محاضرات قيمة و شاملة للقاضي أشرف
محاضرات
في
القانون الدولي الإنساني
وحقوق الإنسان
إعداد وتجميع
القاضي
أشرف رفيق نصر الله
2009
بسم الله الرحمن الرحيم
القانون الدولي الإنساني
تعريفه:
القانون الدولي الإنساني ،ويسمى أيضا قانون النزاعات المسلحة أو قانون الحرب، هو جملة القواعد التي تحمي في زمن الحرب الأشخاص اللذين لايشاركون في الأعمال العدائية،أو اللذين كفوا عن المشاركة فيها . وتتمثل غايته الأساسية في الحد من المعاناة البشرية ودرئها في زمن النزاعات المسلحة.
كذلك عرفه الأستاذ جان بيكته "فرع مهم من فروع القانون الدولي العام يدين بوجوده للإحساس ب إنسانية ويركز على حماية الفرد" .
وهناك تعريف أخر للدكتور عامر الزمالي بان القانون الدولي الإنساني "فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية ولا مكتوبة إلى حماية الأشخاص المتضريين في حالة نزاع مسلح بما انجر عن ذلك النزاع من الأموال التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية" .
وانطلاقا من هذا التعريف يتبين لنا هدف هذا القانون ونطاق تطبيقه .وإذا قلنا انه فرع من فروع القانون الدولي العام فانه يخضع من حيث الشكل على الأقل للقواعد التي تحكم بقية فروع القانون الدولي ،خاصة مايتعلق بإعداد النص القانوني وصياغته ومناقشته وتوقيعه والمصادقة عليه،أما إذا كانت القاعدة عرفيه فمعنى ذلك أنها تنطوي على العنصرين التقليديين وهما الممارسة الفعلية التي دأبت عليها الدول من جهة ونية قبول تلك الممارسة من جهة أخرى.
1 -المرجع /منشورات اللجنة الدولية للصليب الاحمر
2-الاستاذ جان بيكته/نائب رئيس اللجنة الدوليةللصليب الأحمر،محاضرة بجامعة جنيف
3-الدكتور عامر الزمالي/مستشار شئوون المغرب العربي والشرق الاوسط من اللجنة الدولية والصليب الاحمر.
4-المرجع/مدخل الى القانون الدولي الانساني/د.عامر الزمالي/منشورات المعهد العربي لحقوق الانسان واللجنة الدوليه للصليب الأحمر 1997.
وإذا كان هذا القانون يهدف إلى حماية أشخاص وأموال وأماكن محددة،وهذا نطاقه الموضوعي ،فانه يكون ساري الأحكام زمن الحرب أو بتعبير أخر إثناء نشوز نزاع مسلح وذلك خلافا لقوانين حقوق الإنسان التي تطبق زمن السلم ويمكن تعليق بعضها زمن الحرب .
نشأة وتطور القانون الدولي الانساني
يعتبر التعبير القانون الدولي الإنساني تعبيرا حديثا جدا ،إذ يرجعه بعضهم لسبعينات من هذا القرن ولكنه بدون شك هو ولادة قواعد قديمة.
ونحن إذ نعتقد بقدم قواعد هذا القانون حيث إن أصولها أقدم بكثير من البلاغ أميركي المشهور حول قواعد الحرب البرية لعام 1863م .
ومن الخطأ الزعم بأن تأسيس الصليب الأحمر في عام 1863 ، أو اعتماد اتفاقية جنيف الأولى لعام 1864، كانا نقطة البداية في تشييد صرح القانون الدولي الإنساني كما نعرفه اليوم. فكما لا يوجد مجتمع لا تحكمه قواعد، لم توجد قط حرب لا تحكمها قواعد ، أيا كانت درجتها من الوضوح.
