فصل ـ الإسراء و المعراج و عرض النبي- صلى الله عليه وسلم -نفسَه على القبائل - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فصل ـ الإسراء و المعراج و عرض النبي- صلى الله عليه وسلم -نفسَه على القبائل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-08, 11:25   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










B11 فصل ـ الإسراء و المعراج و عرض النبي- صلى الله عليه وسلم -نفسَه على القبائل

فصل ـ الإسراء و المعراج و عرض النبي - صلى الله عليه و سلم-نفسَه على القبائل


و أُسْرِي برسولِ الله صلى الله عليه وسلم بجسدِه على الصحيح


من قولَي الصحابةِ والعلماء، من المسجدِ الحرامِ إلى بيتِ


المقدِس، راكِباً البُراق في صُحْبةِ جبريل عليه السلام .



******************************


هذا الفصلُ في أمرين من سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وعلى


آله وسلم ـ في الإسراء والمعراج، وفي عرْض النبي ـ صلى الله


عليه وعلى آله وسلم ـ نفسَه على القبائل .



الإسراء والمعراج من أعظم الكراماتوالفضائل للنبي ـ صلى

الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتى إنَّ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية ـ رحمه

الله تعالى ـ يقول في مجموع الفتاوى: أفضل ليلة في حق النبي ـ

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ليلة الإسراء .


وذلكَ لِما كان له ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من المكانة


والكرامة والنِّعم العظيمة وفرض الصلوات الخمس .



ونسوقُ نصَّ عبارته رحمه الله في مجموع الفتاوى (25/ 286)

وَسُئِلَ:

عَنْ " لَيْلَةِ الْقَدْرِ ". وَ " لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "


أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟


فَأَجَابَ:


بِأَنَّ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَفْضَلُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْلَةَ


الْقَدْرِ أَفْضَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ فَحَظُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْهَا أَكْمَلُ مِنْ حَظِّهِ مِنْ لَيَالِي الْقَدْرِ.


وَحَظُّ الْأُمَّةِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَكْمَلُ مِنْ حَظِّهِمْ مِنْ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ. وَإِنْ


كَانَ لَهُمْ فِيهَا أَعْظَمُ حَظٍّ. لَكِنَّ الْفَضْلَ وَالشَّرَفَ وَالرُّتْبَةَ الْعُلْيَا إنَّمَا

حَصَلَتْ فِيهَا لِمَنْ أُسْرِيَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . اهـ


وبعد ما لاقى النبيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ من الشِدَّة،


والأذى، وأنواع المتاعب من الكفار، ومن موت عمه أبي طالب،


ثم موت أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - وتكذيب أهل


الطائف له وغير ذلك، أكرمه اللهُ عز وجل بالإسراء والمعراج .



وهذه سنةُ الله سبحانه وحِكْمَتُهُ أنه إذا اشتدَّت الأمورُ يأتي بعدها


الفرَجُ ويأتي الرخاء .



ومن ذلك قصةُ يوسف - عليه الصلاة والسلام - ابتُلي ابتلاء



عظيمًا من كيد إخوته له بأنواع المكائد، ثم ابتلي بامرأة العزيز،



وبالنسوة الأُخريات، فدُعِيَ إلى نفسه، واتُّهم في عرضه، ثم ابتُلي



بالسجن أكثر من ثلاث سنين ظلمًا وعدوانًا؛ لأن الله عز وجل



يقول: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}[يوسف:42]، والبضع مابين


الثلاث إلى التسع.



ثم بعد ذلك جاءالفرج، وارتفعت مكانة يوسف - عليه الصلاة


والسلام - أتمَّ الله له النعمةَ، ثم بعد زمن جمع الله بينه وبين أبيه


وإخوته بعد فراق طويل ولله سبحانه الحكمة البالغة.



وحصل ليوسف - عليه الصلاة والسلام - الرخاء والرفعة



والمنزلة .




وهكذا أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ابتُليت باتهامِها في



عرضها، وكان في هذا كُربةٌ وشدَّة عظيمة حتى إن أمَّ المؤمنين



عائشة - رضي الله عنها - تقول: (قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي،



وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى



إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي) .



واستمر النبيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ شهرًا لا يُوحَى

إليه.


ثمَّ أنزلَ اللهُ في شأنها آيات وجاءت البشارة ونزلَ الفرَجُ تقولُ أمُّ


المؤمنين في سياق قصة حادثةِ الإفكِ (وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ


أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ


صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ

مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ،

فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ

الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا، أَنْ قَالَ لِي:

«يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ ) .


وهُنا النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعد هذه الابتلاءات


الشديدة أكرمه الله عز وجل بهذه النِّعَم العظيمة، النعمةُ تلو


النعمة وقبلَ الإسراء نزل جبريل عليه السلامُ وشَقَّ صدرَ النبي ـ


صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كما في صحيح البخاري ومسلم

وهذا لفظ مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ، يُحَدِّثُ، أَنَّ

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ،

فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ


مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا

فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ...." الحديث .


وفي الصحيحين في رواية أنس عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ


عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفيه : (فَأُتِيتُ

بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ

البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ) .

قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ) : إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ) هُوَ

بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَهُوَ مَا سَفَلَ مِنَ الْبَطْنِ وَرَقَّ مِنْ جِلْدِهِ . اهـ
وهذه مرَّةً أخرى غير المرَّة السابقة في أوائلِ الفُصُول التي ثبتت

في صحيح مسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ

الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ،


فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي

طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ،

وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ ، فَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ

قُتِلَ ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ، قَالَ أَنَسٌ : وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ

ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِه. ".


