بسم الله الرحمن الرحيم
السائل : بالنّسبة لحديث ( لا حسد إلاّ في اثنتين ) ما بدري يعني كثير من إخواننا لا يفقهون هذا الحديث فيفهمون أنّ طالب العلم لابد أن يكون فقيرا ولابدّ دائما يده تكون يده هي السّفلى ويد الناس هي العليا وكلما كان بعيدا عن الدّنيا يأخذ الآيات القرآنية و الأحاديث عن الرسول صلّى الله عليه وسلم ( مالي وللدنيا علينا ) هكذا يكون طالب العلم لكن ما أدري لعلّي مخطئ أو مصيب في فهم الحديث أريد أسمع فقه الحديث حتّى لو منّ الله سبحانه وتعالى وكتبت رسالة في هذا الموضوع إن شاء الله تكون فيها ... .
الشيخ : جزاك الله خير بحسن ظنّك بأخيك لكنّي انا أشتهي أيضا أن أسمع رأيك وأن يستفيد الحاضرون من علمك وأظنّ أنّنا سنلتقي إن شاء الله على الفهم الصّحيح اطرح ما عندك ولا تبالي موفّق إن شاء الله
السائل : أفهم أنّ كما أنّ الإنسان العلم يعتبر نعمة على صاحبه إذا وفّقه للعمل الصالح و ابتغى به رضى الله عز وجلّ وكذلك المال إذا جمعه و ابتغى به أن ينفقه في سبيل الله فيكون جمعه للمال كما أنّه يطلب العلم هذا ما أفهمه أن يكون معي المال الّذي أنفقه في سبيل الله كما يكون معي العلم الصّالح الّذي أعلّمه للنّاس
الشيخ : صحيح
السائل : فما أدري يعني الإخوة بعض الإخوة قالوا لا, طالب العلم يجب أن لا يجلس في مكان مثل الذي أنت جالس فيه وهذا لا يتناسب مع طالب العلم
الشيخ : عفوا لا ينبغي أن يجلس في مكان؟
السائل : الذي أنا جالس فيه مثلا في المكتبة أبيع للنّاس ... أنكروا عليّ ذلك
الشيخ : عجيب, الله يعينك
السائل : فحبّيت وهذا شيء جديد في حياتي ما تعوّدت عليه لكن حبّيت طبعا الشيخ عبد العظيم قال لي مادام طالع عند الشّيخ اليوم خلّيه يحكي لك في هذا الأمر
الشيخ : أظنّ أنّ جواب هذا السّؤال وبخاصّة بعد أن ألحقت الملحق هذا أنّهم يقولوا أنت جالس هنا المكتبة وأنت طالب علم فأخذته سلفا لمّا قلت لك نعم ما فعلت واضح
السائل : واضح
الشيخ : ولكن أنا أشرح الآن هؤلاء الإخوان يجب أن يؤكّد لهم الرّأي الصّحيح الّذي قلته لهم ببعض النّصوص الشّرعية وهي بلا شكّ في ظنّي لا تخفاك ثمّ بضرب بعض الأمثلة لبعض النّاس المبتلين بالشّهرة قديما وحديثا بين النّاس ولهم الصّيت الحسن عند الجماهير وربّما على العكس من ذلك عند الآخرين أمّا الحديث قد جاء في مسند الإمام أحمد وغيره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أرسل وراء عمر بن العاص فجاء إليه فقال ( اذهب وألق عليك سلاحك فإنّي أريد أن أبعثك بعثا وأن تكسب مالا ) أو كما قال عليه السّلام قال " يا رسول الله ما من أجل المال أسلمت ما من أجل المال أسلمت " فقال عليه الصلاة والسلام ( يا عمرو نعمّ المال الصّالح للرجل الصّالح ) فإذا سعى طالب العلم لكسب المال بالطّرق المشروعة فإنّما يقوم أوّلا بأمر مشروع بل وبأمر واجب احيانا إذا كان غير مكفيّ بمال عنده بطريقة أو بأخرى لأنّ السّعي وراء الرّزق الحلال في عرف الشّرع الحكيم هو من الجهاد في سبيل الله كما جاء في مسند أحمد وغيره كصحيح بن حبّان من حديث ابيّ بن كعب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان جالسا وحوله أصحابه حينما مرّ بهم شابّ فأعجبهم شبابه و قوّته فقالوا " لو كان هذا في سبيل الله " فقال عليه الصّلاة والسّلام ( ان كان هذا خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على أطفال أو أولاد له فهو في سبيل الله) الحقيقة التي تكمن وراء ذاك الاعتراض الّذي نقلته عن بعض الطّلبة أنّهم ينحون منحى أولئك الّذين يفرّقون بين الدّين والدّولة