إن عادات الحرب لدى الشعوب البدائية تعبر في جملتها، عن أنواع من القواعد الدولية التي تحكم الحرب في الوقت الحاضر، ومن ذلك القواعد التي تميز بين فئات الأعداء، والقواعد التي تحدد ظروف ومراسم بدء الحرب وإنهائها والسلطة التي تملك إعلان الحرب ووقفها، والقواعد التي تحدد الأشخاص الذين يشاركون فيها والأوقات والأماكن التي يجوز شنها فيها، أو التي تفرض قيودا على طرق القتال. بل والقواعد التي تحرم الحرب كلية.
وقد سنت الحضارات الكبرى، قبل التاريخ الميلادي بآلاف من السنين، القوانين الأولى للحرب " إنني أسن هذه القوانين كي أمنع القوي من الجور على الضعيف.
( حامورابي ملك بابل ) .
الدين الإسلامي مثلا لا يقر الحرب إلا كضرورة مفروضة ، وقد وضع لهذه الحرب قواعد صارمة لجعلها أكثر إنسانية. فللمسلم أن يقتل المحاربين أو من يعينون على الحرب فقط . لذلك لا يجوز له قتل المرأة أو الطفل أو الشيخ الفاني أو الأعمى أو القعيد ونحوهم عن بريدة قال "كان رسول الله "ص"عليه وسلم إذا أمر على جيش أو سريه أوصى القائد في خاصته لتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا ثم قال "انطلقوا بسم الله على بركة الله ورسوله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلو "أي لاتخونو"وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين وفي رواية أخرى ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا".ونهى الرسول عن المثلة بقوله "إياكم والمثلة ولو بالكلب المعقور"
وانطلاقا من سنن رسول الله "ًص"عليه وسلم أصدر خليفة رسول الله أبو بكر الصديق رضي الله عنهم ما يمكن تسميته بالبلاغ العربي الإسلامي الخاص بقواعد الحرب قبل ألف ويزيد من السنين عن البلاغ الأمريكي المشهور .
وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد" إن أبو بكر بعث جيوشا إلى الشام فقال ليزيد بن أبي سفيان "انك ستجد قوما زعموا أنهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له واني أوصيت بعشر:لاتقتل امراءة ،ولا صبيا، ولا كبيرا، ولا هرما ، ولا تقطف شجرا مثمرا ، ولا تخربن عامرا ، ولا تعقرن شاه ولا بعيرا إلا لمأكله ، ولا تخربن نخلا ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن".
كذلك أمر الإسلام بالرفق أسرى في زمن لم يكن فيه للرفق بالأسرى وجود على الأقل. فقد حرص النبي "ص"على الرفق بالأسير والوصاية به وكان يقول "استوصوا بالأسارى خيرا"، وقال تعالى في وصف المؤمنين "ويطمعون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" ، كما أوصف الرسول "ص" أصحاب يوم بدر أن يكرموا الأسرى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الطعام.
من ذلك يتبين لنا من ان الشريعة الإسلامية أرست نظاما قائما على أخلاق الفضيلة وعلى الإنسانية ويشمل كافة الأحكام والضوابط الخاصة بالقتال وبمعاملة أسرى وجرحى الحرب المدنيين.
إن الشريعة الإسلامية إذ أرست تلك الضوابط وأحكام إنما أكدت على ذلك في وقت لم يكن فيه أي ضابط يحد من سلوك المتحاربين. ولذا فهي بحق وضعت قواعد ونظام سامي ،ويتضح هذا النظام في القيود التالية التي يجب الالتزام بها عند المسلمين في قتالهم مع الأمم الأخرى:-
1-ألا يقاتل غير مقاتل.
2-الا يتلف او يمس من الموال ما ليس له قوة مباشرة في الحرب وفي حدود ضروراتها.
3- وجوب احترام مبادئ الإنسانية والفضيلة أثناء الحرب .
4-ايجازة الامان في ميدان القتال منعا لاستمرار القتال كليا او جزئيا ما ان أمكن
5-حسن معاملة أسرى الحرب وضرورة تسهيل فك أسرهم .
6-احترام المنشات المدنية والدينية.
7-انطباق هذه القواعد والضوابط علة شتى انواع النزاعات المسلحة.
في ضوء ما تقدم ليس مبالغة اذا قررنا ان الإسلام قبل مئات السنين أرسى من القواعد ما لم نتوصل في عالمنا اليوم الى إقرار بعضه إلى بعد جهد جهيد ومساعي استمرت أجيالا بأكملها وهذه حقيقة يجب ان تسجل للتاريخ.
وعندما بدأت قواعد القانون الدولي التقليدي في الظهور في القرن السابع عشر سنة 1648م لم تكن هناك قيود على أساليب القتال بين الدول المتحاربة سوى تلك القيود التي أوردها بعض المحاربين ، وذلك بوقف أعمال السلب والنهب في المدن ومنح النساء وأطفال نوعا من الحماية.
ودون شك فان الكثير من القواعد التي جرى عليها التعامل و أوصت بها الإنسانية أو أمر بها الدين والشرف وحسن الخلق قد اكتسبت فيما بعد صفة إلزام بجريان العرف بها أو النص عليها ضمن معاهدات.الا ان الكثير من تلك القواعد ايضا ظلت في حكم القواعد أخلاقية التي تفتقر الى الجزاء .
على ان العمل الكبير الذي تحقق على مستوى عالمي تمثل في اتفاقية جنيف لعام 1864م لتحسين احوال جرحى الحرب ، وتلاها دستور اتحاد السويسري عام 1874م .
وتعتبر اتفاقية جنيف لعام 1864م ذات مغزى خاص على الرغم من العيب الكبير فيها ، وهوانها لم تتضمن عقوبات محددة لمعاقبة الجرائم الواردة فيها. لكنها أرست اسس القانون الدولي المعاصر وكان من أهم ما اتسمت :-
1 - قواعد مكتوبة ودائمة لحماية ضحايا النزاعات تطبق على نطاق العالم.
2 - أنها معاهدة متعددة الأطراف مفتوحة أمام جميع الدول.
3- وجوب تقديم الرعاية دون تمييز للجرحى والمرضى العسكريين.
4- احترام أفراد الخدمات الطبية ووسائط النقل والمعدات الطبية ووسمها بشارة مميزة (صليب احمر على أرضية بيضاء).
غير ان الفضل يعود في وضع هذه الاتفاقية الى رجل سويسري من أهل جنيف هو هنري دونان والذي شاء له القدر ان يشهد ما تركته حرب سولفرينو في ايطاليا التي اندلعت بين جنود نابليون الثالت وجيوش ماكسيمليان النمساوي عام1859م ، من اثار مدمرة ،وهاله بصورة خاصة رؤية الجرحى الذين يموتون دون عناية وإسعاف من جراء نزف دماهم وهم يستنجدون ولا منجد.
وقد تاثر هذا الرجل فكتب كتابا اسماه "ذكرى سولفرينو" الذي نشر في عام 1862م ، وحصل على اثره على جائزة نوبل للسلام عام 1901م على شخص اخر فرنسي".
كانت دعوة دونان تهدف الى إنشاء جمعيات لإسعاف الجرحى في الحرب وقد ايدها كثيرون ، وعارضها آخرون .
قام هنري بزيارة برلين وبتروغراد وفينا وميونخ وباريس وكانت محصلة جهوده عام 1864م هي موافقة ستة عشر دولة ، وأربعة جمعيات إنسانية على السير في مشروعه الرامي على إنشاء لجنة إنسانية.
وايضا ،كان هناك شخص اخر لعب دور جوهري مع هنري دونان في نشاة القانون الدولي الانساني المعاصر وهو الجنرال هنري دو فور حيث بادر الى تقديم الدعم المعنوي الى دونان.
وقامت فرنسا بالمبادرة الى عقد مؤتمر دولي في بيرن بسويسرا ، وقد عقد المؤتمر في 8 اب 1864م وفي نهايته توصل المؤتمرون بعد جهود مضينة الى عقد اتفاقية بتاريخ 22 اب 1864م سميت باسم اتفاقية لتحسين حالة العسكريين الجرحى ،و بهذه الاتفاقية انتقل القانون الدولي الإنساني من الشراع السماوية والأعراف الى صلب معاهدة دولية .
وخلال السنوات القليلة التي تلت ابرام اتفاقية جنيف لعام 1864م اندلعت عدت حروب شرسة من أبرزها حرب شلزويغ ، وحرب بروسيا ضد النمسا عام 1866م ، وحرب فرنسا ضد بروسيا عام 1870م ، وكانت كلها مناسبات أظهرت محاسن هذه الاتفاقية بقدر ما أظهرت نواقصها .
لكن هذا اصلاح لم يتم الى حين توجت المساعي بعقد معاهدة لاهاي لعام 1899م بشان قوانين و اعراف الحرب البرية وتطويع مبادئ اتفاقية جنيف لعام 1864م لتشمل الحرب البحرية ثم تلتها اتفاقية جنيف لعام 1906م.
وتنص اتفاقية جنيف لعام 1906م على حماية جمعيات المتطوعين المعترف بها والمصرح بها من جانب الحكومات على ان تخضع للقوانين والأنظمة العسكرية ،وعلى تقديم قوائم قتلى الى جانب الأخر ، بواسطة الصليب الأحمر ، وعلى ضرورة حماية حماية الجرحى والقتلى من السلب وسوء المعاملة.
في عام 1929م غقد مؤتمر دبلوماسي في جنيف قام بوضع ثلاث اتفاقيات خاصة بحماية حتى بالحرب من العسكريين وهذه الاتفاقيات هي :
الاتفاقية الأولى : وهي خاصة بتحسن احوال الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان ، وقد جاء تعديلا للاتفاقيات الخاصة بهم من قبل وهي اتفاقية جنيف لعام 1864 و تعديلاتها في عام 1960م.
الاتفاقية الثانية : وهي خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى من القوات البحرية وقد جاءت تعديلا لاتفاقيتي لاهاي لعام 1899 و 1907م.
الاتفاقية الثالثة : وهي خاصة بعاملة أسرى الحرب وتضمنت نصوص اتفاقيات لاهاي الخاصة بأسرى الحرب لعامي 1899 و 1907 م.
بعد وضع هذه الاتفاقيات الثلاث نشبت الحرب العالمية الثانية ، تقرر إجراء مفاوضات على مستوى عالمي لمراجعة النكبات والحد من ويلات الإجرام الدولي إلى أن تم إبرام أربع اتفاقيات في جنيف عام 1949م وهي تتضمن القسم الأعظم من قوانين الحرب في الوقت الحاضر وهم :_
الاتفاقية الاولى : خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان.
الاتفاقية الثانية : خاصة بتحسين أحوال المرضى والجرحى من أفراد القوات المسلحة البحرية.
الاتفاقية الثالثة : خاصة بمعاملة أسرى الحرب .
الاتفاقية الرابعة : خاصة بحماية المدنين أثناء الحرب .
وفي الوقت الذي وجدت فيه اتفاقيات جنيف الأربع محلا للتطبيق فانها خرقت أحيانا أخرى، كما أن عبقرية الإنسان في القتل والتدمير والتخريب وابتداع وسائلها أثبتت من خلال الحروب التي شهدناها منذ عام 1945 أوجه القصور والنقص في نصوص الاتفاقيات ذاتها ولا سيما ما يتعلق منها بأحكام الحماية الخاصة بضحايا الحرب من المدنيين .
لذلك برزت فكرة تطور قانون جنيف واستكماله بأحكام جديدة مكملة له، وبعد عقد عدة مؤتمرات تم اقرار وثيقتان جديدتان وهما :-
1- البروتوكول الاضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 بشأن حماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية ويقع في 102 مادة .
2- البروتوكول الاضافي الثاني لاتفاقيات جنيف بشأن حماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية ويقع في 28 مادة .
لم تتوقف المساعي لتطوير القانون الدولي الإنساني عند اقرار البروتوكولين الاضافيين عام 1977 بل تواصلت الى حين اقرار ما يسم بنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في 17 تموز 1998 .
المحكمة الجنائية الدولية تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء. تعمل هذه المحكمة على إتمام الأجهزة القضائية الموجودة، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير. فالمسؤولية الأولية تتجه إلى الدول نفسها، كما تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو/تموز 2002، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.
وهي منظمة دولية دائمة، تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة – وهي ثقافة قد يكون فيها تقديم شخص ما إلى العدالة لقتله شخصا واحدا أسهل من تقديمه لها لقتله مئه ألف شخص مثلاً، فالمحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفضائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري.
بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 105 دول حتى تشرين الثاني نوفمر 2007، وقد وقعت 41 دولة أخرى على قانون روما لكنها لم تصادق عليه بعد، وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول منها الصين والهند وأمريكا وروسيا، وهي من الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة.
تعد المحكمة الجنائية هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة، من حيث الموظيفين والتمويل، وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.
وقد فتحت المحكمة الجنائية تحقيقات في أربع قضايا: أوغندة الشمالية وجمهورية الكونغو الديمقراطية والجمهورية الأفريقية الوسطى ودارفور. كما أنها أصدرت 9 مذكرات اعتقال وتحتجز اثنين مشتبه بهما ينتظران المحاكمة.
يقع المقر الرئيس للمحكمة في هولندة، لكنها قادرة على تنفيذ إجراءاتها في أي مكان. وقد يخلط البعض ما بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والتي تدعى اختصاراً في بعض الأحيان المحكمة الدولية (وهي ذراع تابع للأمم المتحدة يهدف لحل النزاعات بين الدول)، لذلك لابد من التنويه إلى أنهما نظامان قضائيان منفصلان.
طبيعة القانون الدولي الإنسان
إن عبارة القانون الدولي الإنساني بحد ذاتها مطلقة، ولو أخذت على إطلاقها فإنها تشمل قواعد القانون الخاصة بالإنسان في كل حال.
والقانون الدولي الإنساني تطور في الأزمنة الحديثة بحيث أصبح في بعض الحالات يخاطب الإنسان مباشرة بحقوق وواجبات معينة، مما حمل بعض الكتاب على القول أنه لم يعد قانون الدول والمنظمات الدولية فحسب بل غدا أيضا قانون الفرد، وأن الفرد أصبح في ظله يتمتع بشخصية قانونية رغم ما قد يقال من عدم اكتمالها.
لقد تضمنت الاتفاقيات الإنسانية الدولية الأربعة لعام 1949 لأول مرة تعدادا للجرائم الخطيرة والانتهاكات الجسيمة التي التزمت الدول الموقعة بسن تشريع لمعاقبتها، كما أوجبت على هذه الدول معاقبة اي جريمة أخرى من جرائم القانون الدولي .
والجرائم الخطيرة هذه ثلاث عشر جريمة ورد النص عليها في المادتين 50 و 53 من الاتفاقية الأولى والمادتين 44 و51 من الاتفاقية الثانية، والمادة 130 من الاتفاقية الثالثة ، والمادة 147 من الاتفاقية الرابعة وقد صنفت هذه الجرائم في الفئات التالية :-
أولا : الجرائم الواردة في الاتفاقيات الأربعة .
1 – القتل العمد.
2- التعذيب .
3 – التجارب البيولوجية .
4 – إحداث ألام كبيرة مقصودة .
5 – إيذاءات خطيرة ضد السلامة الجسدية والصحية.
6 – المعاملة غير الإنسانية .
ثانيا : الجرائم الواردة في الاتفاقيات الثلاث الأولى .
7 – تخريب الأموال وتملكها بصعوبة لا تبررها الضرورات العسكرية والتي تنفذ على مقياس غير مشروع وتعسفي .
ثالثا : جرائم وردت في الاتفاقيتين الثالثة والرابعة .
8- إكراه شخص على الخدمة في القوات المسلحة العسكرية لدولة عدوة لبلاده.
9 – حرمان شخص محمي من حقه في محاكمة قانونية وحيادية حسبما تفرضه الاتفاقيات الدولية.
10 – إقصاء الأشخاص ونقلهم من أماكن تواجدهم بصورة غير مشروعة.
11 – الاعتقال غير المشروع .
12 – اخذ الرهائن .
رابعا : جريمة وردت في الاتفاقيتين الأولى والثانية.
13 – سوء استعمال علم الصليب الأحمر أو شارته أو الأعلام المماثلة.
وقد ذكرت هذه الجرائم صراحة في الاتفاقيات لخطورتها (اولجسامتها) في نظر أرباب هذه الاتفاقية حين توقيعها في 12 أب 1949 . وقد أثبتت تجارب النزاعات المسلحة التي شهدتها البشرية منذئذ أن جرائم أخرى ارتكبت بحق الإنسان خلال تلك النزاعات بما يجعلها تستحق التصنيف في عداد الجرائم الخطيرة، باعتبار أن ما عدد من هذه الجرائم في الاتفاقيات كان على سبيل التمثيل وليس الحصر.
وقد تولى اللحق الأول الذي أقره المؤتمر الدبلوماسي ي دورته الرابعة مهمة التصنيف هذه في مادتيه 11 و 85 وبموجبها أضحت الانتهاكات التالية جرائم خطيرة تضاف الى الانتهاكات الثلاثة عشر التي أوردتها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وذلك اذا ارتكبت عن عمد وسببت وفاة أو أذى بالغا بالجسد او بالصحة:
1 – جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفا للهجوم .
2 – شن هجوم عشوائي يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية .
3 – شن هجوم على الأشغال الهندسية او المنشآت التي تحوى قوى خطرة.
4 – اتخاذ المواقع المجردة من وسائل الدفاع أو المناطق المنزوعة السلاح هدفا للهجوم .
5 – اتخاذ شخص ما هدفا للهجوم عن معرفة بأنه عاجز عن القتال.
كذلك أضيفت الانتهاكات التالية كانتهاكات جسيمة إذا اقترفت عن عمد مخالفة للاتفاقيات أو اللحق :
6 – قيام دولة الاحتلال بنقل بعض سكانها المدنيين الى الأراضي التي تحتلها أو ترحيل أو نقل كل أو بعض سكان الأراضي المحتلة داخل نطاق تلك الأراضي، وقد أضيفت هذه الجريمة خاصة لمواجهة تصرفات سلطات الاحتلال الإسرائيلي ( ومع ذلك ضربت سلطات الاحتلال الإسرائيلية ضربت بهذا النص عرض الحائط وما تزال ماضية في طرد سكان الأراضي المحتلة وتهويدها ).
7. كل تأخير لا مبرر له في إعادة أسرى الحرب أو المدنيين إلى أوطانهم.
8. ممارسة التفرقة العنصرية وغيرها من الأساليب المبنية على التمييز العنصري والمنافية للإنسانية والمهينة والتي من شأنها النيل من الكرامة الشخصية.
9. شن الهجمات على الآثار التاريخية وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي يمكن التعرف عليها بوضوح والتي تمثل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب.
وهكذا أضاف هذا اللحق تسع جرائم جديدة الى قائمة الجرائم الخطيرة أو المخالفات الجسيمة بحيث تصبح الآن 22 جريمة خطيرة.
على ان أهم ما جاء به هذا اللحق لاتفاقيات جنيف الأربعة هو ما ورد في الفقرة الخامسة من المادة 85 إذ اعتبر الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات ووللحق بمثابة جرائم حرب مع عدم الاخلال بتطبيق هذه المواثيق .
هناك أربع جرائم كبرى لا يحاسب القانون الدولي عليها وحسب بل ويخضع مرتكبوها للاختصاص القضائي الدولي وهذه الجرائم هي :
1- الجنايات ضد السلام .
2- جنايات الحرب .
3- الجنايات ضد الإنسانية.
4- المؤامرة لارتكاب واحدة من الجرائم الثلاث السابقة .
ويرجع أصل تلك الجرائم الى القواعد العرفية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر ثم في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899و1907 .