فهاتان حالتان، الأولى: عندما كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى


آله وسلم ـ صغيرًا .


والحالة الثانية: بعد البعثة قبل الإسراء بالنبي ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم ـ .


فالنَّبيُّ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم شُقَّ صدرُهُ مرتين .


والإسراء جاء في بعض الروايات تحديدُ اليوم والشهر وأنه في


سبع وعشرين في شهر رجب،و لا يثبت هذا .


قال شيخُ الإسلامُ فيما نقله عنه تلميذهُ ابنُ القيم في زادِ المعاد(1/

58 ) : وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ لَا عَلَى شَهْرِهَا وَلَا عَلَى عَشْرِهَا وَلَا

عَلَى عَيْنِهَا، بَلِ النُّقُولُ فِي ذَلِكَ مُنْقَطِعَةٌ مُخْتَلِفَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَا يُقْطَعُ

بِهِ، وَلَا شُرِعَ لِلْمُسْلِمِينَ تَخْصِيصُ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا لَيْلَةُ

الْإِسْرَاءِ بِقِيَامٍ وَلَا غَيْرِهِ .اهـ



وقال ابنُ رجب في لطائف المعارف 130 : وقد روي أنَّه في

شهر رجب حوادثُ عظيمة و لم يصحَّ شيءٌ من ذلك فروي : أن

النبي صلى الله عليه و سلم ولد في أول ليلة منه و أنه بعث في

السابع و العشرين منه و قيل : في الخامس و العشرين و لا يصح

شيء من ذلك
.


ورُويَ بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد: أن الإسراء بالنبي


صلى الله عليه وسلم كان فيسابع وعشرين من رجب وأنكر ذلك

إبراهيمُ الحربي وغيره . اهـ


و ذكر هذا الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه ( تبين

العجب فيما ورد في فضل رجب ) وقال :ناقلاً عن بعضهم

وذكر بعضُ القصَّاص أن الإسراء كان في رجب. قال: وذلك

كذب .


وكان يذكر الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أن

الاحتفال بليلة الإسراء ، والاحتفال بأول يوم من شهر محرم

لايثبت، فهو بدعة؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ


يقول: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» متفق


عليه . اهـ


ولم يختلفِ العلماء أن الإسراءَ كانَ بعدَ البِعْثَة قال ابنُ القيم رحمه


الله في زادِ المَعاد (1/ 97) :وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِالِاتِّفَاقِ .اهـ


أما ما جاء عند البخاري (7517)في رواية شريك بن عبدالله ابن


أبي نمرعن أنس بن مَالِكٍ يَقُولُ: " لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى


اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى


إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ ..


فقال ابنُ القيم في زادِ المعاد (1/ 97) :وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ


شريك، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ فَهَذَا مِمَّا عُدَّ مِنْ أَغْلَاطِ


شريك الثَّمَانِيَةِ وَسُوءِ حِفْظِهِ، لِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ.


(وأُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسدِه على الصحيح


من قولَي الصحابة والعلماء.) .


أُسري بالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قبلَ الهجرة

بِصُحْبَةِ جبريل عليه السلام من المسجد الحرام ليلًا، كما قال

سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى

الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ

الْبَصِيرُ}[الإسراء:1] .


وفي المسألة ثلاثة أقوال في الإسراء برسول الله صلى اللهُ عليه


وعلى آله وسلم :


أحدها: أنه أسري بروحه وجسده .


القول الثاني: أنه أُسريَ برُوحِه فقط .


القول الثالث: أن هذا كان رُؤيا منامية، وقد عُدَّ هذا من أغلاط


شريك بن عبدالله بن أبي نمر.


قال الحافظ ابنُ حجر في فتحالباري رقم (7517) في سياق ذكر

الأخطاء التي أخطأ فيها شريكٌ هذا .


قال : الثالث : كونُها مناماً . اهـ



و القول الأول القولُ الصحيح، كما يقول الحافظ ابن كثير ـ رحمه


الله تعالى ـ هنا؛ لأن الله عز وجل يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى


بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} .



قال الحافظُ ابنُ كثير في تفسيره ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ كَانَ


الْإِسْرَاءُ بِبَدَنِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرُوحِهِ، أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ،


فَالْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً لا


مناما، ولا ينكرون أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى

قَبْلَ ذَلِكَ مَنَامًا ثُمَّ رَآهُ بعد يقظة، لأنه كان عليه السلام لَا يَرَى

رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصبح .


والدليل على هذا قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ


الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ فالتسبيح

إنما يكون عند الأمور العظام .



فلو كَانَ مَنَامًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ شَيْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعْظَمًا .



وَلَمَا بَادَرَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ إلى تكذيبه، ولما ارتدت جَمَاعَةٌ مِمَّنْ


كَانَ قَدْ أَسْلَمَ.


وَأَيْضًا فَإِنَّ العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقال تعالى


أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وقال تَعَالَى:{ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا


فِتْنَةً لِلنَّاسِ }[الإسراء: 60] قال ابن عباس: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا


رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةُ أسري به، والشجرة الملعونة


هي شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .

.
وَقَالَ تَعَالَى: {مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى }[النَّجْمِ: 17] .