يفرّقون بين الدّين و الدّنيا والله عزّ وجلّ قد جعل الدّنيا مزرعة للآخرة فكما قلت تماما المال وسيلة لطاعة الله عزّ وجلّ وسيلة وأيّما وسيلة ولا يخفى عن الحاضرين جميعا إن شاء الله حينما ائتمر الفقراء بينهم وتداولوا في حالهم وأرسلوا رسولا من طرفهم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال " يا رسول الله ذهب أهل الدّثور بالأجور يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم ويحجّون كما نحجّ ويتصدّقون ولا نتصدّق " قال عليه السلام ( أفلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من قبلكم ولم يدركم من بعدكم إلاّ من فعل مثلكم ) فطار الرسول إلى الفقراء فرحا مسرورا يبلغهم لهم قول النبيّ صلّى الله عليه واله وسلّم هذا وسرعان ما عاد الرسول رسول الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقول" يا رسول الله لقد بلغ الأغنياء ما قلت لنا ففعلوا مثل ما فعلنا " فقال عليه السلام ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) اذن المال فضل الله يؤتيه من يشاء ولكن لا يجوز لطالب العلم أن يتواكل على غيره وان يضرب مثلا لذاك الّذي يروى أن عمر بن الخطّاب كان كلّما دخل المسجد وجده قائما يصلّي فقال له " كلّما دخلت وجدتك ههنا ألا تسعى وراء الرّزق فقد علمتم أنّ السماء لا تمطر ذهبا ولا فضّة " فلا ينبغي لطالب العلم أن يتواكل وأن يعتمد على غيره بل ينبغي أن يسعى بنفسه ليكون عائلا لغيره لا ليكون معولا من غيره وهنا يحسن أن نضرب مثلا بقصة تروى عن أحد ممّن يسمّون بالصّوفيّة الجهّال الّذين كان من عادتهم أنّهم يخرجون بزعمهم متوكّلين على الله ولكن بواقعهم متواكلين على الأغنياء كانوا يخرجون زهّادا يسافرون ويقطعون الفيافي والقفار بزعم هضم النّفس وتربيتها فزعموا أنّ احدهم خرج ذات يوم وسرح ما شاء الله حتّى أعياه التعب فصعد ربوة فأطلّ منها على خربة بيت مخرّب فرأى عجبا رأى هناك كلب أو كلبا أعمى مقعد وأسد ما بين آونة وأخرى يأتي يقدّم إلى هذا الكلب طعاما كتلة لحم مفترس مثلا من البريّة ويجي هذا الأسد يقدّم عظم اللحم لهذا الكلب وياكل الكلب هذا الرجل فكّر قال في نفسه يؤيّد تصوّفه وزهده المزعوم وقال ما شاء الله لم هؤلاء الفقهاء يقولون لازم تتّخذ الأسباب وتوكّل على ربّ الأرباب هذا ربّنا عزّ وجلّ سخّر لهذا الكلب هذا من يطعمه ورزقكم في السماء وما توعدون قال فسمع هاتفا من داخله يقول له كن أسدا ولاتكن كلبا -يضحك- كذلك يحكون عن آخر أنّه خرج هكذا طوّافا حتّى كاد أن يموت عطشا وجوعا فوقع بصره على قرية من بعيد فنحى نحوها وكان يوم جمعة فبكّر بدخول المسجد وانطوى على نفسه تحت المنبر متوكّلا على الله زعم يريد أن لا يجلب نظر أحد إليه لأنّه بذلك ينقض توكّله المزعوم وبدأ النّاس يجتمعون وخطب الخطيب بهم ونزل صلّى بالنّاس وليتسنّن وبدأوا ينصرفوا ولمّا شعر الرّجل بأن المسجد يكاد لا يبقى فيه أحد وأنّه لم ينتبه له أحد ما وسعه إلاّ أن يتنحنح واحد ممّن كان حاضرا هناك إيش الصوت الغريب ما بقى في المسجد أحد بحثوا عنه إذ رأوه كالفرخ مسكين هزيلا راح يموت من الجوع والعطش فأخرجوه وأغاثوه إلى آخره قالوا له من أنت يا رجل قال أنا متوكل على الله قالوا له لو متوكّل على الله حقيقة ما تنحنحت -يضحك- فالشّاهد أنّ الإسلام جاء بخيري الدّنيا والآخرة فمن الخير للمسلم أن يحقّق فيه قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ( اليد العليا خير من اليد السّفلى ) واليد العليا هي المعطية وفي لهجة عربيّة هي المنطية واليد السفلى هي الآخذة بل أنا أؤكّد بخصوص هذا الزّمان أنّ طالب العلم يجب أن يكون في يده مهنة وصنعة وأن لا يسعى كما يفعل جماهير طلاّب العلم الآن وهذا يخلّ بإخلاصهم في طلبهم للعلم حينما يطلبون العلم وجمهورهم يقصد بذلك أن يتوظّف يصير مثلا بالتعبير السوري ... علاويّة يصير قاضيا أو مفتيا إذا نزل هكذا قليلا يصير كاتب عند المفتي أو أخيرا أي موظّف في أيّ وظيفة من وظائف الدّولة هذا اتّكال على غير الله عزّ وجلّ وإخلال بقداسة العلم وإخلال بقداسة العلم وفضله الّذي يجب فيه على طالب العلم أن يكون مخلصا لربّه عزّ وجلّ لأنّ العلم من أعظم العبادات والله عزّ وجلّ يقول وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدّين فإذن طالب العلم إذا طلب العلم ولم يكن بيده مهنة ولا صنعة فمعنى ذلك أنّه يتوكّل على الوظيفة و الوظيفة كما قلنا في أوّل هذه الجلسة قيد في عنق طالب العلم ولذلك ستجدون أكثر الخطباء وأكثر المدرّسين ليسوا أحرارا في أفكارهم في كلامهم في رأيهم لأنّهم مقيّدون بالنّظام الّذي وضعه المسؤول الكبير والمسؤول الكبير في الأوقاف لا يستطيع أن يخرج في كلّ تصرّفاته عن القانون الموضوع في أيّ بلد من بلاد الإسلام فما فعلت يا أبا إسلام هو الخير وعليك أن تنصح الآخرين وتلحّ في النّصيحة عليهم أن يجمعوا بين العلم وبين المهنة هذا ما يتعلّق بالنّصوص الّتي ألمحت إليها في المقدّمة أمّا النّماذج قديما وحديثا فما من إمام من أئمّة المسلمين الّذين يضرب بهم المثل وإلاّ وكان له مهنة كان له مهنة كان له عمل أبو حنيفة يقولون أنّه مثلا بزّاز قمّاش الشافعي والله نسيت إيش كان مهنته لعلّ بعضكم يتذكّر ذلك وهكذا كل الأئمّة السابقين ما كانوا ما يعتمدون على الدّولة لأنّه إذا اعتمدوا على الدّولة معناه وضعوا قيدا في أعناقهم فكانوا أحرارا ولذلك كانت لهم الجرأة ويتكلّمون بكلمة الحقّ لا تأخذهم في الله لومة لائم ويعجبني في هذه المناسبة لأنّ فيه شاهدا لما أقول - وعليكم السلام ورحمة الله - أحد علماء الحنابلة المعروف بأبي عبد الله بن بطّة يروى عنه أنّه كان يرى تحريم القيام المعتاد بين النّاس يعني دخل رجل قام له الجالسون خاصّة إذا كان من أهل العلم والفضل كان يرى أنّ هذا القيام لا يجوز فخرج ذات يوم إلى السّوق فمرّ برجل عالم جالس في محلّه هنا الشّاهد فلمّا رآه العالم رأى بن بطّة أبا عبد الله قام له إجلالا وتعظيما في دكّانه هذا الشاهد وممّا يدلّ على علمه أنّه أوّلا يعرف فقه بن بطّة في هذا القيام وأنّه يكرهه وثانيا أنّه يرتجل الشّعر فيقول له بداهة "
لاتلمني على القيام فحقّي حين تبدو أن لا امل القيام
أنت من أكرم البريّة عندي ومن الحقّ أن أجلّ الكرام "
ابن بطّة كعامة العلماء لا يتقنون الشّعر ولا يتعاطون الشّعر حسبهم ما هم فيه من العلم ولذلك فهو لا يحسن الإجابة شعرا لكن صاحبه شاعر ومتفقّه على يد شيخه ابن بطّة فقال له ابن بطّة أجبه عنّي على وجه القافية الّتي صدرت منه فقال له على الفور "
أنت إن كنت لا عدمتك ترى لي الحقّ وتظهر الإعظام
فلك الفضل في التّقدّم والعلم ولسنا نريد منك احتشاما
فاعفني ... من قيامك هذا أوّلا فسأجزيك بالقيام القيام
وأنا كاره لذلك جدّا إنّ فيه تملّقا وآثاما
لاتكلّف أخاك أن يتلقّاك بما يستحلّ به الحرام
وإذا صحّت الضّمائر منّا اكتفينا من أن نتعب الأجسام
كلنا واثق بودّ أخيه ففيما انزعاجنا وعلاما "
هكذا كان العلماء سابقا يجمعون بين العلم وبين المهنة ولذلك فعار على طلاّب العلم أن يعيّروك بعملك الحرّ والعكس هو الصّواب
السائل : بارك الله فيك