المسؤولية المدنية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المسؤولية المدنية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-04-16, 14:59   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 المسؤولية المدنية

مقدمة
مبحث تمهيدي: تعريف المسؤولية المدنية
المطلب الأول: مقارنة بين المسؤولية المدنية والجزائية
المطلب الثاني: نظرية ضمان المخاطر
الفصل الأول: المسؤولية العقدية وموانعها
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية العقدية.
المطلب الثاني: أركان المسؤولية العقدية
المطلب الثالث: العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر
المبحث الثاني: التعويض وموانع المسؤولية العقدية.
المطلب الأول: التعويض.
المطلب الثاني: موانع المسؤولية العقدية
الفصل الثاني: المسؤولية التقصيرية وموانعها.
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية التقصيرية.
المطلب الثاني: أركانها

المبحث الثاني: موانع المسؤولية التقصيرية.
المطلب الأول: انتقاء صفة الخطأ عن الفعل الضار
المطلب الثاني: القوة القاهرة
المطلب الثالث: خطأ المتضرر
الفصل الثالث: المسؤولية عن فعل الغير.
المبحث الأول: مسؤولية المتبوع عن تابعه.
المطلب الأول: في القانون المدني الجزائري
المطلب الثاني: شروط مسؤولية التابع عن تابعه
المطلب الثالث: تقدير المسؤوليتين (التابع والمتبوع)
المبحث الثاني: المسؤولية عن الأشياء الغير حية.
المطلب الأول: ماهية المسؤولية عن الأشياء غير الحية
المطلب الثاني: المسؤولية عن الحريق وتهدم البناء في ق م ج
المطلب الثالث: الأساس القانوني المسؤولية عن فعل الشيء
المبحث الثالث: دعوى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني
المطلب الثاني: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي
الخاتمة


مقدمة:
تشكل المسؤولية المدنية أحد أركان النظام القانوني والاجتماعي، فكل عاقل مسؤول عن أعماله، أي ملتزم بموجبات معينة تجاه الغير أهمها عدم الإضرار به، فإذا خرق هذه الالتزامات التزم بإصلاح الضرر والتعويض عن المتضرر، ومع تطور الحياة المعاصرة أصبح أكثر تعرضا للمخاطر وذلك بإلحاقه أضرارا للغير، كما هو الحال في عقود الضمان وإنشاء الصناديق الخاصة بالتعويض على ضحايا الحوادث، لإدراكنا مدى اتساع نطاق المسؤولية المدنية والمسائل القانونية والاجتماعية التي تثيرها.
فالعالم المعاصر يعيش عصرا يتصف بالمادية، يسعى الفرد ضمنه ودوما إلى تحسين أوضاعه المالية والمادية، مما يعمل البعض على المطالبة بالتعويض عن أي حادث طفيف يسبب له ضررا ماديا أو حتى معنويا، دليل ذلك الدعاوي الرامية إلى طلب التعويض عن فقدان متع الحياة والرياضة والموسيقى التي حرمت منها الضحية نتيجة لحادث أصيبت به.
فالتشريع، وكذلك الاجتهاد في سباق مستمر مع التطورات الحاصلة في الحياة المعاصرة يحاول المحافظة على التوازن بين مصالح الأفراد دون إهمال لحق الضحية بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بها من فعل الغير أو الشيء أو الحيوان، فوضعت قوانين للمطالبة المتينة في الضرر بالتعويض للمتضررين.
فما هي المسؤولية المدنية، وما هي عناصرها، وكيف يراها المشرع الجزائري والقوانين الأخرى؟

مبحث تمهيدي: تعريف المسؤولية المدنية.
المسؤولية بصورة عامة هي التزام بموجب هذا يتدرج من موجب أدبي أو أخلاقي أو طبيعي إلى موجب مدني متمثل بمصلحة مالية أو بعمل أو بامتناع عن عمل معين.
فإذا تناول هذا الموجب التزاما بالتعويض عن الأضرار التي يحدثها الإنسان للغير بفعله أو بفعل التابعين له أو بالأشياء الموجودة بحراسته أو الحيوانات الخاصة به أو نتيجة لعدم تنفيذه لالتزاماته العقدية عبر عن هذا الالتزام بالمسؤولية المدنية.
تشمل هذه التسمية أنواعا مختلفة من التسمية وفقا للمبنى القانوني الذي تقوم عليه فهي مسؤولية عقدية فيما إذا نشأت عن إخلال أحد طرفي العقد بالتزاماته أو امتناعه عن تنفيذها وهي مسؤولية تقصيرية فيما إذا ترتبت على شخص بسبب فعل شخص أقدم عليه محدثا ضررا للغير أي عندما تقوم على الخطأ وقد يعبر عن هذا الخطأ بالجرم أو شبه الجرم المدني وهي مسؤولية وضعية عندما تنشأ عن ضرر يحدثه الشيء الموجود بحراسته أحد الأشخاص أو يحدثه الحيوان الذي يملكه هذا الشخص وهي أيضا مسؤولية عن فعل الغير عندما ينشأ الضرر عن فعل شخص حدد القانون حصرا وضعه القانوني بالنسبة للمسؤول عنه.
المطلب الأول: مقارنة بين المسؤولية المدنية والجزائية.
تهدف المسؤولية المدنية إلى التعويض عن المتضرر عن الأضرار اللاحقة به بفعل الإنسان أو الجماد أو الحيوان أما المسؤولية الجزائية تهدف إلى إنزال العقاب بمن يقدم عن ارتكاب فعل معاقب عليه قانونا لأن الجرم الجزائي يحدث أضرار بالضحية مما ينشئ لها حقا بطلب التعويض عن الأضرار، وتستقل الدعوة المدنية عن الدعوة الجزائية استقلالا جزئيا فقد تطرح الدعوة الجزائية أمام المحاكم المدنية وتترتب عن المحكمة المدنية التوقف عن النظر في الدعوة المدنية بينما يبحث القضاء الجزائي الدعوة الجزائية بالنظر إلى تأثير هذه الأخيرة على الأولى.
فالحكم الجزائي يتمتع بقوة القضية المحكوم بها تجاه الدعوى المدنية، فلا يستطيع المتضرر التذرع بخطأ المدعى عليه مسبب الضرر أمام المحكمة المدنية إذا سبق للمحكمة الجزائية واعتبرت عناصر الخطأ لم تلتئم ولكن هذا لا يمنع من الادعاء أمام المحكمة المدنية بالاستناد للمسؤولية الوضعية الناشئة عن فعل الغير أو الشيء. وقد ثار خلاف في الماضي حول وحدة أو اختلاف الخطأ المدني والجزائي ولكن محكمة التمييز الفرنسية في قرار مبدئي لها صدر في 18-12-1912 حسمت هذا الخلاف باعتمادها وحدة الخطأين وصار الاجتهاد والفقه بعدها في هذا الاتجاه لكن المشرع اللبناني أوجد سبيلا للمتضرر للحصول على التعويض عن الأضرار التي لحقت به في حال أعلنت براءة المتهم من جناية أو جنحة نص عنها في فصلي التقليد والإفلاس وذلك بإيراده ثلاثة نصوص أولاها في أصول المحاكمات الجزائية حيث ورد في المادة 328 أنه يحق للمتضرر أن يطلب من محكمة الجنايات بعد إعلان براءة المتهم أو عدم مسؤوليته إن تقرر له التعويض عن الضرر الحاصل بخطئه والمستفاد من أفعال الواردة في قرار الاتهام أو لعدم إمكانية التجريم لانتقاء النية الجرمية أو لعدم قيام مسؤولية لسبب من الأسباب التي لاحظها القانون، ففي مثل هذه الحالة لا يكون الحكم الجزائي قد نظر الخطأ عن المتهم أو نفى الاتهام عنه لعدم ثبوت ارتكابه للفعل الجرمي أصلا مما يترك المجال للقول بتوفر الخطأ المدني والحكم بالتعويض على أساسه، إما إذا كان الحكم نظر الخطأ أصلا أو أعلن عن عدم قيام الدليل على ارتكابه من قبل المتهم ونظرا بالتالي إسناده ماديا إليه وقضى بعدم قيام الصلة السببية بين فعل المتهم والنتيجة الحاصلة فيتحتم في هذه الحالة عدم الحكم بالتعويض عن الخطأ المدني بالنظر لوحدة العناصر المكونة للخطأين من جهة وبالنظر لنفي الإسناد المادي أو الصلة السببية بين المتهم والفعل المشكو منه والضرر الناتج عن الفعل من جهة ثانية.


المطلب الثاني: نظرية ضمان المخاطر.
ذهب فقهاء غربيون نحو إحلال ضمان المخاطر كأساس للمسؤولية المدنية بدلا من الخطأ فالإنسان في نظرهم عندما يأتي نشاطا معينا في المجتمع يمكن أن يولد نشاطه مخاطر اتجاه الآخرين فإذا حدث لهم أضرار التزم بالتعويض عن هذه الأضرار المجرد حدوثها طالما أنها تنسب إلى نشاطه، تستبعد هذه النظرية الخطأ كأساس للمسؤولية المدنية لأن المهم في الأمر هو التعويض على المتضرر، وبالتالي يكفي أن يربط الضرر بالفعل الذي سببه حتى تقوم الرابطة السببية المبررة للتعويض كما يرى البعض أن من يستفيد من عمل معين يجب أن يتحمل المخاطر التي تعرض مصالح الغير للضرر فيضمن الأضرار الناتجة عنه هذه النظرية مكرسة أيضا في أحكام المجلة القاعدة الكلية: الغرم بالغنم أي من ينال نفع شيء يتحمل ضرره ولكن لم تكن نظرية المخاطر بمبدأ عن الانتقاد إذ غالبا ما يكون الضرر الذي حل بالضحية ناتجا عن تصرف صادر عنها دون أن يكون نشاطها مؤديا إلى منفعة مادية معينة، فمن يسير خارج الرصيف يعرض نفسه لمخاطر صدمة من قبل سائق سيارة مسرعة فيكون كل منهما قد ساهم إلى حد معين في حدوث الضرر لذلك من غير الممكن القول بأن سائق السيارة بأنه ينتفع بها عليه أن يتحمل مخاطر استعمالها إذ أن استعمالها إذ أن استعمالها لم يكن كافيا بحد ذاته لإحداث النتيجة الضارة بل ساهم في إحداثها تصرف بضحية الناتج عن الإهمال وعدم التبصر مما يستدعي حتما تحميل كل منهما جزءا من المسؤولية يحدده القاضي بالنظر لخطأ كل منهما ومدى علاقته بالضرر الحاصل لذلك لم يكن لنظرية المخاطر أن تحل محل نظرية المسؤولية المبنية على الخطأ وبالفعل بقيت هذه المسؤولية هي القائمة.