وَالْبَصَرُ مِنْ آلَاتِ الذَّاتِ لَا الرُّوحِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ بَيْضَاءُ بَرَّاقَةٌ لَهَا لَمَعَانٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا لِلْبَدَنِ لَا لِلرُّوحِ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ فِي حَرَكَتِهَا إِلَى مَرْكَبٍ تَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ


وهكذا من قال :كان بروحه فقط خلاف ظاهر الأدلة المُتقدِّمة .



(من المسجدِ الحرامِ إلى بيت المقدس.)



وهي القبلة الأولى للمسلمين، ثم نُسِخَت بالاستقبال إلى الكعبة،


ومن استقبل بيتَ المقدس متعمِّدًافي صلاته فإنه يكون كافرًا، لأن

هذا نُسِخَ .


(راكباً البُراق في صُحبةِ جبريلَ عليه السلام، فنزلَ ثَمَّ )



في صحيح مسلم برقم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ


صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ


فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»


سبحانَ الله آية من آيات الله أرسله اللهُ ليحمل هذا النبي الكريم


وجبريل عليه الصلاة والسلام.



(يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ) (الْحَافِر) من الدَّوَابّ مَا يُقَابل


الْقدَم من الْإِنْسَان كما في المُعجَمِ الوسيط .


يضعُ حافرَه وهي الخطوة ، موضع أقصى طرْفِه ، أي مدَّ


بصره ،موضِع منتَهى بصرِه .


الطرْف : البصر .

وهذا في غايةِ السُرْعَة .


سخَّره له ربُّ العالمين يركبُ عليه ، ويربطه بحلقة المسجد .



قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ



الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ



رَكْعَتَيْنِ) .


ثم دخل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فصلى ركعتين


في بيت المقدس ثم خرج من بيت المقدس وجاءه جبريل كما في

صحيح مسلم (162) عن أنس الحديث وفيه : قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ

الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ

السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ،


فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ الحديث .


وقد نفى حُذيفةُ بن اليمان رضي اللهُ عنه صلاةَ النبي صلى الله

عليه وعلى آله وسلم في بيتِ المقدس

.
كما أخرج الترمذيُّ في سننه (3147)من طريق عَاصِمِ بْنِ أَبِي


النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ: أَصَلَّى


رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ:


بَلَى، قَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذَاكَ يَا أَصْلَعُ، بِمَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: بِالقُرْآنِ.


بَيْنِي وَبَيْنَكَ القُرْآنُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَنْ احْتَجَّ بِالقُرْآنِ فَقَدْ أَفْلَحَ. فَقَالَ:


{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ


الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] قَالَ: أَفَتُرَاهُ صَلَّى فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: «لَوْ


صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَمَا كُتِبَتِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ


الْحَرَامِ» قَالَ حُذَيْفَةُ: «قَدْ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


بِدَابَّةٍ طَوِيلَةِ الظَّهْرِ، مَمْدُودَةٍ. هَكَذَا خَطْوُهُ مَدُّ بَصَرِهِ، فَمَا زَايَلَا


ظَهْرَ البُرَاقِ حَتَّى رَأَيَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ وَوَعْدَ الآخِرَةِ أَجْمَعَ، ثُمَّ رَجَعَا

عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا» . قَالَ: وَيَتَحَدَّثُونَ أَنَّه رَبَطَهُ، لِمَ؟ لِيَفِرَّ مِنْهُ

وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ .


وهذا حديث حسن من أجل عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ فهو صدق يهِم .



وقد حسَّنه الوالدُ رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في


الصحيحين رقم (301) .


قال الحافظ ابنُ كثيرٍ رحمه الله في تفسيره :وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ


حُذَيْفَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، نَفْيٌ، وَمَا أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبْطِ الدَّابَّةِ بِالْحَلْقَةِ وَمِنَ الصلاة بالبيت

الْمَقْدِسِ، مِمَّا سَبَقَ وَمَا سَيَأْتِي مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

بِالصَّوَابِ.

وقوله (فَمَا زَايَلَا ظَهْرَ البُرَاقِ )أَيْ مَا فَارَقَ النَّبِيُّ وَجِبْرِيلُ ظَهْرَهُ


كما في تحفة الأحوذي .


**********************


فنزلَ ثَمَّ وأَمَّ بالأنبياءِ ببيت المقدس فصلَّى بهم .

.
ثم عُرج به تلك الليلة مِن هناك إلى السماءِ الدُّنيا، ثم للتِي تليها،


ثم الثالثة، ثم إلى التي تليها،ثم الخامسة، ثم التي تليها، ثم السابعة .


ورأى عندها جبريلَ على الصُّورةِ التي خلقه اللهُ عليها، وفرَض


اللهُ عليه الصلواتِ تلكَ الليلةَ .



*****************


وقوله :فنزلَ ثَمَّ وأَمَّ بالأنبياءِ ببيت المقدس فصلَّى بهم .) ثَمَّ أي



هناك .


وهذا خلاف ما ذكره رحمه الله في تفسير سورة الإسراء قال :


وَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُسْرِيَ بِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ

الْمَقْدِسِ رَاكِبًا الْبُرَاقَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، رَبَطَ الدَّابَّةَ

عِنْدَ الْبَابِ وَدَخَلَهُ، فَصَلَّى فِي قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتى


بالمعراج وَهُوَ كَالسُّلَّمِ ذُو دَرَجٍ يُرْقَى فِيهَا، فَصَعِدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاءِ

الدُّنْيَا ثم أشار إلى حديث الإسراء ثم قال : فرض الله عَلَيْهِ هُنَالِكَ

الصَّلَوَاتِ خَمْسِينَ ثُمَّ خَفَّفَهَا إِلَى خَمْسٍ رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا بِعِبَادِهِ،

وَفِي هَذَا اعْتِنَاءٌ عَظِيمٌ بِشَرَفِ الصَّلَاةِ وَعَظَمَتِهَا.


ثُمَّ هَبَطَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهَبَطَ مَعَهُ الْأَنْبِيَاءُ فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ لَمَّا

حَانَتِ الصَّلَاةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا الصُّبْحُ مِنْ يَوْمِئِذٍ .


قال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَمَّهُمْ فِي السَّمَاءِ، وَالَّذِي تَظَاهَرَتْ


بِهِ الروايات أنه ببيت الْمَقْدِسِ، وَلَكِنْ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ


دُخُولِهِ إِلَيْهِ.


وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ جَعَلَ


يَسْأَلُ عَنْهُمْ جِبْرِيلَ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَهُوَ يُخْبِرُهُ بِهِمْ، وَهَذَا هُوَ


اللَّائِقُ، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا مَطْلُوبًا إِلَى الْجَنَابِ الْعُلْوِيِّ لِيَفْرِضَ عَلَيْهِ


وَعَلَى أُمَّتِهِ مَا يَشَاءُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ لَمَّا فرغ من الذي أريد به،


اجتمع هو وإخوانه من النبيين ثُمَّ أَظْهَرَ شَرَفَهَ وَفَضْلَهُ عَلَيْهِمْ


بِتَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ عَنْ إِشَارَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ فِي


ذَلِكَ .


ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرَكِبَ الْبُرَاقَ وَعَادَ إِلَى مَكَّةَ بِغَلَسٍ،


وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ


استظهر في تفسيره رحمه الله أنه أمَّ بالأنبياء في بيت المقدس بعد

المعراج به .


ثُمَّ عُرِج بالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلى السماء


بصُحبة جبريل عليه السلام .


(ثم عرج به تلك الليلة من هناك) من هناك: أي من بيت المقدس.


(إلى السماء الدنيا)


سميت بذلك لأنها تلي الدنيا .


وكان في السماء الدنيا أبونا آدم - عليه الصلاة والسلام - فرحَّب


بالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقال مرحبًا بالابن


الصالح، والنبي الصالح وهكذا سائر الأنبياء الذين مر بهم النبي ـ


صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في السماء يستبشرون به


ويرحِّبون به ويشهدون له بالنبوة.


(ثم للتي تليها) وهي السماء الثانية قال النبي ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم: ( ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ

عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:

مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا

بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ

عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ) .

(ثم الثالثة) وكان في الثالثة نبي الله يوسف .

(ثم التي تليها) وهي السماء الرابعة وفيها نبي الله إدريس .

(ثم الخامسة) وفيها نبي الله هارون .

(ثم التي تليها) وهي السماء السادسة وفيها نبي الله موسى .

(ثم السابعة) وفيها نبي الله إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام -.

(و رأى عندها جبريل على الصورة التي خلقه الله عليها)

النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى جبريل - عليه

الصلاة والسلام - في صورته التي خُلق عليها مرتين كما في


صحيح مسلم (177) عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ،


فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى


اللهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ


وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا


فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي، وَلَا تُعْجِلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ


اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ

نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ...» الحديث.

وما عدا ذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يرى


جبريلَ - عليه الصلاة والسلام - على صورة رجل، وفي كثير


من الأحيان كان يأتي جبريلُ - عليه الصلاة والسلام - على

صورة الصحابي الجليل دحية بن خليفة الكلبي ـ رضي الله عنه ـ

.
أخرج البُخاري (3634 ) ومسلم (2451)عن أُسامة بنِ زيد


أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ أُمُّ

سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ

سَلَمَةَ: «مَنْ هَذَا؟» أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، قَالَتْ أُمُّ

سَلَمَةَ: ايْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ جِبْرِيلَ .


و في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ


وَسَلَّمَ قَالَ: «عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ

الرِّجَالِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ

السَّلَامُ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ

إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ -

يَعْنِي نَفْسَهُ -، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ

شَبَهًا دَحْيَةُ» .

دحية : قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم تحت رقم

(168) : (دَحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ) هُوبِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ .


وقال رحمه الله في شرح حديث أم سلمة المُتقدِّم : وَكَانَ النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى جِبْرِيلَ عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ غَالِبًا وَرَآهُ


مَرَّتَيْنِ عَلَى صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ .اهـ


إتيان جبريل - عليه الصلاة والسلام - في صورة رجل فيه شُبْهَةٌ



للإخوان المسلمين، ومن كان على شاكلتهم في إباحة التمثيل وهذا


غلطٌ ومنكر ، فجبريل - عليه الصلاة والسلام - الله سبحانه


وتعالى هو الذي يجعله على صورة رجل من أجل مؤانسة النبي ـ


صلى الله عليه وعلى آله وسلم .


وقد وردت الأدلةُ في تحريم التمثيل، ومن ذلك ما جاء في مُسند


أحمد عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ



عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ،


أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ، وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ» . الحديث حسن،

وهو يدل على أن التمثيل كبيرة من كبائر الذنوب.


وفي سنن أبي داود عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ: أي حكت له


فعلًا. فالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنكر و قال: (مَا


أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) .


