إن البنايات الشاهقة ترتكز على أساسات قوية و متينة لتحمل أثقالها وتقاوم كل هزاتها ، وإذا كانت الأساسات هشة وضعيفة يتصدع البناء وتنهار أسقفه والتعليم بجميع مستوياته يرتكز على المدرسة الابتدائية التي هي أساس البناء كله، لأن الطفل في هذه المرحلة يبني ذاته وشخصيته بمختلف المعارف و المهارات و المواقف استعدادا لمراحل أخرى في حياته أكثر أهمية وأكثرتعقيدا . وكما أكد العلماء أن الطفل في هذه المرحلة تبرز نبوغته ومواهبه وميوله في العلوم والإبداع والهوايات المختلفة كما أنه سريع الحفظ والتخزين .ولهذا فإن الإعداد الجيد للمتعلمين في مرحلة التعليم الابتدائي هو سر نجاح مراحل التعليم المتوسط والثانوي وحتى الجامعي وإن ضعف التحصيل في المراحل الدنيا ينعكس حتما على باقي المستويات العليا.
فمنذ فجر الاستقلال والمدرسة الابتدائية تـئن بأوجاعها وتحن في كل عهدة رئاسية أو حكومية لمن يرفع الغبن عنها ويفرج أحزانها ويخفف من ثقل المشاكل المتراكمة عليها ويدفع بها إلى اللحاق بَركب المدارس المتطورة في العالم ، لكن لا حياة لمن تنادي . كما يقال ـ فكل الجهود والأموال التي صرفتها الدولة من أجلها ذهبت هباء لأنها تحت وصاية البلديات و مآمن الإكماليات و منزوعة الاستقلالية والسيادة في تسيير مواردها المادية والبشرية بنفسها ، وحتى الإصلاحات التربوية و البيداغوجية المنتهجة منذ سنة2003 لا تزال تساير أخطاءها دون تقويم وتصليح رغم النداءات الكثيرة بتغيير الأوضاع والعمل بالمقترحات التي أجمع عليها المدرسون وأهل الاختصاص .
واقع المدرسة والبلدية:
إن العلاقة التي تربط البلدية بالمدارس الابتدائية هي ما نص عليه القانون 90/80 المؤرخ في 07/04/1990 لاسيما المواد 97-98-99 والتي توضح اختصاص البلدية في انجاز مؤسسات التعليم الابتدائي وتقوم بصيانتها وحراستها وتسهر على نظافتها وجاء المرسوم 81/377 المؤرخ في 26/12/1981 ليحدد اختصاصات كل من البلدية والولاية في المدرسة الابتدائية فيما يتعلق بالمطعم المدرسي وتوفير الأجهزة والوسائل و إجراء مختلف الترميمات ، وجاء في المادتين 3و4 منه: على البلديات تقييد ميزانيتها بعنوان المصاريف الحتمية جميع التكاليف الخاصة بالتدفئة والإنارة والماء الشروب وصيانة المحلات المدرسية والمساكن الوظيفية وحراسة المؤسسة والتزود بالوسائل والأجهزة الإدارية و التربوية .
لكن ورغم كل هذا نجد أن سياسة التهميش و اللامبالاة هي السائدة في جل البلديات وطال الإهمال أبسط الاحتياجات و أيسرها كالماء و الإنارة و نظافة المحلات و أمن المؤسسة ، فمعظم المدارس لا تتوفر على عمال الحراسة و النظافة و عمال المطعم المدرسي و رغم النداءات و الاتصالات و الشكاوي العديدة لتدارك الوضع لكن دون جدوى و حتى أن ثلة العمال المحسوبين على المدارس من الشبكة الاجتماعية أو تشغيل الشباب لا يقومون بأعمالهم كاملة و بجدية نظرا للأجر الزهيد الذي يتقاضوه .و إننا نستثني من حديثنا هذا القليل جدا من البلديات التي تحمل وسام شرف نظير جهودها المشرفة في خدمة المدارس و تعاونها الدائم من اجل تحسين ظروف تمدرس أبنائها التلاميذ .
ومن المفارقات العجيبة أن نجد متوسطة بتعداد بسيط و لها من الموارد المادية و البشرية الكثير و يسيرها طاقم إداري هائل و عمال مهنيين و طباخين و حجاب دائمين و من جهة أخرى نجد مدرسة ابتدائية يقارب تعدادها ألف تلميذ يسيرها طاقم إداري ممثلا في شخص وحيد هو المدير ؟!
لماذا تحرم المدارس من ميزانية خاصة و عمال دائمين للحراسة و النظافة و الطبخ و طاقم إداري لتقديم أحسن الخدمات للمعلم و المتعلم ؟ وكيف تتحسن الخدمة العمومية و المدرسة تفتقر لقاعة للأساتذة أو دورة للمياه أو حجابة للحارس ؟!أو بدون إدارة تماما ؟!