الفصل الأول: المسؤولية العقدية وموانعها.
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية العقدية.
حسب المادة 106 من القانون المدني الجزائري: "العقد شريعة المتعاقدين" فيلزم كل من المتعاقدين تنفيذ ما وجد في بنود العقد ومنه فالقاعدة الأساسية التي تقوم عليها العقد تلزم كل طرف في العقد بأن يفي بما يحتويه فإذا لم ينفذ المدين بما وجب عليه ترتب عليه المسؤولية أي الالتزام بالتعويض على الدائن عن الأضرار التي لحقت به من جراء عدم التنفيذ، لقد كرست المادة 254 من قانون العقود بنصها على أنه: "في حالة التعاقد يكون المدين مسؤولا عن عدم تنفيذ الموجب إلا إذا أثبت أن هذا التنفيذ أصبح مستحيلا في الأحوال المبينة في المادة 341 مدني من نفس القانون، ففي هذه الحالة تبرأ منه لاستحالة التنفيذ".
ولكن في بعض العقود أضافت المادة 255 وعلى وجه الاستثناء لا يكون المدين مسؤولا بمجرد عدم تنفيذه العقد بل يكون إلحاق التبعة به موقوف على ارتكابه خطأ يجب على الدائن إثباته ويعين القانون درجة أهميته وبعد أن كانت المادة 252 من نفس القانون ميزت بين التعويض البدلي وذلك الناتج عن التأخير وضعت المادة 253 م و ع شروط توجب التعويض بأن يكون قد وقع ضرر وأن هذا الضرر منسوبا إلى المدين وأن يكون المدين قد أنذر لتأخره تشكل القواعد التي سبق ذكرها أركان المسؤولية العقدية وقد أثير في الفقه نقاش حول طبيعة هذه المسؤولية وهل تشكل وجها آخرا للمسؤولية التقصيرية أم أن لها كيان خاص فإذا اعتبرت أنها نوع من أنواع المسؤولية التقصيرية لوجب توفر الخطأ في عدم التنفيذ لإقامتها على عاتق المدين، بينما إذا اعتبرت مسؤولية مستقلة قوامها التخلف عن التنفيذ مهما كان سببه ما عدى القوة القاهرة أو الاستحالة المعفية منها لقامت بمجرد حصول التخلف المذكور، فالغاية من إقامة المسؤولية العقدية التعويض على الدائن في حال عدم التنفيذ يسمى هذا التعويض بالتعويض البدلي أما في حال بقي التنفيذ ممكنا إنما حصل تأخير فيه ترتب تعويض على التأخير الحاصل، أما في حال حصول تنفيذ جزئي للموجب يعوض على الدائن عن ما لم ينفذ من موجبه كما أنه في حال حصل تنفيذا سيء للموجب يعوض عليه عن الضرر الحاصل له من جراء ذلك وهذه هي أهداف المسؤولية العقدية.
المطلب الثاني: أركان المسؤولية العقدية.
كي تقوم المسؤولية العقدية يجب توفر أركان وهي:
1) وجود عقد تصحيح: يشترط لقيام المسؤولية العقدية أن يوجد عقد صحيح تضمن موجبات معينة يلتزم بها كل من طرفي العقد وبصورة مقابلة هذا في العقود المتبادلة أما في العقود الصادرة عن إرادة منفردة فإنه تكفي أن يتضمن العقد موجبات محددة التزم بها من صدرت عنه حتى تقوم مسؤوليته في حال تمنع عن تنفيذها.
إن اشتراط أن يكون العقد صحيحا وإن لم يرد شأنه نص قانوني، يستنتج من طبيعة المسؤولية العقدية القائمة على أساس عدم تنفيذ موجب صحيح وقائم فإذا كان الموجب غير مسند لسبب صحيح أو كان سببه غير مباح وجاء مخالفا للنظام العام أو الآداب العامة فلا يمكن إلزام المدين بتنفيذه وبالتالي لا مسؤولية عليه في عدم تنفيذه بل يحق له طلب إبطاله وكذلك الأمر فيما إذا كان الالتزام بهذا الموجب حصل نتيجة غلط أو خداع فإن العقد الذي تضمنه يكون غير صحيح بل باطلا أصلا وفي حالة بطلان العقد لسبب من أسباب البطلان تترتب مسؤولية تقصيرية على عاتق من تسبب ببطلانه نتيجة لخطأ ارتكبه قد يشكل جرما مدنيا كالخداع مثلا.
فسبب البطلان يكون إجمالا أما سابقا أو متزامنا مع إنشاء العقد فهو فعل حاصل خارج إطار العقد على أن المسؤولية في هذه الحالة، وبالتالي موجب التعويض أي لأحكام المسؤولية التقصيرية القائمة على الخطأ، هذه الأحكام تسري أيضا على مرحلة ما قبل التعاقد إذا حصل مثلا سوء استعمال قطع المفاوضات بعد أن تكون قد قربت من نهايتها وأصبح الاتفاق على العقد النهائي شبه تام وإذا حصل كتمان المعلومات هامة أثرت على التعاقد لآخر وكانت سببا لتعاقده بصورة ضارة به أو حصل خداع أدى إلى وقوع الطرف الآخر في الغلط المؤدي إلى بطلان العقد.
وإذا حصل الضرر بعد تنفيذ العقد فإن المسؤولية تكون أيضا تقصيرية أي مبنية على الخطأ. فإذا كان ملتزم بالبناء قد أنهى أعماله وقد أحدث ضررا لصاحب المشروع وهو في مرحلة جمع أدواته للرحيل بها فإن مسؤولية اتجاه صاحب المشروع تكون مسؤولية تقصيرية أو وضعية وليست عقدية لأن الضرر وقع خارج نطاق العقد وقد انتهى وجوده ومفعوله بانتهاء أعمال البناء الموضوعة إذن فقيام المسؤولية العقدية محصورة في نطاق تنفيذ عقد صحيح ملزم لطرفيه فنطاق العقد محدد بموضوعه وأطرافه فإذا حصل ضرر بسبب فعل صادر عن شخص غريب عن العقد كانت مسؤولية هذا الأخير مسؤولية تقصيرية وإن كان العمل الضار ذا صلة بموضوع العقد كأن يقدم صاحب شاحنة على هدم حائط في مبنى عند مجيئه لنقل أنقاض منه أو أن يسبب جروحا لعامل أثناء تحميله ويجب أن يفهم أطراف العقد ليس فقط من وقعه بل أيضا من آل إليه العقد إرثا أو تنازلا أو كان المستفيد منه كما هو الحال في التعاقد لمصلحة الغير.
2) الخطأ العقدي: كي تقوم المسؤولية العقدية يجب أن يتوفر ركنها الثاني وهو الخطأ العقدي المتمثل بعدم تنفيذ الموجبات التي نص عنها العقد أو بحصول تنفيذ جزئي أو سيء لها.
يستدل من المادة 254 من قانون الموجبات والعقود أن مجرد عدم تنفيذ الموجب يرتب المسؤولية على المدين به ما لم يستطع التذرع باستحالة التنفيذ التي نصت عنها المادة 341. فعدم التنفيذ يشكل الخطأ العقدي. ولكن هذا الخطأ يتوفر أيضا في حالة التنفيذ الجزائي إذ يترتب على المدين بموجب أن ينفذه عينا وبصورة كاملة وتامة. كما يتوفر هذا الخطأ في حالة التنفيذ السيئ، أي الحاصل بصورة مخالفة للمواصفات التي وردت في العقد وقد التزم بها المدين ففي حالة عدم التنفيذ الكلي يكفي للدائن الإدلاء به كي يرتب المسؤولية العقدية على عاتق المدين ولا حاجة لإثبات خطأ إلى جانب هذا الأخير أدى إلى عدم التنفيذ. فالخطأ ناتج على عدم التنفيذ مهما كان سببه ما عدى الحالات التي نص عنها القانون وأبرئت فيها ذمة المدين لاستحالة التنفيذ.
إلا أنه في بعض العقود، وعلى وجه الاستثناء على ما جاء في المادة 255 من قانون العقود لا يكفي للدائن أن يثبت عدم حصول التنفيذ بل يجب عليه إثبات الخطأ إلى جانب المدين مما أدى إلى عدم التنفيذ هذه العقود تتطلب نصا خاصا كما تتطلب تحديد درجة معينة من الخطأ تحدد في القانون.
مثال: وضع الطبيب الذي يعالج مريضا فإن موجبه ينحصر بقيامه بتشخيص المرض وفق لأصول الطب وبوصف الدواء الذي يعتقد حسب المعطيات العلمية أنه المناسب لشفاء المريض من مرضه ولا يتعدى بموجبه التعهد بحصول الشفاء لأن هذا الأمر خارج عن إرادته ومقدرته فإذا أخطأ الطبيب في التشخيص أو في وصف الدواء بصورة لا يقرها علم الطب يكون قد أخل بموجب الحيطة والحذر وتسبب بإضرار المريض يسأل عنها. في هذه الحالة يجب على المريض أن يثبت خطأ الطبيب في التشخيص ووصف الدواء بصورة لا يقرها علم الطب. ويستعين المريض بخبرة أهل الفن الطبي لإثبات الخطأ.
هذا الوضع الذي يمثل بموجب الوسيلة لا ينطبق بصورة دقيقة على ما ورد في المادة 255 السالفة الذكر إذ أوردت لقيام المسؤولية في عقود معينة وبصورة استثنائية.
*الشروط التالية: أولا: أن يحصل عدم تنفيذ للعقد، مما يعني أن العقد تضمن موجب نتيجة أي لقيام بموجب ذات، ويطبق الأمر على تحقيق النتيجة أو الوسيلة.
ثانيا: أن يكون المدين بموجب ارتكب خطأ أدى إلى عدم التنفيذ.
ثالثا: أن يكون القانون قد عين درجة أهمية هذا الخطأ أي أن يكون قد ورد نص خاص في القانون حدد نوع العقد والخطأ الذي يؤدي إلى عدم تنفيذ الموجب الوارد فيه ودرجة هذا الخطأ وقلما نجد في القوانين الخاصة مثل هذه العقود ويتضمن موجب النتيجة لتحقيق غاية معينة حددها العقد كالتزام البائع بتسليم الشيء المباع والمؤجر وتسليم المأجور والناقل إيصال البضاعة أو المسافر إلى محل الوصول المتفق عليه. في كل هذه العقود يجب أن يحصل لتنفيذ بصورة تجعل الدائن بالموجب قد حقق هدفه من التعاقد مع الطرف الآخر، فإذا تخلف هذا الطرف عن تحقيق هذا الهدف يكون قد أخل بالتزامه، هذا الخلل بالالتزام هو الخطأ العقدي بذاته ولا يطلب من الدائن سوى لإدلاء بعدم التنفيذ حتى تقوم المسؤولية العقدية.
فإثبات تخلف المدين عن القيام بإنفاذ العقد لا يتطلب من الدائن التحري عن خطأ ارتكبه المدين ووصف هذا الخطأ، بل يكفي أن يكون التنفيذ قد تخلف مهما كان سببه حتى يشكل الخطأ العقدي، وعلى المدين أن يدلي باستحالة التنفيذ أو بالقوة القاهرة وبخطأ الدائن أو شخص ثالث تبريرا لعدم التنفيذ.
وقد اعتبرت محكمة التمييز الفرنسية في قرارها الصادر سنة 1994 أن موجب النتيجة المترتب على صاحب مرآب مكلف بإصلاح لسيارة أحد زبائنه تتضمن قرينة خطأ وقرينة سببية بين هذا الخطأ والضرر الحاصل وبالتالي يعود لصاحب المرآب أن يدلي بعدم ارتكابه خطأ يدفع المسؤولية عنه فيكون قرار محكمة الاستئناف الذي قضى برد دعوة الزبون لعدم إثباته خطأ على عاتق صاحب المرآب مستوجبا النقض لأنه قلب عبء لإثبات، في هذا القرار تكون محكمة التمييز قد اعتبرت أن عدم إنفاذ المدين لالتزامه يشكل قرينة على ارتكابه خطأ ولكن قد سبق وبين أنه ليس ضرورة أن عدم التنفيذ نتيجة خطأ إذ يشكل هو ذاته الخطأ ولا داعي لإثبات خطأ معين على عاتق المدين أدى إلى عدم التنفيذ ومن ثم اعتبر هذا القرار أن بإمكان المدين بالموجب إثبات عدم ارتكابه خطأ، مما ينفي على قرينة الخطأ الصفة القاطعة أي غير قابلة لإثبات العكس.
3) الضرر: إن الهدف من إقامة المسؤولية العقدية على عاتق المدين الذي لم ينفذ تعهده أو تأخر في تنفيذه أو أساء التنفيذ هو التعويض على الدائن عن الضرر الذي لحق به من جراء تخلف المدين عن أداء موجباته. فالضرر هو الركن الأساسي الذي تقوم عليه المسؤولية العقدية، فإذا لم يتوفر انتقت هذه المسؤولية وإن شكلت تصرفات المدين خطأ. كتخلف الوكيل مثلا عن حضور جلسة مصالحة عقدت بين الدائن والمدين بالرغم من تكليفه بذلك، ولكن لم ينتج عن غيابه أي ضرر لموكله الذي توصل إلى إجراء عقد مصالحة مع مدينه.
قد أورد قانون الموجبات والعقود أحكاما خاصة بتحديد التعويض وماهيته عن الأضرار الناتجة عن جرم أو شبه جرم (المادة 260 من قانون موجب العقد وما يليها) وعن الأضرار الناتجة عن الإخلال بالموجبات العقدية أو من عدم تنفيذها إلا أن قاسما مشتركا يجمع بينها حول مبدأ تحديد التعويض أو أنواع الضرر الذي يمكن التعويض عنه أي الضرر المادي والمعنوي المباشر وغير المباشر والضرر المستقبلي. وقد نصت المادة 134 على أن العوض الذي يجب للمتصدر من جرم أو شبه جرم ويجب أن يكون في الأساس معادلا للضرر الذي حل به تقابل هذه المادة 260 التي تنص على أنه: "يجب أن يكون بدل العطل أو الضرر معادلا تماما للضرر الواقع أو الربح الفائت" .
فهنالك إذا وضع مشترك بين الضرر الناتج من جهة عن جرم مدني أو شبه جرم مدني أي الخاص بالمسؤولية التقصيرية وذلك الناتج عن التخلف عن تنفيذ العقد، أي الخاص بالمسؤولية العقدية ويتمثل الضرر الناتج عن عدم تنفيذ العقد يجني منافع منه وربما دفع ثمن هذه المنافع ولن يستطيع استرجاعه لإعسار طرأ على المدين أدى إلى إفلاسه.
