ذلك فأرضُه أطيب الأراضي وأزكاها. فمع توفر هذه الشروط لا تسأل عما هو عليه من زَهاءِ الأشجار وطيب الظلال ووفور الثمار، فصاحبه في نعيم ورغد متواصل، وهو آمن من انقطاعه وتلفه، فإن كان هذا البستان لإنسان قد كبر وضعف من العمل، وعنده عائلة ضعاف لا مساعدة منهم ولا كفاءة، وقد اغتبط به حيث كان مادته ومادة عائلته، ثم إنه جاءته آفة وإعصار أحرقه وأتلفه عن آخرهم. فكيف تكون حسرة هذا المغرور؟ وكيف تكون مصيبته؟ وهذا هو الذي جاء بعد العمل بما يبطل عمله الصالح من الشرك أو النفاق أو المعاصي المحرقة. فيا ويحه، بعد ما كان بستانه زاكيا أصبح تالفا قد أيس من عوده وبقي بحسرته مع عائلته. فهذا من أحسن الأمثال وأنسبها. فقد ذكر الله صفة بستان من ثبته الله على الإيمان، والعمل الصالح. وبستان من أبطل عمله بما ينافيه ويضاده، ويؤخذ من ذلك أن الذي لم يوفق للإيمان ولا للعمل أصلا أنه ليس له بستان أصلاً. ووجه تشبيه الأعمال بالبساتين: أن البساتين تمدها المياه وطيب المحل وحسن الموقع، فكذلك الأعمال يمدها الوحي النازل من حياة القلوب الطيبة. وقد جمع العامل جميع شروط قبول العمل من الاجتهاد والإخلاص والمتابعة، فأثمر عملُه كل زوج بهيج. وقد مثّل الله عمل الكافر بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء، فيأتيه وقد اشتد به الظمأ، وأنهكه الإعياء، فيجده سراباً. ومثّله برماد الشيء المحترق، فجاءته الرياح فذرته فلم تبق منه باقية. وهذا مناسب لحال الكافر وبطلان عمله، فإن كفره ومعاصيه بمنزلة النار المحرقة، وعمله بمنزلة الرماد والسراب الذي لا حقيقة له، وهو كان يعتقده نافعا له، فإذا وصله ولم يجده شيئا تقطعت نفسه حسرات، ووجد الله عنده فوفاه حسابه. كما مثّل نفقات المخلصين بذلك البستان الذكي الزاهي. ومثّل نفقات المرائين بحجر أمْلسَ عليه شيء من تراب، فأصابه مطر شديد فتركه صلداً لا شيء عليه، لأن قلب المرائي لا إيمان فيه ولا تصديق ولا إخلاص، فهو قاس كالحجر، فنفقته حيث لم تصدر عن إيمان، بل عن رياء وسمعة لم تؤثر في قلبه حياةً ولا زكاةً. كهذا المطر الذي لم يؤثر في هذا الحجر الأملس شيئاً. وهذه الأمثال إذا طبقت على مُمَثَّلاتها وضَّحتها وبينتها وبينت مراتبها من الخير والشر والكمال والنقصان. ومثّل الله حال المنافقين بحال من هو في ظلمة، فاستوقد ناراً من غيره، ثم لما أضاءت ما حوله، وتبين له الطريق، ذهب نورهم وانطفأ ضوءهم، فبقوا في ظلمة عظيمة أعظمَ من الظلمة التي كان عليها أولاً. وهكذا المنافق استنار بنور الإيمان، فلما تبين له الهدى غلبت عليه الشقوة، واستولت عليه الحيرة، فذهب عنه نوره أحوج ما هو إليه، وبقي في ظلمة متحيراً. فهم لا يرجعون لأن سنة الله في عباده أن من بان له الهدى، واتضح له الحق ثم رجع عنه أنه لا يوفقه بعد ذلك للهداية، لأنه رأى الحق فتركه، وعرف الضلال فاتبعه. وهذا المثل ينطبق على المنافقين الذين تبصروا وعرفوا، ثم غلبت عليهم الأعراض الضارة فتركوا الإيمان. والمثال الثاني وهو قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانهم مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة:19] ينطبق على المنافقين الضالين المتحيرين الذين يسمعون القرآن ولم يعرفوا المراد منه، لأنهم أعرضوا عنه، وكرهوا سماعه اتباعاً لرؤسائهم وسادتهم. ومثّل الله الحياة الدنيا وزهرتها والاغترار بها بحالة زهرة الربيع، تعجب الناظرين، وتغر الجاهلين، ويظنون بقاءها، ولا يؤَمِّنون زوالها، فَلَهَوا بها عما خلقوا له، فأصبحت عنهم زائلة وأضحوا لنعيمها مفارقين في أسرع وقت كهذا الربيع إذا أصبح بعد الاخضرار هشيماً، وبعد الحياة يبساً رميماً. وهذا الوصف قد شاهده الخلق واعترف به البر والفاجر، ولكن سكر الشهوات وضعف داعي الإيمان اقتضى إيثار العاجل على الآجل. |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
التفسير, تلقي, كيفية |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc