محمد عواد -
اعتدنا أن نسمع انتقاداً متكرراً عندما يصدر فعل قبيح عن شخص متعلم بالقول
"هذا لا يصدر عن متعلم"، وعندما يكون هناك نقاش محتد بين طرفين يحاول
أحدهما مطالبة الأخر بالعقلانية فيقول له "أنت إنسان متعلم"، لكن كل تلك
المقولات خاطئة ولا رابط منطقي فيها عند التفكير بمعناها.
فالتعليم
مسألة والتفكير والمنطقمسألة أخرى، بل إنني أشعر بأن تفكير البعض تعرض
لضربة قوية بسبب تعليمه، فهو مصاب بداء الفخر بنفسه لأنه فهم خطأ أن معنى
كونه يكون أن رأيه صحيح دوماً ويتوقف بالتالي عن التفكير، وهذا سر أن يكون
مصدر الخرافة متعلم وناقلها متعلم ومؤيدها متعلم في زمان الإنترنت.
من المخجل أن أنظمتنا التعليمية لم تدرك ما أدركه فيلسوف إغريقي قبل الاف السنين والكلام عن هرقليطس الذي قال "الكثير من التعليم لا يُعَلِّم الفهم."، ولا أعرف أي جرأة كانت لدى براتراند راسل الفيلسوف الإنجليزي عندما قال "لا يولد البشر أغبياء بل جهلة، ثم يجعلهم التعليم أغبياء."، ولعل الرابط بين المقولتين والتوضيح الأهم ما جاء من الكاتب الأمريكي جورج سانتايانا "الطفل الذي اقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل لم يتعلم.".
فالمتعلم
الذي يكتفي بما يدرسونه له في المدرسة والجامعة وما يبثه له التلفاز ليس
بمتعلم، بل هو مخزن معلومات لا أكثر، فالذي لا يبحث ولا يقرأ ولا يحاول فهم
طرق التفكير والاستفادة مما لديه من معارف أضاع سنينه هدراً، والذي يجبر
نفسه على أن يبقى في الصندوق الذي تم وضعه به لا يستحق مقعداً في جامعة،
والذي يكتفي بالإنبهار بهذه المقولة أو تلك مما يتداوله الناس دون البحث عن
صاحبها وطريقة تفكيره وفلسفته بالحياة شخص عليه أن يعيد النظر بنفسه،
والذي يتفاخر ويصنف نفسه حسب الشهادة التي حصل عليها، فالأولى به أن يطأطىء
رأسه لأن تلك مجرد أوراق لا يثبت قيمتها إلا نوعية العقل.
والذي
يحاول ربط جودته ومستواه الفكري بنجاحه على المستوى الشخصي أناني لا يعرف
دوره الرئيسي في الحياة، فالمتعلم الذي لا ينقي ما حوله من خرافات ولا يبحث
عن صحة ما يتداوله الناس حوله من معلومات وأخبار لا خير فيه أبداً، لأنه
في النهاية سيرحل وسيكون كل ذلك النجاح هباءً منثوراً ما لم يكن دوره على
النواحي الأخرى ترقى بفكر مجتمعه.
فرق كبير بين أن تكون متعلماً بشهادة من ورق وأن تكون متعلماً حقيقياً!