مثال: أن يشتري تاجر ألبسة لبيعها في الصيف وقد دفع ثمنها كله أو بعضه، فلم يقم البائع بتسليمها أو أنه عرض تسليمها في الشتاء. إن عدم تنفيذ العقد في أجله عرض الشاري إلى خسارة تمثلت في عدم تمكنه من ممارسة تجارته وإلى تفويت الربح عليه، وربما لم يتمكن من استفاء ما دفعه من الثمن لإعسار البائع وعرضه أيضا إلى الإخلال بعقود أبرمها مع شارين للبضاعة فيتحمل التعويض عن إخلاله بهذه العقود، وقد عرض سمعته ومكانته التجارية للاهتزاز وعدم الثقة وربما أدت به إلى حالة من الإفلاس لعدم تمكنه من تسديد ديونا عليه اتجاه آخرين وكان قد عول على عقد شراء الألبسة لتسديدها من ثمن البيع كما أدت تأخره عن تسديد سندات دين عليه للمصارف يعرض إلى سحب ثقتها منه وعدم تسليفه مستقبلا إلا لقاء فوائد مرتفعة أو لقاء إجراء عقود تأمين على أملاكه، هذه الأضرار تنتج إما مباشرة من عدم تنفيذ العقد وإما بصورة غير مباشرة كما أنها تتصل بالصفة المادية المتمثلة في خسارة المال والربح وكذلك بالصفة المعنوية المتمثلة باهتزاز ثقة التجار والمصارف به. وللضرر قسمين:
أ‌. الضرر المباشر: كي يعوض عن الضرر النتاج عن عدم تنفيذ العقد يجب أن يكون هذا الضرر مباشرا ومرتبطا سببيا بعدم تنفيذ العقد، أي بالخطأ العقدي ويعتبر مباشرا عندما يتحقق كنتيجة طبيعية للخطأ العقدي أي لعدم التنفيذ فعدم استلام البضاعة نتيجة لعدم تنفيذ عقد البيع من قبل الباعة يسبب ضررا مباشرا للشاري وهو مرتبط سببيا بعدم التنفيذ ومن ثم يجب أن يكون الضرر ماسا بمصلحة مشروعة أي محمية قانونا.
مثال: إذا امتنع ميكانيكي عن إصلاح سيارة لأنه تبين له أنه مسروقة فلا يمكنه لمن سلمه هذه السيارة للتصليح أن يقيم عليه المسؤولية العقدية لأن عدم التنفيذ يقع على مصلحة غير مشروعة.
ب‌. الضرر غير المباشر: يمكن أن ينتج الضرر بصورة غير مباشرة عن عدم تنفيض العقد أو من سوء تنفيذه، كما هو حال التاجر الذي ارتبط مع فندق بتسليمه يوميا المواد الغذائية وتسليمها لزبائنه وقد تخلق عن ذلك بسبب عدم قيام الموزع بتسليمه هذه المواد مما أدى بإدارة الفندق إلى فسخ عقدها مع التاجر وتحميل التعويض عن الأضرار التي لحقت بها. فالضرر اللاحق بالتاجر نتيجة لفسخ عقده مع الفندق يشكل ضررا مباشرا بالنسبة إليه بالإضافة إلى ضرره الناتج عن تنفيذ الموزع لتعهده. فهل يستطيع أن يجعل الموزع المتخلف ملزما بالتعويض عليه عن نتائج فسخ عقده مع الفندق.
نصت المادة 261 من قانون الموجبات والعقود: "إن الأضرار غير المباشرة ينظر إليها بعين الاعتبار كالأضرار المباشرة ولكن بشرط أن تثبت كل الثبوت صلتها بعدم تنفيذ الموجب" .
أي يجب أن تقوم صلة السببية بين عدم التنفيذ وبين هذه الأضرار بصورة لا يرقى إليها الشك بحيث يعتبر الضرر فعلا متصلا بعدم التنفيذ. وفي المثل المعطى أعلاه يعتبر الضرر الحاصل للتاجر من جراء فسخ عقده مع الفندق ضررا غير مباشر ناتجا عن عدم قيام الموزع بموجباته مما يحوله التعويض عنه لاسيما وأنه من الأضرار توقعها عند إبرام العقد (المادة 262 من م وع) ومن ثم يمكن أن ترتد نتائج الخطأ العقدي الأصلي على شخص ثالث غريب عن العقد على أنه حقه بطلب التعويض يبقى معلقا على شرط كون هذا الضرر نتيجة طبيعية للخطأ المرتكب ومرتبطا سببيا به، وكلما ابتعدت الصلة السببية بين الخطأ والضرر الذي كان ممكنا توقعه عند إنشاء العقد كلما ضعف حق المدعي بالحصول على التعويض وتأتي القاعدة التي تحصر التعويض بالضرر المتوقع عند إنشاء العقد لتحد من إمكانية المطالبة به.
ت‌. الضرر الأدبي والمعنوي: ذكر المشرع في المادة 263 موجبات وعقود إمكانية التعويض عن الضرر الأدبي أي الضرر الذي يمس بسمعة الإنسان ومكانته الاجتماعية وشعوره شرط أن يكون بإمكان تقدير قيمته بالنقود على وجه معقول.
مثال: عندما يقدم مصرف على وقف حساب جاري لأحد التجار دون أن يعلمه بذلك مما يشكل فسخا للعقد القائم بينهما. فإذا أصدر التاجر صكا امتنع المصرف عن دفع قيمته متسببا بملاحقته جزائيا أو مدنيا ترتب على المصرف التعويض عليه عن الضرر المعنوي الذي لحق به من جراء رفضه دفع قيمة الصك مما أحدث اهتزازا في الثقة به اتجاه التجار وموردي البضاعة ويعود للقاضي تحديد مدى هذا الضرر وأن يقدر التعويض عنه نقودا إلا أنه تجدر الملاحظة أن تحديد التعويض عن الضرر المعنوي بالنقود أمر عسير عمليا لأن السمعة الإنسانية والمكانة الاجتماعية لا تقدران بمال لذلك يأتي التعويض عن المساس بهما كوسيلة إرضاء أكثر منه لإعادة وضع اهتز لحالته الأولى لأن ما حصل قد حصل ولا يمكن محوه.
ث‌. الضرر المستقبلي: المبدأ أن يكون التعويض عن الضرر الأكيد الذي يستطيع القاضي أن يقدره بصورة واقعية لا افتراضية فيقدم مثلا التاجر الذي باع بضاعة قبل استلامها وقد تخلف بائعه عن تنفيذ العقد الذي يربطه به، فيقارن القاضي بين ثمن البيع وذلك المتفق عليه مع التاجر الأول المتخلف عن تنفيذ العقد الأول، ويحكم على هذا الأخير بالضرر الذي لحق بالبائع الثاني وبالربح الفائت وبالتعويض عن كل ضرر معنوي أو مالي لحق به ولكن يمكن أيضا أن يعتمد بالضرر المستقبلي فيما إذا كان ممكنا تحديد عناصره. فقد نصت المادة 134 م وع في فقرتها 04 على أنه في الأصل أن الأضرار الحالية الحاصلة هي التي ينظر بعين الاعتبار إلى الأضرار المستقبلية إن كان وقوعها مؤكدا من جهة وكان لديه من جهة أخرى الوسائل اللازمة لتقدير قيمتها الحقيقة مقدما، فالضرر الاحتمالي لا يمكن أن يكون موضع نظر من قبل القاضي ولا موضع تقدير لحدوثه لأن الحكم بالتعويض يجب أن يستند إلى ضرر أكيد ومحقق وقابل للتقدير.
المطلب الثالث: العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر.
لابد من قيام العلاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر الحاصل بحيث يعتبر هذا الضرر حاصلا بصورة مباشرة من الخطأ العقدي مما يفيد أنه يجب أن يكون من الأضرار التي تنتج بطبيعتها عن هذا الخطأ فلم يورد في قانون الموجبات والعقود نص صريح بوجوب قيام هذه العلاقة، إنما يمكن استنتاجها من النصوص الوارد في الفصل الخامس الخاص بأحكام المسؤولية العقدية ونتائجها.
قد نصت المادة 253 م وع على أن أحد شروط استحقاق التعويض على العطل والضرر هو أن يكون الضرر منسوبا إلى المدين، أي أن يكون هو الذي أحدث هذا الضرر بتصرفه الخاطئ كامتناعه عن تنفيذ العقد مثلا ومن ثم جاءت المادة 261 م وع تنص ضمنا على أن الأضرار التي يعقد بها هي الأضرار المباشرة ولكن ينظر بعين الاعتبار إلى الأضرار غير المباشرة كالأضرار المباشرة بشرط أن تثبت كل الثبوت التي يعوض عنها أضرار مباشرة، كذلك يجب أن يكون حال الأضرار المباشرة، وبالفعل إذا كانت نسبية الأضرار المباشرة لا تثير أي مشكلة هامة سوى لإثبات فإن الأضرار غير المباشرة تثير الاهتمام لدقة الموضوع.
مثال: مدينا يمتنع عن دفع دينه لتاجر فيصبح هذا الأخير في حالة إفلاس فينتحر فهل يمكن مساءلة المدين عن حالة الإفلاس أو عن الوفاة؟ ظاهريا هاتان الحالتان مرتبطتان بخطأ المدين إذ لو دفع المدين دينه لما أفلس التاجر ولأنه لم يفلس لما انتحر.
المبحث الثاني: التعويض وموانع المسؤولية العقدية.
المطلب الأول: التعويض.
تعويض المتضرر هو التعويض العيني أي أن ينفذ الموجب بعينه بأن يسلم للدائن الشيء الذي اكتسب ملكيته بموجب العقد وأن يقوم المتعهد بتنفيذ ما التزم به، ولكن على فرض أن هذا التنفيذ لم يحصل لسبب من الأسباب غير المعفية منه أو المسقطة له، فإنه يترتب على المدين تعويض الدائن عن الأضرار التي لحقت به من جراء عدم التنفيذ إما إذا حصل تأخير في التنفيذ وكان مازال ممكنا فإن جزاء هذا التأخير تعويض الدائن عن الضرر الناتج عنه، فيكون التعويض تعويض تأخير كل ذلك حسب ما ورد في المادة 252 م وع على أن يحصل مبدئيا تحديد التعويض في كلتا الحالتين من قبل القاضي إلا إذا ورد بشأنهما نص خاص كما هو الحال في دين النقود حيث تمثل الفائدة التعويض عن التأخير ومن أشكال التعويض نجد.
أ‌. التعويض البدلي: نص المادة 252 م وع أنه إذا لم ينفذ الموجب بداء الغيب تماما وكمالا حق للدائن أن يأخذ عوضا يقوم مهام تنفيذ الموجب عينا لعدم حصوله على الأفضل، وبالاعتماد على العوض نجد أنه لا شيء يمنع المدين من عرض شيء بديل عن ذلك الوارد تحديده في العقد، فإذا أقبل به الدائن كعوض عنه، فإن حرية الإدارة تجد سلطانها المطلق هنا ولا تمس بأي نظام عام، وبالتالي تخلص إلى القول بأن التعويض البدلي لا يكون حتما من النقود بل يمكن أن يكون شيء آخر يقوم مقام الشيء الأصلي.
ب‌. التعويض عن التأخير: يعتبر المدين بموجب في حالة تأخر عن تنفيذه بعد أن يكون قد أنذر للقيام به ولكنه تمنع عن ذلك، فيترتب عليه موجب التعويض عن التأخير الحاصل. في هذه الحالة يعتبر الموجب مازال قابلا للتنفيذ ولكن حصل تأخير في القيام به فيحق للدائن طلب تنفيذه عينا وترتيب التعويض على المدين المتأخر إذا لم يكن الفرقاء في العقد قد اتفقوا مسبقا على تحديد التعويض عن التأخير في التنفيذ أو لم يكن القانون قد حدد هذا التعويض، كما هو الحال في دين النقود، يقرر القاضي تحديده بناء على طلب الدائن.
المطلب الثاني: موانع المسؤولية العقدية.
ترتب المسؤولية العقدية على عاتق المدين بموجب في حال لم يقم بتنفيذه وترمي إلى إلزامه بالتعويض عن العطل أو الضرر الحاصل للدائن من جراء عدم التنفيذ. فإذا استحال تنفيذ العقد لسبب من أسباب الاستحالة القانونية ومن دون خطأ من المدين، امتنعت مسؤولية العقدية وبالتالي موجب التعويض.
قد نصت المادة 131 م وع على أن المسؤولية الوضعية عن الأضرار التي تحدثها الجوامد لا تزول إلا إذا قام الحارس البرهان على وجود قوة قاهرة، أو خطأ من المتضرر وكذلك جاء نص المادة 129 م وع الخاصة بالمسؤولية عن فعل الحيوان، كما أن المادة 126 م وع الخاصة بالمسؤولية عن فعل الغير لحظت عدم إمكانية منع الفعل الذي نشأ عنه الضرر كمانع للمسؤولية.
وإذا انتقلنا إلى المسؤولية العقدية نرى أن المادتين 239 و 241 م وع لا تعفيان من موجباته العقدية إلا إذا أثبت استحالة التنفيذ وكذلك فعلت المادة 254 م وع عندما نصت على أنه في حالة التعاقد يكون المدين مسؤولا على تنفيذ الموجب إلا إذا أثبت أن التنفيذ أصبح مستحيلا في الأحوال المبنية في المادة 341 م وع وجاء في هذه المادة أن الموجب يسقط إذا كان بعد نشأته قد أصبح موضوعه مستحيلا من الوجه الطبيعي أو الوجه القانوني من دون فعل أو خطأ على القوة القاهرة.
هذه النصوص التي ترعى موانع المسؤولية نتيجة لاستحالة التنفيذ من دون خطأ من المدين تعتبر مشتركة بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية. إضافة إلى خطأ المدين على موانع المسؤولية والخطأ المشترك بين الدائن والمدين، وقد تؤثر كل هذه العناصر على المسؤولية العقدية، يعفى بالتالي المدين من المسؤولية التي ترتب عليه لتنفيذها.









 


قديم 2011-04-16, 15:01   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع

الفصل الثاني: المسؤولية التقصيرية وموانعها.
المبحث الأول: تعريفها وأركانها.
المطلب الأول: تعريف المسؤولية التقصيرية.
تقوم المسؤولية التقصيرية بالاستناد لفعل شخصي يحدث ضررا للغير. يتصف هذا الفعل بصفة الخطأ بينما يكون الضرر ماديا أو معنويا يلحق بالإنسان أو بأمواله، ولابد من قيام الصلة السببية بين الضرر والخطأ حتى تقوم مسؤولية المتسبب به فيترتب عليه موجب التعويض . ويبقى الفعل الضار جرما مدنيا أو شبه جرم إذا لم يتوفر نص جرائي مجرم له، إلا أنه في الحالتين يرتب على من تسبب به موجب التعويض على المتضرر، فيمارس هذا الأخير دعواه، إما مباشرة أمام القضاء المدني وإما ينضم إلى دعوة الحق العام أمام المرجع الجزائي على ما يترتب على ذلك من نتائج إلا أنه في الحالتين تحكم نفس المبادئ موجب التعويض وبالفعل نصت المادة 138 من قانون العقوبات الجزائري على أن كل جريمة تلحق بالغير ضررا ماديا كان أو معنويا تلزم الفاعل بالتعويض. كما أقرت المادة 145 قانون العقوبات إمكانية تطبيق المادة 388 م وع في طريقة أداء العطل والضرر والنفقات أقساطا في حال رأت المحكمة الجزائية ذلك بالنظر لوضع المحكوم عليه المالي أي إذا لم يكن بمقدوره دفع التعويض والنفقات دفعة واحدة. واعتبر المشرع الجزائري اعتبار كل من عديم التمييز الذي أحدث ضررا للغير وضحيته لتقرير تعويض عادل في حال لم يستطع المتضرر الحصول على التعويض ممن أنيط به أمر المحافظة عليه مما يضفي الطابع الإنساني والاجتماعي على هذا الالتزام بالتعويض (المادة 122 الفقرة الأخيرة). وبما أن المادة 128 قانون عقوبات لاحظت التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية فإنه يعود للقاضي تطبيق المادة 134 وما يليها من قانون الموجبات والعقود.
عرفت المادة 121 م وع الجرم المدني بأنه عمل مضر بمصلحة الغير عن قصد ودون حق وشبه الجرم عمل ينال من مصلحة الغير دون حق، ولكن عن غير قصد.
الضرر المشروع وغير المشروع: الملاحظ أن النص باشتراطه أن يكون الضرر قد حصل للغير دون حق يكون ضمنا قد لحظ إمكانية حصول ضررا للغير كنتيجة لممارسة من صدر عنه الحق دون تجاوز، مما يعني أن هناك أضرار تلحق بالغير بصورة طبيعية أثناء ممارسة حق بصورة مشروعة ولا يلزم من صدرت عنه بالتعويض على المتضرر منها لأنها من سياق الأمور العادية في حياة المجتمع كمن يحفر بئرا في أرضه فتنساب مياه جاره لهذا البئر، ولم يكن صاحب البئر يبغي الأضرار بجاره وكذلك وضع التاجر الذي يزاحم آخرين بصورة مشروعة بأن يخفض أسعاره مما يلحق الضرر بهم دون أن يكون قد أراد ذلك، بل مارس حرية التجارة والمزاحمة وهو حق له. وكذلك وضع الملاكم الذي يحدث ضررا للملاكم الآخر دون تجاوز أصول اللعب. في كل هذه الأحوال فيها تلك الناجمة عن محاذر الجوار في حال لم تتعدى الحد المعقول والمتسامح به يكون ضررا مشروعا لأنه مرافق لنشاط المشروع .
والغاية من إقامة المسؤولية التقصيرية المدنية التعويض على المتضرر من الأضرار التي لحقت به شرط حصول هذه الأضرار بسبب تصرف خاطئ صادر عن أحد الناس ومرتبطة سببيا به، ولكن لم يكن من مانع قانوني لقيام هذه المسؤولية.


المطلب الثاني: أركانها.
1) الضرر: يوجد نوعين من الضرر، الضرر المادي والضرر المعنوي.
أ‌. الضرر المادي: يمس بمصالح مالية داخلة ضمن الذمة المالية للمتضرر فينقص منها أو بعدمها، كما يمس بالممتلكات فيتلفها أو يعطيها إما إذا مس بسلامة الإنسان في حياته أو جسده فيعتبر إذاءا للشخص المتعدى عليه. وبصورة عامة يشكل الضرر تعديا على حق من حقوق الإنسان في سلامة نفسه وممتلكاته فينقص منها أو يتلفها أو يحول دون مالكها واستعمالها أو استثمارها.
يكفي أن يقوم الإثبات على تحقق هذا الضرر وعلى صلته السببية فالفعل الخاطئ حتى لزم من صدر عنه بالتعويض، فيكون التعويض عينا بالرد أو برفع اليد المغتصبة أو بإصلاح التلف إما بدفع تعويض من النقود يوازي فيه الشيء أو يمكن المتضرر من إصلاح الضرر.
أما إذا كان الضرر جسديا فيمكنه التعويض من معالجة ما أصابه من أذى ودفع النفقات اللازمة، كذلك تأمين سبل معيشته وحياته فيما إذا أصيب بعطل في قواه الجسدية. أما إذا حصلت الوفاة فإن التعويض يصبح من حق الورثة كل حسب نصيبه في التركة إذ أن الحق بالتعويض يكون قد دخل في ذمة مورثتهم المالية فانتقل إلى الورثة مع انتقال هذه الذمة دون أن يمنع عليهم المطالبة بالأضرار التي لحقت بهم من جراء الوفاة ذاتها.
فالضرر المادي يمكن أن يلتقي مع الضرر الجسدي ليؤلف موضوع التعويض عنهما فالشخص الذي يصاب بعاهة مستديمة أو بمرض عابر أو مستديم يشكو ضررا جسديا وضررا ماديا بالنظر لما يتطلبه من علاج ونفقات الطبيب والدواء وانقطاع دائم أو مؤقت عن العمل يضاف إلى ذلك الضرر المعنوي الذي يصيبه في نفسه من جراء آلامه الجسدية والنفسية أو التشويه الذي يمكن أن يكون قد حصل له من جراء إصابته أو تعطيل عمل أحد أعضائه مع ما يستبيح ذلك من حرمانه من التمتع بنشاطات مهنية أو ترفيهية أي ما يعبر عنه بمتع الحياة وهي حق لكل إنسان فيما وهبه الله عز وجل من مواهب شتى.
ب‌. الضرر المعنوي: أثارت هذه المسألة نقاش استمر زمنا بين الفقهاء فكان البعض مؤيدا والبعض الآخر معارضا، وكل يقدم حججه وأهمها:
أن هذا الضرر لا يقاس بالنقود ولا يمكن للنقود أن تزيله من النفس بينما يرى البعض بأن التعويض لا يمنح للمتضرر لإزالة الضرر ولكن كوسيلة إرضاء للنفس تجعله يتحمل أمامه بتوظيف المال بما يعود عليه بالنفع فإذا تمكن التعويض من تحقيق المنفعة المبتغاة يكون الضرر المعنوي قد عوض عنه وقد تأثر الاجتهاد بالآراء الفقهية المتباينة فما لا اجتهاد مجلس الشورى الفرنسي في بادئ الأمر إلى استبعاد التعويض عن الضرر المعنوي لعدم استطاعة تقديره بالنقود ولأنه لا يشكل ضررا قابلا للتعويض ، إلا أنه عاد وأقر بموجب التعويض عن الضرر المعنوي .
واستمر اجتهاد المحاكم في هذا الاتجاه إلى يومنا هذا وإن لم يكن الضرر المعنوي مرافقا للضرر المادي، كما هو الحال في الإحساس بالآلام اتجاه القريب أصيب بالأذى وكانت أوامر العاطفة تربط المدعي بالضحية .
إلا أن الضرر المعنوي وإن اختلف التعبير عنه صيغة، فإن مضمونه كان مسلما به إجمالا ويمكن التعريف به بأنه الأذى الذي يلحق بماديات الإنسان فيمس بمشاعره وأحاسيسه أو بنفسه أو بمكانته العائلية أو المهنية أو الاجتماعية محدثا له الألم النفسي.
فالضرر المعنوي هو إما الألم بذاته الناتج بتلك المشاعر من جراء عمل غير محق يأتيه الفاعل هذه الصيغة تقارن تلك التي اعتمدها مجلس الشورى الفرنسي في قرار مبدئي صدر عنه إذ عبر عن الضرر المعنوي بأنه الاضطراب في ظروف الحياة وقد أيد ذلك الفقه .
ويشمل الضرر المعنوي أيضا الضرر الماس بالحقوق المعنوية للإنسان أي بالحقوق الملاسقة لشخصيته لحقه في حرية القول والفعل وحقه في خصوصياته ومكانته الاجتماعية وحقوقه الأدبية وبالتالي فإن كل انتقاض أو تعطيل لهذه الحقوق والمواهب يشكل ضررا معنويا قابل للتعويض على أن يحدد المتضرر نوع التعويض الذي يطالب به حتى إذا كان مشروعا استجاب القاضي لمطلبه وإلا ألبسه الشكل أكثر موافقة لمصلحة المتضرر كالنشر في الصحف مثلا (المادة 136 م وع).
ويجب أن تتوفر المواصفات التالية في هذا الضرر:
- أن يكون أكيدا وحالا.
- أن يكون مباشرا.
- أن يكون شخصيا.
- أن يتصل بسببيا بالفعل الخاطئ.
- أن يكون قابلا للتعويض عيبا أو نقدا.
2) الخطأ: في المجتمعات البدائية لم يكن من محلا للخطأ كأساس لمسؤولية الفرد عن الأضرار التي يحدثها للغير فكان الفرد منصهرا في جماعته وكانت عواقب تصرفاته وأفعاله لا ترشد عليه فقط بل غالبا ما كانت تتجاوزه فتقوم مسؤولية الجماعة بالتضامن معه .
ولم تكن ذاتية الشخص لتنفصل عن جماعته إلى أن تحرر الفرد من العصبية القبلية نتيجة تطور مفاهيمه الحضرية وبروز شخصيته واستقلالها.
إن جذور الخطأ الشخصي هو جذور دينية أخلاقية مستنبطة من الديانات السماوية وقد ترسخت مفاهيم الثواب والعقاب وهي مفاهيم ملازمة للمسؤولية الشخصية بحيث يتحمل كل إنسان نتيجة أفعاله والآيات القرآنية جاءت لترسخ أركان المسؤولية الشخصية عن الأعمال التي يأتيها فتقرأ في سورة النجم (الآية 38-39) قال تعالى: ﴿أن لا تزل وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ . وكذلك في سورة فصلت الآية 46، قال تعالى: ﴿من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد﴾ . وفي سورة النساء الآية 123، قال تعالى: ﴿من يعمل سوءا يجزى به﴾ .
هكذا ترسخت فكرة الخطأ كأساس للمسؤولية ودون تمييز بين خطأ جزائي وخطأ مدني إلى أن أبرزت اتجاهات فقهية جديدة تميز بين نوعي الخطأ معتبرة أن هنالك تولد موجب التعويض دون أن تستتبع حتما عقابا أو جزاءا.
كما برزت درجات في الخطأ الموجب بالتعويض وتمييز بين الخطأ القصدي والخطأ غير القصدي، وتترسخ فكرة المسؤولية المبنية على الخطأ الشخصي انصرف الاهتمام إلى تحديد وسائل إثبات الخطأ وإقامة الصلة السببية بين الخطأ والضرر.
ويمكن تعريف الخطأ بأنه الفعل القصدي أو غير القصدي الذي يسبب ضررا غير مشروع للغير مرتبا على من صدر عنه موجب التعويض إذا كان مميزا فالسبب بالضرر غير المشروع هو الخطأ بذاته فيكون الفعل قصديا عندما يعمد من صدر عنه إلى إحداث ضررا للغير وهذا يتطلب إرادة إحداث الضرر كمن يعتدي على ملك الغير أو على جسده أو سلامته فقد أراد الفاعل النتيجة الضارة من وراء فعله وعمل على تحقيقها. وهذا العمل يمكن أن يحصل بفعل إيجابي أو بفعل سلبي بأن يمتنع عن القيام بموجب مفروض عليه قانونا أو اتفاقا (مسؤولية عقدية) بغية إحداث الضرر لدى الغير ودون وجه حق أي دون مبررا شرعي يجيزه القانون.
وتقوم المسؤولية التقصيرية أيضا على خطأ قد أحدث ضررا غير مشروع للغير وهذا الضرر لا يستوجب التعويض، وقد حصل نقاش حول مفهوم هذا الضرر وقد جاء في النص الفرنسي في المادتين 121-122 أنه الضرر غير المحقق فالضرر غير المشروع وغير المحقق هو الذي لا سند في القانون فيكون نتيجة تعدي على حقوق الغير.
3) الصلة السببية: كي يلزم من صدر عنه حق بالتعويض عن الأضرار التي أحدثها للغير يجب أن تكون هذه الأضرار سببيا بخطئه، وجوب توفر هذه الصلة لها مبرر قانوني بأن يسأل الإنسان عن الأضرار التي يحدثها للغير وله مبرر إنساني بأن لا يسأل الإنسان إلا عن تلك الأضرار دون سواها والتي يمكن أن تحدث بمعرض فعله الخاطئ وبصورة لاحقة دون أن تكون نتيجة مباشرة له.
فيكون الفعل الخاطئ في هذه الحالة مجرد طرف من بين الظروف التي تتواجد أحيانا بمحض الصدفة.
فإقامة المسؤولية المدنية إذا كانت ترمي أصلا إلى التعويض عن الضرر إلا أنه يجب أن تكون متوافقة مع روح التشريع الذي يأتي أن يتحمل غير المذنب نتائج عمل لمن يصدر عنه أو حدث نتيجة الأسباب مستقلة عن فعله فالاهتمام بالتعويض عن المتضرر وإن كان اهتماما مشروعا إلا أنه يجب أن لا يتجاوز حدود العدالة ومفهوم الرجل العادل للمسؤولية فلا توسع حلقة السببية كي تستوعب ضمنها أفعالا بعيدة عن المجرى الطبيعي للأمور لا لسبب إلا التأمين موجب التعويض على المتضرر والملاحظ أن طرح الصلة السببية كركن ثالث للمسؤولية التقصيرية يتصل بصورة لازمة بموضوع الضرر المباشر وغير المباشر، وبرزت في الفقه المدني نظريتان مختلفتان الأولى عرفت بنظرية تعادل الأسباب والثانية بنظرية السبب الملائم وقد تفرعت عنها نظرية السبب المباشر بنظرية السبب المنتج .
يقتضي الملاحظة أن مسألة السببية هي ذاتها من حيث مفهومها ومضمونها فالغاية القصوى في إقامة الصلة المادية بين فعل معين والنتائج الحاصلة من جرائه إما بسببه مباشرة وإما نتيجة تضافر أسباب أخرى سابقة.
نظرية تعادل الأسباب: إن هذه الأسباب تتعادل في إحداث النتيجة النهائية التي يسأل عنها الفاعل الأصلي لأنه فعله كان سببا لها أو أنها حصلت بسببه ولم يكن لها أن تحدث لولا الفعل الأصل ومن الأمثلة: لولا استعمال الشخص للنار بقرب من سياج البستان لما شب الحريق وقضى على سكان المنزل المجاور ولولا التهديد بالمسدس لما حصل الخوف المسبب للوفاة.
إن هذه الأسباب تستوي كلها في إحداثها أسباب أخرى في إحداثها ولا مجال للتمييز بين سبب وآخر لتعادلها في إحداث النتيجة.
نظرية السبب الملائم: حسب هذه النظرية السبب الملائم فيه لا يسأل الإنسان إلا عن النتائج التي تحصل عادة عن الفعل الذي أقدم عليه وبالتالي ينظر إلى النتيجة من منظار السبب الذي أحدثها مباشرة.
فيسأل من تسبب بها من دون سواها من النتائج التي حصلت بسبب عوامل أخرى تضافرت في حصولها، فيسأل كل فاعل على نتائج فعله التي وقعت دون سائر النتائج اللاحقة والقادرة بحد ذاتها على إحداثها.
وتتفرع عن هذه النظرية نظرية السبب المباشر ونظرية السبب المنتج واللتان ترتكزان على مساءلة من كان فعله منتجا بصورة مباشرة للنتيجة النهائية موضوع الملاحقة الجزائية وتشترك هاتان النظريتان في إقامة المسؤولية المدنية أيضا على عاتق من تسبب بالضرر للغير فيما إذا كان فعله هو المنتج بصورة مباشرة للضرر المشكو منه والمطلوب التعويض عنه.
كما ظهرت نظريات أخرى هي نظرية السبب الأقرب من النتيجة النهائية لتقييم المسؤولية على عاتق من كان مصدر هذا السبب إلا أن هذه النظرية لم تلقى تجاوبا في الفقه بل استبعدها الحاكم باعتبارها تقلص رابطة السببية فتضعها ضمن حلقة ضيقة.
المبحث الثاني: موانع المسؤولية التقصيرية.
المطلب الأول: انتقاء صفة الخطأ عن الفعل الضار.
إذا أحدث الفعل الضار ضررا للغير ضمن حدود النية واعتبر الضرر مشروعا أي نتيجة طبيعية لممارسة هذا الحق فلا يترتب موجب التعويض عنه على عاتق الفاعل كما أن الفعل ذاته يمكن أن لا يتصف بصفة الخطأ بالنظر إلى طبيعته فيشكل تصرفا عاديا، فلا مسؤولية على من صدر عنه.
مثال: كوضع الدخان الذي تنفثه مداخن المنازل والمصانع ضمن الحدود التي تجيزها أنظمة المحافظة على الصحة العامة فلاشك أن الدخان المنبعث من هذه المداخن أو حتى الغازات المنبعثة من محركات السيارات مضرة لصحة الإنسان لكن لا سبيل لمنع هذه الأضرار سوى بمنع ممارسة الحق ذاته.
مثال 2: إذا شيد المالك بناءا على أرضه ضمن حدود التراجع المفروض قانونا من حق جاره في النور والهواء أو النظر فإن في هذه الحالة يكون قد مارس حقا دون تجاوز فلا مسؤولية عليه لعدم ارتكابه خطأ بالرغم من الضرر الذي ألحقه بجاره ضمن حدود حسن النية في استعماله لحقه مما ينفي عنه نية الأضرار بالغير.


المطلب الثاني: القوة القاهرة.
فهي سبب مانع المسؤولية الوضعية الخاصة بالحيوان أو الجوامد (المادتان 129-131 م وع) أو كمانع للمسؤولية العقدية (المادة 342 م وع)، وتبرير ذلك أن المسؤولية التقصيرية تقوم إما نتيجة لفعل قصدي ضار وإما لنتيجة إهمال وقل إضرار ففي كلتا الحالتين لا محل للتضرع للقوة القاهرة المتمثلة بحدث مفاجئ غير متوقع وغير قابل للدفع فيكفي للمدعى عليه أن يدفع المسؤولية عنه إما بإثباته عدم ارتكابه الفعل القصدي أو عدم قيام الصلة السببية بين فعله والضرر الحاصل وإما بعدم ارتكابه إهمالا. ويختلف الأمر في المسؤولية الوضعية بأن قيام هذه المسؤولية لا يتطلب توفر الخطأ وبالتالي لا تزول بنفيه بل بإثبات القوة القاهرة أو خطأ المتضرر وعلى المدعى عليه إثبات ذلك ولا تختلف بمواصفات القوة القاهرة عن تلك التي صار بيانها في معرض لإعفاء من المسؤولية العقدية فنحيل عليها استكمالا لمواصفاتها. وفي حالة تسبب القوة القاهرة بإحداث الضرر بكامله فلا مسؤولية على المدعى عليه لعدم قيام الصلة السببية بين ما ينسب إليه والضرر الحاصل.
المطلب الثالث: خطأ المتضرر.
يعتبر مانعا من المسؤولية المدنية كونه أحد الأسباب الرئيسية التي يتضرع بها المدعى عليه في دعوى المسؤولية يدفعها عنه أو على الأقل جعل المتضرر يتحمل جزءا من التعويض في حال ارتكب خطأ شارك في حدوث الضرر المشكو منه.
ويعتبر كسبب معف من المسؤولية التقصيرية حسب نص المادة 135 م وع ويستنتج منه الإعفاء التام من المسؤولية التقصيرية عند إقدام المتضرر على ارتكاب خطأ كان السبب الوحيد لحصول الضرر كما نصت المادة 129 م وع أن المسؤولية لا ترفع عن حارس الحيوان إلا إذا أثبت القوة القاهرة أو خطأ المتضرر فالمبدأ المكرس قانونا سواء في مجال المسؤولية التقصيرية أم الوضعية هو أن خطا المتضرر إذا كان السبب الوحيد لحدوث الضرر فمن شأنه أن يحجب مسؤولية أي شخص آخر فيتحمل المخطئ نتائج خطئه ولا مجال لإلقاء المسؤولية على عاتق آخر.
وللخطأ المتضرر مواصفات معينة لهذا الخطأ فيكون خاضعا للمبادئ العامة التي ترعاه أي أن يحصل هذا الخطأ إما قصدا وإما نتيجة لإهمال دون أن يتصف مثلا: بصفة الخطأ غير المتوقع وغير قابل للدفع وهما صفتان ملازمتان للحدث أو الفعل الذي يشكل قوة قاهرة وهناك خلاف قائم بين مواصفات خطا المتضرر، وهل يجب أن يتصف بعدم التوقع وعدم إمكانية دفعه وهي مواصفات القوة القاهرة لأنه يأخذ بأي خطأ ارتكبه المتضرر كمانع للمسؤولية.
وعند ملاحظة القضايا التي عرضت على المحاكم لوجدنا أن خطأ المتضرر يتصف إجمالا بصفة القوة القاهرة المعفية كليا أو جزئيا من المسؤولية بالنظر لعدم توقعه وعدم إمكانية دفعه ومن أمثلة على ذلك:
قيادة الضحية لدراجة ليلا دون إضاءة مما تسبب في حادث صدم مع سيارة فتشكل القوة القاهرة بالنسبة للصادم وكان هذا الخطأ السبب المباشر.
كذلك قفز ولد في الخامسة من عمره إلى الطريق وارتداده المفاجئ، كذلك إقدام رجل في حالة سكر على النوم على الطريق العام مما تسبب بصدمه من قبل سائق سيارة لم يتمكن من تميزه.


الفصل الثالث: المسؤولية عن فعل الغير.
المبحث الأول: مسؤولية المتبوع عن تابعه.
المطلب الأول: في القانون المدني الجزائري.
تعتبر مسؤولية المتبوع عن تابعه أشد أنواع المسؤولية، إذ بينما المسؤول مسؤولية شخصية يفترض انه غير مخطئ حتى يثبت المضرور خطأ ضده، وبينما المسؤول عن حراسة الحيوان أو عن حراسة الأشياء غير الحية يستطيع. كما سوف نرى أن يتخلص من مسؤوليته بنفي علاقة السببية، والمسؤول عن تهدم البناء يستطيع كذلك أن ينفي عن نفسه المسؤولية بنفي علاقة السببية فإن مسؤولية المتبوع عن تابعه غير قابلة للنفي بتاتا سواء في القانون المدني الجزائري أو في أغلب القوانين العربية الأخرى أو في القانون الفرنسي والقوانين التي حدت حذوه، فليس للمتبوع أن يتخلص من مسؤوليته، لا ينفي الخطأ عن نفسه ولا ينفي علاقة السببية بين خطئه وبين الضرر الذي يسببه التابع.
وقد نصت المادة 136 ق م ج على هذه المسؤولية بقولها: "يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو سببها".
"وتقوم علاقة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه حتى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه".
ومن هذا هناك أمثلة دالة عن هذه المسؤولية عن فعل الغير وكذا مسؤولية المتبوع عن تابعه ومنها.
• الجندي في الجيش يعتبر تابعا لوزارة الدفاع.
• بواب العمارة le concierge لا يعتبر تابعا لسكان العمارة ولو كان يتقاضى منهم أجرا مقابل خدمات صغيرة، ولكنه تابع لمالك العمارة بحيث يسأل عن الأضرار التي يحدثها للسكان أو للغير، ويسأل عن السرقات التي تقع على السكان بإهمال من البواب.
المطلب الثاني: شروط مسؤولية التابع عن تابعه.
الشرط الأول:
أن يصيب التابع الغير بضرر: إذا كان التابع قد ارتكب الفعل الضار بواسطة شيء يستعمله لحساب المتبوع، فإن للمضرور أن يرجع على التابع دون أن يكون بحاجة إلى إثبات خطأ منه إذ تعتبر مسؤوليته مفترضة هنا، ويعتبر المتبوع هو الحارس الأصلي للشيء، ويكون للمضرور أن يرجع عليه إما كحارس أصلي وإما كمتبوع، ولكن تقتضي مصلحته أن يرجع على المتبوع كمتبوع لا كحارس حتى لا يستطيع أن يتخلص من مسؤوليته.
وقد تنتقل حراسة الشيء إلى التابع فيكون هو حارسه الأصلي، كما إذا استولى على سيارة متبوعة دون علمه واستعملها لأغراضه الخاصة، أو كانت له سيارة خاصة يؤدي بها وظيفته كتابع، فيكون حينئذ هو الحارس الأصلي للشيء بما أن له عليه سلطة الرقابة والاستعمال والتسيير، فإذا ارتكب حادثا ضار بهذه السيارة فإنه يكون هو المسؤول عن التعويض عنه.
الشرط الثاني:
مسؤولية المتبوع: هو أن يتركب التابع الفعل الضار حال تأدية وظيفته أو بسببها. لذا نعتقد أن الطريق السوي هو ما ورد في النصوص القانونية فلا يسأل المتبوع إلا إذا كان التابع قد ارتكب الفعل الضار حال تأدية وظيفته فعلا وأن تكون الوظيفة هي السبب الرئيسي لارتكابه بحيث لولاها ما استطاع أن يرتكبه ومسؤولية المتبوع تبعية لمسؤولية التابع ومفترضة لمصلحة المضرور وحده ويكون لهذا الأخير أن يرجع على المتبوع مباشرة إذا أثبت مسؤولية التابع، كما يمكن أن يطالبهما معا بالتضامن بينهما وإذا رجع على التابع وحده فلهذا الأخير أن يتخلص من مسؤوليته إذا استطاع أن ينفي الخطأ وعلاقة السببية بين فعله الشخصي وضرر المضرور.
المطلب الثالث: تقدير المسؤوليتين (التابع والمتبوع).
يعتبران ظرفا مشددا لأن المتبوع يعتبر سيدا على المتبوع وهو الذي يختار أتباعه ويصدر إليهم الأوامر، ففي القانون الفرنسي أساس هذه المسؤولية هو فكرة الخطأ في الاختيار أو الرقابة. وقد تأثر الفقه الفرنسي القديم بنظام الرق ونظام الطبقات، طبقة النبلاء، طبقة الخدم والعبيد وكانت للطبقات الكادحة دور كبير في قيامها وبرزت روح العداء بين هذه الطبقات لذا تم تقنين القانون الفرنسي، ففي الفقرة 05 من المادة 1384 تتكلم على السادة إلى جانب المتبوعين وعن الخدم إلى جانب التابعين ورأى تقنين نابليون أن يشدد من مسؤولية هؤلاء وأصبحت هذه المسؤولية لا تلائم عصرنا الحالي بسبب تمتع الإنسان شخصية قانونية مستقلة ولهذا شددت مسؤولية المتبوع عن تابعه لذا يجب تعديل أحكام مسؤولية المتبوع عن تابعه بحيث تقتصر على الأشخاص الاعتبارية سواء كانت الدولة أو الهيآت المحلية أو المشاريع التجارية الكبرى فتكون مسؤولة عن أعمال مستخدميها مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه على أن تلغى مسؤولية الأفراد عن غيرهم كمتبوعين وتابعين.





المبحث الثاني: المسؤولية عن الأشياء الغير حية.
المطلب الأول: ماهية المسؤولية عن الأشياء غير الحية.
لقد أصبحت هذه المسؤولية اليوم مستقلة تمام عن المسؤولية عن الأفعال الشخصية، لا تقوم على فكرة الخطأ بل تفترض بمجرد إحداث شيء غير حي ضررا لذا يجب أن نبحث عن عناصرها وسوف نجد أنها تطورت هي الأخرى على يد القضاء الفرنسي والذي تبعه القانون المدني الجزائري في نهاية مراحله ومن عناصره نذكر:
عناصرها:
تنص المادة 138/01 على هذه العناصر: "كل من تولى حراسة شيء وكانت عليه سلطة الاستعمال والتسيير والرقابة يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء". من هذا النص نستظهر عناصر هذه المسؤولية والمتمثلة في:
1. الشيء: والمقصود به هذا النص هو كل شيء غير حي فيما عدى البناء الذي يتهدم وإذن فيخرج من نطاق الشيء هنا، بالإضافة إلى الحيوان فما عدى هذين الشيئين يصدق الشيء على كل شيء منقولا أو عقارا صغيرا أو كبيرا جامدا أو سائلا، وقد انتقد الفقه الفرنسي هذا القضاء بانتقادين:
الأول: هو أن نص الفقرة الأولى المادة 1384 ورد عاما حين نص على "الأشياء" تشمل العقار والمنقول على السواء.
الثاني: هو أن القضاء طبق حكم المادة 1385 الخاص بالحيوان بأنواعه.
كما تطور القضاء الفرنسي بصدد طبيعة الشيء المادية والصفات التي يجب أن تتوفر فيه يحدث ضررا بنص المادة 1384 ومطالبة المضرور بإثبات العيب والرجوع إلى فكرة إثبات خطأ المسؤول، وقد انتقد هذا الاتجاه بضرورة إثبات العيب بانتقادين:
الأول: هو أن نص المادة السابقة الذكر جاء عاما مطلقا ولم يميز بين الأشياء المعيبة والأشياء غير المعيبة.
الثاني: هو مطالبة المضرور بإثبات عيب في الشيء الذي تسبب في ضرره إرهاقا شديدا له لاسيما إذا كان العيب فنيا يحتاج إلى اكتشافه فحص خبير ويكون مقتضى تكليف المضرور عن العبء بإثبات الخطأ عن المضرور لذا طلب القضاء الفرنسي بإثبات عيب في الشيء الذي سبب الضرر.
2. حراسة الشيء: وهو أن يكون الشيء الذي سبب ضرر في حراسة شخص لن المسؤولية تكون منوطة بحراسة الشيء لا بالشيء نفسه والغالب أن يكون الحارس هو مالك الشيء وقد تطورت هي الأخرى، أما إذا لم تكن الأشياء مملوكة لأحد فإنها لا تكون في حراسة أحد وبالتالي فإذا سببت ضررا فلا يسأل عنه أحد بالأشجار مثلا: غير مملوكة لأحد وأكوام الرمال في الصحراء ومياه الأمطار إذا سببت ضررا لا يسأل عن ضررها أحد الذي سوف نتطرق لمعنى الحراسة حسب محكمة النقض الفرنسية في 13-02-1930 اقتصر حكمها على ربط المسؤولية بالحراسة دون أن يبين المراد بها وقد اختلف في تحديد معناها ففي بادئ الأمر يقصد بها حراسة قانونية فلا تعتبر حارسا لشيء إلا من كان له عليه حق يحميه القانون سواء حق عيني أو حق شخصي وقد استند هذا الرأي لنص المادتين 1385-1386 اللتين تتكلمان عن مالك الحيوان وعن مالك البناء ويعتبر المالك هنا هو الحارس حتى يثبت أنه نقل الحق إلى شخص آخر لمستأجر أو لمستعير أو المرتهن حيازيا ولا عبرة بالحيازة المادية للشيء لأنها لا تستند إلى حق، فمالك الحيوان مسؤول عن ما يحدثه الحيوان من ضرر ولوقوع الحادث الضار منه في الوقت الذي ظل فيه الحيوان أو هرب، أي حتى ولو لم تكن للمالك أي سيطرة على الحيوان حين يحدث ضررا، ولفكرة الحراسة القانونية بعض المزايا:
فهي توفر للمضرور ضمان الحصول على التعويض من مالك الشيء إذ هو معروف له ويكون في الغالب موسرا أو مؤمنا لدى شركات التأمين عن ما يحدث الشيء من ضرر للغير وإذا أحدث الشيء ضررا بعد أن سرق ولم يعرف المضرور السارق، ضمن المضرور الحصول على التعويض من المال دون أن يتحمل عبء البحث عن من أحدث الضرر. أما الحراسة المادية هي مجرد حيازة للشيء تتيح للحائز السيطرة عليه سيطرة فعلية ولو لم تستند لحق يحميه القانون وبالتالي يكون سارق السيارة وله عليها مثل هذه السيطرة وهو المسؤول عن ما يحدث بها من أضرار وليس مالكها هو المسؤول.
والأصل أن يكون مالك الشيء هو الذي يتمتع بكل هذه السلطات وأنه هو المسؤول عن ما يحدثه من ضرر ولكن هذه قرينة بسيطة يجوز للمالك أن ينفيها بأنه يثبت أنه نقل حراسة الشيء إلى شيء آخر وللمضرور أن يرفع الدعوة عن ما يصيبه من ضرر بفعل شيء ضد مالك هذا الشيء ويعتبر المالك هو المسؤول عن هذا الضرر حتى يثبت أن حراسة الشيء كانت قد انتقلت قبل وقوع الحادث إلى شخص آخر.
المطلب الثاني: المسؤولية عن الحريق وتهدم البناء في ق م ج.
1. المسؤولية عن تهدم البناء في ق م ج:
عرف القانون الروماني هذه المسؤولية وكان يقرر أنه إذا تهدم بناء وسبب ضررا للغير فلمن أصابه الضرر أن يستولي على أنقاض البناء على سبيل التعويض وهذا ما يسمى بنظام الترك العيني، وقد طورت هذه المسؤولية فجعلت للجار المهدد بتهدم بناء يجاوره الحق في أن يطالب مالك البناء المهدد بالسقوط بتقديم كفالة تضمن له الحصول على التعويض إذا تهدم البناء أو أحدث له ضررا.وإذا رفض مالك البناء المهدد بالسقوط تقديم هذه الكفالة كان للجار المهدد الحق في أن يستولي على البناء الذي يهدده وأن يقوم هو بنفسه بإجراء الإصلاحات اللازمة له حتى يزيد خطر تهدمه على أن تكون نفقات هذه الإصلاحات على حساب المالك. وقد انتقلت أحكام هذه المسؤولية من القانون الروماني إلى القانون الفرنسي القديم ولكن هذا القانون لم يأخذ بفكرة الترك العيني ولا بفكرة الاستيلاء على البناء، بل جعل الجار المهدد بتهدم بنا ء مجاور له الحق في توجيه إنذار إلى مالك البناء المهدد أو رفع دعوة أمام القضاء يطالبه بالقيام بإصلاح البناء فإذا لم يقم بإصلاحه كان للجار المهدد أن يطلب إذنا من القضاء يسمح له بالقيام بإجراء الإصلاح اللازم بناءا على تقرير يضعه الخبراء على أن تكون نفقات الإصلاح على عاتق مالك البناء أو أن يؤذن له بهدم البناء المهدد بالتهدم، أما إذا تهدم البناء قبل اتخاذ هذه الإجراءات الوقائية فقد كان على مالكه إما أن يدفع تعويضا نقديا للجار الذي أصيب بضرر من جراء التهدم وإما أن يترك له أنقاض البناء الذي تهدم.
غير أن القانون الفرنسي القديم لم يتناول حكم إجراءات الرقابة التي كانت معروفة في القانون الروماني، وقد نقل القانون المدني الجزائري نفس الحكم في المادة 140/02 ولكنه حذا حذو القانون المدني الفرنسي في جعل مالك البناء دون الحارس هو المسؤول، فنصت هذه الفقرة على ما يلي: "مالك البناء مسؤول عن ما يحدثه البناء من ضرر ولو كان انهداما جزئيا، ما لا يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة أو قدما في البناء أو عيب فيه".
ومن هذا النص نستخرج المقصود بالبناء، وبالتهدم ومن هو المسؤول وما مدى مسؤوليته وكيف يتخلص منها.
أ‌. المقصود بالبناء: يراد به هنا كل مجموعة من المواد سواء من الحجارة أو من الخشب أو من الحديد أو من الطين شيدتها يد الإنسان فوق الأرض أو في باطنها واتصلت بالأرض اتصال قرار ويستوي أن يكون البناء قد شيد بقصد سكنى للإنسان أو بقصد إيواء الحيوان أو تربية الدواجن أو كمخزن للحبوب، كما يستوي أن يكون لغير هذا القصد كالجدران والسدود، الأنفاق، وأنابيب المجاري والمياه والغاز.



