مقدمة
مبحث تمهيدي: تعريف المسؤولية المدنية
المطلب الأول: مقارنة بين المسؤولية المدنية والجزائية
المطلب الثاني: نظرية ضمان المخاطر
الفصل الأول: المسؤولية العقدية وموانعها
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية العقدية.
المطلب الثاني: أركان المسؤولية العقدية
المطلب الثالث: العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر
المبحث الثاني: التعويض وموانع المسؤولية العقدية.
المطلب الأول: التعويض.
المطلب الثاني: موانع المسؤولية العقدية
الفصل الثاني: المسؤولية التقصيرية وموانعها.
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية التقصيرية.
المطلب الثاني: أركانها
المبحث الثاني: موانع المسؤولية التقصيرية.
المطلب الأول: انتقاء صفة الخطأ عن الفعل الضار
المطلب الثاني: القوة القاهرة
المطلب الثالث: خطأ المتضرر
الفصل الثالث: المسؤولية عن فعل الغير.
المبحث الأول: مسؤولية المتبوع عن تابعه.
المطلب الأول: في القانون المدني الجزائري
المطلب الثاني: شروط مسؤولية التابع عن تابعه
المطلب الثالث: تقدير المسؤوليتين (التابع والمتبوع)
المبحث الثاني: المسؤولية عن الأشياء الغير حية.
المطلب الأول: ماهية المسؤولية عن الأشياء غير الحية
المطلب الثاني: المسؤولية عن الحريق وتهدم البناء في ق م ج
المطلب الثالث: الأساس القانوني المسؤولية عن فعل الشيء
المبحث الثالث: دعوى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني
المطلب الثاني: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي
الخاتمة
مقدمة:
تشكل المسؤولية المدنية أحد أركان النظام القانوني والاجتماعي، فكل عاقل مسؤول عن أعماله، أي ملتزم بموجبات معينة تجاه الغير أهمها عدم الإضرار به، فإذا خرق هذه الالتزامات التزم بإصلاح الضرر والتعويض عن المتضرر، ومع تطور الحياة المعاصرة أصبح أكثر تعرضا للمخاطر وذلك بإلحاقه أضرارا للغير، كما هو الحال في عقود الضمان وإنشاء الصناديق الخاصة بالتعويض على ضحايا الحوادث، لإدراكنا مدى اتساع نطاق المسؤولية المدنية والمسائل القانونية والاجتماعية التي تثيرها.
فالعالم المعاصر يعيش عصرا يتصف بالمادية، يسعى الفرد ضمنه ودوما إلى تحسين أوضاعه المالية والمادية، مما يعمل البعض على المطالبة بالتعويض عن أي حادث طفيف يسبب له ضررا ماديا أو حتى معنويا، دليل ذلك الدعاوي الرامية إلى طلب التعويض عن فقدان متع الحياة والرياضة والموسيقى التي حرمت منها الضحية نتيجة لحادث أصيبت به.
فالتشريع، وكذلك الاجتهاد في سباق مستمر مع التطورات الحاصلة في الحياة المعاصرة يحاول المحافظة على التوازن بين مصالح الأفراد دون إهمال لحق الضحية بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بها من فعل الغير أو الشيء أو الحيوان، فوضعت قوانين للمطالبة المتينة في الضرر بالتعويض للمتضررين.
فما هي المسؤولية المدنية، وما هي عناصرها، وكيف يراها المشرع الجزائري والقوانين الأخرى؟
مبحث تمهيدي: تعريف المسؤولية المدنية.
المسؤولية بصورة عامة هي التزام بموجب هذا يتدرج من موجب أدبي أو أخلاقي أو طبيعي إلى موجب مدني متمثل بمصلحة مالية أو بعمل أو بامتناع عن عمل معين.
فإذا تناول هذا الموجب التزاما بالتعويض عن الأضرار التي يحدثها الإنسان للغير بفعله أو بفعل التابعين له أو بالأشياء الموجودة بحراسته أو الحيوانات الخاصة به أو نتيجة لعدم تنفيذه لالتزاماته العقدية عبر عن هذا الالتزام بالمسؤولية المدنية.
تشمل هذه التسمية أنواعا مختلفة من التسمية وفقا للمبنى القانوني الذي تقوم عليه فهي مسؤولية عقدية فيما إذا نشأت عن إخلال أحد طرفي العقد بالتزاماته أو امتناعه عن تنفيذها وهي مسؤولية تقصيرية فيما إذا ترتبت على شخص بسبب فعل شخص أقدم عليه محدثا ضررا للغير أي عندما تقوم على الخطأ وقد يعبر عن هذا الخطأ بالجرم أو شبه الجرم المدني وهي مسؤولية وضعية عندما تنشأ عن ضرر يحدثه الشيء الموجود بحراسته أحد الأشخاص أو يحدثه الحيوان الذي يملكه هذا الشخص وهي أيضا مسؤولية عن فعل الغير عندما ينشأ الضرر عن فعل شخص حدد القانون حصرا وضعه القانوني بالنسبة للمسؤول عنه.
