يوم المعلم العربي: أي ثمار للغرس؟
<font size="3"><b>خصصت دول العالم يوما للاحتفاء بالمعلم بتاريخ 5 أكتوبر من كل عام، وأسمته «اليوم العالمي للمعلم»، كما فعل عالمنا العربي تحت مسمى «يوم المعلم العربي»، الموافق يوم 25 فبراير، الذي يصادف اليوم التالي لنشر هذا المقال، فهل جاء التكريم على قدر المكرَّم؟! يقول عليه الصلاة والسلام: «وقروا من تتعلمون منه، ووقروا من تعلمونه»، والمتمعن في هذه الكلمات، على قلتها، يرى فيها دستوراً بحاله يحكم سير التعامل التعليمي ما بين المعلم والطالب، فلا أشرف ممن اشتغل بتعليم الإنسان لنجلّه ونعطيه حقه، ولا أهم من كسوة متلقي العلم بالاحترام والتقدير عند التعامل معه، فطالب العلم حالياً، هو حامله لاحقاً، فإن كان معلمه أو مبلغه قاصراً، كان العلم كلاً على متلقيه وعلى من حوله. إن المعلم العظيم هو الذي يعلمنا بغير أن «يتعالم» علينا... هو الذي يغيرنا، بحيث نحس عقب تدريسه لنا بأننا لم نعد كما كنا قبل الاستماع إليه، فالعلم بطبيعته ارتقائي، شعاره الاكتشاف، وسبيله الفهم ومحاولة التطور، الذي لا يعني شيئاً قدر النهوض إلى أعلى، وحسبنا من القول إننا حين نحب من يعلمنا، فإننا نقلده ونرضى بأن نكون موضع فخره، هكذا كان شعورنا ونحن على مقاعد الدراسة، وهكذا هو حال المرء عادة في سعيه للشعور بالاعتزاز في نظر من يعز، فكم هي خطيرة مسؤولية المعلم! وكم من معلم علا فوق تقاليد التاريخ والاختلافات المذهبية والعنصرية فأثّر وارتقى، واحتفظ في ذاكرة تلاميذه بابتسامة رضا، واعتراف جميل كلما جاءوا على ذكره أو مروا به.
يقال: «كان في ارتجاله أروع مما هو عليه في مواده المحضّرة، لأنه في استرساله كان يغرف من رصيده الموسوعي، ولكنه في إعداده، ورغم جودته، إلا أنه كان مقيداً بالموضوع الذي بين يديه»، هذا ما كانت تردده صدى أيامنا في وصف المعلم المتمكن، وهي ليست بالأرقام البعيدة كما يظن، فثمانينات القرن الماضي كأنها بالأمس، ومع هذا، فاليوم أبداً ليس شبيهاً بالبارحة، فعلى قدر ما كنا نسأل عن المعلم المتبحّر في علمه، على قدر ما نطالب اليوم بالتزام المعلم بدرسه ودرسه فقط، فما الذي اختلف! المنهج المعلن والمنهج الخفي أليس كذلك! والاثنان بيد المعلم وكلا يخضع لضميره، وإني لأحزن على امرئ يدعي الإنصاف والمحبة للعلم ويجري على لسانه الطعن وغسيل الأدمغة، فلا ينظر إلى وطنه نظرة الأمانة والاستخلاف، ولا إلى دينه بعين الذكاء والوعي.
وراء كل طالب نجيب، همة عالية، ومعلم اجتمع له عقل وعلم، فليس كل من علّم بلغ في تعليمه رتبة «المعلم المربي»، وقد يقوم بالفعل شخص فلا يؤاخذ عليه، ويقوم به آخر فيعاتب ويؤنب لموقعه القدوة، الذي قيده بحبال الالتزام، فليس الغرض من التعليم، تحصيل العلم فحسب، ولكن الأساس هو تقوية الخلق والارتحال عن الصغائر والاستيعاب جيداً بأن العلم أنفس بضاعة يراد لها أطهر وعاء، وكما قال رسول الأمة: «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم»، ونحن إذ نعيش في عصرنا انتقالات اقتصادية سريعة وقفزات اجتماعية أسرع، فلا أولى من وجود المعلمين الذين يشرحون بتوازن مطمئن قوانين الحياة لطلابهم، فالتحلل من القيود المجتمعية، والتوسع في قواعد اللعبة السياسية، يحتاج إلى من يقوي في نفوس النشء الإيمان برسالة خدمتهم للإنسانية بصرف النظر عما يحصل، بل ويكون من الأدعى التمسك بهذا الاعتقاد حياً في القلوب مهما ساءت الأمور، وإلا فسيكون التفسخ من القيم هو السائد، فلا يعود ينفع العلم، ويصبح الخير والحق والجمال مجرد فضائل ذهنية يمارسها من لا يملك غير السلبية والتملص من الواجب.
والآن، ماذا عن سمعة المعلم ومكانته في نفوس طلابه وذويهم! ماذا عن أسلوب الطالب في الأخذ بأصول الأدب والحياء عند التخاطب مع معلميه والأكبر منه! فليس أبشع صورة من طالب يتطاول على معلمه ويهدده في لقمة عيشه، وليس أكثر ألماً من معلم مغلوب على أمره ليس أمامه غير الإذعان. وعند الالتفات إلى المستوى العملي لكفاءة المعلم فماذا عن ضرورة تكثيف الدورات التدريبية لكل معلم في مجاله! فالتقنية لم تترك المجال سوى لملاحقتها وإيصالها للأجيال، فليس العلم بكثرة التأليف ولكن بالمتابعة و الd