المطلب الثالث: الأساس القانوني المسؤولية عن فعل الشيء.
تقوم هذه المسؤولية على قرينة خطأ في الحراسة وهذا من منطلقات مختلفة. فالمنطلق الأول مبني على تفسير المادة 131 م وع وما نصت عليه ومآله أن التبعة قائمة: "ولا يكفي أن يثبت الحراس أنه لم يرتكب خطأ". يعني ذلك أن الفعل الضار هو الخطأ بذاته فلا مجال لإثبات عكس ذلك فلو كان الحراس مسيطرا على الشيء ومراقبا له لما أتيح له إحداث الضرر للغير فالفعل الضار هو الخطأ بالذات. هذا التفسير يؤيد الفكرة القائلة بأن المشرع بمنعه إثبات عدم ارتكاب خطأ إنما كان متوافقا مع الواقع. وكي لا يلزم المتضرر بإثبات الخطأ ولا يتاح للحارس إثبات عدم الخطأ كانت القرينة القانونية على الخطأ غير قابلة للفحص بحكم القانون .
أما المنطلق الثاني يبنى على فعل الحراسة ذاته فالحارس يعتبر مسؤولا عن الأضرار التي تحدثها الأشياء الموجودة تحت حراسته لأنه يستعملها ويراقبها فإذا حدث ضرر للغير من جراء فعل الشيء فهذا يعني أن هنالك خطأ إما في استعماله وإما في رقابته لأنه لو أحسن الحارس الاستعمال أو الرقابة لحال دون إحداث الشيء للضرر فالإنسان ملتزم بعدم الإضرار بالغير فيكون قد أخل بهذا الموجب مما يشكل خطأ إلى جانبه ولا يسمح له القانون بإثبات عدم ارتكابه خطأ لأن قرينة الخطأ شاءها المشرع كذلك ولا مجال للاعتراض على مشيئته لأنه يضع النظام القانوني الذي يراه مناسبا لحكم أوضاع معينة آخذا بالاعتبار الأوضاع الإنسانية والاجتماعية فهنا لاشك في أن المشرع بتنظيمه حكم المسؤولية المدنية رمى إلى تعزيز موقع المتضرر اتجاه محدث الضرر بأن مهد له أمامه سبل الاحتكام إلى القضاء والوصول إلى تعويض لأضراره بأسهل السبل لأن المهم وصول المتضرر إلى تعويضه باستناد لسبب قانوني مقبول عدالة وإنصافا.
لاشك في أن المسؤولية عن فعل الشيء التي نصت عليها المادة 131 م وع هي مسؤولية وضعية لا تتطلب من المتضرر إثبات خطأ ارتكبه الحارس حتى تقوم مسؤوليته وعليه إذا أراد التحرر منها إثبات كون القوة القاهرة أو خطأ الضحية هو سبب حصول الضرر.
والمسألة القانونية التي يمكن أن تثار بصورة أولية هي مسألة تحديد الحارس ويعود القاضي الأساس لبحث في كل قضية حول توافر هذه المواصفات لدى المدعي عليه وما إذا كانت الحراسة انتقلت إلى شخص آخر. فالحراسة وإن كانت مبدئيا ملازمة لصفة المالك بالنظر لاستعماله للشيء أو سلطته عليه أو رقابته إلا أنه من الممكن انتقالها لشخص آخر إما بموجب عمل قانوني كعقد البيع أو الإيجار. وإما لعمل غير مشروع كالسرقة. ولا يجد القاضي نفعا البحث فيما إذا كان سبب الضرر خطأ ارتكبه الحارس طالما أنه في كل حال لا يمكن تحريره من المسؤولية فيما لو ثبت عدم ارتكابه خطأ لأن القانون منع عنه مثل هذا الإثبات.
المبحث الثالث: دعوى المسؤولية المدنية.
المطلب الأول: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني.
ترمي دعوى المسؤولية المدنية إلى حصول المتضرر على التعويض الذي يمكنه من إعادة الحال إلى ما كانت عليه من قبل أن يحل به الضرر وذلك بطلب الحكم له بالتعويض العيني أو التعويض البدلي غالبا ما يكون بالنقود.
إن أطراف الدعوة المدنية أمام القضاء المدني هم المدعي والمدعي عليه والمسؤول بالمال أو الضامن في حال وجودها.
تقدم الدعوة المدنية وفقا للأصول العادية التي نص عليها قانون أصول المحاكمات المدنية، ولا تمثل النيابة العامة في الدعوة وإن كان لها حق الإدعاء مباشرة في القضايا المتعلقة بالنظام العام عند حدوث وقائع أو أفعال من شأنها المساس به وسوف نتناول مواضيع هذه الدعوة.
المدعي: يحق كل من يدعي حقا بالتعويض تقديم دعوى المسؤولية المدنية أمام المحكمة الصالحة وهي إجمالا المحكمة التي يقع ضمن إطارها مقام المدعي عليه (المادة 97 أصول مدنية) إلا أنه في دعاوي المسؤولية العقدية يمكن إقامة الدعوة أما المحكمة التي أبرم فيها العقد.
أما في دعوى المسؤولية المدنية الناشئة عن جرم أو شبه جرم مدني فيكون الاختصاص للمحكمة التي يقيم المدعي عليه ضمن دائرتها أو تلك التي وقع ضمنها الفعل الضار أو الضرر الموجب للتعويض المادة 102 أصول مدنية واجب أن تتوفر في المدعي الصفة والمصلحة كشرط لسماع الدعوة ويجب أن تكون له مصلحة مشروعة وقانونية ويعود للمحكمة التحقيق منها ومن الصفة للمداعاة أي في مرحلة من مراحل الدعوة.
ويجب أن تتوفر فيه الأهلية للتقاضي للتأكد من أنه غير فاقد للأهلية أو أنها ناقصة لديه المادة 13 أصول مدنية. وفي حال أقيمت الدعوة على أحد فاقدي الأهلية أو ناقيصيها يجب تعيين ممثلا خاصا له يقوم مقام ممثله القانوني في حالة غياب هذا الأخير.
أما إذا كان للمدعي شخصا معنويا فإن تمثيله في المحاكمة يتم بواسطة أحد ممثليه القانونيين وهو إجمالا في الشركات رئيس مجلس الإدارة، المدير العام وفي الهيآت المعنوية الأخرى رئيسها وللشخص المعنوي لحقوق ذاتها العائدة للشخص الطبيعي، فكما يحق لهذا الأخير طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بسمعته ومكانته الاجتماعية بحق للشخص المعنوي التذرع بنفس الأضرار للتعويض عنها فالشخص المعنوي ذمة منفصلة عن ذمة الأشخاص الذين يتألف منهم وبالتالي له حقوق مستقلة عنه كما عليه التزامات ملزم بإيفائها .
يجب أن تكون للمدعي أيضا المصلحة المشروعة وعدم جواز سماع دعوة من يتضرع بخطئه تحقيقا لمصلحة لا يحميها القانون ونعتبر أن الصفة تتوفر لدى من له مصلحة مشروعة فيطلب من القضاء حمايتها.
ويمكن لذووا الضحية مطالبة المتسبب في الضرر الذي أصاب الضحية الذي تربطهم روابط شرعية أو صلة رحم بالتعويض وكان النص الفرنسي في المادة 134 ذكر صلة المصاهرة على أن ينظر القاضي إلى شأن المحبة إذا كان هناك ما يبررها، كما ينظر القاضي إلى الضرر غير المباشر الذي يصيب الأشخاص من جراء فعل غير مباح أقدم عليه شخص آخر أو من جراء عدم تنفيذ عقد فيتأكد من الصلة السببية بين الفعل الضار والضرر المشكو منه وما إذا كان ضمن التسلسل الطبيعي للأمور فيتأكد من ما إذا كان الضرر متوقعا أو بإمكان توقعه عند إبرامه المادة 262 م وع ما خلى خداع المدين.
بما أن الحق بالتعويض الناتج عن ضرر يحق بالمدعي ينشأ تاريخ وقوع الفعل الضار فيصبح جزءا من ذمته المالية أي موجب إيجابيا فإنه ينتقل إلى ورثته بعد وفاته فيما إذا قبلوا بالتركة .هذا يمر بالتعويض يختلف عن حق الورثة بالتعويض عليهم عن الأضرار التي لحقت بهم مباشرة من الفعل الضار والذي يمكنهم المداعاة به بصورة مستقلة عن الحق بالتعويض الذي آل إليهم إرثا بجزء من ذمة مورثهم المالية.
ويحق للدائنين في مال استنكف مدينهم عن المداعاة بحقه بالتعويض أن يدعوا عوضا عنه، ولكن فقط عن الأضرار المادية دون المعنوية لأنها تتعلق بشخص الإنسان ولا يمكن الحلول محله بشأنها. وكي تسمع هذه الدعوى يجب أن تتوافر شروط الدعوى غير المباشرة بأن يكون الدين مستحق الأداء.
فقد نصت م 276 من قانون الموجبات والعقود على أنه "يحق للدائنين أن يستعملوا باسم مدينوهم جميع الحقوق، وأن يقيموا جميع الدعاوي المتعلقة به، ما خلا الحقوق والدعاوي المتعلقة بشخصه دون سواء".
المدعي عليه:
لا توجد صعوبة في تحديد شخص المدعي عليه فهو غما مسبب الضرر مباشرة نتيجة لجرم أو شبه جرم مدني ارتكبه، فتكون مسؤوليته تقصيرية مبنية على الخطأ، وإما المسؤول عن مسبب الضرر بصفته وليا أو وصيا على القاص أو صاحب مرنة بصفته مسؤولا عن المتدربين لديه أو متبوعا بصفته مسؤولا عن تابعيه أو معلما مسؤولا عن تلاميذه أو حارسا للشيء أو الحيوان أو مالك لبناء المتهدم.
والمدعي عليه عديم الأهلية وضع له المشرع نظاما خاصا بمسؤوليته، فجعل موجب التعويض على عاتق ما هو مسؤولا عنه، وفي حال عدم وجوده أو عدم ملائمته تقام الدعوى عليه شخصيا على أن تأخذ بعين الاعتبار أوضاع كل منهما والمتضرر فيحدد التعويض بصورة عادلة حسب ما جاء في م 139 م وع.
ويمكن للمدعي عليه أن يكون شخصا معنويا يحق له الإدعاء حفاظا على حقوقه وطالبا للتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء الفعل الضار، كذلك يحق للمتضرر عن أفعال هذا الشخص إقامة الدعوى عليه بالتعويض وإن تمت الأفعال الضارة بواسطة أشخاص طبيعيين يمثلونه وذلك بالنظر لاستقلال ذمته المالية عن ذمتهم.
وحال تعدد مسببوا الضرر فإنهم ملزمون بالتضامن فيما بينهم على ما جاء في م 137 م وع والتي تنص على (إذا نشأ الضرر عن عدة أشخاص فالتضامن السلبي يكون موجودا بينهم:
1. إذا كان هناك اشتراك في العمل.
2. إذا كان من المستحيل تعيين نسبة ما أحدثه كل شخص من ذلك الضرر).
فيمكن تصور حصول اشتراك في الفعل الخاطئ دون تحديد نسبة الخطأ الذي ارتكبه كل من الشركاء أو يمكن حصول اشتراك في إحداث الضرر بفعل أخطاء منفردة صادرة عن عدة أشخاص دون إمكانية تحديد نسبة معينة على كل منهم، حصل التوزيع بالمساواة فيما بينهم وفي كل حال يعود القاضي تحديد هذه النسب. أما إذا تعذر عليه ذلك وزع عبء التعويض بينهم بالتساوي.
التعويض: إن الغاية من التعويض هي تمكين المتضرر من إعادة الحال إلى ما كانت عليه من خلال إصلاح ما أفسده الفعل الضار أو التعويض عن الخسارة الحاصلة والربح الفائت فإن تحديد قيمته يجب أن يتم بصورة تحقق هذه الغاية ويقتضي التمييز بين وضعين هما:
الأول يتعلق بمبادرة المتضرر إلى إصلاح الضرر الحاصل دون انتظار نتيجة الدعوة المسؤولية والثاني يتعلق بانتظار المتضرر الحكم في الدعوة ليبادر في إجراء الإصلاح أو الاستبدال ففي الأول يكون غالبا عند وجود ضرر مداهم فإذا أبقي على الحالة التي نتجت عن الضرر الحاصل تتسرب الماء إلى شقة المتضرر أو حدوث شقوق في البناء أو أعطال في السيارة المصابة فالمتضرر بحاجة لإصلاح الشيء يتم ذلك إما بمبادرة فردية منه أو بعد دعوة حسب الضرر لتحمل النفقات فإذا استجاب للطلب حلت المشكلة أما إذا لم يستجب فلابد للمتضرر من إقامة دعوى المسؤولية عليه فإذا طال الوقت وحصل تدهور في قيمة النقد وارتفعت الأسعار أو انخفضت فما هو المبلغ الذي سيحكم به هل ما دفعه المتضرر فعليا عند إصلاحه للشيء المتضرر أو استبداله فيبدو هنا الحل غير عادل لأن من حق المتضرر أن يعاد إلى ذمته المالية مبلغ من النقود معادل للقوة الشرائية الذي صرفه في إصلاح الضرر. أما الحالة الثانية هي تمكين المتضرر من إصلاح الضرر بعد صدور الحكم آخذا بالاعتبار الغاية منه مع العلم أنه من حق المتضرر الانتظار للقيام بالإصلاحات ويعود للقاضي تحديد التعويض بصورة عادلة.
ويمكن في غالب الأحيان أن المدعي عليه يدخل الضامن في دعوة المسؤولية المدنية إما الاستماع للحكم وإما لإلزامه بالتعويض الذي سيحكم به عليه، كما أن الضامن تدخل في الدعوة بغية الدفاع عن المضمون أو الانضمام إلى دفاعه باعتبار أن نتائج الدعوة سترتد عليه في النهاية لأنه ملتزم بضمان الأضرار التي يحدثها المضمون للغير والمادة 38 من أصول المحاكمات المدنية رأت إمكانية الضامن للدعوة.
ويمكن الإعفاء من المسؤولية عن الأضرار التي يحدثها للغير وسوف نقسمها إلى قسمين الأولى تخص المسؤولية العقدية والثانية تخص المسؤولية الجرمية أو شبه الجرمية.
ففي المسؤولية الأولى لا مانع قانونا من إدراج بند ثاني في كليا أو جزئيا للمسؤولية العقدية إذا تخلف أحد طرفي العقد عن الإيفاء بالتزاماته كليا أو بعضها ولكن عمليا لا يمكن تصور مثل هذا البند إلا في العقود المجازفة أو تلك التي تتضمن عنصر المخاطرة بحيث لا تكون إمكانية تنفيذ العقد قابلة للتوقع بصورة جازمة أما في سائر العقود فإن إدراج بند لإعفاء من المسؤولية يشكل بالأحرى بندا تحكيميا بمصير العقد فيكون باطلا وفقا للمادة 84 م وع كالبند الذي يضعه البائع لنفي مسؤوليته إذا لم يسلم البضاعة المباعة للشاري ومشروعية البند النافي للمسؤولية تستنتج من نص المادة 267 م وع التي اعتبرت أن البند الجزائي معمول به وإن كان موازيا في الواقع البند ناف للمسؤولية باستثناء حالة الخداع التي يرتكبها المدين أما بالنسبة للمسؤولية الجرمية أو شبه الجرمية فقد نصت المادة 138 م وع على أنه: "ما من أحد يستطيع أن يبرئ نفسه إبراءا كليا أو جزئيا من نتائج احتياله أو خطئه الفادح بوضعه بندا ينفي عنه التبعة أو يخفف من وطأتها وكل بند يدرج لهذا الفرض في أي عقد كان هو باطلا أصلا".
فالبند الذي ينفي التبعة عن مرتكب الاحتيال هو الخطأ الفادح بصورة مطلقة لأن ليس للإنسان أن ينفي عنه تبعة أعماله الغير المباحة التي يأتيها قصدا. فالاحتيال سواء في معناه المدني أو الجزائي فعل غير مباح يرتكب قصدا كما أن الفقه والاجتهاد يساوي الخطأ الفادح بالاحتيال لأنه خطأ لا يمكن أن يرتكبه إلا من قصده.
أما إذا حصل الضرر عن فعل غير قصدي فبإمكان محدث الضرر أن يضع بندا نافيا لتبعته ويكون هذا البند مشروعا على ما جاء في المادة 139 م وع ونصها: "أن البنود النافية للتبعة، وبنود المجازفة تكون صالحة معمولا بها على قدر برئها لذمة واضع البند من نتائج عمله أو خطئه غير المقصود ...".
المطلب الثاني: دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي.
يحق للمتضرر تقديم دعوى المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي شرط أن تكون مبنية على الجرم الجزائي موضوع الملاحقة باعتبار أنها منظمة إلى دعوة الحق العام.
بما أن للدعوة المسؤولية المدنية أمام القضاء الجزائي نظاما خاصا فقد رأينا دراستها بصورة متممة لدراسة المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني وغن شكلت عادة جزءا من دراسة قانون أصول المحاكمات الجزائية وتتناول هذه الدعوة العناصر التالية:
1. المدعي الشخصي: الإدعاء الشخصي في الدعوة الجزائية حق لكل متضرر من الجرم موضوع الملاحقة شرطا أن تقوم الصلة السببية بين الضرر المدعى به والجرم ويكفي أن يكون المدعي قد تضرر شخصيا من الجرم موضوع الملاحقة الجزائية حتى يحق له اتخاذ صفة المدعي الشخصي وإن لم يقع الجرم حتما على شخصه .
كالزوج الذي تصاب زوجته بعطل دائم بسبب جرم وقع عليها مما يسبب له الألم الدائم ويرتب عليه أعباء وواجبات إضافية نحو زوجته وأولاده، وكالوالد الذي يصاب ولده بشلل أو بعاهة أو بتشويه فيطلب التعويض عن الألم الذي يشعر به وعن الأعباء المالية التي ستترتب عليه من جراء الجرم كالمداواة المستمرة والنفقات.
ويشترط فيمن يتقدم بالدعوة أمام المحاكم الجزائية أن يكون ذا أهلية تسمع الدعوة من قاصر أو مجنون إلا بواسطة أو وصي إذ يترتب على الإدعاء واجبات تفترض لإدراك والإرادة والوعي لدى من يتقدم به والأهلية لممارسة الحقوق.
وإذا كان المدعي من المحجور عليهم أو من الذين رفعت يدهم من إدارة أموالهم كحالة المفلس فللقيم أو لوكيل التفلسة أن يتقدم بالإدعاء إلا أنه في حالة الإفلاس يحق للمفلس إقامة الدعوة شخصيا فيما إذا كان الجرم يمس بشخصه أو شرفه أو مكانته الأدبية أو الاجتماعية أو مصلحة معنوية أخرى.
لقد أجاز القانون للدائن أن يستعمل باسم مدينه جميع الحقوق وأن يقيم جميع الدعاوي المختصة به ما خلى الحقوق والدعاوي المتعلقة بشخصه دون سواه المادة 276 م وع وتقابلها 1122 قانون مدني فرنسي وبما أن الدعوة المدنية أمام القضاء الجزائي تخضع للأحكام العامة التي ترعى الحقوق المدنية ما عدى ما استثنى بنص خاص فالمادة 276 م وع تخول إذن الدائن ممارسة الدعوة المدنية نيابة عن مدينه فيما إذا تقاعس عن إقامتها أو متابعتها وذلك ضمانا لحقوقه الشخصية من خلال تعزيز ذمة مدينه المالية والتي له عليها حق ارتهان عام ويثير الاستثناء الوارد في المادة 176 م وع وتقابلها 1122 ق م فرنسي لجهة الدعاوي المتعلقة بشخص المدين واشتراط حصول الضرر الشخصي والمباشر من الجرم (المادة 02 أصول جزائية فرنسي) صعوبات في قبول الدعوة المدنية من قبل الدائن فيما إذا كان الجرم قد أصاب نفس أو جسد المدين دون ماله ولأن الضرر اللاحق بالدائن لا يتصف بالضرر الشخصي الناتج مباشرة عن الجرم.
فبعد أن قبلت محكمة التمييز الفرنسية دعوى الدائن نيابة عن مدينه بسبب الجرم الواقع على مال هذا الأخير عادت فرفضتها ما لم يثبت الدائن ضررا شخصيا مباشرا حل به وذلك تطبيقا لنص المادة 02 أصول جزائية فرنسي.
ومن شروط قبول الإدعاء الشخصي أمام القضاء الجزائي أنه لا يعد شاكليا مدعيا شخصيا إلا إذا اتخذ صفة الإدعاء الشخصي صراحة في الشكوى أو في تصريح خطي لاحق أو أدعى في أحدهما بتعويضات شخصية، وعليه أن يجعل النفقات وفقا لإحكام قانون تحصيل الرسوم والنفقات القضائية ولكن يعفه منها إذا كان معسرا أو إذا كان الجرم جناية أما إذا كان أجنبيا فيلزم بتقديم كفالة.
2. المدعي عليه: ما يهم المدعي الشخصي من تقديم دعواه هو الوصول إلى التعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء الجرم موضوع الملاحقة فالإدعاء يتم إذن بوجه فاعل الجرم والمساهمين في حدوثه من شركاء ومحرضين ومتدخلين أما إذا كان الفاعل قاصرا أو مجنونا أو معتوها فإن الإدعاء يوجه إليه وإلى المسؤول بالمال، إلى الشخص الذي يتحمل موجب التعويض عن أعمال عديم الأهلية إذن فإن دعوة المسؤولين بالمال في الدعوة الجزائية ممكنة كي يتحمل الالتزامات المدنية إذ طلب المدعي الشخصي ذلك ولم يحدد القانون المحاكمات الجزائية بصورة مفصلة من هم المسؤولون بالمال فالمادة 43 من قانون حماية الأحداث المنحرفين حددت بالنسبة للقاصر الأشخاص الذين يدعون لحضور محاكمته وهم وليه أو الشخص المسلم إليه ولم تذكر صراحة أنهم يدعون للحكم بوجههم بالتعويض المترتب من جراء الجرم المرتكب من القاصر.
لقد أعطى المشرع ضمانة المدعي في تحصيل التعويض المترتب له من جراء الأضرار اللاحقة به بأن قرر مبدأ التضامن بين فاعلي الجرم والشركاء والمتخلين من جهة الالزامات المدنية فنصت المادة 141 من قانون العقوبات على أن موجب الرد لا يتجزأ ويتحمل الإلزامات المدنية الأخرى بالتضامن جميع الأشخاص الذين حكم عليهم من أجل جريمة واحدة، فإذا نشأ الضرر عن عدة أشخاص فالتضامن السلبي يكون موجودا بينهم إذا كان هناك اشتراك في العمل أو إذا كان من المستحيل تعيين نسبة ما أحدثه كل شخص من ذلك الضرر.
والضمان وجد أصلا كي يقوم الضامن بحمل عبء التعويض على المتضرر الذي يمكن أن يحكم به على المضمون. وبالتالي التعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء العمل الذي أتاه المضمون وضمن حدود عقد الضمان الذي التزم به الضامن بموجبه بالتعويض على المتضرر ويصبح حق المتضرر من الفعل الجرمي مؤمنا عليه بمعنى توفر الملاءة لدى من سيحكم عليه بالتعويض غما شخصيا وإما من خلال تعهد الضامن وبالتالي فإن حقوق المدعي الشخصي في الدعوة الجزائية تكون مؤمنة بالقدر الذي يخول المطالبة بهذه الحقوق بأسهل الطرق وأقصرها بغية تحقيق موجب التعويض.


الخاتمة:
للإنسان في حياته اليومية حقوق وواجبات ضمنها له الدستور والقانون والأعراف، فيجب عليه أن لا يتعداه وإلا ترتبت عليه جزاءات، فالإنسان العادي (BPF) لا يمكن مساءلته لأنه يقوم ويدرك ما يقوم به هو مجرم أم لا أو أن فعله سيترتب عليه آثارا قانونية عاجلا أم آجلا. أما الإنسان غير السوي فأحيانا ينقص لديه جانب الإدراك أو العلم بما يقوم به أو أنه يكون جاهلا للقانون، فهو بصفته عنصر يؤثر ويتأثر لمحيطه الاجتماعي.
فمسؤولية الفرد تبدأ عندما يرتكب خطأ ينجر عنه ضرر للغير وتوجد بينهما علاقة سببية تربطهما فالمشرع الجزائري ومختلف القوانين الأخرى عملت على ضمان امن المساس بالأفراد وممتلكاتهم من أجل حمايتهم من أي مؤثر خارجي، فقانون العقوبات الجزائري أوجد المسؤولية الجزائية التي إن توفرت أركانها سئل الفرد جزائيا وذلك يسلبه من حريته أو تغريمه بغرامة مالية تتناسب مع حجم الخطأ لذا قسمت الجرائم إلى مخالفات وجنح وجنايات، والقانون المدني الجزائري اهتم بالقضايا المدنية والمعاملات التي تتم بين الأفراد، ولأن القاعدة القانونية وضعت أصلا لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع.
والمسؤولية المدنية وضعت لتفرض على الإنسان تعويض نتيجة عمله الضار من خلال أخطائه أو رعونته أو إهماله. فالشخص مسئول على تصرفات الآخرين أو الموضوعين تحت تصرفه أو سلطته سواء كانت تلك السيطرة قانونية أو مادية لتترتب عنه تعويض للمضرورين في حال إثبات خطأ الشخص ويمكن لهذا الأخير نفي هذه المسؤولية بكل الطرق والإثبات التي يمكنها أن تنفي عنه هذه المسؤولية.








 الكـــتـب :



 قانون موجيات و عقود الجزائرية
 القانون المدني الجزء الثاني المسؤولية المدنية الدكتور مصطفى عوجي
 دراسات المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري للدكتور علي سليمان أستاذ بمعهد الحقوق جامعة الجزائر .الطبعة الثانية
 الوسيط للشهوري ج 01 ص 1242 بند 735
 مصادر الإلتزام للدكتور سليمان مرقس ص 657 بند 494
 مصادر الإلتزام للدكتور عبد المنعم ص 562 بند 517










قديم 2011-04-16, 15:27   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخي ياسين على هذا الموضوع.










قديم 2011-04-21, 22:35   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-05-18, 17:35   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
nebegahmed03
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووورين










قديم 2011-08-29, 16:58   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
معمر لعماري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على المجهود القيم وتقبل الله صيامكم وقيامكم وعيدكم مبارك










قديم 2011-08-29, 21:26   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










M001 رد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معمر لعماري مشاهدة المشاركة
شكرا على المجهود القيم وتقبل الله صيامكم وقيامكم وعيدكم مبارك
شكرا لك على الرد الجميل و اتمنى ان يعجبك الموضوع، عيدك مباراك









قديم 2011-09-02, 10:56   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
اماني1984
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله الف خير










قديم 2012-10-03, 07:31   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
romaine_ro
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخي










قديم 2012-11-25, 16:33   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*البنت الدلوعة*
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاااك الله خيرااا.....................









 

الكلمات الدلالية (Tags)
المدنية, المسؤولية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:48

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc