عيد النصر وانتصار تحدي الشعب الجزائري
بلقاسم ليلى
تعود الذكرى 55 لعيد النصر 19 مارس 1962 في شهر مارس الشهداء المقترن بشهر الحريات في المغرب العربي، الذكرى التي جسدت حنكة الدبلوماسية الجزائرية منذ بدايات الثورة التحريرية ضمن المعركة الدبلوماسية التي كانت موازية للحرب المسلحة منذ العام 1955، في الظفر بمكاسب الثورة التحريرية والتي كللت بالتوقيع على اتفاقية ايفيان الثانية واسترجاع السيادة الوطنية الكاملة والشروع في بناء الدولة الجزائرية الفتية بعد 132 سنة من الطمس والمسخ والإِستدمار الكولونيالي لمعالم ومقومات الهوية الجزائرية.
جاءت الذكرى لتعيد إلينا تلك التضحيات الجسام لرجال صادقوا ما عاهدوا الله عليه فكان 19 مارس الرباط المقدس بين الحرية وثمنها، الذي لم يتوقف والجزائر تسترجع حريتها التي خضبت بالدماء و جرائم منظمة الجيش السري التي حاولت إيقاف مسار المفاوضات والإبقاء على الجزائر فرنسية.
دهاء وحنكة الوفد المفاوض:
تميزت المفاوضات منذ بدايتها بالحكنة السياسية ودهاء الوفد المفاوض الذي استطاع أن يقف الند للند بعبقرية فذة أمام مناورات ديغول السياسية والاقتصادية والعسكرية كمفاوض شرعي ووحيد للشعب الجزائري، معبرا على إرادته في افتكاك المطالب التي أصر عليها المفاوض الفرنسي ضمن مرحلة جس النبض في مولان جوان 1960 ولوزارن فيفري 1961 وايفيان الأولى جوان 1961 وأمام قوة الثورة التحريرية عسكريا وتأيد الشعب الجزائري لها عبر الإضرابات والمظاهرات ...يقابلها ضغط الرأي العالمي ورفض مبدأ المساومات القاضية بفصل الصحراء الجزائرية والمساس بالوحدة الترابية، لتكلل الجهود وبفضل الحنكة السياسية التي صاحبها الإصرار على مبادئ الثورة بمفاوضات جدية ورسمية معلنة كسرت كل الأطماع والطبوهات والمراوغات الكولونيالية، التي فضحت ديماغوجية الساسة الاستعماريين ومخططاتهم الرامية إِلى تطبيق برامجهم لأجل الخلود في الجزائر، بمفاوضات ايفيان الثانية من 07 إلى 18 مارس 1962 جمعت كريم بلقاسم و سعد دحلب ولخضر بن طوبال ومحمد يزيد ورضا مالك واحمد بومنجل وعبد الحفيظ بوصوف وجها لوجه في طاولة التفاوض على السيادة الوطنية أمام لويس جوكس وروبير برون وغيرهم من الإطارات السياسية والعسكرية. وبعد اجتماعات مرهقة دامت 12 يوم كانت الولادة بعد المخاض العسير لوقف إطلاق النار ليتنفس الشعب الصعداء.
ما بعد عيد النصر :
ويبقى عيد النصر المرحلة الفاصلة بين الانتصار على الغطرسة الكولونيالية ، ومرحلة ما بعد الاستقلال في الدفع بعجلة البناء والتشييد بسواعد جيل ما بعد الاستقلال والانتصار على مخلفات المرحلة الاستدمارية بتكريس رسالة الشهداء الذين أدوا الأمانة على أكمل وجه في الذود عن وحدة الأمة الجزائرية وعبقرية شعب عبر عن رغبته في العيش حر طليق من الأغلال التي طالما قيدته.
وفي السعي في مرحلة بناء الوعي الوطني للحفاظ على مكاسب مرحلة ما بعد الاستقلال لاسيما الهوية الوطنية والعمل على استحضار الفاعلينَ ممن صانعوا تاريخ هاته الأمة من أجل كتابة التاريخ الوطني بأقلام جزائرية وطنية كونها مهمة لا تحتمل التأجيل، مع تزويد الباحثين و المؤرخين الأكاديميين بالوثائق الأرشيفية وتيسيرها وتشجيع البحث على مستوى المخابر والمراكز التاريخية والعمل بنزاهة وموضوعية دقيقة في تعريف الأجيال بمن صنعوا مجد هذا الوطن وربط قنوات التواصل بين المثقف والفاعل بالاجيال والطاقات الشابة عبر مختلف الوسائل في تبليغ الرسالة التي دفع لاجلها الرجال الثمن باهضا.
غليزان وعيد النصر:
وكغيرها من مناطق الجزائر كانت منطقة غليزان على موعد مع يوم النصر كيف لا وهي معقل الثورة التحريرية حيث تعرض الكثير من الفاعلين في الثورة مصرعهم على أيدي منظمة الجيش السري منهم الشهيدان بوشوشة وبن ادريس الشابان اللذان نكلت بهما المنظمة في افريل 1962 ورمتهما في البئر بعد وقف إطلاق النار مباشر، إلى جانب التفجيرات التي نفذتها المنظمة التي سبقت الإعلان عن يوم النصر لتلبس المدينة غليزان حلة نعم للاستقلال، وبدأت مرحلة جديدة مرحلة بدون معمرين أو غطرسة كولونيالية. فها هي اليوم المدينة تسترجع الذكرى بندوات تاريخية وبرامج إذاعية على مستوى إذاعة غليزان وترحم على من صنعوا مجد الجزائر من الشهداء تعزيزا لمواقف الرجال.