قال صاحِبُ عونِ المعبود : (وَحَكَيْتُ لَهُ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ (إِنْسَانًا) أَيْ فَعَلْتُ مِثْلَ فِعْلِهِ تَحْقِيرًا لَهُ يُقَالُ حَكَاهُ وَحَاكَاهُ

وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبِيحِ الْمُحَاكَاةُ (فَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا) أَيْ مَا يَسُرُّنِي أَنْ أَتَحَدَّثَ

بِعَيْبِهِ أَوْ مَا يَسُرُّنِي أَنْ أُحَاكِيَهُ بِأَنْ أَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ أَوْ أَقُولَ مِثْلَ

قَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ التَّنْقِيصِ . اهـ


هذه المسألة مما يعتبرها الإخوانُ المسلمون من وسائل الدعوة


وهي محرمة .


ويشتمل على محرمات كالكذب، وتشبه الرجال بالنساء والعكس .


فالتمثيل لايجوز مثلًا: يمثِّل الصحابة، أو يمثل غزوة من

الغزوات، أو يمثل في تمثيله الشيطان كيف يغوي العباد؟ .


لانحتاج إلى هذا. الدعوة لاتُنصر بالمعصية، فالمعصية إنما هي


من أسباب الخذلان في السيرـ


والعياذ بالله ـ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ

يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]. أي تنصروا دين الله كما شرع .

(و فَرَض الله عليه الصلوات تلك الليلة)


أي الصلوات الخمس - وإلا قد كانت الصلاة مفروضة من قبل


الصلوات الخمس - فرضت عليه ليلة الإسراء.


هذا ودليل المعراج من جملة الأدلة على إثبات علو الله عز وجل .

فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عُرِج به إلى السماء

ولما بلغ سدرة المنتهى كلمهُ ربه وتردد نبينا محمد ـ صلى الله

عليه وعلى آله وسلم ـ على ربه ليسأله التخفيف في الصلاة، ففي

حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وفيه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ (فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى

مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟

قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ

أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ "،

قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ

عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ

أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، قَالَ: "

فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ

حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ

صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا

كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ

يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً "، قَالَ: "

فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ،

فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ " .

وكان مما رأى ليلة عُرِج به عُقوبة أصحاب الغِيبة التي يستَلِذُّها

بعضُ الناس كما روى أبوداود في سننه (4878)عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا عُرِجَ بِي

مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ،

فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ " .

و بعد هذه الكرامات رجع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

إلى مكة وأخبرَ بأنه أُسريَ به .



جاء في مسند الامام أحمد (2819) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي،



وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ» فَقَعَدَ




مُعْتَزِلًا حَزِينًا، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ

إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي

اللَّيْلَةَ» قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟» قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ

بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ، مَخَافَةَ أَنْ

يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ

تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» .

فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ حَتَّى قَالَ: فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ

الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا

حَدَّثْتَنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي أُسْرِيَ بِي

اللَّيْلَةَ، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ

بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ " قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ

وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، مُتَعَجِّبًا لِلكَذِبِ زَعَمَ قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ

تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَرَأَى

الْمَسْجِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ فَمَا

زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ» ، قَالَ: «فَجِيءَ

بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ،

وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» ، قَالَ: «وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ» قَالَ: "

فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ " .


وهذه كرامة ومعجزة عظيمة لهذا الرسولِ الكريم لمَّا عجز عن

الوصف قُرِّب له بيتُ المقدس فجعل ينظرُ ويصف .


ومع ذلك ازداد بعضهم ـ والعياذ بالله ـ تكذيبًا للنبي ـ صلى الله

عليه وعلى آله وسلم ـ كما قال تعالى: { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ

السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (15) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا


بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}[الحجر:15،14]، فالأمر قد تُعرفُ


حقيقته وصدْقه و لا يُنتفَعُ به وهذا من الخُذْلان .

.
وقالوا إنهم لا يصِلُون بيت المقدس إلا بزمن والنبي صلى الله

عليه وسلم ذهب في الليل وفي الصبح وهو في مكة .


تنبيهٌ


يفيد الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أن هناك رسالةً في


الإسراء والمعراج تنسب إلى عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ


وأن هذا لم يثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.



******************************


و اختلف العلماءُ: هل رأى ربَّه عز وجل أوْلا ؟ .


على قولين: فصح "عن ابن عباس أنه قال: رأى ربَّه .


و جاء في رواية عنه: رآه بفؤاده".


و في الصحيحين "عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أنكرت

ذلك على قائله، و قالت هي و ابن مسعود: إنما رأى جبريل ".


وروى مسلم في صحيحه من "حديث قتادة عن عبد الله بن شقيق

عن أبي ذرٍ أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم هل

رأيت ربَّك؟ قال: [ نورٌ ، أنَّى أَراه ! ؟ ] و في رواية [ رأيتُ

نوراً ]. فهذا الحديث كافٍ في هذه المسألة.


******************************


وهذه مسألة هل رأى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ربه

عز وجل في ليلة الإسراء؟.


ذكر الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ أن في المسألة قولين


وأنه أنكر ذلك عائشة وابن مسعود - رضي الله عنهما – .


أمَّا حديث عائشة رضي اللهُ عنها متفق عليه تقول لمسروق (مَنْ

زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ


الْفِرْيَةَ ) .

وحديث ابن مسعودٍ أخرجه البخاري (3232 ) ومسلم (174)

من طريق أبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ

قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا

أَوْحَى} [النجم: 10] قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ «رَأَى جِبْرِيلَ،

لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» .


ثم ذكر الحافظُ ابنُ كثير حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قَالَ:

«نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ»، وفي رواية «رأيت نورًا» .


ثم قال: (فهذا الحديث كافٍ في هذه المسألة) أي: أن النبي ـ

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يرَ ربه.

******************************

و لما أصبح رسولُ الله صلى الله عليه و سلم في قومِه أخبرَهم

بِما أَراه اللهُ من آياته الكُبرى،


فاشتدَّ تكذيبُهم له و أذاهم و استجراؤهم عليه.


و جعلَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم يعرض نفسَه على القبائل

أيامَ الموسِمِ و يقول: "مَن رجل يحمِلُني إلى قومه فيمنعُني حَتَّى

أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي!؟ فإن قريشاً قد منَعُوني أن أبلِّغَ رسالةَ ربي".


هذا وعمُّه أبو لهبٍ ـ لعنه الله ـ وراءَه يقول للنَّاس: لا تسمعُوا منه

فإنه كذاب .


فكان أحياءُ العرب يتحامونَه لِما يسمعون من قُريش عنه: إنَّه

كذَّاب، إنه ساحِرٌ، إنه كاهِنٌ، إنه شاعرٌ، أكاذيبُ يقذفونَه بها من

تلقاءِ أنفسِهم، فيُصْغِي إليهم من لا تمييزَ له من الأحياء.


وأما الألِبَّاء إذا سمِعُوا كلامَه و تفهَّمُوه شهِدوا بأنَّ ما يقولُه حقٌّ و

أنهم مفترُون عليه، فيسْلِمُون .


******************************

هذه المسألة الثانية في هذا الفصل أن النبي ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم ـ بعد ما أُسري به، واشتد تكذيبُ كفارِ قريش له

جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يعرِضُ نفسه

على القبائل والوفُود من يؤويه وينصره حتى يبلغ رسالةَ ربه

سبحانه.


(أيام الموسم )


الموسم: هُوَ الوَقْت الَّذِي يَجْتَمِع فِيهِ الحاجُّ كلَّ سَنَة، كَأَنَّهُ وُسِمَ

بِذَلِكَ الْوَسْم كما في النهاية.


(هذا وعمه أبو لهب ـ لعنه الله ـ وراءهُ يقول للنَّاس: لا تسمعُوا

منه فإنه كذَّاب).


هذا ثابت رواه الإمام أحمد (16023) عن ربيعةَ بن عباد وهو

في الصحيح المسند للوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ عَنْ


رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ الدِّيلِيِّ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا أَسْلَمَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَ عَيْنِي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ، يَقُولُ: " يَا

أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، تُفْلِحُوا " وَيَدْخُلُ فِي فِجَاجِهَا


وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ عَلَيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ شَيْئًا، وَهُوَ لَا

يَسْكُتُ، يَقُولُ: " أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا " إِلَّا أَنَّ


وَرَاءَهُ رَجُلًا أَحْوَلَ وَضِيءَ الْوَجْهِ، ذَا غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ،


كَاذِبٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ،


قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُهُ؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، قُلْتُ: إِنَّكَ كُنْتَ


يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا، قَالَ: لَا وَاللهِ إِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَعْقِلُ) .


(ذَا غَدِيرَتَيْنِ) أي: ظفيرتين. (وَرَاءَهُ رَجُلًا أَحْوَلَ ...) والذي

يتبعه أبو لهب وكان أبو لهب شديد العداوة والأذى للنبي ـ صلى

الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، كان يتبع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ويرميه بالحجارة حتى يدمِي عرقوبيه .


وبنحو حديث ربيعة بن عباد ـ رضي الله عنه ـ جاء عن طارق


بن عبدالله المحاربي وكلاهمافي الصحيح المسند مما ليس في

الصحيحين للوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ.


(فكان أحياءُ العرب يتحامونه لِما يسمعون من قريش عنه: إنه

كذاب، إنه ساحر، إنه كاهن، إنه شاعر، أكاذيب يقذفونه بها من


تلقاء أنفسهم، فيصغي إليهم من لا تمييز له من الأحياء).


(يتحامونه ) أي: يتجنبونه، لِما يسمعون من قريش عنه إنه


كذَّاب، إنه ساحِر، إنه كاهِن،إنه شاعر ، هذا من أذى كفار قريش

وسبهم للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقد ذكر الله ذلك

عنهم في القرآن .


وفي صحيح مسلم(868) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّ ضِمَادًا، قَدِمَ مَكَّةَ

وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ

مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا

الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي

أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ

وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ،


وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ

وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ» قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، فَأَعَادَهُنَّ

عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ

سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ

مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ

يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَى قَوْمِكَ»، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي) الحديث .


(وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ) يقصد ضماد بن ثعلبة ـ رضي الله عنه



ـ أنه سمع قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، وكان كلام


النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أبلغ من كلامهم وأفصح

وأبلغ تأثيرًا.


ضماد بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ كان يسمع من هذه الدعايات،

وهذا التنفير عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهكذا


كلُّ من يقدم من الوفود إلى مكة يسمع الشتم والسباب والتنفير.


(وأما الألبَّاء إذا سمعوا كلامَه و تفهَّموه شهِدوا بأن ما يقوُلُه حق

و أنهم مفترُون عليه، فيُسلِمون).


(الألبَّاء) أصحاب العقول السليمة .


(فيسلِمون) يدخلون في الإسلام. قد يسمع الإنسان تنفيرًا،

وأكاذيب ويكون هذا سبباً لهدايته .


فأسباب الهداية كثيرة يقول: آتي وأسمع وأنظرالحقيقة بنفسي، فإذا

سمع دعوة الحق والدعوةالصحيحة يؤثر فيه ويسلم ويهتدي للحق
.
حتى إن الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ كان يقول: ( الكَلَامُ


فِينَا دَعوَةٌ إِلَى دَعوَتِنَا).


انتهينا من هذا الفصل في الإسراء والمعراج وعرض النبي ـ


صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ


نفسه على القبائل لما رجع من الإسراء والمعراج .




******************************
فصل ـ حديثُ سويدِ بن الصامت و إسلام إياس بن معاذ

و كانَ ممَّا صنعَ اللهُ لأنصارِه من الأَوسِ و الخزرجِ أنهم كانُوا

يسمعُون من حُلفائِهم من يهودِ المدينةِ أنَّ نبياً مبعوثٌ في هذا

الزَّمن، و يتوعَّدُونهم به إذا حاربُوهم، و يقولون: إنا سنقتُلُكم معه

قَتْلَ عَادٍ وِإرَم ، و كان الأنصارُ يحجُّون البيتَ، كما كانتِ

العرب تحُجُّه و أما اليهودُ فلا. فلما رأى الأنصارُ رسولَ الله

صلى الله عليه و سلم يدعو الناس إلى الله تعالى، و رَأوا أماراتِ


الصدق عليه قالوا: والله هذا الذي توعَّدكم يهودُ به فلا يسبِقُنَّكم

إليه.

******************************


في هذا الفصل بيان أنَّ الأنصار آووا النبي ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم ـ ونصروه حتى يقوم بتبليغ الرسالة، وهذا مما

جعله الله عز وجل ذُخرًا للأنصار، فقد كان النبي ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم ـ يعرض نفسَه على القبائلِ ويَرُدُّونَه، واستجابتْ

لهذا الأنصارُ - رضي الله عنهم .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كما في سيرةِ ابنِ هشام (1/ 195) : وَحَدَّثَنِي

عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: إنَّ مِمَّا

دَعَانَا إلَى الإِسلام، مَعَ رحمة الله تعالى وهُداه، لمَّا كنا نسمع من


رجال يهود، كُنا أهلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوَثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ،

عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنا

مِنْهُمْ بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبعث

الْآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وِإرَم، فَكُنَّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ .


فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ رسولَه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجَبْنَاهُ، حِينَ دَعَانَا

إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَنَا بِهِ فَبَادَرْنَاهُمْ إلَيْهِ، فَآمَنَّا

بِهِ، وَكَفَرُوا بِهِ، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ مِنْ الْبَقَرَةِ: {وَلَمَّا

جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ

يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ

اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] .

والحديث حسن .


وهو في الصحيح المسند من أسباب النزول للوالِد رحمه اللهُ .


الأنصار:هم الأوس والخزرج، وإيواؤهم للنبي ـ صلى الله عليه


وعلى آله وسلم ـ معدود في أعظم مناقبهم، وفضائلهم - رضي


الله عنهم -


والأنصار الله عز وجل سمَّاهم بهذا كما في صحيح البخاري



(3776) عن غَيْلاَنِ بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ



الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: «بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عَزَّ


وَجَلَّ»، كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ، فَيُحَدِّثُنَا بِمَنَاقِبِ الأَنْصَارِ،


وَمَشَاهِدِهِمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ، فَيَقُولُ: «فَعَلَ


قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا» .



(بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ): يشير إلى الآيات التي فيها ذكر

الأنصار كقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ

وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ


وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:100] .


وقال الله عز وجل في فضلهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9].

{تَبَوَّءُوا} أي الأنصار { الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} الدَّار، وهي المدينة .

من أوصافهم الحميدة التي أثنى الله عز وجل عليهم بها محبة

المهاجرين إليهم {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}

لايدخل في نفوسهم شيء إذا أُوثر المهاجرون عليهم بالعطاء،

{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ

نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} هذا من أوصافهم الحميدة صفة الإيثار.


وفي صحيح البخاري (3801) وصحيح مسلم (2510) عَنْ

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ

الْأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا

مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».


وفي صحيح البخاري (7244) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ،


وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا - أَوْ شِعْبًا - لَسَلَكْتُ


وَادِيَ الأَنْصَارِ، - أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ» .


وفي البخاري (17)، ومسلم (74) عن أنس بن مالك عَنِ النَّبِيِّ


صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُالإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ».


رضي اللهُ عنهم وأرضاهم .



(حلفائهم) التَّحالُف: التعاقد على النصرة والمعونة .


(أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من يهود المدينة أن نبياً مبعوث

في هذا الزمن، و يتوعدونهم به إذا حاربوهم، و يقولون: إنا
سنقتلكم معه قتل عاد وإرم) .

لأن اليهود أهل كتاب، والكتب السابقة جاءت بإثبات نبوة هذا


النبي الكريم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال سبحانه

وتعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران:81] .


وكانت اليهود تتوعد الأنصار أنه سيخرج فينا نبي وسنحاربكم


معه.


(و يقولون : إنا سنقتلكم معه قتل عاد وإرَم): أي نستأصلكم .


