يقول الحق سبحانه: {وإذا الرسل أقتت، لأي يوم أجلت، ليوم الفصل}، ويقول: {إن يوم الفصل كان ميقاتا، يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا}، ويقول: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم}. أسماء يوم القيامة كثيرة؛ منها: اليوم الآخر، الساعة، البعث، الخروج، القارعة، يوم الدين، الصاخة، الطامة، يوم الحسرة، الغاشية، الخلود، الحساب، الواقعة، الوعيد، الآزفة، الجمع، التلاق، التناد، التغابن.
ومن الأسماء يوم الفصل: {إن يوم الفصل كان ميقاتا}، ففيه يفصل الله بين الخلائق، بين المحق والمبطل، والمحسن والمسيء، فيجازَى كل إنسان على حسب عمله، والميقات مشتق من الوقت، وهو الزمان المحدد لفعل ما، والمراد به هنا: قيام الساعة، وبعث الناس من قبورهم، أي: أن يوم البعث والجزاء كان ميعادا ووقتا محددا لبعث الأولين والآخرين، وما يترتب على ذلك من جزاء وثواب وعقاب. في هذا اليوم، يقضي الله تعالى فيه ويفصل بين المتخاصمين: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون}، وفي الصحيح: “يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض، مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا»، في هذا اليوم، يفصل بين المختلفين: {الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون}، في هذا اليوم، يفصل الله بين المؤمنين، من حيث اختلافاتهم في درجات العبادة: {ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون}، وفي الصحيح: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم»، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: «بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين».
في هذا اليوم، يفصل الله تعالى بين أهل الصدق والكذبة: {فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}، {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما}، يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: «يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه فيقال: يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين؟ وفيما ضيّعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب، إنك تعلم أني أخذته؛ فلم آكل ولم أشرب ولم ألبس ولم أضيع، ولكن أتى على يدي إما حَرَقٌ، وإما سَرَقٌ، وإما وَضِيعَةٌ، فيقول الله عز وجل: صدق عبدي، أنا أحق من قضى عنك اليوم”.
في هذا اليوم، يفصل الله بين الظالم والمظلوم، ففي السنن: لما رجعت إلى رسول الله مهاجرة الحبشة، قال: «ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة»، قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم».
في هذا اليوم، يفصل الله بين الأبناء والآباء، والأزواج والزوجات، والأقارب والأرحام: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يُفصَل بينكم}، عند النسائي وغيره: “من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل”، وعند البخاري أن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، فقال: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟»، قال: لا، قال: “فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم».. والله ولي التوفيق.
* إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر