السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه مقالة للأستاذ الأديب "فاروق شوشة"وددت مقاسمة أعضاء المنتدى الأعزاء فرصة الإطلاع عليها لمن فاته الحظ في ذلك.
==========================================
[mark=00FF00]كلما[/mark] زادت الأخطاء اللغوية الشائعة على الألسنة و الأقلام , زاد حرص بعض الباحثين و العلماء اللغويين على أن يتصدوا للأمر , اهتماما منهم بالتدقيق اللغوي , و حرصا على السلامة و الصحة و الفصاحة , و تجنبا لثبات هذه الأخطاء في الاستعمال , مما يهدد بجعلها – على مدار الزمن- شيئا مألوفا لا تعافه عين قارىء و لا أذن مستمع .
هذا الاهتمام بتمحيص المفردات و الأساليب , و بيان صحيحها من خطئها قديم في تاريخ ثقافتنا العربية و اللغوية , و ليسهنا مجال سرد كثير من أسماء الكتب التي ألفت في هذا الموضوع و حملت عناوين مختلفة , منها ما يتحدث عن "اللحن " بمعنى الخطأ في اللغة عند الخاصة و العامة , ومنها ما يتحدث عن "أوهام " الكتاب و المتكلمين , و منها ما يتجه إلى التثقيف اللغوي –تثقيف للسان – فينصح قارئه بالأخذ بأشياء –هي في رأيه مناط الصحة و السلامة – و يترك أشياء هي موطن الخطأ و الخروج على الصواب .
ثم زاد هذا الاهتمام بالأمر و التنبه إليه باعتباره خطر ينبغي مواجهته مع مجيء العصر الحديث , و انتشار حركة الترجمة عن اللغات و الثقافات الأجنبية , و بدء عصر الصحافة , و شيوع لغة عصرية تختلف عن الفصحى التراثية في معجم ألفاظها و في أساليبها و في هندسة تراكيبها , و في إيقاعها .و أصبحت الصحافة اليومية مجالا لاصطياد كثير من الأخطاء من ناحية , حدوث خلط في استخدام كلمات بدلا من كلمات أخرى أحق بالاستخدام لاختلاف المعنى و الدلالة , مما جعل شاعر النيل حافظ إبراهيم يكتب قصيدته المشهورة على لسان اللغة العربية و هي تنعي حظها بين أهلها بعد أن وصلت الى هذا الحال على الألسنة و الأقلام .
و من بين هذه الأخطاء مثلا : الخلط في الاستعمال بين كلمتي : كهل و شيخ , كان يقال :فلان كهل في الستين فالشيخ في اللغة هو من فوق الخمسين ,أما الكهل فهو من بلغ قمة الشباب و نضج السن و خطه الشيب ما بين الثلاثين من العمر الى الخمسين .
و يخلطون بين كلمتي : قط و أبدأ في مثل قولهم : لن أزوره قط , و الصواب أن يقال: لن أزوره أبدا , لأن النفي في قط ينصب على الماضي , أما استخدام أبدا , فإنه ينصب على المستقبل , فلا يقال : لم أزره قط , بل يقال:لم أزره أبدا .
و يخلطون بين كلمتين متشابهتين حروفا و كتابة و هما : َروع و رُوع عندما يقولون : ألقى في روعه بكذا .
و الصواب أن يقال : ألقي في روعه لأن الروع معناه العقل و القلب , أما الروع فمعناه الفزع و الاضطراب و الخوف الشديد .
و يخلطون بين الفلين : نفد نفذ, عندما يقولون نفذت السلع في الأسواق ,
و صوابه : نفدت السلع . لأن النفاد معناه الانتهاء , أما النفاذ : فمعناه الوصول و البلوغ و الاختراق , يقال : نفذ حكم القضاء , و نفذ اللص من صور الحديقة .
و في القرآن الكريم في قوله تعالى : لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي , فالنفاد هنا بمعنى الانتهاء و الفناء .ثم في قوله تعالى
يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات و الأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان . بمعنى الإختراق و الوصول .
و يخلطون أيضا بين فعلين متشابهين هما : "هَويَ و هوى" و يستعملون إحداهما مكان الأخرى , على بعد ما بينهما في المعنى و الدلالة , فأولهما : هوي بمعنى أحب و مضارعه يهوى, و مصدره الفعل الأول : يهوى هوى أما مصدر الفعل الثاني فهو يهوي هويا .
كما يخلطون بين الكلمتين : ثمّة و ثمّت , فالأولى ظرف مكان مثل : ثمّ و هناك .أما الثانية فحرف عطف بمعنى ثمّ يقول الشاعر :
ثمّت قمنا إلى جرد مسمومـــــــة ****** أعرافهن لأيدينا مناديــــل .
و يقول الشاعر :
و لقد أمر على اللئيم يسبنـــــي ****** فمضيت ثمت قلت لا يعنينـــي .
و يخلطون بين الكلمتين : غداء و غذاء , فالأولى تبدل على وجبة منتصف النهار من الطعام , مثلها مثل الإفطار و العشاء , أما الغذاء فهو مطلق الطعام و ما يكون به قوام الحياة و نماء الأجسام و يخلطون بين الكلمتين المتشابهتين : الخَلة و الخُلة , فأولاهما(بفتح الخاء ) معناها الفقر والاحتياج, و منه قولهم : اللهم أسدد خلتهم , و من معانيها أيضا : الثغرة و الفتحة و الثقبة في الشيء .كما أن من معانيها الخصلة و الخلق و سواءا كان محمودا أو مذموما .
أما ثانيتهما ( بضم الخاء ) فمن معانيها الصداقة و المودة , و به فسر قوله تعالى :
لا بيع فيه و لا خلة و لا شفاعة; و من معانيها أيضا : الصديق و الخليل , و قد تطلق على الزوجة خاصة .
و يخلطون كذلك بين الكلمتين: جرم و جرم
أولهما : بمعنى البدن و الجسم و الجثة , و أما الثانية : فمعناها الذنب و الجناية و العمل المستوجب للعقوبة .
و يخلطون في استعمال الكلمتين :الثاني و الآخر .
فكلمة الثاني تستعمل عندما يكون هناك الثالث و الرابع , أما كلمة الآخر فتستعمل عندما لا يكون هناك ما يتبعه , و لذا يقال ربيع الآخر و لا يقال ربيع الثاني لأنه لا يوجد ربيع الثالث .و من هنا كان "الآخر " من صفات الله تعالى , لأنه ليس بعده شيء ,
و مثل هذا يقال في شهري جمادى , فيقال جمادى الأولى و جمادى الآخرة .
*********************************