فلما بعث الله عز وجل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ


حسدت اليهود العرب ؛ وهذا من أشد صفاتهم الذميمة الحسد،


وكفرت بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه مابُعث منهم .


(و كان الأنصارُ يحُجُّون البيت، كما كانت العرب تحجُّه و أما



اليهودُ فلا) .


اليهود ما كانوا يحجون


.

******************************


و كان سويدُ بنُ الصَّامت أخو بني عمرو بن عوف بنِ الأوس قد


قدِمَ مكَّةَ فدعاه رسولُ الله صلى الله عليه و سلم فلم يبْعُدْ ولم يُجِب


ثم انصرفَ إلى المدينة، فقُتل في بعض حروبهم .


و كان سويد هذا ابن خالة عبد المطلب .


ثم قدِم مكةَ أبو الحيسر أنسُ بن رافع في فِتْيَةٍ من قومه من بني

عبد الأشهل، يطلبونَ الحِلْفَ، فدعاهم رسولُ الله صلى الله عليه و

سلم إلى الإسلامِ ، فقال إياسُ بن معاذ منهم ـ و كان شاباً حدَثاً ـ:


يا قومِ، هذا و الله خير مما جِئنا له، فضربَه أبو الحيسر و انتهرَه،

فسكت، ثم لم يَتِمَّ لهم الحِلْف، فانصرفوا إلى بلادِهم إلى المدينة،

فيقال إن إياس بن معاذ مات مسلماً .


******************************


هؤلاء من الوفود إلى مكة .



و قد تكلَّم أهلُ العلم على حالِ سويد بن الصامت



قال ابنُ أبي حاتمٍ في الجرح والتعديل(4/ 233) سويد بن


الصامت رأى النبي صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز

وذلك قبل بعاث فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام


فكان قومه يرون أنه مات مسلما، شيخا كبيرا .


سمعت أبي يقول ذلك.


وقال ابنُ عبدالبر في الاستيعاب ترجمة سُوَيد :بعد أن ذكر أنه لم


يُظهِر إسلامَه لما لقي النبيَّ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم .


قال :أنا شاكٌّ في إسلام سويد بن الصامت كما شك فيه غيري ممن ألف في هذا الشأن قبلي. والله أعلم.


وذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - في الإصابة اثنين


يقالُ لكل منهما سويد بن الصامت .


أحدهما :سويد بن الصامت بن حارثة بن عدي الخزرجي وقال :


(قال ابن سعد والطّبريّ: شَهِدَ أحدًا) .


الثاني : سويد بن الصامت بن خالد :


بن عقبة الأوسيّ. ذكره ابن شاهين، وقال:


شُكَّ في إسلامه. وقال أبو عمر –أي ابن عبدالبر- : أنا أشك فيه

كما شكَّ غيري.


ذكره بعضهم معتمِدا على ما روى ابن إسحاق عن عاصم بن


عمرو، عن أشياخ من قومه، قالوا: قدم سويد بن الصامت


معتمرا، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الإسلام فلم


يبعد، وقال: إن هذا القول حسن، ثم انصرف فقتل، فكان رجال

من قومه يقولون: إنا لنراه مسلما .


قلت: فإن صحّ ما قالوا لم يعدّ في الصحابة، لأنه لم يلق النبي


صلّى اللَّه عليه وسلم مؤمنا.


ويُنظرُ فتحُ الباري رقم 40 في آخر شرح الحديث .


وإسناد ابن إسحاق ضعيف ، فيه عنعنة ابنِ إسحاق وهو مدلس .


(و كان سويد هذا ابن خالة عبد المطلب)


عبد المطلب بن هاشم جد النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

.
قال ابنُ كثير في البداية والنهاية (3/ 147) ترجمة سويد : وَأُمُّهُ


لَيْلَى بِنْتُ عَمْرٍو النَّجَّارِيَّةُ أُخْتُ سَلْمَى بِنْتِ عَمْرٍو أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ


بْنِ هَاشِمٍ . فَسُوَيْدٌ هَذَا ابْنُ خَالَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى



اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .



وقد جاء أبوالحيسر وهو أنس بنُ رافع ومعه فِتْيَةٌ من قومه


ومنهم إياس بنُ معاذ وطلبوا مِن قريش محالفتهم على قتالِ


الخزرج ولم يتمَّ لهم جاء أنه قالت قريش:



بعُدت داركم مِنَّا مَتَى يجيب داعينا صريخَكم ومتى يجيب داعيكم

صريخَنا! كما في الطبقات لابنِ سعدٍ .


وإياس بن معاذ الأنصاري، أيضاً مختلف فيه قال ابنُ أبي حاتم


في الجرح والتعديل : يقال: له صحبة، سمعت أبي وأبا زرعة


يقولان ذلك .

وقال أبونعيم في معرفة الصحابة (1/ 293 ) :إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ

الْأَشْهَلِيُّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ


الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ

.اهـ


وقال ابن السَّكن، وابن حِبَّان: له صحبة كما في الإصابة.


والشاهِدُ أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان يدعو


الوفودَ إلى مكة يدعوهم إلى الله عز وجل دعا سويدَ بنَ الصامت

، ودعا أبا الحيسر والفِتْيَة الذين معه ومنهم الشابُّ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ

الْأَشْهَلِيُّ .



وهذه طريقة وسُنن الأنبياء والمرسلين الدعوة إلى اللهِ عزوجل .



انتهينا ولله الحمد .

أم عبد الله الوادعية









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
معراج, الله, اسراء, رؤية


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:10

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc