في لحظة قبض الروح تأتي البشرى للمؤمن برضوان الله وجنته؛ قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) [فصلت:٣٠]، قال الإمام ابن رجب رحمه الله: (يبشر بذلك عند موته، وفي قبره، ويوم يبعث، فإنه لفي الجنة، وما ذهبت فرحة البشارة من قلبه) وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه» فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال: «ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه» [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
والمراد بمحبة لقاء الله في هذا الحديث هو ما يقع للمؤمن حال احتضاره ومعاينته من البشارة والطمأنينة ما لم يكن يعاين، فيحب لقاء الله عز وجل، ويحب الله عز وجل لقاءه، والكافر إذا رأى ما هو مقدم عليه من النكال؛ كره لقاء الله عز وجل، ويكره الله عز وجل لقاءه.
عباد الله: ليس الموت عدما أو نهاية، بل الناس يتفاوتون فيه تفاوتا عظيما في السعادة والشقاء، ثم إنهم يبقون في قبورهم على ذلك إلى أن يأذن الله بنشر الناس وبعثهم، فيجمعون في أرض بيضاء نقية لم يعمل فيها معصية حتى يقضي الله بينهم؛ قال الله تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون * ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون) [الزمر:٦٨-٧٠].
في اليوم الموعود ينفخ في صور عظيم على وجه لا يعلم حقيقته إلا الذي خلقه، وهذه الصعقة التي يموت بها الأحياء إلا من شاء الله، ثم يقبض أرواح من بقي، حتى يكون آخرهم ملك الموت، (ثم نفخ فيه أخرى ) نفخة البعث، (فإذا هم قيام) من قبورهم كاملي الخلقة، ينظرون إلى أهوال يوم القيامة.
ويتجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء، وتنشر صحف الأعمال، وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر، ولا يظلمون شيئا، (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) [الشورى:٧].