المطلب الأول: مقارنة بين المسؤولية المدنية والجزائية.
تهدف المسؤولية المدنية إلى التعويض عن المتضرر عن الأضرار اللاحقة به بفعل الإنسان أو الجماد أو الحيوان أما المسؤولية الجزائية تهدف إلى إنزال العقاب بمن يقدم عن ارتكاب فعل معاقب عليه قانونا لأن الجرم الجزائي يحدث أضرار بالضحية مما ينشئ لها حقا بطلب التعويض عن الأضرار، وتستقل الدعوة المدنية عن الدعوة الجزائية استقلالا جزئيا فقد تطرح الدعوة الجزائية أمام المحاكم المدنية وتترتب عن المحكمة المدنية التوقف عن النظر في الدعوة المدنية بينما يبحث القضاء الجزائي الدعوة الجزائية بالنظر إلى تأثير هذه الأخيرة على الأولى.
فالحكم الجزائي يتمتع بقوة القضية المحكوم بها تجاه الدعوى المدنية، فلا يستطيع المتضرر التذرع بخطأ المدعى عليه مسبب الضرر أمام المحكمة المدنية إذا سبق للمحكمة الجزائية واعتبرت عناصر الخطأ لم تلتئم ولكن هذا لا يمنع من الادعاء أمام المحكمة المدنية بالاستناد للمسؤولية الوضعية الناشئة عن فعل الغير أو الشيء. وقد ثار خلاف في الماضي حول وحدة أو اختلاف الخطأ المدني والجزائي ولكن محكمة التمييز الفرنسية في قرار مبدئي لها صدر في 18-12-1912 حسمت هذا الخلاف باعتمادها وحدة الخطأين وصار الاجتهاد والفقه بعدها في هذا الاتجاه لكن المشرع اللبناني أوجد سبيلا للمتضرر للحصول على التعويض عن الأضرار التي لحقت به في حال أعلنت براءة المتهم من جناية أو جنحة نص عنها في فصلي التقليد والإفلاس وذلك بإيراده ثلاثة نصوص أولاها في أصول المحاكمات الجزائية حيث ورد في المادة 328 أنه يحق للمتضرر أن يطلب من محكمة الجنايات بعد إعلان براءة المتهم أو عدم مسؤوليته إن تقرر له التعويض عن الضرر الحاصل بخطئه والمستفاد من أفعال الواردة في قرار الاتهام أو لعدم إمكانية التجريم لانتقاء النية الجرمية أو لعدم قيام مسؤولية لسبب من الأسباب التي لاحظها القانون، ففي مثل هذه الحالة لا يكون الحكم الجزائي قد نظر الخطأ عن المتهم أو نفى الاتهام عنه لعدم ثبوت ارتكابه للفعل الجرمي أصلا مما يترك المجال للقول بتوفر الخطأ المدني والحكم بالتعويض على أساسه، إما إذا كان الحكم نظر الخطأ أصلا أو أعلن عن عدم قيام الدليل على ارتكابه من قبل المتهم ونظرا بالتالي إسناده ماديا إليه وقضى بعدم قيام الصلة السببية بين فعل المتهم والنتيجة الحاصلة فيتحتم في هذه الحالة عدم الحكم بالتعويض عن الخطأ المدني بالنظر لوحدة العناصر المكونة للخطأين من جهة وبالنظر لنفي الإسناد المادي أو الصلة السببية بين المتهم والفعل المشكو منه والضرر الناتج عن الفعل من جهة ثانية.
المطلب الثاني: نظرية ضمان المخاطر.
ذهب فقهاء غربيون نحو إحلال ضمان المخاطر كأساس للمسؤولية المدنية بدلا من الخطأ فالإنسان في نظرهم عندما يأتي نشاطا معينا في المجتمع يمكن أن يولد نشاطه مخاطر اتجاه الآخرين فإذا حدث لهم أضرار التزم بالتعويض عن هذه الأضرار المجرد حدوثها طالما أنها تنسب إلى نشاطه، تستبعد هذه النظرية الخطأ كأساس للمسؤولية المدنية لأن المهم في الأمر هو التعويض على المتضرر، وبالتالي يكفي أن يربط الضرر بالفعل الذي سببه حتى تقوم الرابطة السببية المبررة للتعويض كما يرى البعض أن من يستفيد من عمل معين يجب أن يتحمل المخاطر التي تعرض مصالح الغير للضرر فيضمن الأضرار الناتجة عنه هذه النظرية مكرسة أيضا في أحكام المجلة القاعدة الكلية: الغرم بالغنم أي من ينال نفع شيء يتحمل ضرره ولكن لم تكن نظرية المخاطر بمبدأ عن الانتقاد إذ غالبا ما يكون الضرر الذي حل بالضحية ناتجا عن تصرف صادر عنها دون أن يكون نشاطها مؤديا إلى منفعة مادية معينة، فمن يسير خارج الرصيف يعرض نفسه لمخاطر صدمة من قبل سائق سيارة مسرعة فيكون كل منهما قد ساهم إلى حد معين في حدوث الضرر لذلك من غير الممكن القول بأن سائق السيارة بأنه ينتفع بها عليه أن يتحمل مخاطر استعمالها إذ أن استعمالها إذ أن استعمالها لم يكن كافيا بحد ذاته لإحداث النتيجة الضارة بل ساهم في إحداثها تصرف بضحية الناتج عن الإهمال وعدم التبصر مما يستدعي حتما تحميل كل منهما جزءا من المسؤولية يحدده القاضي بالنظر لخطأ كل منهما ومدى علاقته بالضرر الحاصل لذلك لم يكن لنظرية المخاطر أن تحل محل نظرية المسؤولية المبنية على الخطأ وبالفعل بقيت هذه المسؤولية هي القائمة.
الفصل الأول: المسؤولية العقدية وموانعها.
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية العقدية.
حسب المادة 106 من القانون المدني الجزائري: "العقد شريعة المتعاقدين" فيلزم كل من المتعاقدين تنفيذ ما وجد في بنود العقد ومنه فالقاعدة الأساسية التي تقوم عليها العقد تلزم كل طرف في العقد بأن يفي بما يحتويه فإذا لم ينفذ المدين بما وجب عليه ترتب عليه المسؤولية أي الالتزام بالتعويض على الدائن عن الأضرار التي لحقت به من جراء عدم التنفيذ، لقد كرست المادة 254 من قانون العقود بنصها على أنه: "في حالة التعاقد يكون المدين مسؤولا عن عدم تنفيذ الموجب إلا إذا أثبت أن هذا التنفيذ أصبح مستحيلا في الأحوال المبينة في المادة 341 مدني من نفس القانون، ففي هذه الحالة تبرأ منه لاستحالة التنفيذ".
ولكن في بعض العقود أضافت المادة 255 وعلى وجه الاستثناء لا يكون المدين مسؤولا بمجرد عدم تنفيذه العقد بل يكون إلحاق التبعة به موقوف على ارتكابه خطأ يجب على الدائن إثباته ويعين القانون درجة أهميته وبعد أن كانت المادة 252 من نفس القانون ميزت بين التعويض البدلي وذلك الناتج عن التأخير وضعت المادة 253 م و ع شروط توجب التعويض بأن يكون قد وقع ضرر وأن هذا الضرر منسوبا إلى المدين وأن يكون المدين قد أنذر لتأخره تشكل القواعد التي سبق ذكرها أركان المسؤولية العقدية وقد أثير في الفقه نقاش حول طبيعة هذه المسؤولية وهل تشكل وجها آخرا للمسؤولية التقصيرية أم أن لها كيان خاص فإذا اعتبرت أنها نوع من أنواع المسؤولية التقصيرية لوجب توفر الخطأ في عدم التنفيذ لإقامتها على عاتق المدين، بينما إذا اعتبرت مسؤولية مستقلة قوامها التخلف عن التنفيذ مهما كان سببه ما عدى القوة القاهرة أو الاستحالة المعفية منها لقامت بمجرد حصول التخلف المذكور، فالغاية من إقامة المسؤولية العقدية التعويض على الدائن في حال عدم التنفيذ يسمى هذا التعويض بالتعويض البدلي أما في حال بقي التنفيذ ممكنا إنما حصل تأخير فيه ترتب تعويض على التأخير الحاصل، أما في حال حصول تنفيذ جزئي للموجب يعوض على الدائن عن ما لم ينفذ من موجبه كما أنه في حال حصل تنفيذا سيء للموجب يعوض عليه عن الضرر الحاصل له من جراء ذلك وهذه هي أهداف المسؤولية العقدية.
المطلب الثاني: أركان المسؤولية العقدية.
كي تقوم المسؤولية العقدية يجب توفر أركان وهي:
1) وجود عقد تصحيح: يشترط لقيام المسؤولية العقدية أن يوجد عقد صحيح تضمن موجبات معينة يلتزم بها كل من طرفي العقد وبصورة مقابلة هذا في العقود المتبادلة أما في العقود الصادرة عن إرادة منفردة فإنه تكفي أن يتضمن العقد موجبات محددة التزم بها من صدرت عنه حتى تقوم مسؤوليته في حال تمنع عن تنفيذها.
إن اشتراط أن يكون العقد صحيحا وإن لم يرد شأنه نص قانوني، يستنتج من طبيعة المسؤولية العقدية القائمة على أساس عدم تنفيذ موجب صحيح وقائم فإذا كان الموجب غير مسند لسبب صحيح أو كان سببه غير مباح وجاء مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة فلا يمكن إلزام المدين بتنفيذه وبالتالي لا مسؤولية عليه في عدم تنفيذه بل يحق له طلب إبطاله وكذلك الأمر فيما إذا كان الالتزام بهذا الموجب حصل نتيجة غلط أو خداع فإن العقد الذي تضمنه يكون غير صحيح بل باطلا أصلا وفي حالة بطلان العقد لسبب من أسباب البطلان تترتب مسؤولية تقصيرية على عاتق من تسبب ببطلانه نتيجة لخطأ ارتكبه قد يشكل جرما مدنيا كالخداع مثلا.
فسبب البطلان يكون إجمالا أما سابقا أو متزامنا مع إنشاء العقد فهو فعل حاصل خارج إطار العقد على أن المسؤولية في هذه الحالة، وبالتالي موجب التعويض أي لأحكام المسؤولية التقصيرية القائمة على الخطأ، هذه الأحكام تسري أيضا على مرحلة ما قبل التعاقد إذا حصل مثلا سوء استعمال قطع المفاوضات بعد أن تكون قد قربت من نهايتها وأصبح الاتفاق على العقد النهائي شبه تام وإذا حصل كتمان المعلومات هامة أثرت على التعاقد لآخر وكانت سببا لتعاقده بصورة ضارة به أو حصل خداع أدى إلى وقوع الطرف الآخر في الغلط المؤدي إلى بطلان العقد.
وإذا حصل الضرر بعد تنفيذ العقد فإن المسؤولية تكون أيضا تقصيرية أي مبنية على الخطأ. فإذا كان ملتزم بالبناء قد أنهى أعماله وقد أحدث ضررا لصاحب المشروع وهو في مرحلة جمع أدواته للرحيل بها فإن مسؤولية اتجاه صاحب المشروع تكون مسؤولية تقصيرية أو وضعية وليست عقدية لأن الضرر وقع خارج نطاق العقد وقد انتهى وجوده ومفعوله بانتهاء أعمال البناء الموضوعة إذن فقيام المسؤولية العقدية محصورة في نطاق تنفيذ عقد صحيح ملزم لطرفيه فنطاق العقد محدد بموضوعه وأطرافه فإذا حصل ضرر بسبب فعل صادر عن شخص غريب عن العقد كانت مسؤولية هذا الأخير مسؤولية تقصيرية وإن كان العمل الضار ذا صلة بموضوع العقد كأن يقدم صاحب شاحنة على هدم حائط في مبنى عند مجيئه لنقل أنقاض منه أو أن يسبب جروحا لعامل أثناء تحميله ويجب أن يفهم أطراف العقد ليس فقط من وقعه بل أيضا من آل إليه العقد إرثا أو تنازلا أو كان المستفيد منه كما هو الحال في التعاقد لمصلحة الغير.
2) الخطأ العقدي: كي تقوم المسؤولية العقدية يجب أن يتوفر ركنها الثاني وهو الخطأ العقدي المتمثل بعدم تنفيذ الموجبات التي نص عنها العقد أو بحصول تنفيذ جزئي أو سيء لها.
يستدل من المادة 254 من قانون الموجبات والعقود أن مجرد عدم تنفيذ الموجب يرتب المسؤولية على المدين به ما لم يستطع التذرع باستحالة التنفيذ التي نصت عنها المادة 341. فعدم التنفيذ يشكل الخطأ العقدي. ولكن هذا الخطأ يتوفر أيضا في حالة التنفيذ الجزائي إذ يترتب على المدين بموجب أن ينفذه عينا وبصورة كاملة وتامة. كما يتوفر هذا الخطأ في حالة التنفيذ السيئ، أي الحاصل بصورة مخالفة للمواصفات التي وردت في العقد وقد التزم بها المدين ففي حالة عدم التنفيذ الكلي يكفي للدائن الإدلاء به كي يرتب المسؤولية العقدية على عاتق المدين ولا حاجة لإثبات خطأ إلى جانب هذا الأخير أدى إلى عدم التنفيذ. فالخطأ ناتج على عدم التنفيذ مهما كان سببه ما عدى الحالات التي نص عنها القانون وأبرئت فيها ذمة المدين لاستحالة التنفيذ.
إلا أنه في بعض العقود، وعلى وجه الاستثناء على ما جاء في المادة 255 من قانون العقود لا يكفي للدائن أن يثبت عدم حصول التنفيذ بل يجب عليه إثبات الخطأ إلى جانب المدين مما أدى إلى عدم التنفيذ هذه العقود تتطلب نصا خاصا كما تتطلب تحديد درجة معينة من الخطأ تحدد في القانون.
مثال: وضع الطبيب الذي يعالج مريضا فإن موجبه ينحصر بقيامه بتشخيص المرض وفق لأصول الطب وبوصف الدواء الذي يعتقد حسب المعطيات العلمية أنه المناسب لشفاء المريض من مرضه ولا يتعدى بموجبه التعهد بحصول الشفاء لأن هذا الأمر خارج عن إرادته ومقدرته فإذا أخطأ الطبيب في التشخيص أو في وصف الدواء بصورة لا يقرها علم الطب يكون قد أخل بموجب الحيطة والحذر وتسبب بإضرار المريض يسأل عنها. في هذه الحالة يجب على المريض أن يثبت خطأ الطبيب في التشخيص ووصف الدواء بصورة لا يقرها علم الطب. ويستعين المريض بخبرة أهل الفن الطبي لإثبات الخطأ.
هذا الوضع الذي يمثل بموجب الوسيلة لا ينطبق بصورة دقيقة على ما ورد في المادة 255 السالفة الذكر إذ أوردت لقيام المسؤولية في عقود معينة وبصورة استثنائية.
*الشروط التالية: أولا: أن يحصل عدم تنفيذ للعقد، مما يعني أن العقد تضمن موجب نتيجة أي لقيام بموجب ذات، ويطبق الأمر على تحقيق النتيجة أو الوسيلة.
ثانيا: أن يكون المدين بموجب ارتكب خطأ أدى إلى عدم التنفيذ.
ثالثا: أن يكون القانون قد عين درجة أهمية هذا الخطأ أي أن يكون قد ورد نص خاص في القانون حدد نوع العقد والخطأ الذي يؤدي إلى عدم تنفيذ الموجب الوارد فيه ودرجة هذا الخطأ وقلما نجد في القوانين الخاصة مثل هذه العقود ويتضمن موجب النتيجة لتحقيق غاية معينة حددها العقد كالتزام البائع بتسليم الشيء المباع والمؤجر وتسليم المأجور والناقل إيصال البضاعة أو المسافر إلى محل الوصول المتفق عليه. في كل هذه العقود يجب أن يحصل لتنفيذ بصورة تجعل الدائن بالموجب قد حقق هدفه من التعاقد مع الطرف الآخر، فإذا تخلف هذا الطرف عن تحقيق هذا الهدف يكون قد أخل بالتزامه، هذا الخلل بالالتزام هو الخطأ العقدي بذاته ولا يطلب من الدائن سوى لإدلاء بعدم التنفيذ حتى تقوم المسؤولية العقدية.
فإثبات تخلف المدين عن القيام بإنفاذ العقد لا يتطلب من الدائن التحري عن خطأ ارتكبه المدين ووصف هذا الخطأ، بل يكفي أن يكون التنفيذ قد تخلف مهما كان سببه حتى يشكل الخطأ العقدي، وعلى المدين أن يدلي باستحالة التنفيذ أو بالقوة القاهرة وبخطأ الدائن أو شخص ثالث تبريرا لعدم التنفيذ.
وقد اعتبرت محكمة التمييز الفرنسية في قرارها الصادر سنة 1994 أن موجب النتيجة المترتب على صاحب مرآب مكلف بإصلاح لسيارة أحد زبائنه تتضمن قرينة خطأ وقرينة سببية بين هذا الخطأ والضرر الحاصل وبالتالي يعود لصاحب المرآب أن يدلي بعدم ارتكابه خطأ يدفع المسؤولية عنه فيكون قرار محكمة الاستئناف الذي قضى برد دعوة الزبون لعدم إثباته خطأ على عاتق صاحب المرآب مستوجبا النقض لأنه قلب عبء لإثبات، في هذا القرار تكون محكمة التمييز قد اعتبرت أن عدم إنفاذ المدين لالتزامه يشكل قرينة على ارتكابه خطأ ولكن قد سبق وبين أنه ليس ضرورة أن عدم التنفيذ نتيجة خطأ إذ يشكل هو ذاته الخطأ ولا داعي لإثبات خطأ معين على عاتق المدين أدى إلى عدم التنفيذ ومن ثم اعتبر هذا القرار أن بإمكان المدين بالموجب إثبات عدم ارتكابه خطأ، مما ينفي على قرينة الخطأ الصفة القاطعة أي غير قابلة لإثبات العكس.
3) الضرر: إن الهدف من إقامة المسؤولية العقدية على عاتق المدين الذي لم ينفذ تعهده أو تأخر في تنفيذه أو أساء التنفيذ هو التعويض على الدائن عن الضرر الذي لحق به من جراء تخلف المدين عن أداء موجباته. فالضرر هو الركن الأساسي الذي تقوم عليه المسؤولية العقدية، فإذا لم يتوفر انتقت هذه المسؤولية وإن شكلت تصرفات المدين خطأ. كتخلف الوكيل مثلا عن حضور جلسة مصالحة عقدت بين الدائن والمدين بالرغم من تكليفه بذلك، ولكن لم ينتج عن غيابه أي ضرر لموكله الذي توصل إلى إجراء عقد مصالحة مع مدينه.
قد أورد قانون الموجبات والعقود أحكاما خاصة بتحديد التعويض وماهيته عن الأضرار الناتجة عن جرم أو شبه جرم (المادة 260 من قانون موجب العقد وما يليها) وعن الأضرار الناتجة عن الإخلال بالموجبات العقدية أو من عدم تنفيذها إلا أن قاسما مشتركا يجمع بينها حول مبدأ تحديد التعويض أو أنواع الضرر الذي يمكن التعويض عنه أي الضرر المادي والمعنوي المباشر وغير المباشر والضرر المستقبلي. وقد نصت المادة 134 على أن العوض الذي يجب للمتصدر من جرم أو شبه جرم ويجب أن يكون في الأساس معادلا للضرر الذي حل به تقابل هذه المادة 260 التي تنص على أنه: "يجب أن يكون بدل العطل أو الضرر معادلا تماما للضرر الواقع أو الربح الفائت" .
فهنالك إذا وضع مشترك بين الضرر الناتج من جهة عن جرم مدني أو شبه جرم مدني أي الخاص بالمسؤولية التقصيرية وذلك الناتج عن التخلف عن تنفيذ العقد، أي الخاص بالمسؤولية العقدية ويتمثل الضرر الناتج عن عدم تنفيذ العقد يجني منافع منه وربما دفع ثمن هذه المنافع ولن يستطيع استرجاعه لإعسار طرأ على المدين أدى إلى إفلاسه.
مثال: أن يشتري تاجر ألبسة لبيعها في الصيف وقد دفع ثمنها كله أو بعضه، فلم يقم البائع بتسليمها أو أنه عرض تسليمها في الشتاء. إن عدم تنفيذ العقد في أجله عرض الشاري إلى خسارة تمثلت في عدم تمكنه من ممارسة تجارته وإلى تفويت الربح عليه، وربما لم يتمكن من استفاء ما دفعه من الثمن لإعسار البائع وعرضه أيضا إلى الإخلال بعقود أبرمها مع شارين للبضاعة فيتحمل التعويض عن إخلاله بهذه العقود، وقد عرض سمعته ومكانته التجارية للاهتزاز وعدم الثقة وربما أدت به إلى حالة من الإفلاس لعدم تمكنه من تسديد ديونا عليه اتجاه آخرين وكان قد عول على عقد شراء الألبسة لتسديدها من ثمن البيع كما أدت تأخره عن تسديد سندات دين عليه للمصارف يعرض إلى سحب ثقتها منه وعدم تسليفه مستقبلا إلا لقاء فوائد مرتفعة أو لقاء إجراء عقود تأمين على أملاكه، هذه الأضرار تنتج إما مباشرة من عدم تنفيذ العقد وإما بصورة غير مباشرة كما أنها تتصل بالصفة المادية المتمثلة في خسارة المال والربح وكذلك بالصفة المعنوية المتمثلة باهتزاز ثقة التجار والمصارف به. وللضرر قسمين:
أ. الضرر المباشر: كي يعوض عن الضرر النتاج عن عدم تنفيذ العقد يجب أن يكون هذا الضرر مباشرا ومرتبطا سببيا بعدم تنفيذ العقد، أي بالخطأ العقدي ويعتبر مباشرا عندما يتحقق كنتيجة طبيعية للخطأ العقدي أي لعدم التنفيذ فعدم استلام البضاعة نتيجة لعدم تنفيذ عقد البيع من قبل الباعة يسبب ضررا مباشرا للشاري وهو مرتبط سببيا بعدم التنفيذ ومن ثم يجب أن يكون الضرر ماسا بمصلحة مشروعة أي محمية قانونا.
مثال: إذا امتنع ميكانيكي عن إصلاح سيارة لأنه تبين له أنه مسروقة فلا يمكنه لمن سلمه هذه السيارة للتصليح أن يقيم عليه المسؤولية العقدية لأن عدم التنفيذ يقع على مصلحة غير مشروعة.
ب. الضرر غير المباشر: يمكن أن ينتج الضرر بصورة غير مباشرة عن عدم تنفيض العقد أو من سوء تنفيذه، كما هو حال التاجر الذي ارتبط مع فندق بتسليمه يوميا المواد الغذائية وتسليمها لزبائنه وقد تخلق عن ذلك بسبب عدم قيام الموزع بتسليمه هذه المواد مما أدى بإدارة الفندق إلى فسخ عقدها مع التاجر وتحميل التعويض عن الأضرار التي لحقت بها. فالضرر اللاحق بالتاجر نتيجة لفسخ عقده مع الفندق يشكل ضررا مباشرا بالنسبة إليه بالإضافة إلى ضرره الناتج عن تنفيذ الموزع لتعهده. فهل يستطيع أن يجعل الموزع المتخلف ملزما بالتعويض عليه عن نتائج فسخ عقده مع الفندق.
نصت المادة 261 من قانون الموجبات والعقود: "إن الأضرار غير المباشرة ينظر إليها بعين الاعتبار كالأضرار المباشرة ولكن بشرط أن تثبت كل الثبوت صلتها بعدم تنفيذ الموجب" .
أي يجب أن تقوم صلة السببية بين عدم التنفيذ وبين هذه الأضرار بصورة لا يرقى إليها الشك بحيث يعتبر الضرر فعلا متصلا بعدم التنفيذ. وفي المثل المعطى أعلاه يعتبر الضرر الحاصل للتاجر من جراء فسخ عقده مع الفندق ضررا غير مباشر ناتجا عن عدم قيام الموزع بموجباته مما يحوله التعويض عنه لاسيما وأنه من الأضرار توقعها عند إبرام العقد (المادة 262 من م وع) ومن ثم يمكن أن ترتد نتائج الخطأ العقدي الأصلي على شخص ثالث غريب عن العقد على أنه حقه بطلب التعويض يبقى معلقا على شرط كون هذا الضرر نتيجة طبيعية للخطأ المرتكب ومرتبطا سببيا به، وكلما ابتعدت الصلة السببية بين الخطأ والضرر الذي كان ممكنا توقعه عند إنشاء العقد كلما ضعف حق المدعي بالحصول على التعويض وتأتي القاعدة التي تحصر التعويض بالضرر المتوقع عند إنشاء العقد لتحد من إمكانية المطالبة به.
ت. الضرر الأدبي والمعنوي: ذكر المشرع في المادة 263 موجبات وعقود إمكانية التعويض عن الضرر الأدبي أي الضرر الذي يمس بسمعة الإنسان ومكانته الاجتماعية وشعوره شرط أن يكون بإمكان تقدير قيمته بالنقود على وجه معقول.
مثال: عندما يقدم مصرف على وقف حساب جاري لأحد التجار دون أن يعلمه بذلك مما يشكل فسخا للعقد القائم بينهما. فإذا أصدر التاجر صكا امتنع المصرف عن دفع قيمته متسببا بملاحقته جزائيا أو مدنيا ترتب على المصرف التعويض عليه عن الضرر المعنوي الذي لحق به من جراء رفضه دفع قيمة الصك مما أحدث اهتزازا في الثقة به اتجاه التجار وموردي البضاعة ويعود للقاضي تحديد مدى هذا الضرر وأن يقدر التعويض عنه نقودا إلا أنه تجدر الملاحظة أن تحديد التعويض عن الضرر المعنوي بالنقود أمر عسير عمليا لأن السمعة الإنسانية والمكانة الاجتماعية لا تقدران بمال لذلك يأتي التعويض عن المساس بهما كوسيلة إرضاء أكثر منه لإعادة وضع اهتز لحالته الأولى لأن ما حصل قد حصل ولا يمكن محوه.
ث. الضرر المستقبلي: المبدأ أن يكون التعويض عن الضرر الأكيد الذي يستطيع القاضي أن يقدره بصورة واقعية لا افتراضية فيقدم مثلا التاجر الذي باع بضاعة قبل استلامها وقد تخلف بائعه عن تنفيذ العقد الذي يربطه به، فيقارن القاضي بين ثمن البيع وذلك المتفق عليه مع التاجر الأول المتخلف عن تنفيذ العقد الأول، ويحكم على هذا الأخير بالضرر الذي لحق بالبائع الثاني وبالربح الفائت وبالتعويض عن كل ضرر معنوي أو مالي لحق به ولكن يمكن أيضا أن يعتمد بالضرر المستقبلي فيما إذا كان ممكنا تحديد عناصره. فقد نصت المادة 134 م وع في فقرتها 04 على أنه في الأصل أن الأضرار الحالية الحاصلة هي التي ينظر بعين الاعتبار إلى الأضرار المستقبلية إن كان وقوعها مؤكدا من جهة وكان لديه من جهة أخرى الوسائل اللازمة لتقدير قيمتها الحقيقة مقدما، فالضرر الاحتمالي لا يمكن أن يكون موضع نظر من قبل القاضي ولا موضع تقدير لحدوثه لأن الحكم بالتعويض يجب أن يستند إلى ضرر أكيد ومحقق وقابل للتقدير.
المطلب الثالث: العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر.
لابد من قيام العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر الحاصل بحيث يعتبر هذا الضرر حاصلا بصورة مباشرة من الخطأ العقدي مما يفيد أنه يجب أن يكون من الأضرار التي تنتج بطبيعتها عن هذا الخطأ فلم يورد في قانون الموجبات والعقود نص صريح بوجوب قيام هذه العلاقة، إنما يمكن استنتاجها من النصوص الوارد في الفصل الخامس الخاص بأحكام المسؤولية العقدية ونتائجها.
قد نصت المادة 253 م وع على أن أحد شروط استحقاق التعويض على العطل والضرر هو أن يكون الضرر منسوبا إلى المدين، أي أن يكون هو الذي أحدث هذا الضرر بتصرفه الخاطئ كامتناعه عن تنفيذ العقد مثلا ومن ثم جاءت المادة 261 م وع تنص ضمنا على أن الأضرار التي يعقد بها هي الأضرار المباشرة ولكن ينظر بعين الاعتبار إلى الأضرار غير المباشرة كالأضرار المباشرة بشرط أن تثبت كل الثبوت التي يعوض عنها أضرار مباشرة، كذلك يجب أن يكون حال الأضرار المباشرة، وبالفعل إذا كانت نسبية الأضرار المباشرة لا تثير أي مشكلة هامة سوى لإثبات فإن الأضرار غير المباشرة تثير الاهتمام لدقة الموضوع.
مثال: مدينا يمتنع عن دفع دينه لتاجر فيصبح هذا الأخير في حالة إفلاس فينتحر فهل يمكن مساءلة المدين عن حالة الإفلاس أو عن الوفاة؟ ظاهريا هاتان الحالتان مرتبطتان بخطأ المدين إذ لو دفع المدين دينه لما أفلس التاجر ولأنه لم يفلس لما انتحر.
المبحث الثاني: التعويض وموانع المسؤولية العقدية.
المطلب الأول: التعويض.
تعويض المتضرر هو التعويض العيني أي أن ينفذ الموجب بعينه بأن يسلم للدائن الشيء الذي اكتسب ملكيته بموجب العقد وأن يقوم المتعهد بتنفيذ ما التزم به، ولكن على فرض أن هذا التنفيذ لم يحصل لسبب من الأسباب غير المعفية منه أو المسقطة له، فإنه يترتب على المدين تعويض الدائن عن الأضرار التي لحقت به من جراء عدم التنفيذ إما إذا حصل تأخير في التنفيذ وكان مازال ممكنا فإن جزاء هذا التأخير تعويض الدائن عن الضرر الناتج عنه، فيكون التعويض تعويض تأخير كل ذلك حسب ما ورد في المادة 252 م وع على أن يحصل مبدئيا تحديد التعويض في كلتا الحالتين من قبل القاضي إلا إذا ورد بشأنهما نص خاص كما هو الحال في دين النقود حيث تمثل الفائدة التعويض عن التأخير ومن أشكال التعويض نجد.
أ. التعويض البدلي: نص المادة 252 م وع أنه إذا لم ينفذ الموجب بداء الغيب تماما وكمالا حق للدائن أن يأخذ عوضا يقوم مهام تنفيذ الموجب عينا لعدم حصوله على الأفضل، وبالاعتماد على العوض نجد أنه لا شيء يمنع المدين من عرض شيء بديل عن ذلك الوارد تحديده في العقد، فإذا أقبل به الدائن كعوض عنه، فإن حرية الإدارة تجد سلطانها المطلق هنا ولا تمس بأي نظام عام، وبالتالي تخلص إلى القول بأن التعويض البدلي لا يكون حتما من النقود بل يمكن أن يكون شيء آخر يقوم مقام الشيء الأصلي.
ب. التعويض عن التأخير: يعتبر المدين بموجب في حالة تأخر عن تنفيذه بعد أن يكون قد أنذر للقيام به ولكنه تمنع عن ذلك، فيترتب عليه موجب التعويض عن التأخير الحاصل. في هذه الحالة يعتبر الموجب مازال قابلا للتنفيذ ولكن حصل تأخير في القيام به فيحق للدائن طلب تنفيذه عينا وترتيب التعويض على المدين المتأخر إذا لم يكن الفرقاء في العقد قد اتفقوا مسبقا على تحديد التعويض عن التأخير في التنفيذ أو لم يكن القانون قد حدد هذا التعويض، كما هو الحال في دين النقود، يقرر القاضي تحديده بناء على طلب الدائن.
المطلب الثاني: موانع المسؤولية العقدية.
ترتب المسؤولية العقدية على عاتق المدين بموجب في حال لم يقم بتنفيذه وترمي إلى إلزامه بالتعويض عن العطل أو الضرر الحاصل للدائن من جراء عدم التنفيذ. فإذا استحال تنفيذ العقد لسبب من أسباب الاستحالة القانونية ومن دون خطأ من المدين، امتنعت مسؤولية العقدية وبالتالي موجب التعويض.
قد نصت المادة 131 م وع على أن المسؤولية الوضعية عن الأضرار التي تحدثها الجوامد لا تزول إلا إذا قام الحارس البرهان على وجود قوة قاهرة، أو خطأ من المتضرر وكذلك جاء نص المادة 129 م وع الخاصة بالمسؤولية عن فعل الحيوان، كما أن المادة 126 م وع الخاصة بالمسؤولية عن فعل الغير لحظت عدم إمكانية منع الفعل الذي نشأ عنه الضرر كمانع للمسؤولية.
وإذا انتقلنا إلى المسؤولية العقدية نرى أن المادتين 239 و 241 م وع لا تعفيان من موجباته العقدية إلا إذا أثبت استحالة التنفيذ وكذلك فعلت المادة 254 م وع عندما نصت على أنه في حالة التعاقد يكون المدين مسؤولا على تنفيذ الموجب إلا إذا أثبت أن التنفيذ أصبح مستحيلا في الأحوال المبنية في المادة 341 م وع وجاء في هذه المادة أن الموجب يسقط إذا كان بعد نشأته قد أصبح موضوعه مستحيلا من الوجه الطبيعي أو الوجه القانوني من دون فعل أو خطأ على القوة القاهرة.
هذه النصوص التي ترعى موانع المسؤولية نتيجة لاستحالة التنفيذ من دون خطأ من المدين تعتبر مشتركة بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية. إضافة إلى خطأ المدين على موانع المسؤولية والخطأ المشترك بين الدائن والمدين، وقد تؤثر كل هذه العناصر على المسؤولية العقدية، يعفى بالتالي المدين من المسؤولية التي ترتب عليه لتنفيذها.